السبت، 28 سبتمبر 2024

تخيّل أن تصبح رقمًا!

 

تخيّل أن تصبح رقمًا!




أدهم شرقاوي


منذ يومين سلّم الاحتلال الصليبَ الأحمر ثمان وثمانين جثة متحللة مجهولة الهوية، تعود لأهل غزة!. مر الخبر على هذا الكوكب عابرا، ثمانية وثمانون إنسانا صاروا أرقاما!

منذ يومين وأنا عالق في هذا الخبر، أسأل نفسي: ماذا لو صرتُ يوما رقما؟!

تخيل معي أن تغدو أنت أيضا رقما!. تخيل أن ترحل مجهولا تاركا غصة في قلب أمك، وكانت تريد منك عناقا أخيرا!

تخيل فاجعة أبيك وهو لا يعرف أي قطعة لحم من بين هذه القطع تعود لك!

تخيل أن تبكيك زوجتك بمرارة لأنها لم تستطع أن تقول لك: أحبك! حتى وإن كنت مضرجا في كفنك!

تخيل أن يبقى ابنك طوال العمر يتمنى لو أنه احتفظ بصورة وجهك حين غبت!

تخيل أن تبقى ابنتك تتحسر، لأنها لم تقبّل بطلها الأول قبلة أخيرة!

تخيل مرارة قلب صديقك، وأليف عمرك، وهو لم يمش معك إلى قبرك خطوة!

والآن تخيل أن يصبح الذي تحبهم أرقاما!

تخيل أن كوم اللحم المختلط ببعضه من ضمنه لحم أمك، ولكنك لن تعرفه ولن تعرفها!

تخيل أن لا يكون لأبيك جنازة، هذا الرجل الذي حملك على كتفه طوال عمرك لن تحمله مرة ولو حتى في تابوت!

تخيل أن تصبح زوجتك رقما، تلك التي طالما ضمدت جراحك ستصبح كلها جرحا، تلك التي طالما ضمتك إلى صدرها لن يكون بإمكانك أن تأخذها إلى صدرك لآخر مرة، وتعتذر إليها لأنك في زحمة الدنيا نسيتَ أن تخبرها أنك تحبها!

تخيل أن يصبح ابنك رقما، هذا الذي تحفظه خلية خلية لن يكون بإمكانك أن تلمس وجهه لآخر مرة!

تخيل أن ابنتك التي تحلم أن تراها في فستان زفافها لن يكون بإمكانك حتى أن تراها في كفن، سيعطونك كيس لحم، تعرف ويعرفون أن لحما فيه ليس لحمها، ولكنهم سيقولون لك: هذه ابنتك!

تخيل أن تشتاق إليهم بعد موتهم فلا تعرف لهم قبرا لتأتيه!

كل الذين صاروا أرقاما هم مثلي ومثلك الآن، لهم عائلات يحبونها وتحبهم، لهم آباء وأمهات وأصحاب، لهم أحلام وأمانٍ وطموح!

لهم كلام جميل مات في صدورهم، لم يسعفهم العمر ليقولوه!

عندهم اعتذارات لم يعتذروها، وأحباب كانوا يودون أن يعانقوهم ولكن الموت كان أطول من ذراعاتهم!

تخيل كم هو مفجع أن يصبح الإنسان رقما!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق