الهجرة العكسية وإنهاء حُلم “بن جوريون”
د. عز الدين الكومي
لعبت معركة “طوفان الأقصى” دوراً كبيراً في زيادة أعداد اليهود الذين يقومون بالهجرة العكسية والهروب من الكيان الصهيوني إلى من حيث أتوا .
فبحسب بعض التقديرات فإن عدد الهاربين بلغ نحو مليون صهيوني منذ هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي وحتى الآن .
وبذلك فقد انهارت أحلام الهالك “بن جوريون” الذي قال عقب تأسيس الكيان الصهيوني منتشياً:”إن انتصار إسرائيل النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة، وإن بقاءها يتوقف فقط على توفر عامل واحد هو الهجرة الواسعة إلى إسرائيل” .
فجاءت رياح طوفان الأقصى عكس ما اشتهت سفن”بن جوريون”!! فزادت وتيرة الهجرة العكسية لتعلن عن قرب زوال هذا الكيان اللقيط !
وكان الكيان الصهيوني قد أقرَّ في يوليو 1950 تشريعًا باسم “قانون العودة”يعطي اليهود حق الهجرة إلى فلسطين والاستقرارفيها ونيل الجنسية الصهيونية،بهدف جذب يهود العالم إلى فلسطين التاريخية .
وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومات الصهيونية المتعاقبة لجلب اليهود إلى فلسطين ..فإن العديد من الصهاينة اليوم يشعرون بفقدان الأمان والأمل،وهو ما يدفعهم للهجرة العكسية.
مع الأخذ في الاعتبار أن مغادرتهم الكيان ليست مؤقتة بسبب الحرب فقط،بل هجرة دائمة في ظل التحديات الأمنية وفقدان الأمن والأمان .
فقد كثرت وزادت في الآونة الأخيرة دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي داخل الكيان الصهيوني تحت عنوان “لنغادر البلاد معا”.
وقد نشطت حركة “لنغادر البلاد معا” بعد معركة طوفان
الأقصى،ودعت عبر شبكات التواصل الاجتماعي العائلات الإسرائيلية إلى البحث عن وجهة حول العالم للإقامة المؤقتة أو الاستقرار فيها ، مع توفير فرص عمل والاستثمار بمشروعات تجارية،
وعرضت مساعدتها على كل من يحمل جواز سفر إسرائيلياً، وليس على من يمتلك جنسية مزدوجة وبحوزته جواز سفر أجنبي فقط .
ومن عجائب القدر ..
أنه في الوقت الذي سعى فيه الكيان الصهيوني لتهجير 2.3 مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى صحراء سيناء المصرية..
فها هو يواجه تهديدا وجوديَّا لتسارع الهجرة العكسية منذ معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي.
فإذا أضفنا إلى ذلك اليهود النازحين من مستوطنات غلاف غزة ومستوطنات الشمال على حدود لبنان .. فإن هذا يهدد وجود الكيان الصهيوني كله!
وبحسب ما نقلته صحيفة “زمان إسرائيل”عن سلطة السكان والهجرة الإصهيونية فإنه منذ بداية الحرب وحتي نهاية نوفمبر 2023 غادر حوالي 370 ألف صهيوني البلاد! يضاف إليهم 600 ألف سافروا إلى الخارج خلال العطلات وبقوا هناك بعد انتهاء عطلاتهم، ليصبح المجموع نحو 970 ألفا.
وهذالرقم ليس بالأمر الهين بالنسبة للكيان الصهيوني الذي يتوقف وجوده على موجات الهجرة .
لأن هذا الرقم ببساطة يمثل حوالى 14 بالمائة من سكان الكيان الصهيوني،وهي نسبة ليست بسيطة بالنسبة لكيان يقوم على جلب اليهود وتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين وفق الشعار اليهودي:”أرض بلا شعب .. لشعب بلا أرض”.
والطريف أنه من بين الفئات التي سافرت للخارج ورفضت العودة شباب تم استدعاؤهم للتجنيد والمشاركة في حرب غزة لكنهم تخلفوا وينتظرون عقوبات بسبب تخلفهم هذا، خاصة في ظل ارتفاع معدل التخلف عن التجنيد.
وكلما طال أمد الحرب، كلما زادت الهجرة العكسية إلى أوربا وأمريكا وهو ما يعتبر هزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني”.
وتعتبر الهجرة العكسية كارثية للكيان الصهيوني من وجهين الأول: نقص العمالة في القطاع الاقتصادي.
والثاني: نقص العناصر بالقطاع العسكري الذي يعاني من نقص ملحوظ في الأونة الأخيرة.
لأن الهجرة العكسية مرتبطة في جزء منها برفض التجنيد، والفرار من الخدمة العسكرية.
فضلاً عن استدعاء جيش الاحتلال 360 ألفا من جنود الاحتياط من إجمالي 465 ألفا،وهو ما أدى إلي استنزاف العمالة في مختلف القطاعات الاقتصادية .
وهناك عامل آخر مهم وهو أن الهجرة العكسية ستدفع الكيان الصهيوني إلى جلب عمالة أجنبية من الخارج بأجور مرتفعة ما يؤدي إلي استمرار نزيف العملة الصعبة.
مع الأخذ في الاعتبار أن ظاهرة الهجرة العكسية ليست جديدة ، فقبل اندلاع طوفان الأقصى ذكرت شبكة “سبوتنيك” الروسية في تقرير لها نشرته يوم 5 أغسطس 2023 تحت عنوان “نحو 56% من الشباب الإسرائيلي يفكرون في الهجرة”:(إن حوالي 33% من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة،فيما ارتفعت نسبة الطامحين إلى الهجرة بين الشباب إلى 56%).
كما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”العبرية أن 47 % من الإسرائيليين المغادرين بلادهم أو الذين سافروا للعمل في الخارج قرروا عدم العودة إليها أبدا.
لكن الجديد في الأمرهو زيادة وتيرتها بعد معركة طوفان الأقصى،فوفقا لنتائج استطلاع للرأي أجرته الإذاعة العبرية الرسمية “كان” ونشرته في مارس الماضي – أي قبل معركة طوفان الأقصى بسبعة أشهر- فإن أكثر من 25 بالمئة من شباب الصهاينة البالغين (فوق 18 عاما) يفكرون بالهجرة من الكيان الصهيونى تفكيراً جدّيا .
ووفقاً للقناة 12 العبرية فإن عددا كبيرا من الصهاينة قدّموا طلبات لجوء إلى البرتغال بعد إعلانها السماح لليهود بالحصول على تأشيرات اللجوء بشرط حملهم جواز سفر إسرائيليا ، وأن طلبات الحصول على الجنسية البرتغالية بلغت نسبة 68% ، والفرنسية بنسبة 13% ، والألمانية بنسبة 10% ، والبولندية 10%.
وواضح أن السبب الأبرز لهذه الهجرة العكسية هو فقدان الصهاينة الشعور بالأمان بسبب تزايد عمليات المقاومة الفلسطينية بعد معركة طوفان الأقصى .
فهذه الهجرة العكسية أكدت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الكيان الصهيوني اللقيط هو كيان هشٌّ يحمل عوامل زواله فى طياته،وأن تآكل بنية وجوده ستكون من خلال الهروب إلى الخارج تحت وطأة ضربات المقاومة وانعدام الأمن والأمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق