الأربعاء، 10 يوليو 2024

يوشك الأمم أن تداعى! (1)

 

يوشك الأمم أن تداعى! (1)

د. أيمن العتوم


كيف تحدث هذه الفظائع كلها في غزة، دون أن يكون هناك أي تحرك من الأشقاء أهل السلطة في البلاد العربية أو المسلمة؟ أليس الدين واحدا؟ والدم واحدا؟! إلام يستمر هذا النزيف ليقتنع الإخوة الأشقاء أو الألداء، ويهبّوا من أجل هذا  الدم الذي يسيل بلا حساب؟!

هذا السؤال المحوري، يجيب عنه حديث النبي النبوءة، أما الحديث، فما رواه ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكَلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت”.

وأما النبوءة، فكل ما فيه قد حدث جملة جملة وكلمة كلمة، وما كان ذلك ليكون إلا لنبي.

فأما قوله “يوشك”: فقد استخدم المضارع لاستمرارية ذلك وتجدده، فلم يكن ذلك الإيشاك مرة واحدة، بل حدث مرات كثيرة؛ فمنها يوم أن تداعى الصليبيون إلى فلسطين بعد أن خطب فيهم البابا أوربان الثاني قائلا:

“فليُثِر همتكم ضريح المسيح المقدس ربنا ومنقذنا، الضريح الذي تمتلكه الآن أمم نجسة، لا تدَعوا شيئا يقعد بكم من أملاككم أو من شؤون أُسَركم، ذلك بأن هذه الأرض التي تسكنونها الآن، والتي تحيط بها من جميع جوانبها البحار، وتلك الجبال، ضيقة لا تتسع لسكانها الكثيرين، تكاد تعجز عن أن تجود بما يكفيكم من الطعام، ومن أجل هذا يذبح بعضكم بعضا، وتتحاربون ويهلك الكثيرون منكم في الحروب الداخلية. طهروا قلوبكم إذن من أدران الحقد، واقضوا على ما بينكم من نزاع واتخذوا طريقكم إلى الضريح المقدس، وانتزعوا هذه الأرض من ذلك الجنس الخبيث وتملكوها أنتم، إن أورشليم أرض لا نظير لها في ثمارها، هي فردوس المباهج. إن المدينة العظمى القائمة في وسط العالم تستغيث بكم أن هبوا لإنقاذها، فقوموا بهذه الرحلة راغبين متحمسين تتخلصوا من ذنوبكم، وثقوا بأنكم ستنالون من أجل ذلك مجدا لا يفنى في ملكوت السماوات”.

وحدث يوم اجتاح المغول بغداد سنة 656هـ، حيث قتلوا في طريقهم من المسلمين كل من مروا به، وملؤوا أحياء بغداد وشوارعها وساحاتها وأزقتها بالجثث والدماء، وأمَّن المغول سكان بغداد المسيحيين على حياتهم بتوصية من زوجة هولاكو النسطورية (دوقوز خاتون)، وكذلك اليهود، ومن التجأ إلى دار ابن العلقمي، وكان المسلمون يذبحون على سطوح البيوت فتسيل دماؤهم هناك من الميازيب إلى الأرض.

وحدث ذلك يوم أن سقطت الخلافة في الربع الأول من القرن العشرين، وجلس المؤتمرون من أجل أن يقتسموا بلادنا، فوزعوها بينهم كما لو كانت قالبا من الكعك، اقتسم القالب بالاتفاق الفرنسيون والبريطانيون والإيطاليون، ووقع ذلك على الخريطة سايكس وبيكو.

وحدث ذلك يوم أن اجتمع ثلاثون جيشا من أجل في صحراء الجزيرة للقضاء على الأسلحة الكيماوية والنووية في العراق كما زعموا مطلع العقد الأخير من القرن العشرين.

ويحدث اليوم في غزة، وسيظل يحدث بين فترة وأخرى، وزمن وآخر، ما دام نبينا قد قال: “يوشك” بالمضارع المستمر، لا بالماضي الثابت. 
وهذا التداعي قد يكون شديدا عنيفا، لكنه في أية حال لا يكون مبيرا مفنيا، ذلك أن هذه الأمة – بطلب نبينا من ربه- باقية لا يسلط عليها عدوها فتهلك، والخير فيها، فمهما بلغ من ضلالها وتيهها، فإنها تعود إلى صراطها المستقيم، ولو كان العائدون أقل من التائهين.

يتبع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق