الثلاثاء، 7 مايو 2024

منبع الشر الكبير

منبع الشر الكبير

م.محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية


ماذا أفعل وكل الأمور والكوارث تؤول وترجع إلى منبع شر واحد كبير لا ترجع لغيره؟!

هل تذكرون يوم وقع الانقلاب على مرسي رحمه الله، فسحب قوم أنفسهم من معركة الحق والباطل، قالوا: هذا خلاف سياسي، وهذا حديث كراسي، وهذا صراع سلطوي.. وإنما نحن حراس الدين والشريعة والعقيدة؟!!

ما فعلوا بذلك إلا أنهم سحبوا أنفسهم من المعركة، فأضعفوا جانب الحق، ثم إنهم بقولهم هذا أضلوا كثيرا من الناس، فوقع في صفوف الحق الخطأ والخطل والزعزعة..

فماذا كانت النتيجة؟

انتصر الباطل وانتفش وتمكن، ونشر لهم الإلحاد والفجور والإباحية، وافتتح لهم مراكز ممولة في قلب العاصمة الإسلامية لتنشر الكفر والفجور وتزدري الدين ونبيه وصحابته أجمعين..

فهل قاموا لينتفضوا؟ قد فات الوقت.. إنهم الآن عاجزون، لا يستطيعون.. من كان منهم غبيا عرف الآن أنه لم يكن صراع كراسي ولا خلاف سياسة ولا شأنا نخبويا من ماجريات الأحداث.. بل كان صراعا في قلب العقيدة والشريعة والدين.

وأما من كان جبانا فلقد كان يعرف من البداية.. ولكنه كان أجبن من أن يعترف بجبنه، وأخبث من أن يتخلى عن كبره، فاصطنع قولا يحفظ به مقامه في الناس ويتفلسف به لتبرير انسحابه وانعزاله ونكوصه عن الواجب.

هذه هي القصة الحزينة البائسة للمنتسبين إلى الدين والشريعة..


فأما المنتسبون إلى الوطنية والدولة والمؤسسات فقصتهم أكثر بؤسا وأشد فجيعة..

ما من وطني
حقا إلا وهو يعرف أن انقلاب عبد الفتاح السيسي لم يكن لصالح الشعب ولا البلد.. بل كان لصالح الصهاينة والأمريكان وطغاة العرب والعجم..

وما من وطني حقا له الحد الأدنى من المعرفة كان يظن أن جيشا كجيش مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي يمكنه فعلا أن يدافع عن البلد أو أن يحمي الحدود.. والله إن هذه لخرافة لا تسكن إلا عقول الجهلة والمنافقين الأوساخ.. فأما من قرأ شيئا من تاريخ هؤلاء العسكر فقد كان عارفا منذ اللحظة الأولى أن البلد وشعبها سيدفع الثمن العظيم من دمائه، وأن غزة سيزداد حصارها وأن إسرائيل هي أسعد الناس بانقلاب كهذا.

وحتى من كان جاهلا لا يعرف، فلئن كان مخلصا فلقد كان سيعرف هذا مع الأيام الأولى من الانقلاب، لشدة ما يرى من تأييد وفرح وطرب في صفوف الصهاينة والأمريكان وطغاة الخليج.. ولكن الأوساخ كثر، والإعلام مفتوح لهم.

والآن، يرى الجميع أن عسكر مصر بقيادة #السيسعدوالله هو أهون وأقل وأذل من أن يوقف استيلاء الصهاينة على معبر رفح أو أن يحمي الحدود أو أن يحفظ ماء النيل.. وهذا الآن هو كلام الغبي المغفل.. فأما من له أدنى فهم فهو يرى الخيانة والعمالة والتصهين في أجلى وأوسخ وأحقر صوره!

لا حقيقة الآن أشد وضوحا من حقيقة أن عبد الفتاح السيسي ونظامه شريك كامل الشراكة، بكامل الأصالة، في تدمير غزة وإبادة أهلها وتجويع شعبها وموت أطفالها.. من لم ير هذا فليس بالأعمى بل هو الخائن.

كان "المنتسبون" إلى الوطنية يروجون للانقلاب العسكري لأن مصر تحتاج قائدا قويا وجيشا قويا ودولة قوية.. خبتم وخسرتم، وأسأل الله أن يعذبكم كما كنتم تكذبون وتضللون الناس.. في ميزانكم كل قطرة دم تسيل وكل دمعة تنحدر على خد مكلوم ومقهور وموجوع.

وبقي قسم ثالث.. قسم خائن في صفوف المظلومين.. قسم بذل كل جهده وسفك كل طاقته وعمل ما في وسعه ليمنع الناس من مقاومة الانقلاب.. ووصلت خيانتهم إلى تسليم كثير ممن قاوموا، وإلى منع الأموال عن أسرهم وأسراهم ليجوعوا ويذلوا.

في ميزانكم كل جريمة ارتكبها الانقلاب كان يمكن ألا تحدث لو أنه لم يتمكن ولم يترسخ بفضل تعاونكم وخذلانكم وخيانتكم.

من أي زاوية نظرتَ إلى كوارث أمتنا وصلت إلى قلبها: النظام الحاكم.. النظام الخائن.. النظام المجرم.. النظام الذي جند البلاد والعباد لخدمة الصهاينة والغرب، ولقتل المسلمين، ولمطاردة الدين!

وأي تغافل عن سد منبع الشر الكبير هذا لن يكون حلا ولا علاجا.. فمن كان صادقا في حراسة الدين والشريعة، أو كان صادقا في حب الوطن والدولة، أو كان صادقا في أي وجه من وجوه الإصلاح فليقصد هذا المنبع الأصلي.. منبع الشر الكبير الخطير: النظام والسلطة.

من تغافل عن هذه الحقيقة، وترك هذا المنبع فلن يستطيع مقاومة نهر الفساد الذي سيفيض منه..

لا الواقف على ثغر الإلحاد سيجد الوقت ولا الفرصة ولا الإمكانية لمواجهة موجة الإلحاد..

ولا الواقف على ثغر العقيدة سيجد الوقت ولا الفرصة ولا الإمكانية لمواجهة تيار شبهات المتشككين في الدين..

ولا الواقف على ثغر الأخلاق سيجد الوقت ولا الفرصة ولا الإمكانية لمواجهة انفلات الاخلاق..

ولا الواقع في حب الوطن والوطنية سيجد الفرصة لتلافي الكوارث الخالدة التي يفعلها نظام خائن يفرط في الماء وفي الحدود ويضيع كل عمق استراتيجي ضروري لأمن البلاد وكل مصلحة حيوية للشعب.

ولا حتى ضيق الأفق الذي لا يرى في الدنيا غير جماعته وحزبه سيجد وقتا ولا فرصة ولا إمكانية لمواجهة ما سينزل بها من ضربات وتمزق وضعف وعجز!

بل ولا حتى الساعي على نفسه ومصالحها الضيقة سيجد نَفَسًا ولا فرصة يواجه بها الحياة وينتزع لنفسه ولأولاده حياة كريمة..

على من يتحرق ويتألم ويتمنى أن لو عاد التاريخ ليتجنب هذا المصير، أن يتأمل ويتبصر ويتفكر: ماذا يجب أن يفعل الآن لكي لا يستمر هذا الوضع، فإن الكارثة ستكون أعظم لو استمرت في بلادنا هذه الأنظمة الفاجرة الخائنة التي تعادي الله ورسوله والمؤمنين.

معارك كتبت علينا، لا نجاة منها.. بل الهروب منها يزيد من خسائرنا ويضاعف آلامنا ويطيل زمان نكبتنا ومصيبتنا..

والله لقد وددت أن يتفجر معبر رفح والسور الفاصل يوم الانقلاب على مرسي، ووددت لو قد حدث هذا يوم البدء في تهجير رفح المصرية، ووددت لو قد حدث هذا يوم السابع من أكتوبر المجيد.. وقد قلت هذا كله في وقته، بعضه سرا وبعضه علنا.. ولكن أوهام الفكر هي قيود الحركة، والفيروسات التي تسكن العقول تشل الإمكانيات وتضيع الفرص.

ولو تأملنا في تاريخنا لوجدنا أمثال هذه الأمور كثيرة.. ليس أولها نية عرابي ردم هذه القناة اللعينة، قناة السويس، لولا أن سكنته أوهام القانون الدولي، حتى جاءته الهزيمة منها.. فأصبح من النادمين ومن الخاسرين.

ترى كم فرصة نملكها الآن، لا تتعطل إلا لوهم مذموم أو لوعي مسموم قد سكن العقول والقلوب؟!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق