الجمعة، 21 يوليو 2023

كيف يخرج العرب من ورطتهم الوجودية؟

 كيف يخرج العرب من ورطتهم الوجودية؟

غازي دحمان

أفقرت الأنظمةُ السياسية الحاكمة العالمَ العربي ووضعت مستقبل العرب في مهب الريح، حيث بات يطرح اليوم وبشكل جدي السؤال عن جدوى استمرار الكثير من الدول العربية بعد أن أصبح وجودها مقتصرا على القوة القاهرة أو مجرد غطاء لعصابات مهمتها التنكيل بالمحكومين وإدامة أسباب وشروط شقائهم.

لقد تجاوزت معظم الدول العربية الخطوط الحمراء لسقوط كيانات الدول، وهي بالمعنيين النظري والعملي، أصبحت كيانات "واقعة" منهارة، أو بلادا تعيش وسط حِزم من الأزمات، اقتصادية وسياسية ووطنية، وأزمات مياه وغذاء وتعليم وصحة، بلادا مرهونة بديون لأجيال قادمة، بحيث لم يعد ممكنا حتى توفير أبسط أشكال الخدمات قبل وصول الدفعة التالية من الديون، في وقت لم تعد المساعدات الخارجية المجانية ممكنة.

المفارقة أن الجزء الأكبر من الدول العربية (باستثناء دول الخليج) باتت تنتظر معجزة لانتشالها من القعر الذي وصلت له، والمفارقة أن نخب الحكم (في سوريا ولبنان ومصر وتونس) كانت تعتقد حتى وقت قريب أن الإنقاذ سيأتي "مسافة السكة" لأن من مصلحة دول الإقليم والعالم عدم انهيار هذه الدول، لكنهم أدركوا أن رهاناتهم لم تكن صائبة وأن العالم تغيّر بدرجة كبيرة وأن المال صار عزيزا لدى أصحابه، فمن ذا الذي يهدر أمواله على جثث فقط من أجل تأجيل تفسخها إلى حين؟

إضافة لذلك، فإن العالم الذي بلغ مديات متقدمة في صناعة الثروة والمنافسة الشديدة على الفرص والإمكانيات، وبذل الجهود المضنية والمكلفة للاحتفاظ بالمواقع المتقدمة، لم يعد معنيا بالحفاظ على الفاشلين والإنفاق عليهم ما لم يكن وراءهم فوائد مباشرة. وقد اخترعت الصين (الإمبريالية الرحيمة في نظر الكثيرين) معادلة جديدة للتعاطي مع هذه الأوضاع عبر امتلاكها للموانئ والأصول الاقتصادية في حال عجزت هذه الدول عن سداد ديونها، وتعرف الصين أنها (الدول) ستعجز عن ذلك، وثمة أطراف أخرى باتت تشترط مقابل المساعدات المالية الحصول على أصول اقتصادية مباشرة كالشركات والمعامل والمناجم.

في زمن سابق، كانت بعض الدول العربية تضع صوتها السياسي في بازار البيع للحصول على بعض المعونات المالية، كأن تؤيد سياسيا الدول الغنية في قضايا محددة وتسير في ركبها في السياسات الإقليمية والدولية، اليوم لم يعد حتى هذا الصوت مجديا، إذ كيف يكون لدول فاشلة أصوات يمكن الاعتماد عليها وخاصة بعد أن فقدت هذه الدول أي وزن لها وباتت مجرد أوراق تتقاذفها رياح السياسات الإقليمية والدولية؟

لماذا وصلنا إلى هنا، والمقصود الكتلة الأكبر من البلاد العربية؟ غالبا ما يضع جهابذة الأنظمة العربية اللوم على حراكات الشعوب العربية في إطار الربيع العربي، ويقولون إنه السبب في حالة الكُساح التي أصابت الكتلة العربية الأكبر، وصنع ديناميات معاكسة للتطور والاستقرار، الذي لم توجد له مؤشرات فعلية ولا حتى شبهة، وبالتالي على الشعوب أن تتحمل النتائج المترتبة على الأوضاع الجديدة، وأن تعتذر وتصمت كي تتيح الفرصة لمن أنقذها لإيجاد مخارج من الأوضاع المأزقية التي أوصلت نفسها إليها!

بالطبع، الحقيقة خلاف ذلك، فالشعوب عندما تحركت كان هدفها الدفاع عن آخر الخطوط الحمراء لبقاء الدولة، وكان عبث الأنظمة السلطوية وحساباتها، الغبية والقصيرة الأمد، قد وضع الكيانات العربية على سكة المجهول، وأرادت، مثل كل شعوب الدنيا عندما تتعرض مصالحها ومستقبلاتها للخطر، الضغط على نخب الحكم لتعديل المسارات الخاطئة، أو الخروج من السياق ووقف المعادلة الجهنمية القائمة على إدامة السلطة بمكوناتها وتوريث الأوضاع القائمة من جيل إلى آخر.

ما أوصلنا إلى هنا، أن هذه النخب، أو العصابات بمعنى أدق، التي سرقت ثروات الشعوب ومنعت أي إمكانية للتطور ومراكمة الثروات، استنزفت ما بقي منها في قمعها للحراكات الشعبية، أدارت أزماتها وفق قاعدة "علي وعلى أعدائي" وضربت بشكل أعمى كل شيء، الموارد البشرية والثروات الطبيعية، وباتت اليوم تبحث عن من يكلفها بدور لتتحصل على ما ينقذها (تونس وحراسة أوروبا، مصر واستجداء دول الخليج ولعب دور الإمّعة، سوريا وورقة محاربة العثمانية والليبرالية)، لكنها في الواقع إما أوراق محترقة أو في طريقها للاحتراق.

لن يصح في النهاية إلا الصحيح، فلن تستطيع الدول العربية المنكوبة بالعصابات الحاكمة استكمال حياتها باستجداء قوتها يوما بيوم، وما لم تتم إزاحة هذه العصابات سننتقل إلى الطور التالي الذي سيكون على شكل سيناريوهين: 

إما تفتت هذه الدول وتشرذمها، وإما إفراغها من أجيالها الصاعدة، وثمة سيناريو بات حلما مستحيل التحقق في هذا الزمن، أن تحتلنا دول خارجية متقدمة وتنقذنا من مسار الهلاك الذي ننحدر إليه.

twitter.com/ghazidahman1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق