شكرا للأعداء!
في كتاب “الآداب الشرعية” لابن مفلح، وكتاب “سراج الملوك” للطرطوشي، أن موسى (عليه السلام) دعا الله عز وجل فقال: يا رب، أسألك أن لا يذكرني الناس بسوء! فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، ذلك شيء لم أجعله لنفسي، أفأجعله لك؟!
يا صاحبي، لا بد لكل أحد من محبين وكارهين، حتى الله تعالى لا يحبه كل الناس، وإبليس شخصيا له مريدون كثر!
وإن العاقل إنما ينظر إلى محبيه وكارهيه، فإن أحبه أهل الحق وكرهه أهل الباطل فهو على خير، وإن أحبه أهل الباطل وكرهه أهل الحق فهو أضل من حمار أهله! فإن قيل لك إن المرء يُعرف بأعدائه كما يعرف بأصدقائه فصدق!
كثيرون سيكرهونك لفضائلك لا لعيوبك، والناس لا يحبون من يرون فيه نقصهم!
يروي “بلوتارخ”، وهو فيلسوف ومؤرخ روماني، في كتابه الشهير “السير المقارنة لعظماء اليونان والرومان”، قصة يقول فيها:
عندما كان الملك “هيرو” يتكلم مع أحد أعدائه الأسرى، قال له هذا الأسير: “بالإضافة إلى كونك متعجرفا، فإن لك أنفاسا كريهة أيضا”!. أراد الملك أن يتحقق من هذا الأمر، وعندما عاد إلى قصره، قال لزوجته بشيء من التوبيخ: كيف لم تخبريني أن رائحة أنفاسي كريهة، كان يجب أن أعرف الأمر منك لا من الناس!
وكانت الزوجة سيدة بسيطة، عفيفة، وغير مؤذية، فقالت له: “يا سيدي، كنت أظن أن أنفاس الرجال جميعا لها نفس الرائحة”!
الأصدقاء يحابوننا عادة، ويحرصون على مشاعرنا، أما أعداؤنا فيدلّوننا على عيوبنا، ومن المهم جدا أن يرى المرء نفسه بعيون أعدائه!
عندما تقع الخلافات استمع جيدا لما يقال لك، لا شيء يكشف عن مكنونات الصدور كالخلافات.. وقد قالت العرب قديما: خفايا القلب تظهرها فلتات اللسان!
وقد وعى الحكماء منذ فجر التاريخ أهمية الأعداء!
الفيلسوف اليوناني “فلوطرخس” يرى أن الأعداء المتربصين للزلات يشجعوننا على الانضباط والتنظيم، وحسن إدارة الأمور؛ لأن الشعور بالخطر يدفعنا إلى تقليل حدوث الأخطاء، وسد الثغرات التي قد يتسلل منها الأعداء!
الأمر أشبه أن تعرف أن أحد المدعوين إلى مائدة الطعام عندك كثير الانتقاد.. هذا- وإن كان شعورا سيئا بالنسبة لك- حافز لك أن لا تترك ثغرة تُنتقد منها!
صحيح أنه أمر مرهق أن يتعامل المرء مع أشخاص كل همهم أن يتصيدوا أخطاءه، ولكن هذا مدعاة للانضباط، مهما حاولنا أن ننكر هذا!
وجود معارضة يدفع السلطة لتحسين أدائها، والمدرس الشديد يجعلك تستعد بجدية لامتحانه، الناقد صعب المراس يجلس فوق قلمك فيدفعك- دون أن يدري وتدري- إلى تحسين نتاجك، ووجود لاعبين على دكة البدلاء يُخرج أقصى طاقات اللاعبين الذين في الملعب.. ثمة قدرات كامنة فينا، نحن مدينون بإظهارها للذين يلاحقون عيوبنا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق