الجازي وعبقرية الموت والرأي العام: التغيير قادم!!
وسائل الإعلام يجب أن تقوم بوظيفتها في بناء وعي الأمة؛ بتقديم قراءة للأحداث من منظور حضاري تكشف عن الدلالات والمعاني التي يمكن أن تسهم في التخطيط الإستراتيجي وبناء المستقبل.
من أهم تلك الأحداث العملية التي قام بها ماهر الجازي؛ والتي أثارت غضب النتن ياهو؛ حيث إنه فهم دلالاتها، وما يمكن أن تشكله من خطر على مستقبل الاحتلال الإسرائيلي.. ولم يكن ذلك الفهم نتيجة ما يتمتع به من ذكاء، ولكن أجهزة المخابرات ومراكز البحوث أوضحت له أن تلك العملية يمكن أن تكون بداية تغيير مهم في المنطقة، وأن الرسالة التي تحملها للشباب العربي يمكن أن تدفعه للقيام بدور فاعل في الصراع.
عندما يصبح الموت حياة!
من أهم ما تحمله رسالة ماهر الجازي أن الإنسان يمكن أن يختار بإرادته الحرة أن يموت دفاعًا عن الحق؛ فيصبح الموت حياة وبطولة ونبلًا وشهادة، وأن هذا الموت يمكن أن يكون خاتمة جميلة للحياة.
هذه الرسالة يمكن أن تثير خيال الشباب العربي الذي يتعرض للظلم والقهر، فيقرر أن يمضي في طريق الجازي يبحث عن الموت بشرف وعزة وكرامة، بدلًا من أن يموت قهرًا وهو يشاهد عبر قنوات التليفزيون جيش الاحتلال الإسرائيلي يرتكب المذابح ويسفك دماء الفلسطينيين.
والإسلام يقدم لهؤلاء الشباب تصورًا للشهادة، فهي بداية حياة جديدة؛ لذلك حرصت قبيلة الحويطات في بيانها على تذكير الأمة بالآية الكريمة {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} سورة آل عمران: 169
إنها قضية الأحرار
لو تابعنا وسائل التواصل الاجتماعي سنلاحظ أن هناك شعورًا بالفخر ببطولة الشهيد ماهر الجازي، عبّر عنه الكثير من العرب في كل أنحاء العالم العربي. ويشير ذلك إلى أن هناك الكثير من الشباب العربي يتطلعون إلى القيام بأعمال بطولية، وأنهم ينظرون إلى الحياة من منظور يتجاوز تلك النظرة المادية التي فرضها الاستعمار الثقافي الغربي على الأمة، وأنهم يمكن أن يحددوا أهداف حياتهم في ضوء الإسلام، وهذا يشير إلى أن المجتمعات العربية تشهد عملية تغيير ثقافي لم تظهر نتائجها بعد.
يمكن أن يشير ذلك أيضًا إلى أن الرأي العام بدأ يتشكل حول قضية فلسطين، باعتبارها قضية الأحرار التي تستحق كل التضحيات من أجل تحريرها، ومساندة أهلها الذين يتعرضون لعملية إبادة؛ حيث قال شقيق ماهر: إن عائلة الشهيد مسرورة بالعمل البطولي الذي نفذه ماهر، والذي يدل على غيرة وحمية الشهيد علي دماء أهل غزة، وإن على كل مواطن حر وشريف أن يتضامن مع قضية فلسطين، قضية الأحرار.
تعبير عن الأمة العربية كلها
لقد كانت العملية التي نفذها ماهر تعبيرًا عن الأمة العربية كلها، وعن رأي عام يرفض الجرائم الإسرائيلية؛ حيث يقول حابس الجازي شيخ قبيلة الحويطات: إن الشهيد لم يكن ينتمي لأي حزب، وإنما استفزته مجازر الاحتلال الإسرائيلي التي لم تتوقف منذ عام في قطاع غزة، وإن ماهر إنسان ودود ولطيف جدًا، لكنه كان من الشباب العربي المسلم الذي تأثر بما يحدث في فلسطين الحبيبة.
ولعل ذلك ما يميز هذه العملية، ويثير الخيال السياسي والاجتماعي، فالعدوان الإسرائيلي على غزة يمكن أن يوسع مساحة الاتفاق بين كل الاتجاهات السياسية والفكرية، ويثير الكثير من الشباب الذين لا ينتمون لأية تنظيمات سياسية، ويدفعهم للقيام بعمليات فردية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وهذه العمليات الفردية لا تخضع لأية حسابات منطقية، ولا يمكن توقعها، ولذلك فإن هذا النموذج يشكل خطرًا على الوجود الإسرائيلي في فلسطين، وربما يكون ذلك معنى ما أشار له النتن ياهو من أن دولة الاحتلال محاطة بأيديولوجيات معادية لها.
إن هذه العمليات الفردية التي يتخذ منفذوها القرار بأنفسهم، ويستخدمون فيها أسلحة بسيطة يمكن أن تشكل سمة مهمة لحروب المستقبل، وماهر يمكن أن يشكل نموذجًا ملهمًا للكثير من الشباب العربي.
القبائل العربية وصناعة الرجال
عبرت قبيلة الحويطات عن فخرها ببطولة ابنها، وحولت بيت العزاء الذي أقامته إلى” بيت للتهنئة”، وتدفق الشعب الأردني إلى هذا البيت لتقديم التهاني للقبيلة التي أكدت أن دم شهيدها ليس أغلى من دماء أبناء الشعب الفلسطيني.
ويثير ذلك الكثير من الدلالات، فقبيلة الحويطات من أكبر قبائل العرب التي تنتشر في عدد من الدول العربية، وهذه القبائل تحتفظ في ذاكرتها بقصص فرسانها الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية، وفي تحرير فلسطين في عهد صلاح الدين الأيوبي.
وشيوخ تلك القبائل يروون بفخر هذه القصص للأجيال الجديدة، وبذلك يثيرون أشواق الشباب لأيام العز والمجد والسيادة والبطولة والشرف.
وهذه القبائل العربية تعرضت للكثير من الظلم خلال القرنين الماضيين، ولعب الاستعمار الغربي دوره في اضطهاد هذه القبائل وقهرها وإفقارها، كما قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بدور كبير في الظلم الذي تعرضت له هذه القبائل.
لذلك فإن ماهر الحويطي يمكن أن يلهم شباب القبائل العربية، الذين يعتزون بالخصائص المميزة لهم مثل الفروسية والنخوة والغيرة والحمية والبطولة. وهذه المعاني أشار لها ماهر في وصيته، ومن الواضح أنه كان لها صدى في الرسائل التي حملتها وسائل التواصل الاجتماعي، وفي رد فعل الشباب الأردني، وفي مشاعر الاعتزاز والفخر التي عبرت عنها قبيلة الحويطات التي قالت: لن يكون شهيدنا هو آخر الشهداء؛ وليعلم الجميع أن قبيلة الحويطات وعلى مر التاريخ كانت ولا زالت تدافع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية.
لذلك يمكن أن تفتح هذه العملية آفاقًا جديدة للصراع، وتدفع القبائل العربية للمشاركة الفاعلة في تحرير فلسطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق