الأربعاء، 10 يوليو 2024

بين يدي رحيل أمير المؤمنين.. أمنية عمريّة واستخلاف راشديّ

 بين يدي رحيل أمير المؤمنين.. أمنية عمريّة واستخلاف راشديّ

محمد خير موسى
مختص بقضايا الفكر الإسلامي ومشكلات الشباب



في الأيّام الثلاثة التي عاشها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عقب طعنه وقعت تفاصيل عديدة كان من أهمها أمران هما طلب الجوار من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر والاستخلاف


طلبٌ عمريّ من عائشة رضي الله عنهما

نادى عمر ابنه عبد الله وقال له: اذهب إلى عائشة وقل لها: يقرأ عمر عليك السّلام، ولا تقل أمير المؤمنين فلست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل لها: يستأذن منك عمر أن يُدفَنَ مع صاحبَيه، رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبي بكرٍ رضي الله عنه.


فذهب عبد الله واستأذن على عائشة وحين دخل عليها وجدها تبكي على عمر رضي الله عنهم.


فقال لها: يقرأ عليك عمر السلام، ويستأذن منك أن يدفنَ مع صاحبيه!


فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنّ به اليوم على نفسي، أذنتُ له، فلما أقبل عبد الله بن عمر راجعًا؛ قال عمر: ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله ما كان من شيء أهمّ إليّ من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني حتّى تقف على باب عائشة ثم سلم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين، فإنّي أخشى أن تكون قد أذنت لي الآن استحياءً لأنّي أمير المؤمنين وما زلت حيًّا.


أخرج البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر ابنه عبد الله وهو في فراش موته بعدما طُعِن قائلًا: “انطلق إلى عائشة أمّ المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين؛ فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرن به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين؛ أذنت، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين”


وقال ابن بطّال في شرح صحيح البخاريّ تعليقًا على هذا الحديث: “وإنما استأذنها عمر في ذلك ورغب إليها فيه، لأن الموضع كان بيتها، وكان لها فيه حق، وكان لها أن تؤثر به نفسها لذلك، فآثرت به عمر.


وقد كانت عائشة رأت رؤيا دلتها على ما فعلت، حين رأت ثلاثة أقمار سقطن في حجرها، فقصتها على أبى بكر الصديق، فلما توفى رسول الله، ودفن في بيتها، قال أبو بكر: هذا أحد أقمارك، وهو خيرها.


فيه من الفقه: الحرص على مجاورة الموتى الصالحين في القبور، طمعًا أن تنزل عليهم رحمة، فتصيب جيرانهم، أو رغبة أن ينالهم دعاء من يزورهم في قبورهم من الصالحين”


الاستخلاف

دار نقاش طويل خلال السّاعات الأخيرة من حياة عمر رضي الله عنه حول الاستخلاف، فلمَّا طُلِبَ من الفاروق أن يستخلف، وهو على فراش الموت؛ قرَّر بعد تفكيرٍ طويل أن يسلك مسلكًا جديدًا يعتمد على جعل الشُّورى في عددٍ محصورٍ، فقد حصر ستَّةً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّهم بدريُّون، ومن العشرة المبشرين للجنّة، وهم: عليُّ بن أبي طالبٍ، وعثمان بن عفَّان، وعبد الرَّحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقَّاص، والزُّبير بن العوَّام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم جميعًا. واستثنى سعيد بن زيد، رغم أنّه من العشرة المبشَّرين بالجنَّة؛ لأنَّه من قبيلته بني عديٍّ أي من أبناء عمومة عمر رضي الله عنه


وأمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم، ويتشاوروا، وفيهم عبد الله بن عمر، يحضرهم مشيرًا فقط، وليس له من الأمر شيء، ويصلِّي بالنَّاس أثناء التَّشاور صهيب الرُّومي، وأمر المقداد بن الأسود، وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات ومعهم مجموعة من الجنود للحفاظ على سير الانتخابات بعيدًا عن أي تشويش خارجي، وعقاب من يخالف أمر الجماعة، ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحدٍ أن يدخل، أو يسمع ما يدور في مجلس الشّورى القائم.


الرّحيل إلى الدّار الآخرة

عاش أمير المؤمنين ثلاثة أيّام بعد طعنه، ولنترك عثمان رضي الله عنه يروي لنا آخر لحظةٍ في حياة أمير المؤمنين عمر إذ يقول: “أنا اخركم عهدًا بعمر، دخلت عليه، ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر، فقال له: ضع خدِّي بالأرض، قال: فهل فخذي والأرض إِلا سواء؟ قال: ضع خدِّي بالأرض لا أمَّ لك! ثمَّ شبَّك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي، وويل أمِّي إِن لم يغفر الله لي! حتَّى فاضت روحه”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق