الأربعاء، 26 يوليو 2023

رسالة مفتوحة إلى السيد الرئيس رجب طيب أردوغان

 رسالة مفتوحة إلى السيد الرئيس رجب طيب أردوغان

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد،

فقد كنت أحد الذين شهدوا هبّة الشعب ليلة تموز التاريخية عام ٢٠١٦ضد الانقلابيين، ولاحظت استجابة الشعب الحر لكلمتكم القصيرة التي غيرت مسار الأحداث بتوفيق الله، وظهرت في تلك الأزمة إمكاناتكم القيادية الهائلة، وحرص شعبكم على العزة والحرية وألا تغتصب بلاده ولا حقوقه، وذاك مشهد رفع رؤوس من يحبكم عاليًا، وأجبر خصومكم على الاعتراف بصعود أمة تصنع تاريخًا جديدًا.

في مجلس في إسطنبول، بعض أفراده أتراك وبعضهم عرب أو من جنسيات أخرى، ورد الحديث عن ظاهرة العنصرية في تركيا، ويهمكم أن تعرفوا ماذا يقول الناس عما يحدث في بلادكم، وعما لا نتمنى أنا سمعناه ولا أن غيرنا رآه، وأنتم قادرون على مواجهته بجدارة، فمثلًا:

  • امتلأت وسائل الإعلام في كل مكان بصور عن تهجير السوريين وآخرين وأحيانًا مشاهد لضرب بعضهم، وجرى استغلال تلك المشاهد التي تسيء إلى تركيا عن تعامل شرطتها مع السياح، مسلمين مقيمين وعابرين. ويقول آخرون: هذا الذي سجلته آلات التصوير، وما لم يسجل أفظع مما سُجّل.
  • كان موقفكم من اللاجئين السوريين، جيرانكم وشركاء الدين والمصير، موقفًا مشرفًا واستضافة وكرمًا تميزت بها بلادكم عن كل دول العالم. وقد مثلتم أملًا للناس في محيط حاق به الفشل في إنجاز المصالحة والوحدة، وكما يُقال صاحب المعروف يُتمم معروفه دون منٍّ ولا إساءة.
  • هناك من يفسر ما يحدث بأنها عقدة عنصرية ضد بعض المقيمين وبعض السياح، فإذا عانى تركي من عنصرية أوروبي فكيف يبتهج بمن لا يقدره ويسيء إلى من يحترمه؟ ولماذا ينقل هذا المرض إلى زوار بلده؟
  • إن لقي سائح أو مقيم عنصرية فإنه سيحذر قومه وكل من يقرأ أو يسمع عن بلادكم، فالسائح يحتاج من ماله أن يكرمه لا أن يهينه، وإن ضاقت به بلاد فإن أرض الله واسعة. وكما كانت تعاني تركيا قبل ٢٠٠٢ من إعراض الناس عنها، فإن هذه التصرفات ستطرد من يفكر في القدوم، وتضر ببلادكم في كل المناحي. وما نحن بصدد الحدث عنه هنا حق لمن تضرروا وليس تلطفًا أو مجاملة.
  • إن كان أصدقاؤكم كُثرًا فإن خصوم توجهكم في المنطقة يحشدون سرًّا وعلنًا لأسباب أيديولوجية أو تبعية لمواقف دولية، وليس من المصلحة ظهور الأخطاء وتكرارها، فأعشاش الزنابير منتشرة وستستغل الأخطاء.
  • إن من المهم ربط التواصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بيننا بسلوك مودة وتعاون أرقى، فتركيا المرفوضة أوروبيًّا لها عمقها ومجالها العربي الإسلامي، حيث المال والأسواق والسياح والتجارة والتاريخ والجغرافيا الجامعة، فآسيا الصغرى لم تكن بعيدة ولا غريبة على العالم العربي من قبل الإسلام، ومن بعده كان يتنافس على دعاء مسجدها العباسيون والأندلسيون، ولذا فرعاية الجوار والود أمانة في عهدكم وفي أعناق شعبكم الكريم الشجاع.
  • قال ناس إن الشعارات التي رفعت ضد الأجانب كان سببها انتخابيًّا، والآن إن كان كذلك فلم تعد تلك الشعارات مفيدة للبلاد، وكل حكومات العالم تتخلى عن الخطابات الشعبوية حين تدير البلاد وتعرف الأضرار الكامنة وراء الخطاب الشعبوي.
  • سيادة الرئيس، يجب ألا يستمع أحد لأهل الاعتذارات والمبررات، فحتى إبليس قدم لكفره بمبررات عنصرية، وإن التسامح مع العنصرية سيصنع اليوم الذي يقتل فيه الجار جاره لأنه من عنصر آخر. وذاك سرطان ثقافي يحتاج إلى علاج عاجل وليس إلى تأمل ولا لتبرير. يجب مواجهة المسيء من أي مكوّن، وإن كان قد ورث أجدادنا كراهية متبادلة فلا يعقل أن نجددها ونورثها لمن بعدنا.

ختامًا، إن الشعب الشجاع الكريم الذي استمع لكلمة الحق ليلة تموز وكرر ثقته بكم هو نفسه موجود الآن، وسيصيخ لموقف ولكلمة حق ضرورية في هذه الظروف، والفاضل يحتاج تذكيرًا بفضائله، فإن غاب وازع الأخوة والجوار وغاب الوعي الاقتصادي فإن الخسائر المادية والمعنوية ستتراكم.

وفق الله الجميع للخير والسعادة، وجعل الجميع صالحين متصالحين.

محمد الأحمري

 الدوحة وإسطنبول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق