بيت الله الحرام ومقامات الإكرام
باديـــة شكاطممثلة الجزائر في منظمة اعلاميون حول العالم
عضو مؤسس
قال تبارك وتعالى:{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِليَّ أَنَّمَآ إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} (الكهف 110 )
فالعمل الصالح لقاء بين العبد وربه،بين مملوك أذن له الملِك بأن يصل إلى مقام اللقاء،وهو الذي إن شاء ذَهب به قبل أن يَذْهب إليه،ولايعجزه ذلك وكل شئ في قبضته وبين يديه.
غير أن الودود أذن له أن يسمع آذانًا يُرفع،بأن الله أكبر من كل جاه وسلطان،وأكبر من كل خوف وحرمان،ليقبل بقلبه إلى قبلة ربه وصراطه المستقيم،راكعا وساجدا،فيصطفيه تبارك وتعالى بنداء ليأتيه إلى بيته الحرام ويلبيه.
قال جلّ وعز: {َوَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَام} (الحج :27 -28)
إنه البيت الذي شرفه الله بأن جعل الأفئدة تهوي إليه تاركة جميع الأهواء،التي دارت بالرؤوس كما دارت بالمخمور الخمر في الكؤوس،فتناجي أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين الذي دعاها ثم أراد أن يستجيب دُعاها،فعند بيته جل في علاه تنقطع عن المستكبر أوصال كبره،فيدرك ضآلة حجمه وحقيقة هويته،فلا زهو هنا بأفخر الثياب،ولا بما لذ وطاب،فالجميع تجرد من كل ذلك وأصبح لايرجو سوى الفوز بالحسنات التي تورده الجنات،ولا فضل عند بيت الله لغني على فقير،فالفقير من لم يذهب بفقره إلى الله،والغني ذاك الذي لم يستغنِ عن الله،ولا فضل عنده لعربي على عجمي إلا بذكر الله،ولا لأبيض على أسود إلا بالذي قد نجاه الله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
قال تبارك وتعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وَجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون} ( آل عمران 106 )
ولا تكاثر هنا في الأموال ولا الأولاد ولا الحقائب ولاالمناصب،إنما هوالتكاثر في الأجور،فتلك التجارة التي لن تبور،فتتحرك كل ذرة من جسد المسلم حول بيت الله الحرام باحتساب ليوم الحساب،وبانعطاف إلى ربه لنيل رحمته وعطفه.
وأما الذكر والأنثى،فالمرأة وإن كانت بوصلة قلبها واحدة كالرجل،إلا أن قالبها بقي المصون عن ما زاغ من العيون،وفي ذاك تجلٍ مشرق لصبغة الله في الحرام والحلال،يجلى به ماغشي الفطرة من زيغ وضلال،كما أنه لافضل لعربي على عجمي،ولا تباين بين الأعراق والأصول،فالكل بربه موصول،بخلاف بقية الأديان التي ترسخ للعنصرية المقيتة،فاليهودية مثلا قد جعلت شعب بني اسرائيل شعب الله المختار الذي منحهم دون العالمين محبته ورحمته،وجعلهم سادة على جميع خلقه،ونذكر من نصوصهم:
(وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ،مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ) ارميا 3:31
(وَيَقِفُ الأَجَانِبُ وَيَرْعَوْنَ غَنَمَكُمْ،وَيَكُونُ بَنُو الْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ أمَّا أَنْتُمْ … تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ الأُمَمِ، وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ) سفر أشعياء 56/61
وكذلك نجد هذه العنصرية والفوقية متجذرة بعمق في العقيدة المسيحية،حيث أنهم صفوة الخلق عند الله وأولاده الأنقياء الذين خصهم وابنه بالمحبة_تقدس في عليائه وحده لاشريك له_ فهو تبارك وتعالى وإن كان خالق البشرية جمعاء لكن أبوته حسب زعمهم لهم خاصة،وبموجبها سيتحمل شقاوته كما يتحمل الأب أبناءه،كما ورد في هذه النصوص:
(لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله) رومية 14/8
(الروح نفسه ايضا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن كنا أولادا فإننا ورثة أيضا،ورثة الله ووارثون مع المسيح) رومية 8
(وأما أنتم فجنس مختار،وكهنوت ملوكي،امة مقدسة شعب اقتناء،لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة الى نوره العجيب)
1بطرس2 : 9
(وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه) يوحنا 12/1
أيها الأحباء، الآن نحن أولاد الله) يوحنا
فكانت لهم بعقيدتهم حظ الحظوة والتميز الإلهي المقدس.
في حين ديننا الإسلامي الحنيف قد جعل الناس سواء ورسالته للناس كافة،حيث يقول تبارك وتعالى في كتابه العزيز:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } سبأ 28
فأصبح بذلك انقياد الإنسان لأداء هذه المناسك أشبه بانقياد مريض لأوامر الطبيب،وأشبه بمن لاح له الفجر بعد ظلام،أوفارق الموات ليعانق الحياة،قال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال24)
فالحياة الحقيقية هي الحياة الموصولة بالله من خلال أوامره ونواهيه،وبمناجاته والبكاء بين يديه،تلك الحياة التي تجعله يعيش باسم الله ويموت بأن إليه منتهاه،يقول عز وجل:{ وأنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنتَهى،وأنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأبْكَى،وَأنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } (النجم: 42- 44 )
وقال تبارك وتعالى: { قُل إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} (الأنعام 162)
فيرتقي بهذا الدين عن البهائمية بكل ماأوتي من إنسانية،أما الذين انقطعت بهم السبل عن سبيله عز وجل فهم في واد من التيه سحيق،غير مدركين ماتركوا من أنوار لها أن تقلب ليلهم إلى نهار.
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:{ مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم،كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا،فكان منها نقية قبلت الماء،فأنبتت الكلأ والعشب الكثير،وكانت منها أجادب،أمسكت الماء فنفع الله بها الناس،فشربوا وسقوا وزرعوا،وأصابت منها طائفةً أخرى،إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله،ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم،ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا،ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به}
إنما ينبغي أن يكون غاية كل ذلك مرضاة وجهه الكريم وحده،بماتتشرب الروح والجوارح من منابع الإخلاص،كي يتم قصد النفس من الإنعتاق والخلاص،يقول الشيخ والإمام الغزالي رحمـه الله:”ليجعل الحاج عزمه خالصًا لوجه الله سبحانه وتعالى بعيدًا عن شوائب الرياء والسمعة،وليتحقق أنه لايقبل من قصده وعمله إلا الخالص،وإنّ مِن أفحش الفواحش أنْ يقصد بيت الله وحرمه والمقصود غيره،فليصحّح مع نفسه العزم وتصحيحه بإخلاصه،وإخلاصه باجتناب كلّ ما فيه رياء وسمعة،فليحذَر أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير”
باديـــــــة شكاط كاتبة في الفكر،السياسة وقضايا الأمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق