الأحد، 15 سبتمبر 2024

قراءة في كتاب عشر خرافات عن إسرائيل

قراءة في كتاب عشر خرافات عن إسرائيل

يفترون الكذب وهم يعلمون.. قراءة في كتاب عشر خرافات عن إسرائيل

   قراءة رضوى التركي  

أعتقد أن اليهود غير قادرين على الاندماج في المجتمع، وهذا سوف        يجعلهم يشكلون دائما أمة داخل أمة، أينما كانوا.       
     شارل جوزيف     

عن المؤلف والكتاب

إيلان بابيه
إيلان بابيه

مؤلف كتاب (10 MAYTHS OF ISRAEL / عشر خرافات عن إسرائيل) هو “إيلان بابيه” الذي يعتبر واحدا من أبرز المؤرخين في الكيان الصهيوني، وهو أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة اكسيتر بالمملكة المتحدة، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بالجامعة، والمدير المشارك لمركز اكسيتر للدراسات العرقية والسياسية، وينتمي “بابيه” إلى تيار المؤرخين الجدد الذين قاموا بإعادة كتابة التاريخ الإسرائيلي وتاريخ الصهيونية، وهو يعتقد بأن عملية التطهير العرقي لفلسطين،تمّ التخطيط لها بصورة مسبقة وواعية، ويُركّز بالأساس على الخطة التي انتهجتها الوحدات العسكرية الإسرائيلية عام 1947م، ويرى أن السبب الأساسي في إنشاء إسرائيل هو عدم وجود السلام في الشرق الأوسط، ويرى بأن الصهيونية أكثر خطورة من التشدد الإسلامي، كما أنه من الدعاة إلى مقاطعة المؤسسات التعليمية الإسرائيلية.

وفي سبيل إثبات آرائه السابقة ألف “بابيه” هذا الكتاب الذي يتكون من (232) صفحة من الحجم المتوسط، وقام بتقسيمه إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، يتناول الأول منها (مغالطات الماضي)، ويتناول الثاني (مغالطات الحاضر)، بينما يتناول الثالث (النظرة الإسرائيلية نحو المستقبل)، ويختم المؤلف الكتاب بتوضيح تسلسل زمني للأحداث منذ قيام دولة إسرائيل الاستعمارية.

نسخة الكتاب الأصلية باللغة العبرية، وقد تم ترجمة الكتاب من قبل الباحثة والمترجمة الفلسطينية “سارة عبد الحليم”، الحائزة على شهادة ماجستير الفلسفة في دراسات الشرق الأوسط الحديث من جامعة أكسفورد ببريطانيا، وقد تمت الترجمة برعاية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر مكتبة شيء) الواقعة في (حيفا/فلسطين).

المقدمة

يقع التاريخ في قلب كل صراع، والعمل على تشويهه أو التلاعب به لن يؤدي إلا إلى الويلات، وهو الأمر الذي يظهر جليا في فلسطين، والفهم الخاطئ للتاريخ يمكن أن يؤدي إلى اضطهاد أصحاب الحق، وحماية نظام قائم على الاستعمار والاحتلال، وتعتبر المغالطات التي تشكلت من الصراع القائم بين فلسطين وإسرائيل في الماضي والحاضر، سببا كبيرا في جذور هذا الصراع وكيفية نشأته.

فالرواية الإسرائيلية في أصلها تستند إلى مجموعة من الخرافات التاريخية التي أصبحت بسببها الأرض المتنازع عليها الآن هي دولة إسرائيل، وهو الأمر الذي تقبله معظم النخب السياسية ووسائل الإعلام السائدة، ويظهر جليا في عدم اعتراض أو تدخل الدول الغربية لحل الصراع القائم منذ نشأة الدولة المحتلة.

وكتاب (عشر خرافات عن إسرائيل) يهدف بشكل أساسي إلى هدم (10 أفكار خرافية شائعة) أوردها المؤلف مقابل الحجج المضادة لها وفق ترتيب زمني متسلسل، بهدف إزالة سوء الفهم العميق في الماضي والحاضر والتي تجافي بشكل كلي الحقائق والوقائع التاريخية.

الجزء الأول: مغالطات الماضي

يتكون الجزء الأول من هذا الكتاب من ستة فصول، عنوان كل فصل منها واحدة من الخرافات التي يسعى المؤلف إلى شرحها ودحضها من خلال شرح تاريخي مفصل لموضوع كل منها، هذه الفصول على الترتيب جاءت على البيان التالي.

الفصل الأول: فلسطين كانت أرضا خالية

كانت البداية الأولى لظهور مصطلح (بالستينا) على يد الرومان وفق ما أثبته العديد من الباحثين والمختصين في هذا التاريخ، وقد كانت في ذلك الوقت ولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية، ثم أصبحت تتبع للدولة البيزنطية، تلى ذلك تبعيتها للقسطنطينية، ومع بلوغ القرن السابع الميلادي وما تلاه أصبحت هذه المنطقة تابعة للحكم العربي الإسلامي وأصبحت تعرف باسم (فلسطين)، وعلى الرغم من انتمائها للعالم الإسلامي ككل، سعت بعض الممالك الإسلامية للسيطرة على هذه المنطقة لعدة أسباب أبرزها وجود المسجد الأقصى في أراضيها.

يرى الكاتب أن فترة الحكم العثماني هي المرحلة الأهم التي تساعد في فهم الوضع الحالي، فقد حكمت الدولة العثمانية الأراضي الفلسطينية في عام 1517م، واستمر حكمها (400) عام، كان المسلمون السُنة في ذلك الوقت يمثلون أغلبية سكان فلسطين ويمثل المسيحيون نسبة تتراوح بين (10% إلى 15 %) من السكان، بينما كان اليهود  أقل من (5%).

خلال تلك الحقبة كان اليهود حول العالم ينظرون إلى فلسطين بكونها الأرض المقدسة المذكورة في الكتاب، وقد تمركزت إقامتهم في فلسطين بعد تقسيمها في ست مناطق أساسية، مع بلوغ القرن التاسع عشر وصل عدد اليهود إلى نصف مليون نسمة وكانت هذه الفترة هي بداية ظهور الصهيونية، وقد عارض اليهود القدماء الذين شكلوا الأقلية في ذلك الوقت الأفكار التي كانت تروج لها الحركة الصهيونية، ولكن النخب الصهيونية بدأت في تكوين دولة. 

مرت الأراضي الفلسطينية بعدها بالعديد من التغيرات التاريخية ومحاولات الاحتلال وعانت من العديد من التقسيمات، وقد طرحت الحكومة البريطانية خلال العام 1923م مشروعا لإعادة التفاوض على الأرض، وباتت الهوية الجغرافية لدولة فلسطين جلية، ولكن الأمر الذي أثار الجدل هو لمن كانت فلسطين؟ هل للفلسطينيين بوصفهم السكان الأصليين للأرض؟ أم هي للمستوطنين الجدد من اليهود؟ وقد ساهمت إعادة رسم الحدود في مساعدة الحركة الصهيونية على تصور الحدود الجغرافية لأرض إسرائيل. 

ومما سبق  يؤكد الكاتب أن فلسطين لم تكن أرضا خالية، بل كانت جزءا من عالم شرق البحر المتوسط الغني، ولم تكن صحراء تنتظر الازدهار بل كانت بلدا ريفيا يوشك على دخول القرن العشرين كمجتمع حديث.

 الفصل الثاني: اليهود كانوا شعبا بلا أرض

وفق ما يراه المؤلف فإن خرافة (فلسطين كانت أرضا خالية) تسير بشكل متواز مع خرافة (اليهود كانوا شعبا بلا أرض). ويرى أن الدعوة إلى عودة اليهود للأراضي الفلسطينية كانت على يد المجتمع المسيحي بداية، لأسباب ترجع إلى مصالحهم. وقد دعم هذا الفكر العديد من رجال الدين الإنجليز في القرن السادس عشر مثل (توماس برايتمان) في قوله:” هل سيعودون للقدس ثانية؟ لا يوجد شيء أكثر وضوحا: فالأنبياء يؤكدون على هذا ويتحدثون عنه في كل مكان”.

ألهمت الأفكار السابقة وغيرها (نابليون بونابرت) الذي كان يسعى لاحتلال الشرق الأوسط في بدايات القرن التاسع عشر، فدعم هذا الفكر رغبة في الحصول على دعم اليهود الموجودين في فلسطين، وقد وعدهم بونابرت بالعودة إلى فلسطين وإنشاء دولة خاصة بهم، وهو الأمر الذي يثبت أن استعمار فلسطين كان خطة مسيحية قبل أن يصبح مشروعا يهوديا صهيونيا.

تنامت هذه الأفكار في الكيان المسيحي مع حلول القرن التاسع عشر وقد عبر عن ذلك القائد العسكري الأسكتلندي (جون لينزي) في قوله: «إن أرض فلسطين تنتظر فقط عودة أبنائها المنفيين، وتطوير الصناعة بما يتناسب مع الإمكانيات الزراعية لتحقيق الازدهار العالمي الثاني، وتستعيد ما كانت عليه إبان حكم الملك سليمان»!!

وعلى الرغم من كثافة هذه الحملات إلا أنها لم تحقق نجاحا يذكر إلا بعد الحصول على تأييد الولايات المتحدة في أحقية اليهود للعودة إلى فلسطين، وعبر عن هذا الدعم الرئيس الأمريكي (جون آدامز) في قوله: «آمل حقا أن يعود اليهود مجددا إلى أرض يهودا كأمة مستقلة».

على الجانب الآخر كان هناك العديد من رجال الدين المسيحيين المتعاطفين مع الفلسطينيين، ولكن كانت الغلبة للقساوسة الذين ساندوا القضية الصهيونية.

ومع تكثيف الجهود المبذولة تمكنت الحركة الصهيونية من الحصول على الاعتراف الدولي بشرعيتها، مما جعل مجموعات من يهود أوروبا الشرقيين يحصلون على الشجاعة الكافية لتطوير أطروحات مماثلة حول الحل الأمثل للقضية اليهودية وذلك دون الحاجة للحصول على اعتراف دولي، وقد وضعوا الأطروحة حيز التنفيذ وبدأوا في الاستقرار في الأراضي الفلسطينية في العام 1882م، وأصبح يشار إليهم في القاموس الصهيوني بكونهم (العليا الأولى) أي الموجة الأولى من الهجرة الصهيونية والتي استمرت حتى العام 1904م.

ومن خلال دعمها المستمر فقد أصبحت العلاقة بين الصهيونية وبريطانيا علاقة محورية، رغم أن أهداف بريطانيا لم تكن من أجل اليهود بل كانت من أجل مصالحها الشخصية التي تتمثل بالرغبة في تعزيز التواجد البريطاني في الأراضي المقدسة، وبالرغم من كل هذه الجهود المشتركة لم يكن الاستيلاء على فلسطين بتلك السهولة، بل إن حملة بريطانيا ضد الأتراك استمرت طوال العام 1917م.

 الفصل الثالث: الصهيونية هي اليهودية

الصهيونية واليهودية

يوضح المؤلف في هذا الفصل أن الصهيونية منذ ظهورها لم تكن سوى أسلوب تعبيري غير جوهري عن الحياة الثقافية اليهودية، ولكنها مع الوقت بدأت في تحريف أصول الديانة اليهودية من أجل تقوية مشروعها الذي يهدف إلى استعمار فلسطين، وعند المواجهة الأولى مع الإصلاحيين قوبلت فكرة إعادة تعريف اليهودية بكونها حركة قومية بالرفض الشديد. ولكن هذا الموقف تغير بشكل كلي بعد إنشاء دولة إسرائيل سنة 1948م.

 ومع بلوغ منتصف القرن العشرين تأسست حركة إصلاح جديدة لم تعلن ولاءها الكامل لدولة إسرائيل إلا في العام 1999م، ولكن أعداد كبيرة من اليهود تركوا هذه الحركة وعمدوا إلى تأسيس المجلس اليهودي الأمريكي الذي أثبت للعالم أن الصهيونية ما تزال تمثل رأي الأقلية من اليهود.

لم يقتصر رفض الصهيونية على الإصلاحيين فقط، بل رفضها الليبراليون أيضا، ولم يظهر رفض الاشتراكيين واليهود الأرثوذكس للصهيونية إلا في تسعينيات القرن التاسع عشر، وهو الوقت الذي كانت فيه الصهيونية ذات قوة سياسية كبيرة ومعترف بها.

مع بداية ظهور الصهيونية في أوروبا، عمد عدد كبير من الحاخامات إلى منع أتباعهم من التعامل من الأنشطة الصهيونية، فقد كانوا يرون في دعوتها تدخلا في مشيئة الله في بقاء اليهود في المنفى حتى مجيء المسيح، ورفضوا بشكل قطعي الفكرة التي تدعو اليهود لبذل قصار جهدهم لوضع نهاية للمنفى.

سعت الصهيونية إلى تحقيق أهدافها من خلال الاستعانة بالكتاب المقدس، فقد تحدى زعماء الصهاينة التفسيرات التوراتية التقليدية لدعم مساعيهم، وكانت الإشارة إلى أرض فلسطين في الكتاب المقدس بالنسبة لزعماء الصهاينة وسيلة تبرر غايتهم لا أكثر، وليست جوهر قضيتهم؛ ومع تنامي القوة الصهيونية المسيحية في بريطانيا وأوروبا، تبلورت هذه الفكرة أكثر فأكثر ورحّب بها علماء الدين الذين رأوا أن عودة اليهود هي علامة على عودة المسيح وانبعاث الموتى، وقد ساهم هذا المعتقد الديني في دعم المشروع الصهيوني لاستعمار فلسطين، وقد استمر هذا الاستغلال للكتاب المقدس حتى بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1967م.

الفصل الرابع: الصهيونية ليست حركة استعمارية

يبدأ المؤلف هذا الفصل بالتأكيد على أن أرض فلسطين لم تكن فارغة عندما وصل المستوطنون الصهاينة الأوائل إليها عام 1882م، وكانت هذه الحقيقة معروفة لدى القادة الصهاينة حتى قبل وصول المستوطنين اليهود الأوائل.

وليس ذلك بالأمر الغريب؛ فالصهيونية كانت حركة استعمارية استيطانية، والتي تختلف عن الاستعمار الكلاسيكي في ثلاثة جوانب أساسية وهي:

  1. المستعمرات الاستيطانية تعتمد فقط في البداية وبشكل مؤقت على الإمبراطورية لضمان بقائها على قيد الحياة.
  2. الاستعمار الاستيطاني مدفوع بالرغبة في الاستيلاء على الأراضي في بلد أجنبي، في حين يطمع الاستعمار الكلاسيكي في الموارد الطبيعية في ممتلكاته الجغرافية الجديدة.
  3. الطريقة التي يتم بها التعامل مع الوجهة الجديدة للاستيطان.

يؤكد الكاتب أن الصهيونية ليست مشروعا فريدا من نوعه، بل هي مثال لعملية أوسع، وإدراك ذلك أمر مهم ليس فقط لفهم طبيعة مكائد المشروع الاستعماري، بل لامتلاك القدرة على تفسير المقاومة الفلسطينية.

من المهم إدراك أن فكرة حق اليهود الفقراء في الحصول على ملاذ آمن لم يعترض عليها الفلسطينيون ومن يدعمونهم، لكن ذلك لم يقابل بالمثل من قبل القادة الصهاينة، فبينما عرض الفلسطينيون المأوى وفرص العمل للمستوطنين الأوائل، ولم يعترضوا على العمل معهم تحت أي ملكية كانت، كان المنظرون الصهاينة واضحون جدًا بشأن الحاجة إلى إخراج الفلسطينيين من سوق العمل في البلاد ومعاقبتهم.

ظهرت الخلافات بين الفلسطينيين والقادة الصهاينة جلية للعيان خاصة بعد الانفجار الأول للقومية العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتشكلت الهيئة التنفيذية للمؤتمر الوطني الفلسطيني التي كانت مثل الصوت الجماعي للفلسطينيين للدفاع عن حقوقهم في جلسات المفاوضات مع الحركة الصهيونية التي ظلت تقام في كل عام على مدار عقد كامل من الزمن تحت رعاية الحكومة البريطانية، التي حاولت الدفع لاتفاقية المساواة بين الطرفين، ومع حلول العام 1928م، وافقت القيادة الفلسطينية على ذلك، وكانت القيادة الصهيونية تؤيد الفكرة فقط لشكها في قبول الطرف الفلسطيني لها، وعند إعلان الموفقة أظهروا رفضهم الكلي لتحقيق الاتفاقية، ما أدى إلى صراع من صوره مذبحة اليهود  في الخليل، وردا على هذا الرفض قام الداعية السوري المنفي عز الدين القسام بتجنيد أتباعه الأوائل للمشاركة في حرب إسلامية مقدسة ضد البريطانيين والحركة الصهيونية في أوائل الثلاثينيات، وقد تأكد إرثه عندما اعتمد اسمه من قبل الجناح العسكري لحركة حماس.

وهكذا يمكن للمرء أن يصور الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية رافضة لكافة الحلول السلمية، والحركة الوطنية الفلسطينية كحركة مناهضة للاستعمار تسعى للدفاع عن أرضها ومقدساتها ضد الدخلاء عليها.

الفصل الخامس: غادر الفلسطينيون وطنهم طواعية عام 1948م

تهجير الفلسطينيين

لدحض هذه الخرافة كغيرها، يستهل المؤلف الفصل الخامس لكتابه من خلال طرح تساؤلين أساسين هما: هل كانت هناك نية لتهجير الفلسطينيين؟ وعشية حرب 1948م هل طُلب من الفلسطينيين مغادرة بيوتهم بشكل طوعي كما تزعم الميثولوجيا الصهيونية؟

عمد المؤلف إلى التركيز على السياقات التي ظهر فيها نقل الفلسطينيين من أرضهم عام 1948م والدور الحاسم الذي قام به الرواد الأوائل للصهيونية، والكيفية التي تمت من خلالها عملية تهجير الفلسطينيين من أرضهم، التي شكلت في وقت لاحق جزءا من الحمض النووي الذي قامت عليه الدولة الصهيونية.

ويناقش المؤلف في الجزء التالي المخططات التي عمد رواد الصهاينة الأوائل إلى استخدامها والتي نتجت عن موقفين أساسيين، لكل منهما داعموه ومؤيدوه، فأصحاب الرأي الأول ينظرون إلى عملية التهجير كونها عملية طوعية تمت بموافقة أبناء الشعب الفلسطيني، ويرى أصحاب الرأي الثاني أن إخراج الفلسطينيين من منازلهم إنما كان بالإكراه والقسر.

يدعم المؤلف الموقف الثاني ويؤكد على أن مزاعم الطرف الأول بأن المغادرة كانت طوعية ما هي إلا خدعة صهيونية كبيرة تم استخدامها لتجميل وإخفاء الأهداف الحقيقية التي تتمثل في محاولة الوصول لعملية نقل وتطهير عرقي وجماعي ضخمة، تم تحقيقها بالفعل في العام 1948م، وقد حاول الكيان الصهيوني إلقاء المسؤولية بشكل كامل على الفلسطينيين بسبب رفضهم لخطة الأمم المتحدة للتقسيم في العام 1947م، ولم يكتفِ بذلك بل أظهر نفسه في صورة الجيش الذي يسعى لحماية أرضه وشعبه بل محاولته لعقد السلام مع العرب ورفضهم لذلك.

يُعدد الكاتب في باقي الفصل العديد من الأحداث التاريخية التي تُظهر حقيقة كون إسرائيل كيان صهيوني إجرامي ارتكب العديد من الجرائم البشعة في حق الإنسانية، وينفي بشكل قطعي مغادرة الفلسطينيين لأرضهم طوعا سنة 1948م.

الفصل السادس: نكسة حزيران 1967م.. لا خيار أمام إسرائيل إلا الحرب

يوضح المؤلف في هذا الفصل النهج الذي اتبعه الكيان الصهيوني أمام العالم لتبرير حرب حزيران 1967م، والتي تمثلت بشكل رئيسي في ادعاء أن إسرائيل قد تم إجبارها على هذه الحرب إكراها لا اختيارا، وهو الأمر المرفوض قطعا بناء على العديد من الأدلة والبراهين كان من أبرزها كما يؤكد المؤلف أن خطة الكيان لاحتلال ودمج كل من الضفة الغربية وقطاع غزة كانت قائمة منذ العام 1948م، حتى وإن كان تحقيقها لم يبدأ إلا في العام 1967م، ويرى أن مبرر الإسرائيليين لهذه الخرافة يتمثل في محاولة استغلال القضايا التي ظهرت ضدها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، والتي كانت تسعى لصناعة رأي غربي بأن الراديكالية الناشئة في المشرق العربي قد تبتلع إسرائيل، مما يجعلها تظهر في صورة الطرف الأضعف المجبر على العنف لا المختار له.

وللقيام بعملية تقييم صحيحة لحرب 1967م يجب في البداية فهم مجريات الأحداث خلال حرب 1948م حيث أن النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية اعتبرت الحرب الأخيرة بمثابة فرصة ضائعة كان ينبغي على إسرائيل استغلالها من أجل كامل أراضي فلسطين وبناء الدولة التي تمتد أراضيها من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وكان السبب الوحيد لعدم قيامهم بذلك هو الاتفاق الذي أبرموه مع الأردن المجاور، ومن ذلك يمكن إدراك أن حرب 1967م كانت فرصة لإسرائيل لاستدراك الأخطاء التي وقعت فيها خلال حرب 1948م.

ومما يثبت أيضا أن حرب 1967م كانت خطة مدروسة من قبل الكيان، الاستيلاء على الضفة الغربية بشكل كلي نظرا لما تحتويه من مواقع توراتية قديمة كما يزعمون، ويؤكد المؤلف على الهدف السابق من خلال توضيح القرارات التي قام الاحتلال الإسرائيلي بإصدارها بشكل فوري بعد انتهاء الحرب والتي تمثلت في النقاط التالية:

  • لن تقوم دولة إسرائيل دون الضفة الغربية.
  •  عدم دمج سكان الضفة الغربية وقطاع غزة في دولة إسرائيل كمواطنين، ولَمْ يشمل ذلك الفلسطينيين الذين يعيشون فيما اعتبرته إسرائيل في ذلك الوقت منطقة “القدس الكبرى” الجديدة.
  • استعداد إسرائيل لخوض المفاوضات مع الجانب المصري لتحديد مصير شبه جزيرة سيناء، والتفاوض مع الجانب السوري حول مرتفعات الجولان، على شرط عدم ذكر كل من الضفة الغربية وقطاع غزة خلال المفاوضات.

وبذلك يمكن إثبات أن القرار الأول الذي اتخذه الإسرائيليين في حرب 1967م هو أن إسرائيل لا يمكن أن توجد بدون الضفة الغربية سواء تم ذلك بالطرق المباشرة كالحرب أو الطرق غير المباشرة كالمفاوضات وتهجير السكان من أراضيهم قسرا.

الجزء الثاني: مغالطات الحاضر

الجزء الثاني من الكتاب يتناول ثلاث خرافات إسرائيلية قائمة في وقتنا الحاضر، هذه الخرافات جاء بيانها في ثلاثة فصول. 

الفصل السابع: إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط

يمكن نفي القول بأن إسرائيل دولة ديمقراطية تسعى إلى السلام مع جيرانها، وتضمن المساواة لجميع مواطنيها من خلال توضيح جزأين أساسين:

 الأول: معظم الدول حول العالم لم تكن تعترف بإسرائيل كدولة ديمقراطية إلا بعد حرب 1967م.

 وينفى الجزء الثاني الذي يزعم كونها دولة ساعية للسلام مع جيرانها من خلال: النظر إلى الحكم العسكري الذي أخضعت إسرائيل له خُمس مواطنيها بناء على أنظمة الطوارئ الانتدابية البريطانية الصارمة.

يورد الكاتب مجموعة متنوعة من الأمثلة التي تثبت همجية الكيان الصهيوني، مثل الاستيلاء على أراضي المواطنين الفلسطينيين، حيث أن الاحتياج الأول لكل مشروع استعماري هو الأرض، وبما أنهم لن يتمكنوا من الحصول عليها بشكل طوعي فقد عمدوا إلى المصادرة الجماعية للأراضي، وإقامة أحزمة من المستوطنات.

ومن أشكال العنف الأخرى التي ينتهجها الكيان الصهيوني مع الفلسطينيين إغلاق المنازل بالأسمنت والحجارة لمنع أصحابها من العودة إليها، والسماح للمستوطنين بتشكيل عصابات أهلية لمضايقة الناس وتدمير ممتلكاتهم، واقتلاع أشجارهم، وتدمير محاصيلهم، وإطلاق النار على منازلهم ومركباتهم.

وفي النهاية يؤكد المؤلف على أن الكيان الصهيوني خلال العقد الأخير من القرن الماضي ارتكب أفعالا تتحدى افتراض كونه دولة ديمقراطية، وظهرت حقيقته جلية للعيان فأصبح هناك من يصف إسرائيل بكونها دولة عرقية، ووصفها آخرون بكونها دولة فصل عنصري أو دولة استعمارية استيطانية، وجميعها تثبت عدم امتلاك الكيان أيا من جوانب الديمقراطية.

الفصل الثامن: أساطير أوسلو

اتفاقية أوسلو تطبيع الصهيونية

في 13سبتمبر 1993م وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو، وبعد هذا الاتفاق ظهرت أسطورتان مرتبطتان بعملية أوسلو كانت الأولى هي كونه عملية سلام حقيقية، والثانية أن ياسر عرفات عمد إلى تقويضها من خلال التحريض على الانتفاضة الثانية باعتبارها عملية إرهابية ضد إسرائيل.

وقد ولدت كلا الأسطورتين نتيجة لرغبة كلا الطرفين في التوصل إلى حل في عام 1992م، وعند فشل تحقيق ذلك بدأت عملية البحث عن المذنب في ذلك، فقام بعض المتشددين الإسرائيليين بتوجيه أصابع الاتهام إلى القيادة الفلسطينية، وعمدت نسخة صهيونية ليبرالية لتوجيه الاتهام بشكل دقيق ليس فقط لياسر عرفات بل إلى اليمين الإسرائيلي أيضا، وخاصة (بنيامين نتنياهو).

ويوضح المؤلف في الجزء التالي الأسباب التي جعلت من عملية السلام أمرا فاشلا منذ البداية، واعتمد في ذلك على التحليل والربط بين المبادئ التي ظلّت بلا إجابة طوال مدة الاتفاق مثل: أولوية التقسيم الجغرافي أو الإقليمي كأساس حصري للسلام؛ وإنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين واستبعاد هم من طاولة المفاوضات.

في نهاية الفصل يوضح المؤلف السبب الأساسي الذي أدى إلى فشل هذه الاتفاقية من وجهة نظر الجميع بما في ذلك ياسر عرفات الذي كان طرفا أساسيا في عقده، فمع حلول عام 2000م اتضح للجميع أن التفسير الإسرائيلي لأوسلو يعني نهاية أي أمل في حياة فلسطينية طبيعية، بل ويحكم على الفلسطينيين بالمزيد من المعاناة في المستقبل، كما أنه يعزز قوة هؤلاء الذين اعتبروا الكفاح المسلح ضد إسرائيل السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وهو الأمر الذي استغله الكيان بشكل كبير من أجل تحقيق عملية (الدرع الواقي) الهمجية في عام 2002م، والقيام ببناء (جدار الفصل العنصري) سيء السمعة، وقد مكنتهم هذه الجهود من قمع الانتفاضة مؤقتا.

الفصل التاسع: أساطير غزة

القضية الفلسطينية ترتبط بشكل وثيق أمام الرأي العام الدولي بقطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه  1.8 مليونا وهو الأكثر اكتظاظا بالسكان عالميا، ومنذ العدوان الإسرائيلي الأول على القطاع في العام 2006م أصبح هذا الجزء يجسد القضية الفلسطينية للعالم بأسره.

يتناول المؤلف في هذا الفصل ثلاث أساطير يستخدمها الكيان في تبرير العنف المنظم والحصار المستمر لقطاع غزة أمام الرأي العام، تتمثل الأسطورة الأولى في حركة حماس التي تحولت إلى حركة سياسية خلال الانتفاضة الأولى، ومنذ نشأتها وحتى الوقت الحاضر، انخرطت حماس في صراع وجودي ضد الغرب وإسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر.

تحدت حماس سياسة فتح بقيادة (ياسر عرفات) المؤيدة لأوسلو والتي فشلت في إنهاء الاحتلال، وأصبح التحدي أكثر أهمية عندما قررت حماس، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، الترشح كحزب سياسي في الانتخابات البلدية والوطنية، وتنامت شعبيتها في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بفضل الدور البارز الذي لعبته في الانتفاضة الثانية عام 2002م.

ومع حلول العام 2006م فازت الحركة بأغلبية مريحة في المجلس، وأصبح لها الأحقية في تشكيل الحكومة قبل أن تتصادم مع كل من فتح وإسرائيل، ونتيجة لذلك طُردت من السلطة السياسية الرسمية في الضفة الغربية، لكنها بسطت سيطرتها على قطاع غزة، ونتيجة لعدم رغبتها في قبول اتفاق أوسلو، ورفضها الاعتراف بإسرائيل، والتزامها بالكفاح المسلح، تم تصنيفها كمنظمة إرهابية.

وتتمثل الأسطورة الثانية في الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة في العام 2005م، بعد أربعين عاما من الاحتلال والذي حاول الكيان إظهاره في صورة مبادرة سلام أو مصالحة، والحقيقة التي كانت تكمن وراء ذلك أنها خطة مدروسة تهدف إلى تعزيز قبضة إسرائيل على الضفة الغربية وتحويل قطاع غزة إلى سجن ضخم يمكن حراسته ومراقبته من الخارج.

أما الأسطورة الثالثة فتتمثل في مزاعم إسرائيل بأن أفعالها منذ عام 2006م كانت بهدف الدفاع عن النفس، والرغبة في القضاء على الإرهاب، ولكن حقيقة الأمر كما عبر عنها المؤلف كانت إبادة جماعية متزايدة بحق شعب غزة، وقد تناول المؤلف هذه الأساطير الثلاثة في باقي الفصل بكثير من الاتساع والتحليل الذي يظهر حقيقة أفعال الكيان المحتل للعيان بشكل غير قابل للنقاش أو الدفاع.

الجزء الثالث: نظرة إلى المستقبل

الجزء الأخير من هذا الكتاب يتناول الخرافة العاشرة التي تطمح إسرائيل إلى تحقيقها في المستقبل القريب، بقيام دولة مستقلة تعترف بها كل دول العالم.

الفصل العاشر: حل الدولتين هو الحل الوحيد للمضي قدما

تمدد الصهيونية في فلسطين

في الفصل الأخير يورد المؤلف آخر الخرافات الإسرائيلية التي تزعم أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام هو الاعتراف بكل من فلسطين وإسرائيل كدول مستقلة، وهو الأمر الذي يبدو مستحيل التحقق على أرض الواقع خاصة مع احتلال إسرائيل لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وعلى الرغم من كون هذه الأطروحة غير قابلة للتحقق بسبب الأفعال الصهيونية، إلا أن إسرائيل ترى في رفض الآخرين لها معاداة للسامية.

والحقيقة أن تحقيق هذه الخرافة يعتمد على فكرة كون اليهودية والصهيونية هما نفس الشيء، وهو أمر غير صحيح كما سبق للمؤلف توضيحه، والذي شبّه حل الدولتين بجثة يتم استخراجها من المشرحة من وقت لآخر وهندمتها بشكل أنيق يجعلها تظهر في صورة الحي، وعند التحقق من موتها الكامل يتم إرجاعها للمشرحة مرة أخرى انتظارا لفرصة جديدة، ويرى المؤلف أن الأمر الوحيد الذي قد يتغير في المستقبل هو قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بفلسطين كعضو كامل.

أما ما يرتبط باحتلال إسرائيل للضفة الغربية، يؤكد المؤلف أنه أمر سينتهي خلال وقت قريب إما بشكل سلمي أو بشكل عنيف، وحتى تحقق ذلك فلا يوجد رادع لإسرائيل عن استكمال احتلالها للضفة أو حصارها القاتل لقطاع غزة، وتحقيق الأمر الأول قد يتم من خلال جهود الدول الخارجية ولكنه يحتاج إلى سعي من الكيان الصهيوني لإنجاح الأمر.

خاتمة

خاتمة الكتاب جعلها المؤلف تتضمن تسلسلا زمنيا لأهم الأحداث التي قامت بها دولة إسرائيل الاستيطانية في القرن الحادي والعشرين، منذ موجات الاعتداءات وأعمال العنف ضد اليهود في روسيا في العام 1881م، وحتى القيام بعملية تشكيل حكومة نتنياهو الرابعة في العام 2015م.

وفي النهاية يرى المؤلف أنه لا يمكن التغلب على المجازر والعنف الذي يمارسه الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين إلا من خلال التعاون المشترك بين دول الشرق الأوسط، وعلى يد شعوب المنطقة أنفسهم، فهم ليسوا بحاجة إلى مساعدة العالم الخارجي، لكي يتمكنوا من استعادة حقهم الضائع في أرضهم ومقدساتهم التي كانت تحت حكمهم حتى وقت قريب، والحديث عن حلٍ للدولتين ما هو إلا إهدار للوقت وتفريط في الأرض وضياع للمقدسات والارواح


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق