الأربعاء، 3 يوليو 2024

بيني وبينك.. وإنّ جُندَنا لَهُمُ الغالِبون

بيني وبينك.. وإنّ جُندَنا لَهُمُ الغالِبون


لم ينتصر جيشٌ في العالَم ابتِداءً من كثرة، بل من عقيدة، فإنّ العقيدة هي الّتي تجعل السّيف يُغادر غِمده ولا يعودُ إليه إلّا مُنتصِرًا، وإنّها هي الّتي تجعل المُؤمن بها يضغطُ على الزّناد، ويجعل الرّصاصة تنطلقُ من مكمنها حتّى تُثخِنَ في العدوّ فيكون النّصر أو الشّهادة، ولا يُمكن أنْ تتحقّق إحدى هاتين الحُسنَيَين إلاّ إذا كانتْ وراءَها تلك العقيدة الّتي تُشهِر ذلك السّيف، وتُطلِق تلك الرّصاصة، وإلاّ فإنّ السّيوف كثيرة، والرّصاص كثير، والعبرة بعقيدة حائِزهما لا به ولا بهما.
إنّ هذه البِشارة جاءت بعدَ تكذيب، وبعدَ إعراض، وبعدَ تشكيك، لأنّ البِشارة جائزة، والجائزة لا تُعطَى على لا شيء، بل تُعطَى لِمَنْ تعبَ وجاهدَ وصبر وصابرَ، فإذا سلكَ هذه المسالك الوعرة، ومشى هذه الدّروب الصّعبة كانتْ له هذه البِشارة.
ولقد أسند الله الجُند في قوله: (جُندَنا) إلى نفسه بضمير المُتكلّم الجمع، فهؤلاء جُنودٌ مُخلَصون له ومُخلِصون، يُقاتِلون في سبيله، ويُجاهِدون لأجل دينه، فكانوا جديرين بأنْ ينسبهم الله إليه، كما نسبَ العِباد أولي البأس الشّديد الّذين ينتصرون على عدوّهم في سورة الإسراء في قوله تعالى: «بعَثْنا عليكُمْ عِبادًا لَنا أولي بَأْسٍ شَديدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولاً» .
ثُمّ إنّ بِشارة الله بالنّصر هي أمرٌ قطعيُّ التّحقُّق، فمن أصدقُ من الله قِيلاً؟ ولهذا مهما أردْتَ لهؤلاء الجنود الّذين هم جنود الله الهزيمةَ فإنّكَ ستبوء بالإخفاق؛ لأنّ الله أرادَ لهم الغَلَبَة. ومهما وضعْتَ في طريقها العقبات، وألّبْتَ عليها الأمم والجماعات، وسُقْتَ إليها القُوى الوحشيّة من الصّواريخ والبارِجات، فلن يُغيّر ذلك في وَعْدِ الله شيئًا، إنّ هذه الفئة غالِبةٌ ظاهرة مهما فعلتَ وصنعتَ وفكّرت ودبّرت ومكرْت!
وإنّه لَوَعدٌ مُتحقِّق، لا شَكّ فيه، ذلك أنّه من النّاحية اللّغويّة أُكِّد بثلاثة مُؤكِّدات، فالأوّل واو القسم على رأي بعضِ النّحاة والمُفسّرين، فكأنّ الله في قوله: «وإنّ جندنا لَهُمُ الغالِبون» يُقسِم، والثّاني استخدام حرف التّوكيد (إنّ)، والثّالث استخدام اللاّم المُزحلقة الواقعة في الخبر الّتي تفيد التّوكيدَ أيضًا، وهذه المُؤكّدات الثّلاثة في آيةٍ من أربع كلماتٍ تُشير إلى أنّ الله أرادَ أنْ يُبعِدَ أيّ شَكّ في انتِصار هذه الفِئة الّتي سَمّاها (جُندَنا).
واليوم ما ترى من المُقاومة في غزّة؟ إذا كان المرء يعتقدُ أنّ هؤلاء المُقاوِمين هم جُند الله لأنّهم انتصروا لربّهم ولدينهم ولبلادهم ولأُمّتهم، فإنّ وعدَ الله بنصرهم آتٍ لا محالة، وإنْ عَرَضَ لذهنِ أحدنا أنّ النّصر بعيدٌ أو أنّ الوعد غير ثابت التّحقّق فقد شَكّ في الله وفي وعده، والمؤمن يوقن بوعدِ ربّه، ويعمل بأسباب النّصر والغَلَبة وينتظر النّتيجة الّتي ستأتي -وإنْ طالتْ- مثلَ فَلَقِ الصُّبح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق