الجمعة، 19 يوليو 2024

بيني وبينك.. تَباشيرُ النِّهايات

 

بيني وبينك.. تَباشيرُ النِّهايات



د. أيمن العتوم

النّهايات لِمَنْ يملكُ البدايات. بدأتِ المقاومةُ الحربَ وبيدها نهايتُها مهما ظُنّ أنّها بيدِ غيرهم. وانظر اليوم في غزّة ما يحدث، إنّ استمرار الحرب من أجل القضاء على المُقاومة واسترجاع أسرى العدوّ لم يُحقِّق من هاتين الغايتَين شيئًا بعدَ أكثرَ من تسعةِ أشهرٍ من الحرب الطّاحنة، فما معنى استمراركَ في حربٍ لا تُحقِّقُ غايتَك؟ إنّ استمرارَكَ فيها عبثٌ لا طائل له، واستنزافٌ لكَ ولجنودك ولاقتِصادِك، وهذا ما يُوقِنُ به العدوّ ويعرفُه قادتُه تمام المعرفة.

فإنْ قُلْتَ: فَلِمَ يستمرّون في الحرب؟ فلأنّهم لا يملكون إيقافَها من جهةٍ، ولأنّهم يتشبّثون بخيطٍ رفيعٍ واهٍ من أملٍ كاذبٍ بأنّ استمرارَها سيُحقِّقُ أهدافَها من جهةٍ أخرى، وما من هدفٍ تحقّق، والواقع يُؤكّد ذلك ويُحِقُّه.

وانظرْ إلى افتتاحِيّات صُحُفِهم الكُبرى ومنها صحيفة (هآرتس) الّتي تُبشِّر بهذه النّهايات بين فينةٍ وأخرى، فهم مُؤمِنون أشدّ الإيمان بأنّهم غرقَى في وحلِ أوهامهم، يبحثون عَمّنْ يُنقِذُهم من هذا الوحل وذلك الوهم.

إنّهم يقولون: «خَسارتُنا كُلَّ ثلاثةٍ أيام حوالي مليار دولار؛ تستنزفُها طَلَعَاتُ الطّائرات، وثمنُ صواريخ الباتريوت، وتزويدُ الآليّاتِ بالوقود، إضافةً إلى استهلاك الذخائر والصواريخ بأنواعها كافة. ناهيك بتعطّل الحركة التِّجاريّة، وهبوطِ البورصة، وتوقُّفِ مُعظم المؤسّسات وأعمالِ البِناء، والشّللِ التّامِّ في مجالات الزّراعةِ والصّناعةِ والتّجارةِ جميعها، وموتِ الدَّواجن بأنواعها في المزارع بعشرات ملايين الدولارات، وتعطُّل بعض المطارات، وبعضِ خُطوطِ القطارات، وثمن إطعام الهاربين إلى الملاجئ، أضفْ إليها أثمانَ تَدميرِ البيوت والمحالّ التِّجاريّة والسّيّارات والمصانع بفعل صواريخ المُقاومة الفلسطينيّة».

إنّ للحربِ ثمنًا باهِظًا، لكنّنا إذ نُوقِنُ كم هو باهِظٌ من بيوتِ أهل غزّة وأرواحهم، علينا أنْ ننظرَ إلى الثّمن الّذي يبدو باهِظًا أكثر في خسائر العدوّ الّتي تعرضُها صفحاتُ جرائدهم الأولى، إنّ هذه الخسائر الّتي قد لا ننتبُه لها كثيرًا وبدؤوا يشعرون بمدى فداحتها وأثرها المُوجِعُ عليهم، هي الّتي ستجعلهم يصيحون قبلَنا من لُعبةِ عَضِّ الأصابع، فيبحثون باليد المُحترقة في هذا الطّوفان عن طوقِ نجاة.

إنّهم يقصفون بلا هوادةٍ دفاعًا عن فنائِهم الّذي باتَ وشيكًا، ونحنُ نقاتلُ بشراسةٍ دفاعًا عن أرضِنا الّتي تعرفُنا، وعن وجودنا الّذي لا يُمكن أنْ يتزحزح لأنّ جيشًا همجيًّا لا يتوقّف عن إسقاط القنابل الفتّاكة!

إنّ الفرقَ بيننا وبينهم تمامًا هو الفرق بين صاحب الأرض وبين سارِقِها، بينَ مَنْ يزرعُ الورد ومن يزرعُ الشّوك، وبينَ مَنْ يسمح للعصافير بأنْ تُغنّي وبين مَنْ يحبسُها.

وإنْ أردتَ الحقيقةَ فقلْ: هذه من تباشير النّهايات، ليسَ للحربِ فحسبُ، وإنّما لوجودِ الكِيان المُحتلّ برُمّته. إنّه يعيشُ حالةً من التّقلقل تجعل ثباتَه حُلمًا، أو مُستحيلًا، وإنّ على مَنْ فَجّروا الصّراع في السّابع من أكتوبر الّذين صَنَعُوا هذه الحقيقة أنْ يسيروا في الشّوطِ إلى نهايته، فإنّ الفوز بالسِّباقُ صبرُ ساعة.











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق