الأهداف الرئيسية لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
أشرقت شمس القرن الثاني عشر الهجري وأكثر المسلمين في البلاد الإسلامية يعيشون في ظلمات الجهل، ويتخبطون في دياجير الظلام، الشرك بينهم منتشر، والحق عندهم مندثر، يعبدون الأصنام والأوثان، ويطوفون بالقبور والأحجار، يقدمون لها القرابين، وينذرون للجن والشياطين.
المحتويات
الهدف الأول: إيضاح عبودية المخلوق للخالق وتحقيقها
الهدف الثاني: الاهتمام بالمجتمع الإسلامي
الهدف الثالث: إقامة دين الله
مطلع القرن الثاني عشر الهجري وعودة أيام الجاهلية الأولى
فيا ليت شعري، هل عادت أيام الجاهلية الأولى بعد أن محاها محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، أم أن الإسلام لم يدخل هذه البلاد، ولم يطأ هذه الوهاد.
يقول ابن غنام: “كان أكثر المسلمين في مطلع القرن الثاني عشر الهجري قد ارتكسوا في الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، وانطفأ في نفوسهم نور الهدى لغلبة الجهل عليهم واستعلاء ذوي الأهواء والضلال، فنبذوا كتاب الله تعالى وراء ظهورهم واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الضلالة وقد ظنوا أن آباءهم أدرى بالحق وأعلم بطريق الصواب، فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين _ أمواتهم وأحيائهم _ يستغيثون بهم في النوازل والحوادث، ويستعينونهم على قضاء الحاجات وتفريج الشدائد، بل أن كثيرا منهم كان يرى في الجمادات كالأحجار، والأشجار، القدرة على تقديم النفع ودفع الضرر، وقد زين لهم الشيطان أنهم ينالون بذلك ثوابا لتقربهم به إلى الله عز وجل1.
والأهداف الرئيسية لدعوة الشيخ ثلاثة، هي:
الهدف الأول: إيضاح عبودية المخلوق للخالق وتحقيقها
ويتمثل ذلك في الأمور الآتية:
أ – الإخلاص في عبادة الله تعالى، وتخليص التوحيد مما شابه من شرك، والدعوة إلى تحقيق ذلك
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى-:
“وأما ما دعونا الناس إليه، فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
وقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18].
وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة:72]2.
ويقول في موضوع آخر:
فأعلم رحمك الله أن الذي ندين به وندعو الناس إليه إفراد الله بالدعوة وهي دين الرسل، قال الله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ}[ البقرة:83]3.
ويقول رحمه الله في الرسالة الموجهة إلى عبد الله الصنعاني: “الذي ندين به عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بعبادة غيره ومتابعة الرسول النبي الأمي حبيب الله وصفيه من خلقه محمد صلى الله عليه وسلم.
فأما عبادة الله فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
وأما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال، والأفعال، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]4.
ب – إبطال التوسل بالأولياء والصالحين
ويتمثل ذلك في قطع الصلة بالقبور والمقبورين، إلا مما ندب إليه الشرع من محبة الصالحين، وأتباعهم، ومن زيادة القبور والاتعاظ بها، يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في رسالة أرسلها إلى أهل المغرب:
“فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربات، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها، لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا”5.
ج_ الكفر بالطواغيت والإعراض عن عبادتهم
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
“اعلم رحمك الله تعالى أن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، والدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة:
الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله، والدليل قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60].
الثاني: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى، والدليل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60].
الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].
الرابع: الذي يدعي علم الغيب من دون الله، والدليل قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} [الجن:26-27].
الخامس: الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:29]6.
ويقول رحمه الله في الرسالة التي بعث بها إلى عبد الله بن سحيم وعدد له فيها مجموعة من المسائل التي قرر العلماء كفر من التزمها:
“وأضيف إليها مسألة سادسة وهي إفتائي بكفر شمسان وأولاده ومن شابههم وسميتهم طواغيت، وذلك لأنهم يدعون الناس إلى عبادتهم من دون الله عبادة أعظم من عبادة اللات والعزى بأضعاف، وليس في كلامي مجازفة، بل هو الحق، لأن عباد اللات والعزى يعبدونها في الرخاء ويخلصون لله في الشدة، وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إياهم في شدائد البر والبحر”7.
د- طرح البدع والخرافات
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أن ساق نصوصا لمحمد بن وضاح القرطبي في كتابه “البدع والنهي عنها” والتي تحتوي على التحذير من موالاة أهل البدع، قال:
“واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من كلام أمثاله من السلف في معاداة أهل البدع والضلالة في ضلالة لا تخرج عن الملة، لكنهم شددوا في ذلك وحذروا منه لأمرين:
الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها فهي عندهم أجل من الكبار ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون به أهل الكبار، كما تجد في قلوب الناس أن الرافضي عندهم ولو كان عالما عابدا أبغض وأشد ذنبا من السني المجاهر بالكبائر.
الثاني: أن البدع تجر إلى الردة الصريحة كما وجد في كثير من أهل البدع8.
ويقول في رسالة أرسلها إلى عبد الله بن سحيم:
“نهانا رسول الله صلي الله عليه وسلم عن البدع في دين الله ولو صحت نية فاعلها”9.
ويقول كذلك في تفسيره لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77].
“فو الله الذي لا إله إلا هو، إن فعل الخير إتباع ما شرع الله، وإبطال من غير حدود الله، والإنكار على من ابتدع في دين الله، هذا هو الخير المعلق به الفلاح”10.
ويقول في بيان النتائج المترتبة على متبع البدع:
1- إن فعل البدع يناقض الاعتقادات الواجبة وينازع الرسل ما جاؤوا به.
2- أنها تورث في القلب نفاقا ولو كان خفيفا.
3- أنها مشتقة من الكفر.
4-أنها تنقص الرغبة في السنن فيفعلها كأنها عادة ووظيفة.
5- أنها تؤدي إلى جهالة الناس بدين المرسلين وانتشار زرع الجاهلية.
6- مسارعة الطبع إلى الانحلال من ربقة الإتباع”11.
الهدف الثاني: الاهتمام بالمجتمع الإسلامي
من الناحيتين التعليمية والتتظيمية وغيرها ويتم ذلك بعدة أمور، منها:
أ – العناية بالعامة من بادية وحاضرة، من ناحية تعليمهم أصول الدين ودعوتهم إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، في بعض رسائله إلى كافة المسلمين والتي بين فيها دعوته:
“فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال”12.
ويقول في موضع آخر من رسالة وجهها إلى المسلمين عامة وأوضح فيها بعضا من الواجبات المتعين الالتزام بها:
“وجوب إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك البدع وإن اشتهرت بين أكثر العوام، وليعلم أن العوام محتاجون إلى كلام أهل العلم من تحقيق هذه المسائل ونقل كلام العلماء فرحم الله من نصر الله ورسوله ودينه، ولم تأخذه في الله لومة لائم13.
وفي تاريخ ابن غنام:
“وكاتب الشيخ بدعوته أهل البلدان ورؤسائهم ومدعي العلم فيهم، وبقي رحمه الله يدعو إلى سبيل ربه بالحجة الواضحة بالموعظة الحسنة، فلم يبادر أحدا بالتكفير ولم يبدأ أحدا بالعدوان، بل توقف عن كل ذلك ورعا منه، وأملا في أن يهدي الله الضالين”14.
ويقول ابن بشر:
“ولما استوطن الشيخ الدرعية وكان أهلها في غاية الجهالة، ورأى ما وقعوا فيه من الشرك الأكبر والأصغر، والتهاون بالصلوات والزكاة، ورفض شعائر الإسلام، جعل يتخولهم بالتعليم والموعظة الحسنة ويفهمهم معنى لا إله إلا الله ويشرح لهم معنى الألوهية”15.
ب- جمع شمل المسلمين بعد التفرق وإطفاء نيران الظلم والفتن بينهم
وقد ظهر هذا واضحا جليا عندما استتب الأمر للإمامين الجليلين، فقد انقشعت غيوم الفتن وزالت مسببات الظلم وحل السلام والوئام بين الناس، فصاروا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ولقد كان محمد بن عبد الوهاب رحمه الله موقنا بأن النصر سيأتيه من الله، وأن الغلبة والعزة والمنعة لمن تمسك بالإسلام ودعا إليه وذلك مصداقا لقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
يقول عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ:
“وتعاهدا – يقصد الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب – على جمع كلمة أهل نجد وإصلاح فسادهم، ولم شعثهم، لأن نجدا لم تكن في وقتهما خاضعة لإمارة واحدة يحترمها الجميع وينضوون تحت لوائها بل كانت مفككة الأجزاء كل واحد أمير بلدته وكل واحد يرى الزعيم من في بردته، وقد أدى هذا التفرق بأهل نجد إلى الفوضى واضطراب الأمن وسفك الدماء، فعمل هذان الإمامان على جمع كلمتهم وتوحيد صفهم، كما عملا على هدايتهم، فسارا في دعوتهما، هذا بالحجة والمناظرة والبيان، وهذا بالسيف والسنان”16.
ج- رفع غشاوة الجهل وكابوس التقليد
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة وجهها إلى عبد الله بن عبد اللطيف “…. لست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني، بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق….”17.
ويقول كذلك في رسالة وجهها إلى أحمد البكبلي صاحب اليمن:
“وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة، أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى”18.
ويقول الإمام عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
“ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ولا أحد منا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب”19.
الهدف الثالث: إقامة دين الله
بين عباد الله بالطرق الموصلة إلى ذلك ويتمثل ذلك في عدة أمور منها:
أ- إعلاء كلمة الجهاد
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة بعث بها إلى عبد الله بن سويلم:
“وذلك أني لا أعرف شيئا يتقرب به إلى الله أفضل من لزوم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال الغربة، فإن انضاف إلى ذلك الجهاد عليها للكفار والمنافقين كان ذلك تمام الإيمان”
ثم يضيف قائلا:
“ومن أفضل الجهاد جهاد المنافقين في زمن الغربة”20.
ويقول كذلك في رسالة وجهها إلى محمد بن عيد:
“ولكن قبل الكلام اعلم أني عرفت بأربع مسائل:
1_ بيان التوحيد مع أنه لم يطرق أذان أكثر الناس.
2- بيان الشرك ولو كان في كلام من ينتسب إلى علم أو عبادة.
3- تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله ثم أبغضه ونفر الناس عنه.
4- الأمر بقتال هؤلاء خاصة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله”21.
ب- الحكم بما أنزل الله
ويتضح ذلك واضحا جليا في المعاهدة التاريخية بين السلطان والداعية، وذلك حينما قال الإمام محمد بن سعود للشيخ محمد بن عبد الوهاب عند أول لقاء تم بينهما: “أبشر ببلاد خير من بلادك وبالعز والمنعة”.
فقال له الشيخ:
“وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين، وهذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم، فمن تمسك بها وعمل بها ونصرها، ملك بها البلاد والعباد “22.
ويصف رحمه الله الذي لا يحكم بما أنزل الله بأنه طاغوت، حينما قال إن الطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة، الثالث منهم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].
ج- إقامة الحدود
يقول المؤرخ ابن غنام:
“ولم يزل الشيخ رحمه الله مقيما في العيينة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعلم الناس دينهم ويزيل ما قدر عليه من البدع ويقيم الحدود ويأمر الوالي بإقامتها، حتى جاءته امرأة من أهل العيينة زنت فأقرت على نفسها بالزنا وتكرر ذلك منها أربعا فأعرض الشيخ عنها ثم أقرت وعادت إلى الإقرار مرارا فسأل عن عقلها فأخبر بتمامه وصحته فأمهلها أياما رجاء أن ترجع عن الإقرار إلى الإنكار فلم تزل مستمرة على إقرارها بذلك فأقرت أربع مرات في أيام متواليات فأمر الشيخ رحمه الله الوالي برجمها لأنها محصنة، بأن تشد عليها ثيابها وترجم بالحجارة على الوجه المشروع، فخرج الوالي عثمان بن معمر وجماعة من المسلمين فرجموها حتى ماتت، وكان أول من رجمها عثمان نفسه، فلما ماتت أمر الشيخ أن يغسلوها وأن تكفن ويصلى عليها.
فلما جرت هذه الحادثة كثرت أقاويل أهل البدع والضلال، وطارت قلوبهم خوفا وفزعا، وانخلعت ألبابهم رهبا وجزعا، وتطاولت ألسنة العلماء عليه ينكرون ما فعل مع أنه لم يعد الحكم المشروع بالسنة والإجماع”23.
د- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لقد أمضى الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته كلها آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، وكان يحث على ذلك ويحض عليه ويأمر أتباعه بالحرص عليه وتنفيذه، فنجده يقول في الرسالة التي بعث بها إلى أحمد بن سويلم وثنيان بن سعود:
“الإنسان لا يجوز له الإنكار إلا بعد المعرفة، فأول درجات الإنكار معرفتك أن هذا مخالف لأمر الله”24.
كما يقول في رسالة موجهة إلى أهالي سدير موضحا لهم فيها شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
“أهل العلم يقولون الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى ثلاث: أن يعرف ما يأمر به، وينهى عنه، ويكون رفيقا فيما يأمر به وينهى عنه، صابرا على ما جاءه من الأذى، وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به، فإن الخلل إنما يدخل على صاحب الدين من قلة العمل بهذا أو قلة فهمه، وأيضا يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره”25.
الهوامش
(1) انظر تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والأفهام، حسين بن غنام، ج1 ص 10.
(2) مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، المجلد 5، الرسائل الشخصية، الرسالة 14، ص: 95.
(3) الرسائل الشخصية، الرسالة 15، ص: 101.
(4) الرسائل الشخصية، الرسالة 16، ص: 104- 106، بتصرف يسير.
(5) الرسائل الشخصية، الرسالة 17، ص:111.
(6) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، العقائد والآداب، ج1، مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان، ص: 376.
(7) الرسائل الشخصية، الرسالة 11، ص: 75.
(8) مجموعة المؤلفات، العقيدة والآداب، ج 1 كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، ص: 315.
(9) الرسائل الشخصية، الرسالة 12، ص:84
(10) الرسائل الشخصية، الرسالة12، ص:85.
(11) مجموعة المؤلفات، ملحق المصنفات، ص 87، بتصرف يسير.
(12) الرسائل الشخصية، الرسالة 22، ص 158.
(13) الرسائل الشخصية، الرسالة 26، ص 180.
(14) روضة الأفكار والأفهام، حسين بن غنام، ج 1ص 172.
(15) عنوان المجد في تاريخ نجد ج1، ص 44.
(16) انظر دعوة الشيخ ومناصروها، ص 9.
(17) الرسالة الشخصية الرسالة 37، ص 252.
(18) الرسائل الشخصية، الرسالة 14، ص 96.
(19) الهدية السنية والتحفة النجدية، سليمان بن سحمان، ص 48.
(20) الرسائل الشخصية، الرسالة 42، ص 288.
(21) الرسائل الشخصية، الرسالة 3، ص 25 بتصرف واختصار.
(22) عنوان المجد في تاريخ نجد، ج 1، ص 45.
(23) تاريخ نجد لابن غنام، ج 1، ص 79.
(24) الرسائل الشخصية، الرسالة 41، ص 284.
(25) الرسائل الشخصية، الرسالة 44، ص 296.
المصدر
كتاب: “أهداف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب” إبراهيم بن عثمان الفارس، ص5-28.
اقرأ أيضا
الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب
هروب من الوهابية .. أم انسلاخ من الإسلام؟
الإسلام توحيد المشرِّع ومتابعة المبلِّغ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق