الثلاثاء، 1 ديسمبر 2020

ثورتنا رُدت إلينا!

 ثورتنا رُدت إلينا!

 أخيرًا .. اعترف أوباما في مذكّراته أن الإدارة الأمريكية فُوجئت بثورة يناير وكانت مع استمرار مبارك               

 سليم عزوز 


لم نعد بحاجة إلى دليل إضافي بأن ثورة يناير، لم تكن فعلًا أمريكيًا، أو أنها تمت بتحريض أمريكي، ونجاحها كان بسبب دعم واشنطن لها، بعد ما جاء في مذكرات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما!

عندما ذهب المحقق ليحصل على أقوال مبارك فيما هو منسوب إليه، وجده في حالة أقرب للهذيان، فكل الأسئلة لا تمنعه من أن يخرج من الموضوع الذي كان يسيطر عليه وكان يعبر عنه بصوت خفيض، فالأمريكان وراء الإطاحة به، وأنهم دعموا الثورة عليه، وأنه كان من الأفضل إذا كانوا لا يريدونه فقد كان عليهم أن يبلغوه بذلك، ثم يوجه سؤاله للمحقق الذي تم اختياره بعناية لهذه المهمة وهو أنه لا يدرك أهمية ما هو فيه بما يضمن أنه لن ينشره خارج دائرته الضيقة: لماذا فعلوا بي هذا؟!

ينسب لمبارك مقولة بالغة الأهمية بأن المتغطي بالأمريكان عريان، لكنه مع هذا بدا في دهشة مما اعتبره مخططًا أمريكيًا للإطاحة به، فمشكلة الرجل أنه لم يصدق ربما إلى وفاته أن الشعب المصري يمكن أن يخرج عليه ليكون إسقاطه بإرادة الشعب المستقلة، ليس حبًا من الشعب له، ولكن ضعفًا وهوانًا، الأمر الذي دفعه للسخرية من الحديث عن تزوير الانتخابات، ومن الرد عليها بإطلاق برلمان الظل، فحب الشعب وهمٌ عاش فيه القذافي وهو لا يكاد يصدق نفسه وهو غارق في دمائه، أن من يعتدون عليه يعرفونه، لذا وجد من الواجب أن يعرفهم به: «أنا معمر يا ولاد»!

وهي آفة الحكام المستبدين، أن يعيشوا في وهم صنعوه بأنفسهم وبمساعدة أعوانهم، دفع القذافي لعدم تصديق أنه مكروه من قبل الشعب الليبي، وتمثل في اعتقاد مبارك أن الشعب المصري أضعف من أن يطيح به، فهم الأمريكان وراء هذا، فكيف لهذا الشعب المغلوب على أمره أن يثور ويسقطه ويحوّله إلى متهم؟.. إنهم الأمريكان ولا شك، وهي دعاية راجت في دوائر السلطة، وانتقلت منها إلى بعض فئات الثورة، وهم يريدون أن يدفعوا بنا دفعًا للتسليم بذلك على نحو يجعل منهم قيمة بحسبانهم من رجال واشنطن في القاهرة!

لقد كنا نرد على هؤلاء بأنه في اليوم الأول للثورة، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن الموقف الأمريكي مع مبارك، فقد صرحت أن النظام المصري قائم ومستمر، وهي رسالة لا تخطئ العين دلالتها، لكن الثورة لم تكترث بهذه الحماية واستمرت لا يضرها من ضل، ليكون التحول من نصيب الموقف الأمريكي فقد أراد الشعب الحياة!

هذا فضلًا على أن المسكوت عنه أن سيارات تابعة للسفارة الأمريكية شوهدت وهي تطارد الثوار، وقد نقلت قناة الجزيرة صورة لإحداها، فأعلنت السفارة أن سيارتها مسروقة بما يوحي أن أجهزة الأمن في مصر من قامت بسرقتها، لكن تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس محمد مرسي، أثبت أنها كانت أكثر من سيارة، فهل كان هذا الأسطول كله مسروقًا؟، إذن لماذا لم يعلنوا هذا منذ البداية؟! ولم تجد السفارة الأمريكية نفسها مطالبة بالتعقيب على ما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق، فماذا يمكن أن تقول؟!

لقد أمسك البعض في حديث «كونداليزا رايس» عن الفوضى الخلاقة، ليوحوا بأن الربيع العربي هو المقصود بذلك، فاتهم أن المذكورة كانت في حكم الجمهوريين وقبل وصول أوباما للحكم وفي عهده كانت الثورات العربية!

وفي مذكراته التي صدرت مؤخرًا، اعترف أوباما بأنهم في الإدارة الأمريكية فوجئوا بثورة يناير، وكانوا مع استمرار مبارك، لكن الثوار كان لهم رأي آخر.

إن مبارك كان بالنسبة للإسرائيليين خيارهم الإستراتيجي، وكان من يحافظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وإذا كان أوباما تحدث في هذه المذكرات بأنه من الواجب عليهم أن يكون لهم موقف ضد سياسة النظام المصري في ملف حقوق الإنسان، فكان من الواضح أنه موقف أدبي، لا يتجاوزه إلى سعي البيت الأبيض إلى إسقاطه، وهذا الالتزام الأدبي ذكره بأنه راجع إلى المساعدات التي تدفع للنظام من أموال دافع الضرائب الأمريكي!

ومن الواضح أن نظام مبارك كان يعتمد المناورة أمام المطالب الأمريكية، لا سيما إذا تدخل بهدف الانتقام الشخصي من بعض الشخصيات مثل سعد الدين إبراهيم، ومشاجرته مع سوزان مبارك على الدعم الخارجي في مجال العمل السياسي للمرأة، ومثل أيمن نور الذي تجرأ وقرر أن يعامل مبارك ندًا بند، لكنه في النهاية أفرج عنهما استجابة لهذه الضغوط، وبدا مع الوقت أكثر تفهمًا لملف منظمات المجتمع المدني، وبدا حريصًا على إصدار قانون للجمعيات أكثر مرونة بعد أن استنفد كل حيله!

وإذ قال مبارك لأوباما إن الاضطهاد يمارس ضد الإسلاميين، فقد كان يدرك إنهم قتلى بدون دية، وأن الغرب ليس مشغولًا بما يقع عليهم من اضطهاد، وما يتعرضون له من سجون وتنكيل.

وإذ بدا واضحًا أن ما يشغل واشنطن هو الشكل وليس المضمون فقد كان مبارك وهو يسقط أكثر تناغمًا مع مطالب الإرادة الأمريكية، فقد توقف عن مطاردة منظمات المجتمع المدني، وسمح بإصدار صحف جديدة، استجابة للمطالب الأمريكية، لا سيما أن من أصدروها ليسوا من أعداء حكمه وبداية من تجربة «نهضة مصر» لصاحبها عماد أديب، إلى «المصري اليوم» وملاكها صلاح دياب، ونجيب ساويرس، في وقت لم يتضمن التوجيه الأمريكي عودة جريدة «الشعب» المغلقة بقرار إداري، لأن خطها إسلامي ووطني.

لكن الشعب المصري قرر طيّ صفحة الرئيس مبارك، وفي الأخير سلم سكان البيت الأبيض بذلك، فلم يدعموا الثورة، إنما تمنوا استمرار مبارك.

إنها ثورتنا رُدّت إلينا.

azouz1966@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق