ما لا يعرفه الإخوان عن أنفسهم!
أحمد عبد العزيز
ما من مرة تناولتُ فيها الشأن الإخواني، إلا وتمنيت أن تكون آخر مرة؛ لأن تناول هذا الشأن، في هذه الأجواء شديدة القتامة، حديث موجع ومؤلم، بالنسبة لي على الأقل، غير أن الإخوان (بفصيليهم) يأبون إلا أن أعيد الكَرَّة!
حسنا.. فلنُعِد الكَرَّة (هذه المرَّة) من باب "فذكر، إن الذكرى تنفع المؤمنين"، وأحسب أن الإخوان (على ما فيهم من مثالب) هم من أشد الناس إيمانا.. أقولها عن علم ويقين..
في حواره الأخير مع تلفزيون "بي بي سي"، تطرَّق رئيس القسم السياسي في الإخوان المسلمين الدكتور حلمي الجزار إلى عدة أمور، رأيت أنه من الأهمية بمكان التعليق على بعضها..
انتخابات الأردن "الشفافة"
بدأ الدكتور الجزار حديثه بتقديم التهنئة إلى حزب "جبهة العمل الإسلامي" الأردني (الإخوان المسلمون) الذي حاز على 31 مقعدا في البرلمان الأردني العشرين، من أصل 138 مقعدا، في انتخابات وصفها الدكتور الجزار بـ"الشفافة"، وأضاف في غبطة وتفاؤل: "إن ما جرى في الأردن، قابل للتكرار، في بلاد أخرى كثيرة".
نعم.. قابل للتكرار "نظريا" في بلاد لا تعيش ظرف الأردن القابل للاشتعال، غير أن القوى المعادية للإسلام في تلك البلاد (وعلى رأسها السلطة) جردت كل أسلحتها؛ للإجهاز على الإخوان المسلمين؛ فكرة، وكيانا، وأشخاصا، بل الإجهاز على الإسلام ذاته، في حقيقة الأمر..
أذكِّرك (أخي الدكتور حلمي) بأن ما جرى في الأردن مؤخرا سبق وأن جرى في بلاد أخرى، إبَّان الربيع العربي؛ جرى في مصر، وتونس، والمغرب.. فماذا كانت النتيجة؟
لقد أثبتت التجربة أن هذه "الشفافية" التي اتسمت بها الانتخابات، في تلك المرحلة التي لن تتكرر في المستقبل القريب، لجأت إليها "الدولة العميقة" لجوء المضطر؛ لامتصاص غضب الشعوب التي سئمت التهميش، بإظهار الاحترام لإرادتها، وتصعيد مَن تختارهم إلى أعلى المواقع في مؤسسات الحكم، لأمد "معلوم".. وها هي المآلات (في هذه البلاد) تتحدث عن نفسها.. على أية حال، نرجو لإخواننا في الأردن النجاح في هذا الاختبار الصعب، في هذا الظرف الدقيق..
تسوية لا مصالحة!
في هذه المقابلة، نفى الدكتور الجزار أن تكون الجماعة سعت لـ"مصالحة" مع النظام في مصر، غير أنه أقر بأن الجماعة قدَّمت عشرات "المبادرات"، خلال السنوات الماضية؛ لـ"تسوية" ما سمَّاها "الأزمة المصرية"؛ لأن "مصر هيَّ أمي، نيلها هوَّ دمي، شمسها في سَمَاري، شكلها في ملامحي، حتى لوني قمحي، لون خيرك يا مصر".. وكل ما يمكن أن يُقال في باب الوطنية، من كلام إنشائي مستهلك، ولا أقول مبتذَل، لم أعد أتحمل سماعه!
وكرر الدكتور الجزار كلام الإخوان (بفصيليهم) عن يد الإخوان الممدودة للجميع، دون استثناء؛ لأجل مصر.. كرر ذلك، وهو يعلم أكثر من غيره، أن من يعنيهم بالخطاب هم أكثر الناس نفورا من الإخوان، وأشدهم حرصا على تغييبهم عن المشهد، وعدم العودة إليه مجددا؛ خوفا من "انتقامهم"! إذ لا أحد من هؤلاء يصدق أن ليس لدى الإخوان أية نية للانتقام أو الثأر، حتى من وزير الدفاع المنقلب الذي سجن وقتل ابنهم البار الرئيس الشهيد محمد مرسي، وكُثر غيره قضوا بالإهمال الطبي المتعمد في المعتقلات، أو بالضرب المُفضي إلى الموت، كما جرى مع الدكتور الشهيد عصام العريان!
الدكتور الجزار يعلم قبل غيره (وإن كان لا يعلم فهذه كارثة) أن أحدا من هؤلاء لن يستجيب له، وسيترك يده الممدودة إليه معلقة في الهواء، ما بقي الإخوان على حالهم هذا من الضعف والانقسام! هذا الانقسام الذي ينكره الدكتور الجزار، كما ينكره الدكتور محمود حسين! فالإخوان في (نظر كليهما) لا تزال جماعة واحدة، وأن كل ما يراه المراقبون من مظاهر الانقسام، ليس سوى "خلاف لائحي"!
تبا للائحة تفضي إلى هكذا حالة (أيا كان اسمها) بدل أن تحُول دون نشوئها، أو علاجها! أيهما أولى: الالتزام بلائحة عاجزة عن حسم خلاف داخلي، أم التخلي عن هذه اللائحة، وإجراء انتخابات جديدة، لا يخوضها طرفا الخلاف، تفرز قيادة جديدة تمضي بالجماعة إلى غايتها؟
إن استمرار هذا الانقسام غير المبرر، من أي وجه، يرسل رسالة إلى تلك الأطراف التي تمد يدك إليها (يا دكتور حلمي) مفادها: أنك تناور، أو أنك لست جادا، أو أنك عاجز عن إنجاز أية تسوية! فلو كنت صادقا، أو جادا، أو قادرا، لكنت أنجزت "تسوية" مع "إخوانك أولا؛ لأن ما يجمعك بإخوانك أكبر وأعظم وأكثر مما يجمعك بغيرهم! أليس كذلك؟ أليس هذا هو المنطق؟ هذا الكلام موجَّه (أيضا) للدكتور محمود حسين، بطبيعة الحال..
ولمزيد من التفصيل في هذا الأمر، أحيل الدكتور الجزار، والقارئ العزيز، إلى مقالي "اقتراح "خارج الصندوق" لحل الأزمة الإخوانية" الذي نشرته هنا، على إثر هذا الانشقاق المذموم المشؤوم، قبل ثلاث سنوات.
بناء الثقة!
حسب إفادة الدكتور الجزار، فإن اللقاء الذي جمعه بعميل الأمن عبد الرحيم علي تم بوساطة من شخصيتين كانتا مقربتين من الرئيس مرسي (رحمه الله)، وقد عُقِد هذا اللقاء بهدف "بناء الثقة".. واستطرد مفسرا، بعد مقاطعة من المذيعة: "الثقة يبنيها الطرف الأقوى وهو النظام"..
أولا، أود تصويب هذه الفكرة عن مفهوم "الطرف الأقوى".. الطرف الأقوى يكون قويا بذاته، لا بقوة تدعمه، ومن دونها لا يقوى على فعل شيء (الكيان الصهيوني مثالا).. فهذا النظام الذي تراه "الأقوى"، وتطالبه بأن يبدأ ببناء الثقة، قوي بالقوة المسلحة المميتة التي يستأثر بها.. لذا، هو قادر على قمع الشعب.. أما إذا تخلت عنه هذه القوة المسلحة، فإن المجموعة التي يتكون منها هذا النظام (مهما كان عددها) ستتحول إلى فئران تحتمي بالجحور، وبلاعات الصرف الصحي، من غضب الشعب، إذا ما خرج عليها..
ثانيا: عن أي ثقة تتحدث (يا دكتور حلمي) وهذا النظام الدموي المُخرِّب قد بنى "شرعيته" لدى شيعته، على محاربة "أهل الشر" من الخونة، وكارهي مصر، وعملاء قطر وتركيا وأمريكا وإسرائيل في نفس ذات الوقت؟! ماذا عسى هذا النظام أن يقول لشيعته إذا قرر أن يمد يده إليك؟ هل سيقول لهم مثلا: لقد تاب أهل الشر وأنابوا، واستغفروني فغفرت لهم؟
أتدري (يا دكتور حلمي) ما علامة "توبتك" عند هذا النظام؟ توبتك أن تعلن "رِدَّتك" عن كل ما آمنت به، وعملت لأجله، وعزمت على الموت في سبيله! ساعتها فقط سيعتبر النظام أنه انتصر في معركته ضد أهل الشر (الذين هم أنت وإخوانك)، ولا مانع لديه من قبولكم في المجتمع كـ"مجرمين تائبين"، تلاحقكم اللعنات والإهانات أينما وليتم وجوهكم!
الثقة تنشأ بين أطراف لها أهداف مشتركة.. فهل تظن (يا دكتور حلمي) أن أهدافك هي أهداف النظام؟ بالقطع كلا، وهذا ظني بك، أما إذا كانت الأخرى، فهذه مصيبة!
هل تظن أن هذا النظام يشاركك حب مصر، واحترام الدين مثلا؟ إذا كنت تظن ذلك، فما الدليل؟ أهو تخريبه المتعمد للبلاد، أم رعايته لكل طاعن في الدين؟!
ما لا يعرفه الإخوان عن أنفسهم!
أكد الدكتور الجزار في حواره مع "بي بي سي" أن جماعة الإخوان لن "تصارع" على السلطة مجددا، أما ممارسة العمل السياسي على اختلاف صوره، فهو من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور للمواطن، والإخوان من جملة المواطنين..
لا صراع على السلطة! حسنا..
إذا كنت تعتقد (يا دكتور حلمي) أن مشكلتك مع النظام والعلمانيين الذي يسمون أنفسهم "التيار المدني" تتلخص في الصراع على السلطة، فأنت واهم.. أقولها بكل أسف!
العكس هو الصحيح.. فصراعك معهم على السلطة، يصعد بك على المسرح؛ لتنال حظك من البهدلة، والمرمطة، والإهانة، والطعن في ذمتك وشرفك، وهذه (لعمري) من أعظم الفرص، لهدمك وتشويهك والنيل منك..
مشكلتك (يا دكتور حلمي) مع هؤلاء، أو بالأحرى مشكلتهم معك، هي تلك الفكرة التي في رأسك.. فهمك للدين.. الدين الذي يحرّم الزنا، والسرقة، والرشوة، والخمر، والبلطجة، وكل مظاهر الإفساد في الأرض..
الإسلام.. الإسلام الذي يأمرك بألا تخضع إلا لله، وألا تعبد إلا إياه، وأن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وألا تتولى أعداء الله، وأن تنصر المستضعفين في الأرض.. إلخ..
مشكلتهم معك (يا دكتور حلمي) في رسالتك أو "دعوتك".. تلك الدعوة التي أنت مكلف بإبلاغها للناس، والتي من شأنها (إذا التزم الناس بها) ألا يقبلوا الذل ولا الضيم، وأن يأخذوا على يد الظالم، وألا يسمحوا لكائن من كان أن يستعبدهم، أو أن يعاملهم معاملة القطيع!
فمن هذا الديكتاتور المستبد الفاسق الفاسد الذي سيقبل بوجودك، ويثق بك، حتى تؤلب الناس عليه بـ"الدعوة إلى الله"، لا بـ"الصراع على السلطة"، كما تتصور؟! أنت كـ"داعية" أخطر عليه ألف ألف مرة منك كـ"سياسي"!
أنت (يا دكتور حلمي) ترى الأمر هيّنا وبسيطا وسهلا؛ لأن دينك يأمرك بقبول هؤلاء، والتعايش معهم، والأخذ بأيديهم، أما أنت بالنسبة لهم، فكابوس يجب أن يختفي من حياتهم.. صداع يجب أن يزول.. سرطان يجب استئصاله!
مشكلتك يا دكتور.. في وجودك.. في فكرتك.. في دينك..
فأي الثلاثة يمكنك التخلي عنه؟
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق