الاثنين، 24 يوليو 2023

مسيرة الأعلام الصّهيونيّة بين هشاشة السّيادة وخطورة التّمرير

 

مسيرة الأعلام الصّهيونيّة بين هشاشة السّيادة وخطورة التّمرير

مجدّدًا تعلن ما تُعرَف بجماعات الهيكل بالشراكة مع عددٍ من منظّمات اليمين الصهيوني عن تنظيم مسيرة أعلام ليليّة في مدينة القدس يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهرنا الجاري يوليو “تموز” من عام 2023م، وتطلق على مسيرة الأعلام المزمعة عنوان “حولَ أسوار عاصمتنا الأبديّة والموحّدة ذات السّيادة”.

وتأتي مسيرة الأعلام هذه المرّة تحت ستار ما يعرف بإحياء ذكرى خراب الهيكل، وتمتدّ الذّكرى لهذا العام على حسب التقويم الميلادي من مساء يوم السادس والعشرين إلى ليل السابع والعشرين من تموز “يوليو”، وهي الذكرى التي يزعم فيها اليهود خراب هيكل سليمان الأول والثاني، وتعدّ عندهم يوم حزن وإذلالٍ للّنفس، وتكون جميع أماكن اللّهو والاستجمام مغلقة، وتنتهي طقوسه بالصّلوات عند حائط البراق الذي يسمّونه حائط المبكى، ويفرض فيها الصيام مع حلول غروب شمس اليوم الأوّل ويمتد خمسًا وعشرين ساعةً، ويُحظَر عليهم خلال ساعات الصيام الأكل والشّرب بشكل تامّ كما يُحظَر عليهم ممارسةُ أيّ عمل يوصف بالتمتع أو يهدف إليه، ويفرض عليهم كذلك إظهار طابع الحزن على أحوالهم في حياتهم مثل عدم لبس الملابس الجديدة، وعدم الضّحك أو التبسّم، والجلوس على الأرض وعدم إظهار أي نوع من الرفاهية، ويتزاورون فيما بينهم بلباس رثٍّ أو من الصوف، ومن طقوس هذه اللّيلة قراءَة سفر مراثي إرميا، وفي صباح اليوم التالي تُقرَأ في الكنيس قصيدة رثائيّة يتلونها بأنغام بكائيّة حزينة وتسمى كينوت.

أمّا مسار مسيرة الأعلام فسيكون على النّحو الآتي؛ تنطلق المسيرة المزمعة في تمام الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة ليلًا من يوم الأربعاء السادس والعشرين من يوليو “تموز”، وتهدف إلى تحقيق التجول بالأعلام الصهيونية حول البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلّة، فتبدأ من “حديقة الاستقلال” غرب البلدة القديمة في القدس، وتتوجه منها مباشرة إلى الباب الجديد ثم إلى أبواب الزاهرة والعمود والأسباط لتنتهي بالدخول إلى البلدة القديمة من باب المغاربة وصولًا إلى ساحة البراق.

المُلاحظ في مسار المسيرة المزمعة أنّه يأتي مطابقًا بشكل تام لمسيرة الأعلام السنوية التي ينظمها الصهاينة في الذكرى العبرية لاحتلال القدس؛ والتي تمت هذا العام يوم الثّامن عشر من شهر مايو “أيّار”، وهذا يؤكّد أنّ الصّهاينة يعمدون إلى استغلال هذه الذّكرى التوراتيّة وجعلها مرتكزًا جديدًا لتكثيف عمليّات العدوان على القدس والمسجد الأقصى تحت شعارات بناء الهيكل وتكريس السيادة.

هشاشة السّيادة

هل سمعتم أنّ دولةً في العالم تطلب من مواطنيها رفع أعلامهم في مسيرات داخل عاصمتهم لتكريس السّيادة عليها؟ تخيّلوا أن تطلب الولايات المتحدة الأمريكيّة من مواطنيها أن يسيروا رافعين الأعلام في ساحة الحريّة في واشنطن لتأكيد السيادة الأمريكية عليها؛ كم سيبدو الأمر مثيرًا للضحك؟ وكم سيبدو مثيرًا للسخرية لو أنّ الحكومة البريطانية دعت المواطنين البريطانيين إلى التجوّل في شوارع لندن لينتهي بهم المطاف في الهايد بارك حاملين الأعلام البريطانيّة لتأكيد سيادة بريطانيا على العاصمة لندن؟ بل كم سيبدو مثيرًا للشفقة والسخرية لو أنّ أضعف دولةٍ في العالم فعلت ذلك في عاصمتها؟

إنّ الإعلان المتكرّر من الجماعات الصّهيونيّة لمسيرة الأعلام وتبنّي الحكومة لها ومشاركة وزراء وأعضاء في الكنيست بها، وإعلانها دومًا تحت عناوين تكريس السيادة الصّهيونيّة على القدس يؤكّد مدى شعور الصّهاينة بهشاشة سيادتهم على المدينة المقدّسة، وهو تعبير سلوكيّ عن استبطان فقدان السيادة معنويًّا ونفسيًّا عند قيادة الكيان الصهيوني وجيشه ومستوطنيه على حدّ سواء.

على الرّغم ممّا تحاول مسيرة الأعلام تقديمة من صورة قوّةٍ وسيادةٍ على القدس المحتلة من خلال رفع الأعلام الصّهيونيّة والتجول بها في مشهد استعراضيّ في أنحاء المدينة إلّا أنّها لا تستطيع إخفاء الخوف المعشّش في نفوس هؤلاء المشاركين فيها ومَن خلفهم مِن المنظمين والدّاعمين؛ الخوف من فقدان السيطرة الهشة، والخوف من ظهور أي فعل مقاوم، والخوف من صاحب البيت المسروق، والخوف من المجهول، خوف الظالم من المظلوم، وخوف السّارق من مالك المسروق، وخوف المجرم المتجول حول مكان جريمته، وإنّك لتستشعر حقيقة قول الله تعالى في تحقّق الخوف النفسيّ والسلوكيّ فيهم، في سورة البقرة: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”

خطورة التّمرير

مع كلّ ما تعنيه مسيرة الأعلام الصّهيونيّة من معاني الهشاشة والخوف الصهيونيّ المستبطن إلّا أنّ هذا لا يقلّل من خطورتها وأنّها جولةٌ كبيرةٌ وخطيرةٌ من جولات معركة السيادة على القدس والمسجد الأقصى المبارك.

أجل إنّ المعركة اليوم على المسجد الأقصى المبارك وعلى مدينة القدس هي معركة فرض السيادة، وماهية المعركة تفرض على الأمة الإسلاميّة بشرائحها المختلفة أن تكون جزءًا من المعركة لا أن يكون أهل القدس أو أهل فلسطين هم أهل المعركة وعموم الأمة تمارس دور المتضامن عن بعد.

تكمن الخطورة في وصول المسلمين إلى التطبيع النفسي مع مشاهد مسيرة الأعلام أو اقتحامات الأقصى أو الصلوات الملحميّة في أنحائه أو الصّلوات عند حائط البراق؛ فتمرّ عند رؤيتها مع يسيرٍ من التأثّر والحوقلة ثمّ تغيب في زحمة الأحداث والالتزامات المختلفة، ثمّ يغدو المشهد مع تكراره مألوفًا معتادًا يمرّ بوصفه أحد الأخبار المحزنة في نشرة الأخبار المثخنة بالجراح.

إنّ الأمة الإسلاميّة بشرائحها كافّة من سياسييّن وجماعاتٍ وتيارات وأحزاب، وعلماء ودعاء وخطباء، وكتّاب ومثقفين وإعلاميّين وشباب ومؤثرين، رجالًا ونساءً مطالبةٌ بالنّفير بمعناه الواسع العامّ الذي يجعلها جزءًا من المعركة من خلال وضع القدس والأقصى بوصفه معركةً شخصيّةً لكلّ مسلم في الأرض لا معركة الفلسطينيين وحدهم على رأس أجندة الأعمال والنقطة الأولى في جداول الاجتماعات والبرامج.

يحقّق الصّهاينة غايتهم من السيادة على القدس بمقدار انسحاب المعنيّين بالمعركة منها وهم مليارا مسلم، وبمقدار انخراطهم أو انخراط العدد الأكبر منهم في المواجهة تغدو السيادة الصّهيونيّة على القدس والأقصى المبارك محض وهم سرابيّ؛ إنّ في ذلك لذكرى لأولي الالباب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق