المسألة الفلسطينية بين الحقيقة والخديعة والاستقامة والانحراف
مضر أبو الهيجاء
المسألة الفلسطينية بين الحقيقة والخديعة والاستقامة والانحراف… فهل يعيد مخيم جنين تصحيح أوضاع فلسطين؟
مخيم جنين ذلك المخيم الصغير الذي تشكل لإيواء اللاجئين عام 1953، حيث انتقل إليه كثير من لاجئي 48 من مدن الشمال كحيفا وقراها والذين توزعوا على بلدات عدة، ومنها اليامون التي لجأ إليها عدد كبير وكان من بينهم والداي وأعمامي، الذين انتقلوا لمخيم جنين فور بناء بيوتاته البسيطة عام 1953، وقد شكل المخيم أيقونة ثورية بامتياز خلال سبعة عقود مضت ولا يزال، جسد خلالها هويته الثورية في مواقف عملية دائمة عبر عنها من خلال شبابه وشيبه ونسائه وأطفاله بتلاحم ثوري في كل حقبه وأحواله، حتى بات نموذجا فريدا في وحدة المقاتلين.
ومنذ اتفاق أوسلو ومخيم جنين يشكل حالة تمرد ثوري على سلطة أوسلو، علاوة على موقفه -كما عموم فلسطين- تجاه الكيان الصهيوني الغاصب، وقد شهد عام 2002 حادثة فريدة من نوعها عند قدوم ياسر عرفات للمخيم، حيث لم يجد إلا رجالا ثائرين غاضبين متمردين يرددون هتافات ضده، حتى انتشرت الأخبار التي تشير بالخطر على حياته في حالة صعوده الى المنصة التي كان مقررا أن يخطب من فوقها مادحا صمود أبطال مخيم جنين بعد المجزرة المروّعة والصمود الأسطوري، فاكتفى بالنظر لمخيم جنين من المروحية التي كانت تقله ثم قفل عائدا إلى رام الله معبرا عن غضبه وانزعاجه ولم يعد بعدها إلى جنين، كما شهد مخيم جنين موقفا أخلاقيا راقيا عندما رفض جميع أهالي المخيم المساعدات الأمريكية التي وصلت للمخيم رغم أنه كان حينها في أشدّ درجات الفاقة والعوز نتيجة الحصار والمجزرة التي ارتكبها شارون وجنده عام 2002، وذلك عندما قرر شارون التنكيل بالمدنيين قبل العسكريين نتيجة الخزي الذي أصاب جيشه المدجج بالسلاح والوحدات القتالية الإسرائيلية النوعية، والتي فشلت بشكل متكرر في اقتحامات المخيم فكانت المجزرة هي الحل والقرار .
لم تفلح قوات أجهزة السلطة الفلسطينية علاوة على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالسيطرة على المخيم أو حتى دخوله إلا في ظروف جزئية خاصة، حتى بات المخيم مميزا بإدارة أهلية له، عمادها وجهاء المخيم وأهله والذين كان من بينهم أبو أشرف عبد الرزاق أبو الهيجاء رحمه الله وجميع المسلمين، وهكذا تشكلت صورة المخيم الذي يقرر أعماله وخطاه بنفسه ويمتلك إدارة وإرادة سياسية مستقلّة، وهذا ما مكنّه من التعبير عن ضمير الأمة فالتقى في هذا الفضاء مع إخوانه فلوجة العراق وغوطة دمشق وساحة التحرير في القاهرة .
لقد أسهم منع أهل المخيم لقوات السلطة الفلسطينية وأجهزة مخابراتها من الدخول للمخيم خلال عقدين في المحافظة على حالة تماسك شعبي، شكل نسيجا مميزا أثمر حالة لحمة بين المقاتلين من كافة التيارات السياسية والفصائلية، والتي لم تنفك لحمتها ووحدة صفها حتى خلال أعلى حالات الاحتراب الفلسطيني الفصائلي الذي شهدته غزة وعموم مدن الضفة بالذات في عام الانقسام الفلسطيني النكد 2007، الأمر الذي أبرز نضجا فريدا عند القيادات الفلسطينية في داخل المخيم سواء من حركة فتح أو حماس أو الجهاد أو المستقلين، وهو ما عكس عقلية ونفسية ونوعية هذا النسيج –أيا كانت راياته المتنوعة- ولم يعكس رؤية ولا توجه ولا قرار الفصائل الفلسطينية وقياداتها المركزية التي عمّقت بخطاباتها وواقع حالها وخطواتها الانقسام المنكر والذي أراده العدوّ الاسرائيلي حين رسم الخطوات المؤدية له، واكتفى بتقديم الجزرة التي قسمها نصفين، فوضع واحدة في يد فتح وسلّم الأخرى لقيادة حماس المتنفذة في غزة .
لم تكن تلك الحالة الفريدة انعكاسا للفصائل الفلسطينية التي غاصت في الدماء واستحل بعضها دماء الطرف الآخر بلا توقف أمام حرمة دماء المسلمين، بل إن التماسك الفريد جاء انعكاسا لنسيج أهالي وعائلات وقيادات أهل مخيم جنين، ونتيجة لاستقلال المخيم عن الإدارة الإسرائيلية وعن إدارة السلطة الفلسطينية الفاسدة والمفسدة، والتي لا تختلف عن عموم الأنظمة العربية في فسادها وفجورها تجاه شعبها، بل وفي استخذائها أمام عدوها الذي يستخدمها ويحركها كيف يشاء، إلا أن السلطة الفلسطينية كالديك الذي يقف ويصيح على مزبلة، بعد أن جرّدتها إسرائيل -التي جلبتها- من كل السلطات الحقيقية والسيادية .
لقد أثمرت الصورة السابقة في تشكيل بقعة جغرافية فاعلة -رغم صغرها- في تحريك كامل مدن فلسطين، وذلك نتيجة لمحافظة أهلها على هامش حقيقي وكبير في التحرك خارج إدارة السلطة الفلسطينية ورغم أنف الصهاينة الغاصبين، وبعيدا عن السقوط في العصبية التنظيمية، مما شكل سقفا مرتفعا للحراك الثوري تخشاه إسرائيل كما تعجز عن ضبطه أجهزة السلطة الفلسطينية في رام الله، الأمر الذي جعل مخيم جنين هو الصاعق في فلسطين .
وقد دفعت تلك الحالة الصهاينة لإطلاق اسم عش الدبابير على مخيم جنين، كما برز دور المخيم الصغير في التفاعل بدماء شبابه مع كل حدث كبير وهام في فلسطين، كالتغول اليهودي في الأقصى، والدفاع عن غزة، وذلك من خلال تحريك مدن الضفة واحدة تلو الأخرى.
ومنذ أن زادت اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك لم يعرف مخيم جنين هدوءا، بل بدأ بتطوير حراكه وقدراته القتالية وتواصله مع بقية مدن الضفة لاسيما مع نابلس وطولكرم المجاورتين، حتى بات المخيم مصدر قلق كبي، إذ بات يشكل صاعقا في وجه الإسرائيليين مع كل اقتحام للأقصى، ومع كل فجور وفرعنة للمستوطنين القبيحين برعاية الجيش الإسرائيلي وتأييد شخصياته الرسمية التي تملك صلاحيات نافذة في الحكومة كابن غفير اللعين.
أدرك الإسرائيليون أنهم لن هنأوا ولن يضبطوا ويضمنوا بقية مدن الضفة دون دفن مخيم جنين وإنهاء كينونته الثورية المميزة والمرشحة للتطوير، وهي ارادة الحكومة والجيش الإسرائيلي، والتي التقت مع إرادة بعض شخصيات السلطة في رام الله والمنصهرة في العلاقة الأمنية مع اليهود المحتلين .
لقد انتبه مقاتلو مخيم جنين مبكرا لخطورة انتهاء رصيد المقاتلين عبر عمليات الجيش والمستعربين داخل المخيم، فدرسوا تجربة المقاومة العراقية في قتالهم وتصديهم للأمريكان بعد سقوط بغداد عام 2003، وعاينوا ايقاع وفنون القتال والعمليات العسكرية التي سطرتها كتائب ثورة العشرين العراقية حتى نالت من الاحتلال الأمريكي رغم تفوق قدراته وآلته العسكرية، فبدأت الترتيبات العسكرية لمقاتلي المخيم خارجه مستهدفة الأرتال العسكرية الإسرائيلية، وكأن كتائب ثورة العشرين باتت تتحرك في جنين .
وفي ظل خفوت غزة عسكريا وتراجعها الذي فاجأ الشارع الفلسطيني سواء إزاء اقتحامات الأقصى المتقدمة والمتكررة خلال عامين، والتي جسدت التقسيم الزماني فيه، أو تجاه قتل واغتيال القيادات العسكرية في غزة -من غير قيادات حماس- ، فقد برز الدور الثوري في مدن الضفة وتميز دور مخيم جنين الذي بات عبئا كبيرا على السلطة، يقض مضجع الساهرين في تل أبيب مع أصدقائهم الإسرائيليين.
لقد أشار ربط أحد قيادات السلطة في رام الله بين مخيم جنين وحركة حماس إلى نية مبيّتة في استهدافه واعتقال مقاتليه ورغبة في تدمير مكوّنه الثوري، مع أن المطلع على نسيج المخيم يعلم أن كتائب القسام في جنين هي الأضعف عسكريا وبنيويا أمام سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى!
لقد جاءت العملية العسكرية في مخيم جنين بالتنسيق بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية في رام الله، كما شهدت قيادة غزة حالة من الجمود والسلبية تماما كما هي سلبيتها إزاء اقتحامات الأقصى أو اغتيال القادة العسكريين من حركة الجهاد مؤخرا في غزة!
إن روعة الفعل الجهادي في عموم فلسطين وخصوص مخيم جنين لا تلغي وجود أشكال من الخلل والكبائر السياسية في فلسطين، والتي بدورها تحول دون تحقيق النصر مهما نزفت منا الدماء، ومهما بذلت جهود المؤمنين، دون مراجعة حقيقية وتصويب .
ويمكن القول أن أبرز الكبائر السياسية التي ارتكبتها ولا تزال الحركات والفصائل الفلسطينية سواء الوطنية أم الإسلامية على حد سواء هي:
أولا: اتفاق أوسلو المنكر والخبيث، الذي مكن من استعلاء إسرائيل وباع معظم أرض الوقف في فلسطين، وشرعن استباحة دماء شعبنا المناضل والأبي الطيب والمسكين.
ثانيا: الحلف مع أشد مشاريع الكفر فتكا بالموحدين وتدنيسا لبيوت الله وحرقا لكتاب الله الكريم، كما شهدت وتشهد على ذلك بلاد الرافدين وعموم أرض الشام واليمن الذي بات حزين، وأقصد بالضبط الحلف مع مشروع ملالي إيران وما تفرع عنه من أذناب وذيول رجس كحزب اللات في لبنان ونظام الأسد النصيري في دمشق وعموم محور المقاومة الذي جمع سقط المتاع وشذاذ الخلق والدين .
ثالثا: حالة الانقسام الفلسطيني التي حققتها مشاركة التيار الإسلامي الفلسطيني في الانتخابات التشريعية المنبثقة عن اتفاق أوسلو، والتي كرسها الخصام النكد والمقصود الذي قسم فلسطين الجريحة برعاية إسرائيل والمخابرات العربية بين غزة والضفة، حتى بات الانقسام مقوّما رئيسيّا في تدمير المجتمع الفلسطيني بالذات في قطاع الشباب الفاعلين والمؤثرين، سواء في الجامعات أم الميادين العامة وحتى في رحاب الأقصى المبارك!
إن مخيم جنين بصموده المتكرّر والعظيم جسّد تصويبا عمليّا من خلال نموذجه الثوري الشعبي الفلسطيني لاثنتين من الكبائر السياسية التي ترتكبها الفصائل والحركات الفلسطينية، وبقي أمامه امتحان في الكبيرة الثالثة.
فأما الأولى فقد عبر مقاتلو مخيم جنين عن رفضهم لمسار التنسيق والارتباط بالصهاينة الذي نظرت له وشرعنته ومارسته قيادة التيار الوطني في رام الله ممثلة في حركة فتح، كما جاءت مشاركة كتائب شهداء الأقصى القتالية والمبدعة في مخيم جنين لتشير وتؤكد أن بوصلة مخيم جنين السويّة لا تعكس سوية عند الفصائل الفلسطينية، ولا تعكس سوية القيادات المركزية المتنفذة سواء في فتح أو حماس أو الجهاد، والتي لم يتراجع أحد من بينها عن الكبائر التي يمارسها، بل كل ما في الأمر هو استغلال هذه الدماء الزكية لمسح خزيها وفسادها وانحرافاتها وعلاقاتها المشبوهة وغير الشرعية بالأنظمة والمشاريع المعادية للأمة والدين، دون التراجع الموغل في الخلل كما تبينه واقعا قيادة رام الله وحركة فتح في مضيها بالتنسيق الأمني في واقع الحال دون المقال، وكما شهدت قيادة حماس حجّها إلى طهران قبل ذهابها في الحجّ الأخير لمكة المكرمة، وكما تؤكّد قيادة حركة الجهاد بلا دين ولا خلق ولا حياء عن حلفها مع إيران حيث تشيد بقياداته المجرمة أكثر من تمجيدها بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أسهم في فجورها لهذا الحدّ وقوف قيادات حركة حماس الحالية إلى جانبها عند خامنئي وفي حضن سفاح الشام!
ومهما حاولت شخصيات السلطة في رام الله تبرير التنسيق مع المحتلين وفق اتفاق أوسلو تحت خديعة خدمة المواطنين ورعاية لشؤونهم، فإن هذا الطرح لم يعد مقبولا في عموم فلسطين، بل هو كبيرة ومنكر كبير يجب إنكاره ، وهذا ما قام به وجسّده عمليا مخيم جنين .
كما جسد مقاتلو مخيم جنين وعائلاتهم وعشائرهم ونسيجهم الاجتماعي حالة من الالتحام والانسجام تميزت عن عموم الوضع في مدن فلسطين، والذي يرتسم فيه اجتماعيا وشعبيا الخصام النكد الذي شكله انقسام غزة والضفة، هذا الانقسام الذي لا يزال يزلزل ساحاتها حتى وصل للجامعات واجترأ أصحابه ورموزه على حرمة الأقصى المبارك، بحيث بات تعليق وإبراز ألوان الرايات الصفراء والخضراء أهم من الإعلاء لحقائق الدين وأهم من العمل في مراحل التمكين الحقيقي -وليس الموهوم أو الذي يروج أمام أنظار وفي عقول المغيبين-!
أما الكبيرة الثالثة وهي التي ستشكل امتحانا كبيرا سيفحص وعي مخيم جنين وقواها المقاتلة ورموزها الفاعلة، فهي البراءة من العلاقة والانتماء والتحالف مع ملالي إيران وسفاح الشام ومحور المقاومة الذي تقوده إيران، فهل سيقبل أهالي المخيم أن تقوم قيادة فلسطينية شاذة بربط بطولاتهم ونسبة دمائهم لخامنئي في إيران أو جروه في لبنان أو بسفاح الشام ؟
مجرم في ثوب ثائر مسلم كل من ينسب الفضل في بطولات ودماء شهدائنا الأبرار في مخيم جنين لملالي إيران ومحورها اللعين ! أقول مجرم ولو تعلق بأستار الكعبة، بل ومهما جمع من تواقيع على بيانات تضم وتجمع كراتين وشهادات لعلمائه المتعيشين من خلال إيران، أو المتعصبين لتنظيماتهم وقياداتهم أكثر من تمسكهم بأحكام الدين، وأكثر من انحيازهم لأمتهم التي تهرق فيها كل يوم دماء بأيدي وأذرع إيران، توازي ما أهرق في فلسطين خلال مائة عام بأيدي اليهود ومن قبلهم البريطانيين!
إن حفظ الدين مقدم على حفظ الدماء والأوطان، فكيف يستقيم أن يكون قيادات إسلاميون يدّعون مرجعية الإسلام هم عنوان الترويج الأول لمشروع متخادم مع الغرب والصهاينة، وهو أكثر مشروع نكل بالموحدين وأول من اجترأ على تدنيس المصاحف وحرق المساجد كما حدث ولا يزال في العراق واليمن والشام، فأين هو موقف العلماء الربانيين؟ وهل يكفي منهم بعض البيانات المترفقة؟ وهل نعي ويعي العلماء والدّعاة ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلّم تجاه من تخلّف من أصحابه عن المعركة؟ وهل قيادات التيار الإسلامي الحاليين في فلسطين خير من صحابة رسولنا الكريم؟ وهل معاركنا في فلسطين أدق في حساباتها وحساسيتها من معارك خاضها النبي صلى الله عليه وسلم فبذل حياته وأحاط به الجوع والفقر ونزفت منه الدماء ليبيّن لنا هذا الدين ويبقيه ناصعا دون لوثة تذهب منه دلالة التوحيد ومعنى لا اله إلا الله محمد رسول الله؟ فمتى ستكون المراجعة ؟ وما هو موقف العلماء الواجب أمام انحراف وخلل يتسع كل يوم سرا وعلانية ؟
فويل للمطففين الذين يكيلون بمكيالين، عندما يوغلون في نقد قيادة فتح لاعتبار التنسيق الأمني المنكر مع الصهاينة، ثم يمتدحون ويعذرون قيادة حركتي الجهاد وحماس الحاليتين والمتنفذتين وكأنهما سبب أعلى في حفظ الدين، واذا ما انتقدوا أو ذهبوا فلن يعبد الله من بعدهم في أرض فلسطين ؟
وأقول للعلماء والدعاة الربانيين أن أمانة تبيين الدين للمسلمين -وفي فلسطين- أمانة في أعناقكم ستسألون عنها أمام الله وكلكم آتيه يوم القيامة فردا، أما لشرفاء فتح وحماس والجهاد وألوية الناصر صلاح الدين وغيرهم من فصائل فلسطين فأقول إن مسؤوليتكم أمام الله ثم شعبنا الفلسطيني وأمتنا كاملة وواجبة، وعليكم القيام بواجبكم في تصويب المسار قبل أن يتّسع الخلل وتكبر كوارث فلسطين ويزهق النصر فيها، حتى يتحقق الاستبدال ويأت الله بقوم غيركم يحبّهم ويحبونه ويعلون من شأن دينه ويثبتون على الطريق دون تلاعب بأحكام الدين ثم لا يكونوا أمثالكم.
لقد استمرأت قيادة حماس والجهاد الحاليتين كبيرة توجب غضب الله، وهي علاقتهما وانحيازهما لملالي إيران حتى وقعوا في حضن سفاح الشام دونما تردد ولا وجل ولا فهم ولا خلق ولا حياء.
ورغم قناعتي بأنه لو جاء نبي مرسل فإن القيادة الحالية لحركتي حماس والجهاد المتنفذتين في الحركتين ستقولان سمعنا وعصينا، ولن يتغير موقفها تجاه ملالي إيران لاسيما وأنهم قد استكبروا على نصح ورثة الأنبياء، وتجاوزوا نصح من نصحهم من الأحباب والعلماء، بل أنهم مارسوا شكلا من التحايل الذي مارسه بنوا إسرائيل في التلاعب على أحكام الدين، وذلك حين جمعوا كمية من الشهادات والكراتين ذيلوها بتوقيع العلماء العاملين، ثم روّج دعاتهم لمقولات القاعدة وداعش التي تهدف تكميم أفواه المسلمين، فلا يفتي قاعد لمجاهد، ولا يفتي أهل الدثور لأهل الثغور، وإياكم أن تتحدثوا أو تنتقدوا أو تتناصحوا لئلا يكون خصمكم يوم القيامة مجاهد وشهيد! وكأن المئات الذين أحرقوا في رابعة والآلاف الذين يموتون في اليمن والملايين الذين قتلوا في أرض العراق والشام ليسوا شهداء، أو هم كذلك ولكن دون مرتبة الشهيد الذي استشهد في حدود قطاع غزة الأرض الحرام أو في عموم مدن الضفة وحتى في باحات الأقصى! فهل هذا من الدين؟ أم خديعة لطمس حقائق الدين والسكوت عن الانحراف القائم والذي ضرب التيار الإسلامي في العمق حتى أوجد تلفا حقيقيا ولوثة في عموم فلسطين؟
ومع ذلك ورغم فقد الأمل بالقيادات الحالية المتنفذة فإن دور العلماء في تبيين دين الله والنصح للأمة يبقى واجبا قائما ودائما، وكما يتحدث العلماء بجرأة وصوت مرتفع في نقد وتعرية وإنكار منكرات وكبائر التيار الوطني الفلسطيني وقيادة فتح التي غرقت في وحل التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، فإنه يجب عليهم بالمثل وبنفس الدرجة تبيين الدين بجرأة وصوت مرتفع تجاه التيار الإسلامي الفلسطيني وخصوص قيادة حماس الحالية دون اعتبار لمنافع معاشية أو وجاهية، فالأمر دين وهي أمانة وخزي وندامة لمن لم يأخذ بحقّها يوم القيامة.
أقول لقيادات حركة فتح الشرفاء، لقد نتج عن معادلة التنسيق الأمني بين سلطة رام الله وإسرائيل قتل عشرات الفلسطينيين واعتقال المئات، وخلال عشرين عاما وأمهاتنا ونساؤنا وبناتنا يرفعن أيديهن للسماء يدعون الله أن ينتقم من كل من تسبب في اعتقال وقتل وتشريد أبنائهن وإخوانهن وأزواجهن حتى أذهب السعادة ومحق ألوان الحياة في معظم بيوت فلسطين، فمتى سيأخذ شرفاء حركة فتح دورهم في تصويب الانحراف والخلل القائم، وهل يدركون أن موت محمود عبّاس المرتقب -إذا لم يتحقق تصويب في مسار الحركة قبله- سينقل حركة فتح من معادلة التنسيق الأمني الجزئي إلى الغرق الكلي في العلاقة مع المؤسسة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية حتى تصبح حركة فتح هي جيش لحد في فلسطين !
أقول لقيادات حركة حماس والجهاد الشرفاء إن ما فعله ملالي إيران المحتلين الغاصبين من احتلال فعلي لأربع عواصم عربية، وما أحدثوه من تفتيت طائفي دموي في مجتمعاتنا العربية المسالمة، وما أحدثوه من سرقة لثروات بلادنا وهدم في بنيتها وفرط لجيوشها، وما أحدثوه من قتل للمسلمين -وهو الأهم- لا سيما في العراق العظيم والشام الكريم يفوق ألف مرة بأشكاله وعذاباته وآثاره ما فعله اليهود من قتل الموحدين منذ بعثة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا وفي فلسطين، فكيف يستقيم سياسيّا أن تتحالف حركات التحرير في فلسطين مع محتل غاصب لأربع عواصم عربية؟ وكيف يستقيم أخلاقيا أن نطالب الشعوب العربية لاسيما أهل الشام والعراق بالتضامن مع قضيتنا الفلسطينية ودعمنا حتى نحقق التحرير، وفصائلنا الفلسطينية المقاومة تعلن عن حلفها الفولاذي مع من يحتلّ بلادهم ويقتل علمائهم ويحرق مساجدهم وينكل بشبابهم بفظاعة تفوق فظاعة أشد اليهود فجورا؟ وهل تعلم يا أخي المسلم أن العراق يعاني العذابات منذ عقود طويلة، وقد دمّره الأمريكان بالفعل حتى أنه لم يسلم فيه أي جانب نتيجة موقفه الوفيّ تجاه القضية الفلسطينية، حتى جاءت أمريكا بإيران وسلّمتها العراق ليبدأ مسلسل عذابات العراق الذي لو وزّعت عذاباته الصامتة وغير المعلنة على شعوب الأمة لوسعتها، وكيف يستقيم شرعا أن يفتي علماء الأمة الربانيين والأجلاء الذين تشهد لهم الأمة بالصدق والتجرد والوفاء –وهم من المطلعين والمشتغلين في واقع الأمة وفلسطين- بحرمة العلاقة مع سفاح الشام بشار الأسد وحرمة الحلف مع ملالي إيران القتلة والمجرمين، ثم تأتي قيادة حركتي حماس والجهاد لتعلن بفجور وبلا حياء عن استمرار حلفها مع إيران وعودتها للمجرم بشار، وتزيد الأمة وشعوبها ألما بمديح وثناء وتمجيد بمن قتل شعوبنا المسلمة وأحرق بيوت الله وداس على كتابه الكريم ؟ أقول ان هذا الحلف مدان وهو سبب كاف لإزهاق أي نصر بحسب سنن الله الغلاّبة، ومن سوء الأدب مع الله وممّا يطعن في دين المرء أن يظن أن الله لن يحرر بيته وأقصاه إلا من خلال الاستعانة بمن يكفر عباده وصحابة رسول الله ويطعن في شرف أمهات المؤمنين ويتفنن في أشكال قتل وإزهاق أرواح المسلمين ثم يدوس كتابه الكريم! فمتى سيكون لهذا الرصيد من الشرفاء والمجاهدين في حركتي حماس والجهاد موقف ودور وكلمة فاصلة تحفظ البوصلة السوية التي انطلقت منها وتجاهها الحركات الإسلامية، لتعيد مسارها الذي خرج عن السكّة؟ وهل يكفي للغشاوة على عقول دعاة الحركة وصالحيها الذين جمّلهم الله بحفظ كتابه وأحاديث نبيّه أن تصدّر لهم قيادات الحركة المتنفذة بيانا وقع أسفله علماء التنظيم ؟ فأين ذهبت عقولهم ووعيهم ورشدهم وفهمهم لدين التوحيد ؟ وما الفرق بين هؤلاء وبين علماء الطواغيت الذين يخدعون الناس وتتبعهم الغوغاء في بلاد العرب والمسلمين لاسيما انهم يأمون المساجد ويحفظون كتاب الله وجميعهم حاصلين على شهادة الدكتوراه في العلوم الشرعية من جامعات معتبرة وليست بالواسطة ولا بالشراء؟ أم أن الخلل واضح وبيّن عندما ترتكبه الفصائل الأخرى ولا تغبش عليه كل الأعذار والبيانات والتنظيرات، أما إن كان مرتكبوه من الإخوان أو أخوة المنهج والطريق فهو حق ولا يحتاج الى بيان ؟ أليست هذه عبادة لهم كما ورد في حديث رسول الله مع عديّ بن حاتم ؟ أعود فأقول ان قيادات الحركة الشرفاء وشبابهم المجاهدين غير معفين من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصويب المسار، بل إن الانتظار حتى الانتخابات القادمة في حركة حماس في 2024 سيمكّن لإيران حتى تصبح غزة طهران الصغرى، ويكفينا حاليا أن ملالي إيران قد انجزوا اختطاف القيادة الحالية لحركة حماس كما الجهاد–الا من رحم الله وهم قليل- ، الأمر الذي يجعل الانتظار دون تصويب المسار فرصة لاختطاف كلي للحركة ثم بناء تمثال لخامنئي أو كلبهم في لبنان أو سليماني المقبور على حدود غزة العزة، فاتقوا الله ولا تذوبوا مدحا في قيادات الحركة المتنفذين والذين بات جزء منهم يقرر بوصلته بحسب موازنة مكاتبه المالية في غزة او الضفة او الخارج، كما بات الجزء الآخر يقرر ولاءه بحسب رؤيته لمشاريعه في اتباع أذناب البقر وتحقيق الثراء -إلا من رحم الله-، ولا تخلطوا بين كتاتيب حفظ القرآن بغزة وبين خيارات القيادة السياسية، فالأولى مبجلة وعظيمة أما الثانية فهي تستحق التوقف والفحص والمراجعة والنقد، واعلموا ان دور القرآن التي أقامها طواغيت العرب كالقذافي وحافظ الأسد وغيرهم لم تمنع من الظلم والطغيان بل استخدمت لتجميل صورة الظلمة والمنحرفين فاتقوا الله، واعلموا أن الله لا يحب المفسدين.. فاتقوا الله وكونوا سويين عادلين.
أعود فأقول في دعوة صريحة للعلماء الربانيين إن موقفكم إزاء الاستهزاء بشخص النبي محمد صلى اله عليه وسلم، وإزاء حرق نسخ المصحف الذي حدث مؤخرا في السويد ومن قبله في الدانمارك موقف واجب وممدوح، فكيف ينبغي أن يكون تجاه محور إيران وملاليها الذين يدنسون القرآن ويقتلون أهله ويطعنون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ويلعنون أصحابه وأمهات المؤمنين ويقتلعون دين الله من بلاد المسلمين، وما هو الواجب عليكم لتنقذوا فلسطين التي تربّع ملالي إيران على عرشها بسبب حركات مقاومة فلسطينية وبعض قياداتها الإسلاميين الذين ضلوا الطريق وتحالفوا مع من يحرقون المؤمنين أحياء لأنهم يحفظون في قلوبهم هذا المصحف ويرفعون فوق رؤوسهم عنوان الدين ومعانيه ويسعون بدماء أبنائهم لتحقيق التمكين لهذا الدين العظيم، وهل يعجز علماؤنا الأفاضل الذين شكلوا -مشكورين- هيئة عالمية لنصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويقومون بنفس الخطوة والدور الآن لنصرة القرآن الكريم، أن يقوموا بتشكيل هيئة عالمية لمقاطعة إيران سياسيا بالدرجة الأولى ثم ثقافيا واقتصاديا، وتعريف المسلمين بحقيقة المشروع الشيعي الذي يتوسع من خلال نافذتي فلسطين وحب آل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟ إن ما يستحقه شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما يستحقه كتاب الله العزيز من انتصار له وغيرة عليه تتوفر دواعيه تجاه مشروع إيران وملاليها المجرمين، وفي ذلك حفظ وإنقاذ لقيادات وحركات المسلمين التي أسرفت في الضلال وجعلته دينا قويم !
فيا أهل مخيم جنين ومقاتليها البررة كنتم خير مجاهدين ونعم الصائمين، وقد أنقذكم الله ومنّ عليكم بالخلاص من الكبائر الثلاث، سواء التنسيق مع الصهاينة أو الانقسام المهلك أو الاستخذاء أمام ملالي إيران قتلة المسلمين، فلا تقبلوا من يدعوكم للإفطار على مائدة فيها لحم خنزير، وقفوا كما وقف آباؤكم الذين استشهدوا على أرض المخيم قبل عشرين عاما ورفضوا مساعدات الإدارة الأمريكية التي قتلت إخوانكم العراقيين، فلا تقبلوا عطاءات وموائد ملالي إيران الذين أبادوا إخوانكم في العراق واليمن والشام، وشردوا من بقي منهم حيّا بين الجبال، واعلموا أن الله لا يحب المفسدين حتى وإن كانوا مقاتلين نصفهم شهداء والنصف الآخر أسرى ومعتقلين !
لقد أوغل المشروع الطائفي -الذي ترعاه إيران ويقوده ملاليها- في دماء الأمة، حتى جاوز الغربيين الصليبيين في كثرة القتل والنيل من دماء الموحدين، والذين بلغت أعدادهم في الشام بالملايين، أما عن العراق فذاك وجع كبير لا تفيه وصفا كل صفحات الكاتبين .
وكما أن وضوح الموقف والانتصار للدين واجب في حق العلماء الربانيين، فإن العلماء والدعاة وطلبة العلم الصادقين في الحركات والفصائل الفلسطينية المقاومة غير معفيين من توضيح موقفهم والدفع بعجلة الإصلاح العميق متجاوزين العصبية التنظيمية ومترفعين عن المصالح المعاشية، وان لم يفعلوا فإنهم أمام الله مدانين وسيسألون!
لاشك بأن القواعد الشعبية للحركات والفصائل تمتلئ بالصادقين والمهمومين، فمتى سيصبحون فاعلين ويدركوا قيمة دورهم الثقافي والشرعي كما أدركوا قيمة دورهم القتالي في الانتصار للدين، وهل يجب على المرء أن يتبيّن الحلال والحرام في أكله وشربه وما يتعلق بشخصه، ثم يغفل عنه في سعيه وعمله في الشأن العام ولا يسأل عن الحلال والحرام طالما كان العنوان مقاومة وفي فلسطين؟
فيا عبد الله يا مسلم يا موحد يا ابن مخيم جنين إذا كنت تصاب بالغثيان وأنت ترى قيادات التيار الوطني تصافح الصهاينة المحتلين، فالواجب عليك أن تتقيأ دما وأنت ترى قيادة التيار الإسلامي تصافح وتضم وتقبل وتمجد ملالي إيران وسفاح الشام الذين قتلوا من المسلمين في العراق واليمن والشام خلال أربعة عقود الكثير الكثير، وإذا كنت قد سجّلت موقفا تاريخيّا بصمودك الأسطوري الجهادي في مخيمك الصغير، فاعلم بأنك لن تصبح فاعلا في التغيير وكبير حتى تنضج بوعيك وتطرح مبادرة ورؤية تعيد تصحيح الأوضاع في فلسطين وتطرح مشروعا وطنيا غير قطري يتسع للجميع بمرجعية إسلامية تسير على خطى النبيين والمصلحين والثوريين الموحدين، فان أعجزك التفكير فانظر بوعي وعمق وإدراك لإخوانك في كتائب ثورة العشرين في العراق وقل الله أكبر وامض ولا تتأخر فمركبنا الفلسطيني اليوم لا يزال خارج السكة رغم حجم الخير الذي نحمد الله لأجله ونثني عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق