بيني وبينك.. شويّة (عيال)
«إنّ الجِبالَ مِنَ الحَصى». ولولا الشّرارة لَما هَبّتِ النّار، ولولا قطرةُ الماء لَما انداح الطّوفان، ولولا شقائق النّعمان لَما انتشر الرّبيع.
قالوا عنهم: صِغارٌ مَنْ يلتفتُ إليهم؟! أغرارٌ لا يعرفون من السّياسة شيئًا. عُزّلٌ لا يملكون أنْ يُواجهوا ترسانة الأسلحة النّوويّة. مُحاصَرون لا يستطيعون الخروج من بوّابة يتيمة تُسمَّى المعبر. مُطارَدون مَنْ يقفُ إلى جانبهم؟! فُقراء لا يملكون عقدًا على نَقْد. ونَكِراتٌ مَنْ يعبأ بهم؟! باختِصار؛ إنّهم مُهمَلون مَنسيّون لا وجودَ لهم.
غيرَ أنّ فراشةً ما، كبرتْ ألفَ مرّة ذاتَ ضُحى، وطارتْ إلى السّماء فاجتازتِ الحدود والسّدود، وتعمْلَقتْ حتّى غطّى ظلالُ أجنحتها كُلَّ وَبَرٍ ومَدَر، هذه الفراشة التي بدتْ أوّل الأمر ضعيفة هزيلةً غيّرتْ مفاهيم الأُمم والدُّول عن موازين القُوى والضّعف.
هؤلاء الصّغار كبروا فداسوا بنعالهم على الكِبار. وهؤلاء الأغرار غيّروا طريقة التّصويت في الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة، وابتدعوا نَصًّا جديدًا في قوانين محكمة العدل الدّوليّة، ومزّقوا حقوق الإنسان المُزيّفة، وأضافوا شروحًا جديدةً حقيقيّةً على نصّ هذا الإعلان، وفَهّموا العالَم معنى الحرّيّة، فبعدَ أنْ كانتْ حبرًا على ورق صارتْ دمًا على أرضِ الواقع.
هؤلاء العُزّل عزلوا دولة الصّهاينة الباغية فصارتْ منبوذةً في وجدان الأنظمة قبل الشّعوب. وهؤلاء المُحاصَرون حاصروا حِصارهم؛ فجعلوا الجيش الّذي يُقاتِلهم يتلمّس أصابِعَ راحتَيه بعدَ كلّ قذيفةٍ يُطلِقونها، وخرجوا لهم من تحتِ الشّقوق فأصابوهم لا بالذّعر والهلع فحَسْب، بل بالجنون والهلوسة حتّى صارَ بعضُهم يُطلِق رصاصَه على بعضِه أو على نفسِه. وهؤلاء المُطارَدون طارَدوا الظُّلم وأشياعه، وقادة العالَم وكراسيهم، فجعلوا القلقَ أرنبَ يقفز في ضلوعهم، والكراسيّ نارًا تنْشَبُ في أطرافهم. وهؤلاء الفقراء تبيّن أنّهم أغنى النّاسِ عِزّةً وإباءً في أنظمةٍ غارقةٍ حتّى أذنَيها في الذّلّ والهوان رغم ثرائِها الفاحش وزُخرفها الفتّان. وهؤلاء النّكرات تبيّن أنهم المعرفة الوحيدة الّتي تُقاس بها كرامة الشّعوب، والميزان القويم الّذي تعتدل به القِيم وتتحقّق. وهؤلاء المُهمَلون المنسيّون صارتْ لهم الصّولة والجولة، وأهملَ العالَم كلّ شيءٍ والتفتَ إليهم.
لقد ظلّوا يقولون عنهم: «شويّة عيال» دعوهم يلعبوا. إنّ (شويّة العيال) هؤلاء الّذين لم تَكِيلوا بِصاعِهم غيّروا وجه الأرض، وصنعوا المجد، وكتبوا التّاريخ، وجعلوا قُوى العالَم تنحني إجبارًا تحتَ أقدامهم العارية.
هؤلاء (العِيال) أعادوا للإنسان – أيًّا كان – فِطرته السّليمة الّتي فطَر الله النّاس عليها؛ من حُبّ الحقّ والعدل وبُغضِ الزّيف والظّلم، من حُبّ الحُريّة وكُره العبوديّة، فخرجتِ الشّعوب مِمّن ليس لسانُهم كلساننا، ولا دينُهم كديننا، فملؤوا ساحات الجامعات وقوارع الطّرق والحدائق يصرخون بالحُرّيّة لفلسطين ويهزجون بالنّصر للمُقاومة. هؤلاء (العيال) أزاحوا الغِشاوةَ عن عيون الشّعوب في العالَم، وإذا أبصرتِ الشّعوب دروبَها، وعرفتْ حقائق الأمور فمنْ يستطيعُ أنْ يهزمها؟!
AymanOtoom@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق