لقاء مع البروفيسور محمد غورماز
رئيس شئون الديانة التركي يكشف لعربي21 تحركاته ليلة الانقلاب
غورمار: حاولت شخصيا التدخل في بدايات ظهور الأزمة مع منظمة "غولن" لكنهم رفضوا كل الحلول السلمية والسياسيةاتصلت بالرئيس أردوغان ليلة الانقلاب واستشعرت ثقته في دحر الانقلابيين
كنت على قائمة الاستهداف والانقلابيون حاولوا تحديد مكاني وحاصروا منزلي
ما حدث مع منظمة "غولن" كان آخر ما يتمناه أردوغان.. لقد حاولوا قتله والافتراء عليه
المساجد كان لها دور أساسي في إفشال المحاولة الانقلابية
محاولة الانقلاب كانت ضد صعود تركيا في المنطقة وسعت لقطع صلاتها بالعالم الإسلامي
لو نجح الانقلاب لعشنا في تركيا حربا أهلية تشابه ما يحدث في بعض بلدان الجوار
كشف رئيس شؤون الديانة التركي السابق، البروفيسور محمد غورماز، أنه كان يتواجد بالصدفة في الساعات الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 تموز/ يوليو 2016، في مقر المخابرات بأنقرة؛ فقد كان على موعد سابق مع رئيس المخابرات هاكان فيدان، و"الذي غادر حينها اجتماعه مع رئيس أركان الجيش من أجل مقابلتي لمدة ساعة على نية العودة مرة أخرى إلى الاجتماع برئيس هيئة الأركان".
وأكد غورماز، في الحلقة الأولى من مقابلته الخاصة مع "عربي21"، أن اجتماعه مع رئيس المخابرات في ذلك الموعد بالتحديد "كان أحد أسباب فشل الانقلاب، لأنه لو بقي مع رئيس هيئة الأركان لكان قد تم احتجازه معه، ولربما تسبّب ذلك بأزمة كبيرة جدا لا يمكن تقدير وزنها حاليا".
كما كشف أن "الانقلابيين حاولوا استهداف عدد كبير جدا من المسؤولين الأتراك، وبلغت القائمة لديهم ما يزيد عن عشرة آلاف، وأنا كنت منهم حتى قبل الانقلاب منذ عام 2012"، مضيفا: "ليلة الانقلاب حاولوا تحديد مكاني، وحاصروا منزلي، وكانوا يعرفون أن رئاسة الشؤون الدينية ستكون قوة معنوية هائلة في وجه أي انقلاب، لذلك حاولوا استهدافي شخصيا ثم استهداف كادر شؤون الديانة من أئمة وخطباء".
وأشار إلى أنه في ليلة الانقلاب أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس أردوغان "من أجل أن أبعث الأمل فيه وأن أثبته، وأعتقد أن هذا ما حصل فعلا"، موضحا أنه استشعر ثقة أردوغان في دحر محاولة الانقلاب، متابعا: "حينما أخبرته عن إعلان الصلوات على النبي من المآذن فرح بهذا، وطلب أن نضيف إليها دعوة الناس للميادين للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وإرادتهم".
وأوضح رئيس شؤون الديانة التركي السابق أن "المساجد كان لها دور أساسي في إفشال المحاولة الانقلابية؛ فقد ساعدت في بث خمسة أنواع من القوة المعنوية في الشعب التركي ليلتها: روح الإيمان، وروح الوحدة، وروح الشهادة، وروح نصرة المظلوم والدعاء له، وروح الصلاة على النبي الكريم على نية الفرج والنصر".
يشار إلى أن الحلقة الثانية من مقابلة "عربي21" مع رئيس شؤون الديانة التركي السابق ستنفرد، خلال أيام، بنشر معلومات خاصة حول تفاصيل الجهود التي يبذلها غورماز مع علماء آخرين من أجل السعي لإيقاف الإعدامات في مصر، بالإضافة إلى تطرقها لظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب.
وتاليا نص المقابلة الخاصة:
ما الذي تغير في تركيا اليوم بعد مرور 5 سنوات على محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تموز/يوليو 2016؟
أولا في هذه الذكرى التي يختلط فيها الألم بالأمل نذكر شهداءنا الأبرار بالرحمة وندعو لهم بالمغفرة، وننظر إلى السنوات الخمس الماضية فنحمد الله على حفظه ورعايته، وندرك كم نحن عاجزون عن شكر الله لتسليمه إيانا من نَير تلك التجربة الصعبة، التي لو نجحت لعشنا حربا أهلية تشابه ما يحدث في بعض بلدان الجوار، بل تزيد عليه، فالحمد لله دائما وأبدا.
لكن الحق يُقال بعد مرور هذه السنوات الخمس، لا زالت تركيا تحاول تضميد الجراح التي عانتها بسبب تلك التجربة المريرة، ولا زلنا نحاول التعافي من آثار تلك الحادثة، ومن تأثيراتها في القضاء والتعليم والجيش، وحتى الخدمات والشؤون الدينية وغيرها من القطاعات.
لقد تأثرت الحياة اليومية للمواطنين، والحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل كبير، ونحن لا زلنا نخاف أن تتراجع تركيا بسبب تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة، ففي كل بيت تركي جرح غائر، ولا نزال نحاول أن نضمدها حتى تتعافى.
هل الدور الذي لعبته المساجد في مواجهة محاولة الانقلاب كان هو الأهم في إجهاض الانقلاب برأيكم؟ وهل جاء ذلك انطلاقا مما يُعرف بـ "التقاليد العثمانية"؟
لقد كان للمساجد دور أساسي في إفشال تلك المحاولة الانقلابية، وقد جسدت في ذلك الوقت إرادة الشعب التركي، ووقفت مع حريته واستقلاله، وقد ساعدت المساجد ببث خمسة أنواع من القوة المعنوية في الشعب التركي ليلتها: روح الإيمان، وروح الوحدة، وروح الشهادة، وروح نصرة المظلوم والدعاء له، وأخيرا، روح الصلاة على النبي الكريم على نية الفرج والنصر.
ولأن المساجد يجب أن تقف مع حقوق الشعوب، فلما بدت معالم الانقلاب واضحة، قمت بإرسال رسالة لمئة ألف إمام مسجد، دعوتهم فيها لفتح أبواب المساجد، ورفع الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلك من مآذنها، وأن يدعو الناس إلى الميادين للحفاظ على حقوقهم واستقلالهم وحرياتهم وإرادتهم.
وقد قامت هذه الصلوات على النبي بأشياء ثلاثة، أولها أنها أنزلت الاطمئنان والسكينة والأمل على أولئك الذين لم يستطيعوا الخروج من بيوتهم، من كبار في السن ومرضى وأمهات، والأمر الآخر منحت الشجاعة والإقدام لأولئك الذين نزلوا للميادين ليدافعوا عن الشعب التركي.
أما الشيء الثالث فقد تمثّل في أنها أنزلت الرعب في الانقلابيين ومَن شاكلهم، وقد اطلعنا لاحقا على محادثات بين الانقلابيين والطيران الحربي الذي تبع لهم يطلبون منه إسكات صوت المآذن واستهداف المساجد، وقد دخل الانقلابيون المساجد وضربوا ما يزيد عن ستين مؤذنا بهدف إسكاتهم عن الصلوات.
خلال ليلة محاولة الانقلاب كانت هناك مكالمة هاتفية بينك والرئيس أردوغان.. فما الذي دار بينكما حينها؟
نعم، وكانت نيتي من هذا الاتصال أن أبعث الأمل فيه وأن أثبته، وأعتقد أن هذا ما حصل فعلا، وقد استشعرت ثقة الرئيس في دحر محاولة الانقلاب، ولما اتصلت به قرأت عليه حديث بدء الوحي حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة: خشيت على نفسي. فقالت له أمنا خديجة رضي الله عنها: "إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، والله ما يخزيك الله أبدا"، مذكرا له كيف أن العمل الصالح وإعانة الناس سبب لمنع الخزي، ثم قلت بعدها للرئيس: وأنت الآن أيضا تعين المستضعفين في العالم الإسلامي وتجير المظلومين (..) فبإذن الله لن يخزيك الله. وأخبرته عن إعلان الصلوات على النبي من المآذن، ففرح بهذا وطلب أن نضيف إليها دعوة الناس للميادين للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وإرادتهم، ففعلنا هذا.
أين كنت تتواجد في الساعات الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة؟
حينها كنت أتواجد بالصدفة في مقر المخابرات التركية في العاصمة أنقرة، برفقة الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، معاذ الخطيب، والذي كان قد طلب الاجتماع مع رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، من أجل إبلاغه ببعض المعلومات من داخل سوريا، وقد كان هذا اللقاء مُقرّا سابقا في الساعة الثامنة والنصف يوم الانقلاب، حيث بدأت تحركات الانقلابيين في الساعة التاسعة مساءً، وحتى تم قصف مبنى المخابرات كنّا نحن معا داخل مبنى المخابرات.
وعندما نتذكر هذا اللقاء اليوم ونقيّم الوضع فعلا، فإنه يمكننا الاعتقاد بأن ذلك اللقاء في ذلك الموعد بالتحديد كان أحد أسباب فشل الانقلاب، لأن رئيس المخابرات حينها كان على موعد آخر مع رئيس هيئة أركان الجيش التركي، خلوصي أكار، في مبنى هيئة الأركان (بالعاصمة أنقرة) ثم غادر من ذلك اللقاء إلى اللقاء معي لمدة ساعة فقط على نية العودة مرة أخرى إلى الاجتماع برئيس هيئة الأركان، ولو أنه بقي معه لكان تم احتجازه مع رئيس هيئة الأركان، ولربما تسبّب ذلك في أزمة كبيرة جدا لا يمكن تقدير وزنها حاليا.
هل محاولة الانقلاب الأخيرة هي امتداد للانقلابات العسكرية السابقة التي حدثت في تركيا؟
لا إطلاقا، كل الانقلابات السابقة كانت انقلابات علمانية عسكرية بحتة، سببها الأساسي إعادة هيمنة العسكر على الشعب، وكانت دائما عسكر مقابل مدنيين، ومن جهة الكماليين المتطرفين الذين يتواجد أكثرهم في الجيش حينها.
لكن هذا الانقلاب كان من قِبل جماعة دينية تسللت إلى أجهزة الدولة المختلفة، وفي نفس الوقت كانت تلك الجماعة – ولا زالت – مدعومة من جهات خارجية؛ فكانت تلك المحاولة أخبث محاولة انقلابية حصلت في تاريخ تركيا.
الانقلابيون حاولوا استهداف بعض المسؤولين الأتراك.. هل كنتَ أحد هؤلاء المستهدفين أم لا؟
حاول الانقلابيون استهداف عدد كبير جدا من المسؤولين الأتراك، وبلغت القائمة لديهم ما يزيد عن عشرة آلاف، وأنا كنت منهم حتى قبل الانقلاب منذ عام 2012، لأننا بدأنا في الشؤون الدينية بالتدخل في أعمالهم خارج تركيا في آسيا وأفريقيا، وكان هذا سببا لإثارة غضبهم، وتسببوا في موجات من حملات التشويه الصحفية والاستهداف الشخصي.
ثم ليلة الانقلاب حاولوا تحديد مكاني، وحاصروا منزلي، وكانوا يعرفون أن رئاسة الشؤون الدينية ستكون قوة معنوية هائلة في وجه أي انقلاب، لذلك حاولوا استهدافي شخصيا ثم استهداف كادر شؤون الديانة من أئمة وخطباء كما ذكرت.
إلى أي مدى تم طي صفحة الانقلابات العسكرية في تركيا بعد دحر محاولة الانقلاب الأخيرة؟
غالب ظني أن الانقلابات العسكرية بتلك الطريقة تم طي صفحتها، لكن هناك الكثير من الأساليب الحديثة لمحاولة تخطي إرادة الشعب، ونحن كشعب تركي يجب أن نكون واعين لمثل هذه المحاولات، ونحافظ على وحدتنا واستقلالنا وحريتنا.
ما صحة ما قاله البعض أن محاولة الانقلاب 2016 كانت بالأساس ضد الإسلام والمسلمين وليس ضد تركيا وحكومة الرئيس أردوغان فقط؟
الحقيقة، يمكنني القول إن محاولة الانقلاب الفاشلة كانت ضد صعود تركيا في المنطقة؛ فمنذ سقوط الدولة العثمانية لم تلعب تركيا دورا في العالم الإسلامي والإقليمي، لكن مع تصاعد دورها في المنطقة وعودتها إلى السياق الإسلامي، وتعمق علاقتها مع العالم الإسلامي في كل مكان ودول الإقليم خاصة، كان هذا مؤشرا خطرا لبعض القوى الخارجية، ولذلك كانت هذه المحاولة الانقلابية تسعى لتقويض مكانة تركيا وقطع صلاتها بالعالم الإسلامي، وقد أثرت المحاولة فعلا على جوانب كثيرة في تركيا وأبطأت من سرعة تقدمها، وفي بعض الأحيان والسياقات أوقفتها تماما.
وصحيح أن الانقلاب فشل والحمد لله، لكن المحاولة الانقلابية كانت سببا رئيسا في إيقاف النهضة التركية التي بدأت بقوة منذ عام 2002، أو دعنا نقل إبطاءها بشكل كبير، وأجبرت تركيا على التوجه إلى الداخل، والانشغال أكثر بالمشاكل الداخلية بدلا من التوجه نحو بناء علاقاتها في الخارج.
كيف ترى دور ومكانة وتأثير المساجد في تركيا اليوم مقارنة بما كانت عليه في السابق قبل بروز تجربة "العدالة والتنمية"؟
"رئاسة الشؤون الدينية" هي مؤسسة لها مبادئها الراسخة وأسسها القوية في تركيا، وهي ليست مؤسسة سياسية ولا حزبية، لكن التوجه السياسي لأي دولة يساعد مؤسساتها المستقلة لتقوم بواجباتها على النحو المطلوب، وهذا ما حدث في تركيا خلال الفترة السابقة، حيث مكنت سياسات الحكومة رئاسة شؤون الديانة من القيام بمهمتها بصورة مميزة، وتحوّلت خلال هذه الفترة من مجرد مؤسسة محصورة ومحددة إلى مؤسسة أمة تعنى بكل قضايا المسلمين في كل مكان وتتعاون مع وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية في العالم الإسلامي كله، وتمد لهم يد العون والمساعدة بكل أنواعها كما تستفيد من خبراتهم النوعية.
كيف تستغل منظمة فتح الله غولن الدين الإسلامي؟ وكيف انعكس ذلك على محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة؟
في السابق، كنت أتساءل إن كانت جماعة غولن جماعة إسلامية قد تحوّلت مع الوقت إلى جماعة تستغل الدين والمتدينين أم أنها نشأت هكذا منذ البداية، والحقيقة أنني اليوم متأكد من كونها جماعة نشأت لاستغلال الدين وعواطف المتدينين، واللعب على وتر الصحوة الإسلامية التي بدأت في تركيا منذ زمن لتحقيق أهدافها المدعومة من قوى خارجية. فبعد كل انقلاب في تركيا ازدادت قوة هذه الجماعة، وعندما انهار الاتحاد السوفيتي، انطلقت تلك الجماعة بلا قيد ليمتد استغلالها إلى كل زوايا الدول الإسلامية خاصة والعالم عامة.
وقد رأينا مخرجات النظام التعليمي الذي يتبعونه في مدارسهم واجتماعاتهم، حيث يقدمون الولاء للجماعة على انتماء الفرد لعائلته، ووطنه بل ولأمته، وأذكر هنا فكرة الأستاذ مالك بن نبي حيث يؤكد أن المستعمر إذا خرج من بلد ما أسس المدارس ليعلم فيها الجيل تعليما يجعله مستعدا ليُستعمر أو ما سماه الأستاذ بـ "القابلية للاستعمار".
هل تعتقد أن الدولة تفعل ما يجب للقضاء على منظمة "غولن"؟
الحقيقة أنني هنا يجب أن أستذكر أن مَن كانوا مع جماعة غولن ليسوا على قلب رجل واحد، وقد ذكر الرئيس أردوغان مرة تقسيما لطيفا قال فيه إن هناك ثلاثة مستويات في جماعة غولن: الأول في الأسفل وهدفه العبادة، والثاني في الوسط وهدفه التجارة، والثالث في الأعلى وهدفه الخيانة. ونحن نعلم أن بعض مَن كانوا مع تلك الجماعة دخلوا ليدخل أولادهم المدارس، أو ليتمكنوا من السكن أو العمل، أو لبعض المصالح الجانبية، وأنا آمل ألا يختل نظام العدل في بلدنا العزيز، حتى لا يحترق الأخضر مع اليابس، ولا يذهب الصالح بذنب الطالح، وحتى لا ننظر في المستقبل لهذه المرحلة بألم.
بالتالي كيف تقيم تعاطي الرئيس أردوغان مع منظمة "غولن"؟
الحقيقة أن ما حدث كان آخر ما يتمناه أي واحد منا، وآخر ما يتمناه الرئيس أردوغان الذي كان يملك معلومات كثيرة عن خطورتهم منذ عام 2009، لكنه ركّز على طريق سلمي لإسكات الفتنة الداخلية في هذا البلد، غير أنهم لم يقبلوا هذا، وحاولوا أن يقتلوه وافتروا عليه ودخلوا إلى بيته ومسكنه.
وأنا شاهد على محاولات الرئيس أردوغان من أجل منع هذا التغلغل والاستغلال من قِبل جماعة غولن وبناء "الكيان الموازي" والدولة الموازية للأسف من قِبلهم، وقد حاول أيضا حل هذا الموضوع مرات كثيرة وبطرق سلمية كي لا يصيب الشعب التركي أي ضرر، وقد حاولت شخصيا التدخل في بدايات ظهور تلك المشاكل والوصول إلى حل سلمي، لكن الحلول السلمية والسياسية كلها تم استنفادها، لأنهم لم يقبلوا بها إطلاقا، ووصلوا مع الشعب التركي إلى نهاية مسدودة، أدت بهم إلى محاولة سرقة إرادة الشعب يوم 15 تموز/يوليو 2016.
ما الذي تبقى من جماعة فتح الله غولن اليوم بعد 5 سنوات على محاولة الانقلاب؟
بقيت آثار أعمالهم الإجرامية، وآثار استغلالهم لعاطفة الدين لدى الناس، فقد قضوا على إرادة الخير لدى كثير من الناس، فالأموال التي كانوا يجمعونها من التبرعات من البسطاء والمحتاجين والأغنياء على حد سواء، ذهبت إلى بناء المؤسسات التي أضرت الشعب التركي، وشراء الذمم التي قتلت أبناء الشعب التركي.
بقيت آثار فتنتهم التي وقف فيها الأب عدوا لابنه والابن عدوا لأبيه وأمه، والأخ عدوا لأخيه، والصديق يحمل السلاح في وجه الصديق.
بقيت آثار فسادهم الذي أبعد الناس عن الدين، وباعد بينهم وبين قيم الإسلام ونور الإسلام وهدي الإسلام والأخلاق الإسلامية. ربما لم يعد لهم وجود كما كان سابقا، لكن الجروح التي سببوها للشعب التركي لا زالت حاضرة بقوة في حياتنا اليومية.
ويمكننا أن نرى أضرارهم اليوم على عدد من المستويات، ضررهم للدولة التركية، وضررهم للمؤسسات التركية، وضررهم على علاقات تركيا في الخارج، وأكثر هذه المستويات شدة، وهو ضررهم على الدين الحنيف، وهذا أكثر ما يؤلمني ويؤرقني.
كيف كنت تتصور مآلات الأوضاع في تركيا حال نجاح محاولة الانقلاب؟
لو حدث ونجح الانقلاب وقتها، فستكون تركيا في مكان مختلف في هذا العالم، ستنقطع صلاتها بالعالم الإسلامي، وستكون لعبة في يد القوى الخارجية، وسينتقم الانقلابيون من كل مَن حاول العودة بتركيا إلى عمقها الإسلامي والإقليمي، أو حاول أن يمثل إرادة الشعب الحقة. لو نجح الانقلاب وقتها لكان فعلا كابوسا للشعب التركي، فالحمد لله الذي سلم.
البروفيسور محمد غورماز في سطور
وُلد في 1 كانون الثاني/ يناير 1959 بقرية قضاء "نيزيب"، الواقعة في ولاية "غازي عينتاب"، بجنوب تركيا.
أكمل تعليمه الجامعي عام 1987 في كلية الإلهيات في جامعة أنقرة، ثم بدأ الدراسات العليا في نفس الكلية، في تخصص الحديث بقسم العلوم الإسلامية الأساسية، وعمل في هذه الأثناء موظفا في مديرية الشؤون الدينية في أنقرة وفي مدينة "كرك قلعة" غربي تركيا.
تفرغ للدراسات والأبحاث في جامعة القاهرة لمدة عام واحد، مبتعثا من قِبل وزارة التربية الوطنية التركية عام 1988.
أتم دراسة الماجستير عام 1990 بعد مناقشة رسالته "موسى جار الله باغاييف: حياته، وأفكاره، ومؤلفاته". كما أكمل أطروحته للدكتوراة بعنوان "الإشكالية المنهجية في فهم وتفسير السنة والحديث" عام 1995، حيث حصل على الامتياز مع التوصية بالطبع لأهمية رسالته، ونال على هذه الأطروحة أيضا الجائزة الأولى للأبحاث العلمية الإسلامية لوقف الديانة التركي عام 1996.
درَّس في كلية الإلهيات بجامعة أحمد يَسَوي خلال الأعوام 1995 – 1997، وتولى مهمة إعداد برنامج المعهد العالي للإلهيات في جامعة الأناضول. ثم غادر إلى بريطانيا خلال عامي 1997 – 1998 للدراسة والبحث. ثم عاد بعدها ليصبح أستاذا مساعدا في جامعة أنقرة عام 1998، وأستاذا مشاركا عام 1999، وحاز الأستاذية عام 2000 وهو متخصص في علوم المنهجية لا سيما في الأصول والمقاصد إلى جانب اختصاصه في علم الحديث.
عُيّن نائبا لرئيس الشؤون الدينية التركية عام 2003، واستمر في منصبه حتى عام 2010؛ إذ عُيّن رئيسا للشؤون الدينية التركية حتى عام 2017، حيث قام على العديد من المشروعات العلمية والعملية التي طورت دور رئاسة الشؤون الدينية في المجتمع التركي والعالم، وقام أثناءها بالعديد من الجولات العالمية، كان أشهرها زيارته للمسجد الأقصى وخطبته يوم الجمعة هناك على منبر صلاح الدين.
فيما يعمل غورماز حاليا رئيسا لمعهد التفكر الإسلامي في أنقرة – تركيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق