إضاءات منهجية سياسية في مشروع التحرير والتغيير
الموت العربي والاسلامي أين وفيم يكمن؟
من نافلة الوصف أن يتصف المستوى العربي والاسلامي الرسمي اليوم بحالة موات عجيب، لم يشهدها تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى فلسطين منذ نشوء الدول الوطنية وحتى 7أكتوبر 2023.
وإذا كان تواطؤ حكام وجيوش العرب الواضح والجلي عذرا وسببا يحول دون حراك الشعوب باتجاه فلسطين، فإن هذا ليس عذرا معقولا في التسبب بجمود العقول تجاه واجب الوقت باعمال العقل في معضلة عربية اسلامية تشكل أزمة دول المنطقة الأولى والأكبر!
إن الحال المهول الذي وصلت له غزة وأهلها ينذر بالضرورة بمستقبل كارثي يخيم على القدس والضفة وأراضي 48 وكل فلسطين.
إنه لمن المعيب في حق نخب الأمة المسلمة، وهو تنكر لتاريخها الحقيقي المشرف، أن تنحصر ابداعات الرؤى الواجبة في مسار القضية الفلسطينية في ثلاث مكونات:
1/ إيران التي ألبست الرسن لقيادات المقاومة الفلسطينية حتى قادتهم في الاتجاه الذي تريد، وباتت هي من بين جميع العرب الناطق الرسمي والوحيد باسم قضية فلسطين!
2/ عزمي بشارة نبي العلمانيين القوميين الجديد، والذي وإن تقاطعنا معه في زاوية فإنه يمتلك رؤية ويعبر عن مشروع يتناقض في العمق مع الحق وحقائق الدين، بل ويسعى بفن ومكر في تجفيف معاني ودلالة القرآن الكريم وهز أركان دين المسلمين.
3/ كتاب ومراكز ومفكرو فصائل المقاومة الفلسطينية، والذين لا يجيدون إلا التطبيل والتجميل والتبرير، بل ويبدعون في صياغة الافكار بحسب التوجهات السياسية حتى وإن تناقضت وتبدلت، وأما إن فقدوا البرهان فإنهم يلجؤون لاغلاق العقول بالحديث عن آيات الرحمن في جهاد الأفغان، هذا إن كانوا من الاسلاميين، أما إن كانوا من الوطنيين فاسمع العجب العجاب!
إن واقع فلسطين اليوم يغلي للدرجة التي لا تمكن العقل من النظر العميق والتفكير الواسع الشامل والسديد، وهو عذر مقبول بشكل مؤقت بسبب لظى النيران، وهو ما يوجب بروز دور الجار.
فهل عجزت وتبلدت عقول النخب في مصر ولبنان والأردن وسورية، وهي التي كانت في كل تاريخها المعاصر جزءا من التصور والصياغة للمسألة الفلسطينية؟
إن أسود السنة في لبنان يملكون من التجربة التاريخية والحضور في المسألة الفلسطينية وتاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ما يمكنهم من بحث وابداع رؤية جديدة تقرأ الواقع الجديد في مسار الصراع، دون أن تستسلم لاختطاف حزب الله في لبنان للمسألة الفلسطينية، وذلك بعد أن امتطت إيران القضية وانتعشت بها وانتفشت من خلالها فروعها في لبنان والعراق واليمن وسورية!
كما أن انتصار الفكر الحر وكسر الأصنام واسترداد الهوية في أرض الشام بعد الثورة السورية، يجب أن يعبر عن نفسه في أهم قضية لصيقة بماضيه وحاضره ومستقبله وهي متصلة بمآسيه، فلا يجوز للنخب السورية الثورية أن تبقى منتظرة توجيهات الفلسطينيين وأهل الميادين انطلاقا من القاعدة القاصرة والخاطئة، لا يفتي قاعد لمجاهد، فالتفكير والبحث والابداع ليس قعود عن الجهاد عند الصادقين المهمومين والمنحازين لأمة المسلمين.
كما أن التواجد الفلسطيني الكبير -غير المأزوم والمرتاح نسبيا- في الأردن يمتلك المادة الخام التي تؤهله لإبداع رؤية جديدة في مسار القضية الفلسطينية بعيدا عن حسابات القصر، وهو واجب لا يستثني العقول الأردنية الناضجة والحرة.
أما عن مصر أم العرب ومن فرخت كثيرا من العلوم والعلماء والقيادات والمؤسسين في تاريخ حركات التغيير والتحرير سابقا وحاضرا، فيجب أن يكون لها الدور الأساس والقول المعبر عن الأمة في الشأن الفلسطيني، دون حصره في قيادات الاخوان المسلمين واختزاله بالنقل الحرفي عن اخوان فلسطين، فهذه فلسطين ومسألة الأقصى جزء من عقيدة المسلمين، وهي أكبر من أي حركة وحزب وتنظيم.
أعود فأقول إن الواقع الفلسطيني مأزوم للدرجة التي قد تتلفه لحقبة جديدة وطويلة يستعلي فيها أهل الباطل والمعتدين المحتلين، وقد وصل مشروع الأمة لدرجة العجز تجاه تحقيق الأهداف الأساسية في مسار القضية الفلسطينية نتيجة ضعضعة أحوال الأمة من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة قصور واضطراب المناهج الفلسطينية الحالية، وسوء إدارة الشأن الفلسطيني في بعده السياسي والعسكري نتيجة تطلعات وتحالفات وقراءات خاطئة لدى الاسلاميين كما الوطنيين.
وبكلمة واحدة فإن مشروع التحرير والتغيير في فلسطين بحاجة إلى إعادة قراءة ومراجعة جادة وجريئة، تصف الأمور كما هي، وتتعالى عن العصبية الحزبية وانتماءات الألوان الجاهلية، لتتوب الى الله وتعيد تحديد مرتكزات القضية الفلسطينية، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون انهاء حصرية التفكير والتقرير في مسار القضية الفلسطينية من خلال العقول الفلسطينية، فهل ستتجاوز العقول المصرية واللبنانية والسورية والأردنية الشرنقة الحالية؟ ثم تتحدث معبرة بشكل كامل وأصيل عن أم قضايا العرب والمسلمين؟ هذا ما يتمناه كل مؤمن برسالة معراج سيد النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 12/5/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق