الثلاثاء، 14 مايو 2024

قلعة المحتل.. مطاردة حراس الصهيونية

 قلعة المحتل.. مطاردة حراس الصهيونية

نور الدين قدور رافع



أكثر من نصف عام على الحرب في غزة، والقصف يشتد وأعداد الشهداء والمهجرين في ازدياد، وأمام همجية الاحتلال الصهيوني واستخدامه أعتى أدوات القتل والإبادة انتقاما من الفلسطينيين، يقف العالم الحر الذي يفترض أنه الأب للقيم الإنسانية والقانونية بمؤسساته الدولية، موقفا مخزيا ومتواطئا مع التنكيل والتهجير الممنهج تقوده حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بل تجاوزت تصريحات القادة الغربيين حد الاعتراف الصريح نحو الدعم الكامل لعملية الإبادة الجماعية تحت مسمى حق الدفاع عن النفس.

وحيث لا يزال الاحتلال بدباباته وطائراته يستهدف المدنيين والأطقم الإغاثية والطبية، تتحرك بوارج الإمبراطورية نحو المضايق الحمراء، التي أعلنت دعمها للمقاومة الفلسطينية، باستهداف السفن المتوجهة للاحتلال، كي تحمي رايات الحضارة الرأسمالية المتوحشة باسم الازدهار والتنمية، مهددة المنطقة والعالم بحرب عالمية تدور رحاها في شرق أوسطي تأخر ربيعه الثاني، فهل يشهد العالم حرب استنزاف للإمبراطورية، أم أن التحركات الشعبية والمؤسساتية الداعمة للفلسطينيين ستفرض سناريوهات أخرى تدك معاولها قلاع الصهيونية؟

غزة وإن غيرت نظرة العالم بأسره للمشروع الصهيوني ومواليه من الحكومات العربية، فهي تذكرنا بمأساة اللحظة التاريخية التي اجتمعت فيها قوى الشر للإطاحة بطموحات شعوبنا في الحرية والعدالة

الطوق الآمن.. افتقاد الربيع الخليجي

أظهرت صور إلقاء المساعدات الإنسانية بالطائرات على شمال قطاع غزة، حجم التواطؤ الذي ابتليت به المسألة الفلسطينية من دول الطوق، فبالتزامن مع استمرارية الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، كانت الملامح التي ترتسم على ما يفترض أنهم حماة القيم الإنسانية والقانون الدولي ومواليهم ممن هيمنوا على إدارة المقدسات الدينية، تمثل الوجه الأكثر قتامة في تاريخ البشرية، حتى إن النازية في شكلها الفظيع وفق السردية الغربية لها، لا ترقى لتكون حلقة في مسلسل جرائم الاحتلال الصهيوني، وما كان يجب أن يكون إنسانيا بالضرورة، بات اليوم يمثل تهديدا للنظام العالمي القائم على الاستلاب والتبعية.

ومع أن طرود الإغاثة العربية والأجنبية سقطت مجملها في البحر، لم تتجرأ أنظمة الطوق التي فرضت واقعا مؤلما على الفلسطينيين، في تقديم أدنى مساعدات إنسانية خارج الإرادة الصهيونية، ومشاهد بعض الحكام العرب يقودون الطائرات محملة بفتات الإغاثة، ما هو إلا امتصاص للاحتقان الداخلي الذي يهدد عرش ممالك الطوق، بل قد تستشري عدواها إن استمرت المظاهرات الشعبية في دول الطوق وانتقلت إلى عواصم عربية، ويكفي أن تتحرك الشعوب في المنطقة الخليجية لتوقف التهافت المخزي لموالي التاج البريطاني، ولتدعم المقاومة التي دعا قائدها لانتفاضة الشعوب في جمعات الغضب، فالاحتلال وإن ملك القوة العسكرية فهو غارق في دوامة تبعات عملية السابع من أكتوبر، من أجل ذلك كان العمل على تصويب تحركات الشعوب العربية وعدم التوقف في دعم المقاومة بالقوافل الإنسانية فحسب، بل بالتحرك الجماهيري في العواصم العربية انطلاقا من تلك التي تفرض حصارا على دخول المساعدات الإنسانية والأسلحة للفلسطينيين، وفتح ممرات آمنة داخل الدول الداعمة للكيان المحتل، ومهما بدت مواقف المؤسسات الدولية وقراراتها النسبية المستنكرة للإبادة الجماعية، إلا أن بقاء الاعتراف بمؤسسة الرئاسة الفلسطينية يمثل اعترافا ضمنيا بالاحتلال، كونه الممثل الصريح للمشروع الاستيطاني الذي تقوده الإمبراطورية بديلا عن المقاومة الفلسطينية.

تخرج الجماهير الأردنية نحو سفارة الاحتلال، ويستشيط ذباب المطبعين في شيطنتهم واتهامهم، ويدعو الشيخ الصادق الغرياني بفتواه وجوب تأخير العمرة وتقديمها للمقاومة، لتعوي منابر المرجئة من مخابر المدخلية ممن استأنسوا طعم البسبوسة وتزمزموا مجالس الطغاة، بينما يكيد التاريخ لهم وللذين ألفوا الارتماء في أحضان التبعية والانبطاح واعتذروا إن بيوتنا عورة، وألسنتهم تقطر صهيونية نكاية في الذين قدموا دروسا عظيمة للعالم عن معنى الحرية والكرامة، ومظاهرات الأردنيين ما هي إلا نفس من ريح تأذن في سقوط أحجار الدومينو، التي أصبحت تدق نواقيس التغيير في بلاط ملوك لم يأمنوا على مسرى رسول الله، ولا على حرمة دم مسلم، ولا حتى على ميثاق إنساني، فمن امتهن الخاشقجية والبراميل المتفجرة كان لزاما أن ترعبه الأصوات التي من شأنها أن تنفخ في قلاع تراصت أسوارها بأساطير تاريخية، وغزة وإن غيرت نظرة العالم بأسره للمشروع الصهيوني ومواليه من الحكومات العربية، فهي تذكرنا بمأساة اللحظة التاريخية التي اجتمعت فيها قوى الشر للإطاحة بطموحات شعوبنا في الحرية والعدالة، ومن ساهم في اسقاط الشرعية الثورية في دول الربيع العربي، شريك في وزره وسيحمل أثقاله وأثقال الذين يسومون المدنيين في فلسطين ويلات الإبادة الجماعية.

واجب الشعوب بمثقفيها ونخبتها السياسية والعسكرية أن تلعب العديد من الأوراق التي يمكن أن تخلط ترتيبات التهجير والإبادة الجماعية

المضائق الحمراء

مع أن إسرائيل تملك قوة عسكرية تفوق الكثير من الدول المطوقة لها وفق الأسطورة التي تزعم امتلاك الاحتلال الصهيوني لترسانة نووية، إلا أنها ما زالت تلاقى الدعم العسكري واللوجستي من الولايات المتحدة الأميركية مع شركائها الغربيين ومن المنطقة العربية، ولم يتوقف دعم الاحتلال عسكريا بل تجاوز لإخراجه من الأزمات التي تضرب تحالفه السياسي واستقراره الاقتصادي، بضخ المساعدات نحو الاحتلال انطلاقا ممن يفترض أنهم اخوة الدين والجغرافيا، غير أن الخديعة وإن بدت ظاهرة العيان والمرسخة لفكرة اجتثاث المقاومة الفلسطينية، إلى جانب التآمر المخزي على حق الشعب الفلسطيني في الحياة، فواجب الشعوب بمثقفيها ونخبتها السياسية والعسكرية أن تلعب العديد من الأوراق التي يمكن أن تخلط ترتيبات التهجير والإبادة الجماعية التي تقودها الإمبراطورية، وحيث الغربي لم يتوقف عند المظاهرات والتنديد، فإنه يسعى بوسائل أكثر إيلاما وجدوى للوصول إلى المراكز التي تدعم الاحتلال الصهيوني بالأسلحة، كاشفا الزيف الذي احتله طيلة عقود من الامتيازات الممنوحة لإسرائيل.

وبينما تتوقف عملية المساعدات الدولية على ما يفترض أنه إنساني، وفي ظل تهافت أنظمة عربية لتصفية المسألة الفلسطينية بالقضاء على أي نفس تحرري من شأنه أن يسلط الضوء على المأساة التي تعيشها غزة، تسعى جهات شعبية ومؤسساتية لاستهداف داعمي الاحتلال في المحافل الدولية وخارج الاطار الأممي، وما كان غلق المضائق إلا ردة فعل إنسانية تجاه النازية الإسرائيلية، وحرب الإبادة التي تستعر نارها على المدنيين والطواقم الاغاثية، أزاحت أي فاعلية للقانون الدولي لتترك العمل المسلح للمقاومة هو الركيزة الصلبة لإنهاء الاحتلال، ولعل الفكرة الأكثر فاعلية والتي يتم استرداد شخصياتها التاريخية، هي جدوى العمل الثوري والنضال المسلح ضد نظام دولي لخص سيرته الحضارية بعناوين صهيونية، والغربي يدرك الآن أن الإمبراطورية التي تحتل جغرافيته ومؤسساته السيادية باسم الاتحاد، بترسانتها الإعلامية والحربية فشلت في مشروعها الاستيطاني الاستئصالي بالشرق الأوسط، أمام لحظة تاريخية فاصلة قدر لها أن تمنح المقهورين والمحاصرين أن ينالوا حريتهم بالرصاص، بعدما فشلت مئات الجولات من مفاوضات التسوية التي يغتالها الاحتلال قبل امضائها، ومع سيول الدم التي لم تترك موطئ قدم إلا سقته في غزة، تستحيي شعوب العالم الحرّة أن تطأ تلك الأرض الطاهرة إلا وهي حافية الاقدام منكسة الرقاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق