السبت، 22 يوليو 2023

الديكتاتور قيس سعيد الرهان الأوروبي السيء للعب دور شرطي الحدود

 الديكتاتور قيس سعيد الرهان الأوروبي السيء للعب دور شرطي الحدود

 

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

الرئيس التونسي قيس سعيّد ديكتاتور، لكنه ديكتاتور فاشل.

هو ديكتاتور لأنه يحتكر كل السلطات بين يديه. حلّ الحكومة المنتخبة وعيّن مكانها موظفين يقبلون لأنفسهم أن يجلسوا أمامه كل أسبوع في مكتبه يٌقرّعهم، على الهواء مباشرة، مثل تلاميذ خائبين من دون أن ينبس أيٌّ منهم ببنت شفة. وحلّ البرلمان المنتخب بطريقة ديمقراطية، ونصّب مكانه برلمانا جاء من انتخابات ناقصة، قاطعتها الأحزاب السياسية وعزفت أغلبية الشعب التونسي عن المشاركة فيها، وحوّله إلى غرفة تسجيلٍ لخطاباته الرديئة التي تفيض بالرطانة من كثرة التصنّع في النطق والإلقاء. وحلّ المجلس الأعلى للقضاء، وعزل عشرات القضاة الذين لا ينفذون أوامره، ونصب لهم محاكمات صورية، بتهم الفساد للنيْل من سمعتهم، بل واعتقل اثنين منهم، وزجّهما في السجن لتخويف زملائهما.

ديكتاتور تونس يطلق الأعيرة النارية والرصاصات المطاطية هنا وهناك

فما زالت تصريحاته تحمل الخصومة والمكايدة بل التخوين والاتهام، حتى اتهم البرلمان المنتخب بأنه خطر على الدولة. تصريحات بعيدة عن حكمة الرئاسة وقواعد السياسة، لكنها تعبر عن فكر الرجل الذي طرحه قبل الانتخابات بوضوح.
لقد بدا الدكتاتور عاريا وظهرت سوأته على الملأ، عندما بدأ يلعب بورقة الإسلام ملوحا بدستور جديد يحذف منه أن الإسلام هو دين الدولة، لعله ينجح في تفتيت القوى السياسية بين علماني وإسلامي، ومحاولا أيضا مداعبة فرنسا كي يحصل على الدعم الغربي اللازم لبقاء نظامه الدكتاتوري. وكان على نخبنا السياسية وشعوبنا أن تدرك أن معركتها لا ينبغي أن تكون حول نصوص شكلية توضع في دساتيرنا منذ زمن، لكنها تظل ديكورًا تختفي وراءه أنظمة دكتاتورية بشعة. إن معركتنا الحقيقة هي التخلص من الاستبداد أولًا وإقامة أنظمة سياسية حرة تكون الكلمة فيها للشعب، ويُحترم فيها رأى غالبية المجتمع بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويحافظ فيها أيضا على حقوق الأقليات والمخالفين في الرأي في أن يتمتعوا بكافة حقوقهم وحرياتهم.
إن الاستبداد يعصف بحقوق الجميع، ويُمَكّن لاستشراء الفساد ونهب الثروات لحساب نخبة حاكمة فاسدة، هذه هي الحقيقة العارية. وبين الرئيس ومكونات المشهد تقف الملايين في حيرة من أمرها لا تملك المعلومات عن كيف يفكر الخصوم والفرقاء في تونس التي كانت خضراء.
دستور “قيس سعيد” الجديد الذي يؤدي إلى إعادة فكّ وتفريق القوى السياسية ليكون المشهد على مقاس المستبد، انقسامات داخلية واستقالات وظهور قوى غير برلمانية داعمة للمرحلة الجديدة، غرفة عمليات المربع الصهيوخليجي مصري تعمل بِلاَ هَوادَةٍ، والمعارضة بلا خُطّة!!.
جاء دستور “قيس سعيد” ليعيد تونس إلى ما هو أسوأ من عهد ابن علي، مشروع يرضي غروره ويرضي الثورة المضادة، حتى تظل تونس غارقة في الأزمات.
دكتاتور تونس لم يأت بجديد، فبعد اغتصابه للسلطة وعبثه بالدستور واستيلائه على كافة السلطات في الدولة بما فيها السلطة القضائية، وتوافق ذلك مع فشله التام في الملف الاقتصادي، وجد نفسه محاصرًا من كافة القوى السياسية والشعبية باختلاف أطيافها، كما أنه أصبح معزولًا على المستوى الدولي.
إن الموقف الأوربي والأمريكي من الشعب التونسي وخطابات المطالبة بعودة الديمقراطية كله نفاق وأضغاث أحلام، ويجب أن يفهم الشعب التونسي الذي خلع الطاغية ابن علي أن الغرب لن يعيد له ديمقراطيته من أنياب الانقلابيين، فالمواقف الغربية تحركها المصالح والمساومات، وسوف يندفعون وراء الطاغية قيس سعيد. ما زال الساسة وصناع القرار في الغرب يشككون فقط في قدرة “قيس سعيد” على الانتصار ضد الشعب الثائر الذي ذاق قدرا من الديمقراطية.
أما الأنظمة العربية (أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية والثورة المضادة) فلا تملك مشروع نهضة لشعوبها بل أخذت على عاتقها القيام بدور وظيفي خدمة لأسيادها في تل أبيب والبيت الأبيض والغرب. وهذه الأنظمة قد أخذت على عاتقها إسقاط أول ديمقراطية عربية وأطولها عمرًا.
إن إعلام الانقلابيين ضلّل كثيرًا من شعوب المنطقة -وليس الشعب التونسي وحده- عن مصالحه وحريته، وقد أوهمنا بأن وجود إسلاميين في البرلمان والحكومة سيكون كارثة. وقد جعلت هذه الأنظمة وإعلامها من “قيس سعيد” ديكتاتورًا، حيث أوهمته بأنه الزعيم والمنقذ الأكبر الذي سيصنع حكمًا وتاريخًا ومستقبلًا عظيمًا. وقد كان ما كان، فما جلب إلا الفقر والاضطراب وضياع البلاد وشق صف الأمة.

إن الأنظمة المضادة للثورات جعلت من تحرر الشعوب شرًّا يفر منه الجميع إلى دركات الهوان والقهر والعلمانية والتبعية التي تروج لها الصهيونية وأتباعها العرب.
والنتيجة أن يعيش شعب تونس اليوم خدعة كبرى، فقد نَفّذت أنظمة الثورة المضادة قرارها فألغت البرلمان وحاصرت القضاء، وسجنت الأحرار، بل تم تجريم أول رئيس ديمقراطي لتونس وحكم عليه بالسجن غيابيًّا أربع سنوات.
أما الإدارة الأمريكية فما زالت تشكّ في إمكانية قيام ديمقراطية في أي بلد عربي، وهي في النهاية تفرش السجاد الأحمر لاستقبال الطغاة أمثال سعيد وحفتر وغيرهم، في حين تتيح غرفا جانبية واسعة تسع دعاة حقوق الإنسان، وبهذا تمكن دمية تونس من تمرير انقلابه والقضاء على الديمقراطية، ويبقى الحقوقي يتسلى بوجود هامش يغرد فيه، هامش لا يغير واقعا ولا يحدث تغييرا ولا يصنع تاريخا، هامش التخدير والإيهام، حيث النضال الوهمي عبر أبراج زجاجية ومواقع افتراضية، ثم يشعر بأنه أدى ما عليه، كحال المعارضة المصرية التي مارست أسلوب التخدير والإيهام بقرب التغيير، من منصات العالم الافتراضي وتركت العمل الميداني.
اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس التونسي قيس سعيد الذي وصفته بالديكتاتور يعد بمثابة رهان سيء من قبل الاتحاد الأوروبي للقيام بدور شرطي الحدود فيما يتعلق بمساعي التكتل الرامية للحد من الهجرة غير الشرعية.
وذكرت الصحيفة أن سعيد حول المهاجرين لكبش فداء وطردهم إلى مناطق محايدة على حدود بلاده مع ليبيا بدون ماء أو طعام ليلقوا مصيرهم تحت الشمس الحارقة.
لكن في مقابل تلك الانتهاكات تلقى مكافأة الاتحاد الأوروبي، بتوقيع تونس اتفاقية شراكة استراتيجية مع التكتل بشأن الاقتصاد ولتعزيز جهود وقف الهجرة غير النظامية.
وتتضمن الاتفاقية مساعدة لتونس بـ 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، إضافة إلى 150 مليون يورو لدعم ميزانية البلد الذي يعاني من ديون تناهز 80% من ناتجه المحلي الإجمالي ويواجه نقصا في السيولة.

أوروبا وحقوق المهاجرين ودفعهم إلى حافة الموت

واتهمت الصحيفة السلطات التونسية بارتكاب انتهاكات بحق المهاجرين غير الشرعيين، وأوردت العديد من الشهادات والمناشدات لإنقاذ نحو ألف رجل وامرأة وطفل يحاولون البقاء على قيد الحياة في منطقة محايدة على الحدود الليبية بعد أن طردتهم السلطات التونسية.
ونقلت الصحيفة، رسائل ومناشدات متتالية من الهواتف المحمولة التي استطاع المهاجرون شحنها، حيث كتب أحدهم لصحيفة نيويورك تايمز السبت الماضي، “الرجاء المساعدة، فنحن نموت” و “ليس لدينا طعام أو ماء” و “نحن عالقون، لو كانت هناك طريقة للمساعدة”، وبحلول يوم الأحد توقفت الرسائل.
ونقلت الصحيفة عن كيلفن وهو مهاجر نيجيري عالق بين الحدود التونسية والليبية قوله، “سمعنا جميعا أن رئيسة وزراء إيطاليا دفعت للرئيس التونسي مالا كثيرا لمنع المهاجرين الأفارقة من بلدها”.
وتابعت الصحيفة، أن كيلفن حاله يشبه بقية المهاجرين الذين يستطيعون دخول تونس بدون تأشيرة، فقد قضى أشهرا وهو ينظف البيوت ويعمل في مواقع البناء في ميناء صفاقس، لكي يجمع ما يكفي من المال لتمويل رحلة البحر ودفعه للمهربين حتى يعبر إلى أوروبا.
وذكرت أن ذلك كان قبل مجيء تونسيين بدون زي رسمي إلى محل سكنه حيث ضربوه حتى تهشم كاحله ووضعوه في حافلة رمته في الصحراء.

المفوضية الأوروبية والتضحية بحقوق الإنسان

وبحسب الصحيفة فإن الاتفاقية الأخيرة بين تونس والاتحاد الأوروبي تم تمريره رغم اعتراض النواب في البرلمان الأوروبي الذين اتهموا الإتحاد بأنه يتعامل مع رئيس تونس قيس سعيد الذي أظهر ميولا استبدادية وقضى معظم الوقت وهو يشيطن المهاجرين وقام بتفكيك منجزات الديمقراطية في تونس، البلد الوحيد الذي خرج من الربيع العربي بمكاسب.
فضلا عن قيامه بسجن العشرات من المعارضين وتقييد القضاء المستقل وفرض الرقابة على الإعلام وإعادة كتابة الدستور ومنحه لنفسه سلطة تنفيذية واسعة، وسط رد صامت الحلفاء الغربيين.
وأكدت الصحيفة أن تونس قامت بنقل عدد من المهاجرين من الصحراء ومنحتهم ملجأ، بعد موجة انتقاد واسعة، كما سمحت للهلال الاحمر التونسي بتقديم بعض المساعدة لهم. وبقي المئات عالقين بدون ملجأ أو طعام.
ورفض الرئيس سعيد الاتهامات بأن تونس عاملت المهاجرين في صفاقس بطريقة فظة، وأكد أنهم عوملوا بإنسانية، مع أن الشهادات من المهاجرين وصور الفيديو والصور الفوتوغرافية تناقض كلامه.
وبحسب الصحيفة فقد اتهمت منظمات حقوق الإنسان خفر السواحل التونسي بسوء معاملة المهاجرين، بما في ذلك تخريب القوارب أو ضرب ركابها، حتى في ظل مسارعة الدول الاوروبية لتحديث معدات خفر السواحل.
ورغم العيوب التي شابت التجربة الديمقراطية التونسية إلا أن الغرب صفق لها وأضفى عليها عناية ورعاية ومالا، لكن نقاد سعيد يرون أن كل شيك يكتبه الإتحاد الأوروبي لسعيد يعني تخل عن الديمقراطية الناشئة التي دعمها مرة، ويقوم بالتضحية بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية من أجل منافع قصيرة الأمد.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن السناتور الأمريكي كريس ميرفي قوله “لو كنا منسجمين في التأكيد على اننا لن ندعم القمع السياسي في المنطقة فلربما تصرف القادة بطريقة مختلفة”.
ودعا ميرفي وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ لتخفيض الدعم عن تونس بسبب أفعال سعيد.
وقطعت إدارة بايدن بعض الدعم عن تونس إلا أنها ظلت مترددة لاتخاذ مزيد من القرارات خوفا من وقوع تونس تحت تأثير الصين وروسيا.

قيس سعيد الديكتاتور شرطى المنظقة الجديد والرهان السيئ للإتحاد الأوروبى

ووفق الصحيفة فإن الاتحاد الأوروبي في مقابل انتهاكات سعيد، يؤكد أن العمل القريب مع السلطات التونسية سيجعله رئيس البلاد في وضع جيد للحد من الانتهاكات ضد المهاجرين.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين في العاصمة تونس، تأكيدهم إنه ليس من الجيد حجب الدعم عن الشعب التونسي الذي يعاني من نقص المواد الأساسية والدواء.
لكن في المقابل يرى بعض النقاد بأن سعيد هو رهان سيء للعب دور شرطي الحدود، وقد يدفع الناس نحو أوروبا بدلا من إعادتهم لتونس.
ونقلت الصحيفة عن طارق المجريسي، الزميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قوله إن “سعيد وما يفعله في البلد هو الدافع الحقيقي للهجرة”، مضيفا إلى أن الاوروبيين يفاقمون الوضع ولا يوفرون الحل له بحسب نيويورك تايمز.
وأكد التقرير أن سعيد لم يفعل أي شيء لتصحيح اقتصاد البلد الذي ينهار حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا الذي زاد من التضخم في العالم، كما رفض رزمة مساعدات بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لأنها اشتملت على ما أسماها “إملاءات”.
وبحسب الصحيفة فإن أنه بالنظر للصورة القاتمة لتونس فإن الكثير من التونسيين وصلوا إلى أوروبا العام الماضي أكثر من أي وقت مضى.
وفي ظل رئاسة قيس سعيد أصبحت تونس محطة العبور الأولى لأوروبا، بحسب بيانات الإتحاد الأوروبي التي كشفت أن تونس هي أكبر مساهم في خطوط الهجرة الرئيسية لأوروبا،
حيث تضاعفت القوارب القادمة منها لاعتقاد المهاجرين أن تونس أكثر سلامة من ليبيا للعبور إلى أوروبا.

نظرية المؤامرة واليمين المتطرف الأوروبى

وتحدثت، عن زيادة رحلات العبور بشكل متتابع بعد تصريحات سعيد في شباط/فبراير الماضي، من أن المهاجرين القادمين من دول الساحل والصحراء يحاولون تغيير الطابع السكاني والثقافي لتونس.
ورأت الصحيفة أن تصريحات سعيد عكست نظريات المؤامرة التي يحملها اليمين المتطرف في أوروبا وأن هناك مؤامرة لاستبدال السكان البيض بمهاجرين من أفريقيا أو ما تعرف بنظرية الاستبدال العظيم،
وأشارت إلى بدء موجة اعتداء على المهاجرين عقب تصريحات سعيد حيث هوجم مهاجرون وطلاب وحتى من يعملون بطريقة شرعية ونهبت بيوتهم وتعرضوا للضرب والطرد.
ونفى سعيد من أن تصريحاته عنصرية لكنه أشار أن المهاجرين لم يعد مرحبا بهم “تونس ليست شقة مفروشة للبيع أو الإيجار”، ولا يعرف إلى أي مدى سيعمل سعيد مع الإتحاد الأوروبي،
فقد قال هذا الشهر إنه لن يقوم بحراسة أي حدود غير الحدود التونسية.
وأوضحت الصحيفة، أن تصريحات سعيد الأخيرة أثارت إحباط المانحين الأوروبيين،
ويقول المسؤولون إن تونس قادرة على وقف الهجرة من صفاقس إلا أنها تتمنع من أجل الحصول على تنازلات.
وتحدثت الصحيفة، عن محاولة سعيد انقاذ شعبيته المتراجعة من خلال رفض التأثير الأجنبي وجعل المهاجرين كبش فداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق