هل تستحق مصر والسودان نهر النيل بعد توقيعهما الكارثى على وثيقة إعلان المبادئتم التوقيع عليها في الخرطوم، السودان، يوم 23 مارس 2015، في قمة ثلاثية ضمت رؤساء الدول الثلاث
بقلم الخبير السياسى والإقتصادي
د.صلاح الدوبى
جنيف – سويسرا
ر النيل، أطول أنهار العالم، مريض ويزداد مرضه خطورة بمرور الأيام ،فقد أدى ازدياد عدد البشر الذين يعيشون في واديه الى تلوثه واستنفاد مياهه، بينما يهدد التغير المناخي بازالته بالمرة ،ويخشى كثيرون من ان التنافس حول مياه النيل المتضائلة قد يؤدي الى اندلاع نزاعات اقليمية بين الدول المشاطئة له.
بغير عودة إلى التذكير الذي بات مكرورا وباهتا بأن ذاكرة المصريين مصابة بالتجاهل عن عمد وقصد، فأيامنا جميعها تؤكد هذه الحقيقة التي لم تعد بحاجة إلى دراسات متخصصة وأبحاث كاذبة أكاديميا يقوم بها أساتذتنا الأماجد والأفاضل الذين يتفوقون فقط على أنفسهم من أجل تقلد منصب غير ذي دلالة تذكر.
لذلك فمن الأحرى الدخول مباشرة إلى موضوع تتعلق أحداثه في عام 1997، تحديدا حينما نشرت جريدة وول ستريت جورنال خبرا يشير إلى أن دولة أثيوبيا أنجزت للتو أكثر من مائتي سد صغير من أجل احتجاز 623 مليون متر مكعب من مياه نهر النيل، وأضاف محرر الخبر الصحفي أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هي التي ساهمت في تمويل سبعة سدود منها.
لكن عقب انتهاء أثيوبيا من تشييد وبناء السدود المائتين راحت تروج لجذب الاستثمارات الأجنبية الطامعة في المياه لاسيما تركيا والكيان الصهيوني إسرائيل وبالطبع الولايات المتحدة الأميركية، وأن أثيوبيا الآن بإمكانها إقامة مشروعات كبيرة الحجم لزيادة النسبة المحتجزة من مياه النيل وكانت منها إنشاء ما يعرف حاليا اليوم بسد النهضة.
وبفضل سنوات حكم مبارك ونظامه السياسي الغبى والذي كان غائبا غيابا مطلقا ومستداما عن المشهد الأفريقي خصوصا، والعالمي بوجه عام لأنه ونظامه ومعظم أفراد سدنته وكهنته كانوا مغرومين بتجريف الثروات والعقول في الداخل لم يكترث لهذا الخبر، بل ربما لم يلتفت إليه هو ونظامه الأمني آنذاك لاسيما وأن الذي أشار إلى هذا الخبر وقتها المفكر المصري الماتع والرائع الدكتور مصطفى محمود صاحب البرنامج التلفازي الأشهر “العلم والإيمان” محذرا الحكومة المصرية وقت غيابها وغيبوبتها لهذه الإجراءات في مقالة بعنوان “عملية التفاف“، لكن لأن النظام الحاكم وقتئذ كانت لديه ثمة حساسية تجاه أصحاب الرأي والفكر بل والعلم أيضا
ولم يدرك مبارك الذي أصابته غفلة البحث عن ثروات البلاد والعباد هو ومن جاء بعده بإنقلاب عسكرى دموى عبد الفتاح السيسى صاحب فكرة بناء القصور والعاصمة الإدارية ،أن هذه السدود استهدفت في المقام الأول إفشال مشروع توشكى الذي فشل بالفعل.
ولأن مبارك أصابته عقدة أثيوبيا بعد محاولة اغتياله في 1996 في أديس أبابا فقد أغلق بالمرة كافة أبواب التعاون المائي المشترك مع أوغندا وأثيوبيا في الوقت الذي هرعت فيه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إسرائيل في القفز على منابع النهر وتقديم ثمة مقترحات وتشييد مشروعات مائية بهدف التحكم في المياه بالمنطقة.
وفي الوقت الذي اهتم فيه علماؤنا الجغرافيون الجهابذة بالدراسات والأبحاث التنظيرية والتي يمكن توصيفها بالكذب العلمي لأنها غير استشرافية، نجح علماء إسرائيل في تقديم مقترحات عملية وإجراءات تسمح لتلك الدول المائية في استغلال المياه بصورة جيدة وذهبنا نحن بأوراقنا وأبحاثنا تجاه الريح العاتية نبرهن على الحق التاريخي، وعلى ضرورة الشراكة المائية، وطبيعة العلاقات الأفريقية المشتركة، وكل هذه الدعوات لا تحقق إضاءة كافية لأوغندا وأثيوبيا.
ولأننا لا نقرأ الأيام السالفة بوضوح، فإن أثيوبيا أعلنت في السادس والعشرين من فبراير عام 1956 في جريدتها الرسمية إثيوبيان هيرالد أنها سوف تحتفظ لاستعمالها الخاص مستقبلا بموارد النيل وتصرفاته في الإقليم الأثيوبي أي باختصار نسبة 86% من إيراد النهر بأكمله.
وقامت بتوزيع منشور رسمي على كافة الجعات الدبلومسية في القاهرة آنذاك تضمن بحق أثيوبيا في احتفاظها بحقها الكامل في إيراد النيل. وماذا فعلت مصر حينئذ؟ صمتت وتجاهلت وكانت النتيجة هي وجود أزمة مائية اليوم ولا حرج على نظام مبارك ألا تستفيق إلا متأخرا على كارثة، وظلت الحكومات المصرية تكذب على نفسها أولا وعلى شعوبها بأن مياه النهر ستوزع بين دوله بالتساوي وهذا بالتأكيد أشبه بتلك الدراسات الجغرافية المصرية.
وظل الجغرافيون وعلماء الزراعة والري في مصر يرهقون أذهاننا بشعارات ثلاثة:
ترشيد استهلاك الموارد المائية المتاحة، وتنمية الموارد المائية المتاحة، وإضافة موارد مائية جديدة.
ومثل هذه الشعارات الباهتة باتت تكرر في كل مناسبة وكل صفحة بكتب الجغرافيا التي فقدت المعاصرة وبعدت تماما عن الواقع المشهود وأصدق تعبير يمكن توصيفها بأنها جغرافيا تاريخية لا صلة لها بواقع محموم مضطرب. وظلت هذه الدعوات تدغدغ أعصابنا ومسامعنا والكيان الصهيوني يعبث حقا بمياه النيل لصالح أطماعه الاستراتيجية في المنطقة، وراح كل خبير في مصر يقرر أنه لابد من رفع كفاءة وصيانة وتطوير شبكات نقل وتوزيع المياه، ولا مياه بالفعل موجودة، وأخذ المصريون يزحفون وراء المشروعات المائية التي تستهدف تطوير نظم الري مثل الري بالرش والري بالتنقيط ومصر في الواقع تبحث عن نقطة مياه نظيفة صالحة للشرب الآدمي.
الخلل يبدأ عند المنبع.
فمنذ بدأ نهر النيل بالسريان، كانت الأمطارالتي تهطل على الحبشة (إثيوبيا) تشكل الجزء الأعظم – أكثر من 80 في المئة – من مياهه.
حيث كانت الأمطار التي تهطل على أثيوبيا بين شهري تموز / يوليو وأيلول / سبتمبر من كل عام من الغزارة بمكان بحيث تحول الطرق في ذلك البلد الى مستنقعات لا يمكن تجاوزها.
نتيجة لهذه الأمطار، تتكون بحيرات صغيرة بسرعة البرق، محولة هضبة أمهارا الإثيوبية الى مجموعة من الجزر المعزولة التي تحيط بها المياه.
ولكن نهر النيل الأزرق، الذي يبدأ رحلته من غابة تقع الى الجنوب من بحيرة تانا، يستوعب هذه المياه ويتحول في هذا الموسم من جدول صغير الى نهر جبار.
أما نهر النيل الأبيض، الذي يتجاوز طوله طول النيل الأزرق، والذي تقع منابعه في بحيرة فيكتوريا في شرق افريقيا، والذي يندمج مع صنوه الأزرق في الخرطوم بالسودان ليكونان نهر النيل، فلا يشكل الا نسبة صغيرة من المياه التي تنساب شمالا نحو مصر.
ولكن الأمطار التي تغذي النيل الأزرق لا تسقط بالكميات التي كانت تسقط بها في الماضي، مما ينبئ بنتائج كارثية لحوض النيل بأسره.
فموسم “الميهير”، وهو موسم الأمطار الطويل الذي يقع في فصل الصيف، يتأخر قدومه بمرور السنين، كما توقف هطول الأمطار في أشهر الشتاء والربيع تماما.
“هطول الأمطار يتميز بالتباين الآن الى حد بعيد، فهو أقوى في بعض الأحيان وأضعف في احيان أخرى، ولكنه مختلف عن الماضي في كل الأحوال.”
وعندما تهطل الأمطار، يكون ذلك من الشدة بحيث تجرف أكثر من مليار طن من الطمي الإثيوبي في نهر النيل كل عام مما يؤدي الى انسداد السدود وحرمان المزارعين من الطمي الذي يغذي أراضيهم ويزيدها خصوبة.
وكان لزيادة عدد السكان دورها الكبير في تعزيز هذه الظاهرة، فكلما يزداد عدد أفراد الأسر يقوم هؤلاء بقطع المزيد من الأشجار من أجل توفير المزيد من المساحات والحصول على المزيد من المواد الانشائية لبناء الدور وغيرها.
وبينما تضمحل المحاصيل الزراعية وترتفع أسعارالمواد الغذائية، تزداد معاناة الكثيرين من المزارعين الذين كانوا يعتمدون تاريخيا على الامطار عوضا عن الأنهار لسقي محاصيلهم.
وبلغ الأمر بالعديد من هؤلاء الى هجر مهنة الزراعة نهائيا، حيث أجبروا على النزوح الى بلدة بيهار دار، كبرى بلدات منطقة النيل الأزرق التي تبعد عن العاصمة الأثيوبية النابضة أديس أبابا بتسع ساعات بالحافلة من أجل كسب قوتهم.
ولكن معظم القرويين فضلوا البقاء، والعيش على الكفاف بأمل أن تعود الأمطار الى الهطول كما كانت في سابق الأيام.
ولكن عددا قليلا من هؤلاء المزارعين ضاقوا ذرعا بالموضوع بأسره، فقد سمعوا – حتى في قراهم النائية التي تفتقر الى التلفزيونات والطاقة الكهربائية – بإمكانية الحصول على حياة افضل في أوروبا.
كلما سار نهر النيل شمالا كلما زادت المشاكل المحيطة به خساسة.
فعلى مسافة 30 ميلا من منبعه في بحيرة تانا، ينحدرالنهر انحدارا شديدا في شلالات النيل الأزرق العظيمة قبل أن يمر في شبكة واسعة من الوديان التي تشرف عليها قمم عالية.
يزداد النهر قوة وجبروت بانضمام الروافد اليه، وينحدر بعمق 1500 مترا من الهضاب التي نبع فيها الى السهول الجافة. تعد هذه اجمل مناطق حوض النيل وأكثرها عزلة وربما أكثرها مشاكلا.
السبب في ذلك أن المناطق الغربية من أثيوبيا الخالية تقريبا من السكان تكتنفها الصراعات المحلية والدولية في آن.
تخيم على المنطقة غمامة من التوتر وعدم الاستقرار لأسباب عدة على رأسها تشييد أكبر سد في القارة الافريقية على مجرى النيل قرب الحدود مع السودان وقيام الحكومة الأثيوبية – حسب ما يقال – بترحيل عشرات الآلاف من القرويين من أجل تأجير اراضيهم لشركات الزراعة الأجنبية.
مجرد محاولة القيام باجراء تحقيق صحفي هناك يعني التعامل مع شبكة معقدة من نقاط التفتيش والمخبرين والناس العاديين الذين يخشون البوح بآرائهم بحرية.
ولكن، وفي خضم كل هذه المشاكل والقضايا الشائكة، تبرز قضية السد – الذي يطلق عليه اسم سد النهضة الإثيوبية العظيم – بوصفها أهم القضايا التي تؤجج مخاوف وتذكي آمال المنطقة في آن واحد.
سد النهضة تحت الإنشاء في عام 2015
ينظر الكثير من الإثيوبيين الى السد الذي يزيد طوله عن الميل وبامكانه توليد 7 جيجاوات من الطاقة الكهربائية على أنه رمزملموس لتعافي بلادهم من الذل الذي عانت منه ابان مجاعات الثمانينيات والتسعينيات.
تزخر شوارع أثيوبيا بلافتات عليها صورسياسيين تبشر بقدرة السد على توفير الطاقة الكهربائية للملايين. ويهتف تلاميذ المدارس في أثيوبيا قائلين “هذا هو قدرنا.” وينتظر العديدون في غربي إثيوبيا بشغف اشتغال جارهم الجديد، سد النهضة.
ولكن بالنسبة لمصر، البلد الذي تطغى الصحارى على معظم مساحته، ولا تهطل عليه الا القليل من الأمطار، والذي يعتمد بالتالي على النيل لأكثر من 95 في المئة من احتياجاته المائية، ينظر الى سد النهضة وامكانية أني ؤدي الى خفض منسوب النهر بوصفه خطرا وجوديا.
تنص اتفاقية وقعت عام 1959 على ان مياه النيل يجب ان تكون من حصة مصر والسودان حصرا، ولكن دولا أخرى كاثيوبيا وغيرها من الدول الافريقية المشاطئة تطعن في شرعية ذلك الاتفاق قائلة إنه أبرم ابان الحقبة الاستعمارية التي لم يكن فيها للدول الافريقية رأي في أمورها الداخلية.
من جانبها، تهدد القاهرة باعلان الحرب حول الموضوع، كما يتبادل طرفا النزاع التهديدات. خلاصة الأمر أنه لو نشب نزاع اقليم يحول الموارد المائية، سيكون نهر النيل وواديه الأخضر الجميل في قلب ذلك النزاع.
قال ضابط بحري أثيوبي في بلدة بحر دار المطلة على النيل الأزرق، “النهر يبدو هادئا، أليس كذلك؟ ولكننا نعلم أننا نقيم عند الجبهة الأمامية. فهنا توجد المياه والسد وأفضل الاراضي الزراعية.”
رغم خسارتها لمنافذها البحرية عند انفصال ارتيريا عنها في عام 1991، احتفظت أثيوبيا بمنشأة بحرية في بحيرة تانا.
المدن المتوسعة
ثم هناك أيضا العنصر البشري وتأثيراته.
بالنسبة للمسافرين على نهر النيل، مثلت الخرطوم دائما مرفأ ضروريا ورمزيا في آن.
ففي الخرطوم، ملتقى نهري النيل الأبيض والنيل الأزرق، يتخذ هذا النهر شكله الهادئ الوديع والواسع والمعروف. فبعد أكثر من ألف ميل من الفرقة بينهما، لا يسع للمرء الا ان يتعرف بشكل جلي على مميزات كل من الرافدين الجلية.
فالنيل الأزرق الجرار ذو اللون البني جراء الأمطار التي هطلت في أثيوبيا، يقتحم بقوة مكان التقاء الرافدين، ويطغى لأميال على نظيره الأبيض الهادئ الذي يتسم بشيء من الصفرة. وفي موسم الجفاف، يجري النهران احدهما الى جانب الآخر فيما يصفه بعض سكان الخرطوم بأنها “أطول قبلة في التاريخ.”
ولكن الحقيقة الآن لا تعكس هذه الرومانسية بأي حال من الأحوال. ففي الخرطوم، أول مدينة كبرى تعانق النيل، تبدأ نوعية مياه النهر بالتدهور.
مياه نهر النيل تبدأ قذارتها من الخرطوم مارة بمصر ومصانع مصر التى تلقى بسمومها فى نهر النيل
فالخرطوم تلقي بمياهها القذرة في النيل لحظة وصوله اليها. وفي الخرطوم يبدأ النيل بالتعرف على الذي ستعني زيادة السكان بالنسبة لعافيته.
ففي مصر، ارتفع عدد السكان اربع مرات منذ عام 1960 بحيث بلغ اليوم 104 ملايين نسمة (حسب أرقام الحكومة المصرية)، أما أثيوبيا فيزيد عدد سكانها بمعدل 2,5 مليونا في العام. وتشير التقديرات الى أن عدد سكان وادي النيل سيتضاعف ويبلغ 500 مليون نسمة بحلول عام 2050.
وبينما تصارع حكومات المنطقة من أجل الوفاء بمتطلبات مواطنيها الجدد، يقع الكثير من ذلك على عاتق النيل.
يقول يوسف أبو قرون، وهو مهندس في الخرطوم يمارس صيد السمك في أوقات فراغه والذي لا تكاد غلته من السمك أن تبلغ 10 في المئة مما كانت قبل عشر سنوات، “لقد تعاملنا مع النيل بشكل سيء منذ الأزل، فقد اعتقدنا دائما أنه من الكبر بحيث يمكن أن يفي بكل حاجاتنا. ولكن يبدو أن عددنا قد زاد عن ذلك الآن.”
المشاكل التي تعاني منها الخرطوم فيما يتعلق بالنيل ليست محددة بها بل تعكس المشاكل التي تعاني منها الكثير من المدن الواقعة على هذا النهر والتي تشهد نموا كبيرا في عدد السكان. ففي الخرطوم، لم يتم توسيع شبكة الصرف الصحي في العقود الأخيرة بينما توسعت المدينة توسعا كبيرا.
خطير جدا
نتيجة غياب مرافق التعامل مع الأزبال والفضلات، اضطرت الشركات والمصالح والمصانع على ايجاد بدائل أخرى لذلك إذ عمدت الى رمي القاذورات والفضلات – من المخلفات السامة لمصانع الأعتدة الى الفضلات الحيوانية لسوق العاج – في مياه النيل الملوثة أصلا بالمواد الكيمياوية.
وفي السودان تحديدا، أدت حملة القمع التي شنتها الحكومة على منظمات المجتمع المدني الى تفاقم الأزمة التي تواجه نهر النيل. ففي عام 2014، سجنت الحكومة السودانية زعماء جماعة متخصصة بحماية حقوق المستهلكين بعد ان تمادى هؤلاء في مطالبهم، مما أدى ببقية المداعين لحماية البيئة الى تخفيف ضغوطهم من أجل ملاحقة أسوأ الملوثين.
غزو الصحراء
كل هذا قبل أن نأخذ بنظر الاعتبار ظاهرة التصحر.
فالنيل في مسيره شمالا عبر الصحراء السودانية يتخذ له نغما هادئا نعسانا.
يمر النهر أمام أهرام البجراوية – التي لايكاد يزورها أي سائحين – ومن ثم الى سد مروي. ويصل النهر بعد تجاوزه الشلال الرابع الى بلدة كريمة التي تعد أحر البلدات الواقعة على النيل.
ولكن المزارعين في هذه المنطقة الذين يعملون في ظروف تكاد تكون مصممة للقضاء على أي محصول تعلموا كيفية التأقلم مع كل ما يمكن للبشر أو الطبيعة أن يرميان عليهم.
فرغم تجاوز الحرارة 45 درجة مئوية – وهو أمر اعتيادي في هذه المنطقة عند الظهر – يواظب هؤلاء المزارعون على العناية بغللهم التي تحميها مظلة من الأشجار زرعها سكان المنطقة لأجل ذلك فحسب.
وعندما ينقطع التيار الكهربائي، وهو أمر كثير الحصول خصوصا بعد تعطلت توربينات سدي الروصيرص وسنار نتيجة الطمي الذي يجلبه النهر، يلجأ المزارعون الى استخدام المولدات التي تعمل بزيت الغاز (الديزل) من أجل تشغيل المضخات التي تروي محاصيلهم.
كان هؤلاء يجدون حلولا لكل المشاكل التي تواجههم، ولكن الأمر تغير الآن.
السبب في ذلك أن الصحراء بدأت بالتمدد في الشريط الضيق – الذي لا يكاد عرضه يتجاوز 150 مترا – الذي يمكن أن يستخدم للزراعة بسرعة غير مسبوقة. فالرمال تتمدد في هذا الشريط ليلا ونهارا، ولم تعد الأساليب التقليدية لمحاربة هذا التمدد، كزراعة الاشجار ذات الجذور العميقة واقامة السياجات حول المحاصيل، ذات جدوى.
وتبتلع الصحراء المزارع المحصورة بين الرمال والنهر الأزرق الجبار.
يشير المزارعون الى الكثبان الرملية التي تهدد بابتلاع حقل الحنطة العائد له والواقع في ظلال جبل بركال قرب بلدة كريمة “اذا أطلعوا وزير البيئة على خارطة للمنطقة، لن يتمكن من التعرف على أي شيء فيها. إن الأراضي المنتجة تختفي شيئا فشيئا.”
يبدو أن التصحر يعود لظاهرة التغير المناخي، وهو أمر يحدث على طول وادي النيل.
فقد تمددت الصحراء بمسافة 120 كيلومترا في الأحراش الواقعة الى الجنوب من الخرطوم في السنوات الـ 30 الأخيرة، حسبما يقول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة. كما تستمر درجات الحرارة بالارتفاع بشكل ملفت، مما يزيد من نسبة التبخر في النيل.
ولكن في شمالي السودان، وصل الموقف الى درجة حرجة جدا نظرا لأن الكثير من المزارعين الشباب الذين يعتمد عليهم لدرء هجوم الصحراء قد أغوتهم الوعود بثروات كبيرة في العمل في مناجم الذهب الموجودة في المنطقة.
للتعويض عن هؤلاء، يعمد بعض من مالكي الأراضي الزراعية الى تشغيل مهاجرين من أثيوبيا وأرتيريا واقليم دارفور وكلهم يريدون تحصيل بعض الأموال اثناء هجرتهم الى الشمال. ولكن آخرين من مالكي الأراضي استسلموا للأمرالواقع وهجروا مزارعهم ولجأوا الى المدن. وهذه ظاهرة خطيرة بالنسبة لبلد فقير ينفق الكثير من موارده المحدودة في استيراد الحنطة من الخارج.
وكما هو الحال مع المزارعين الأثيوبيين، يشكك المزارعون السودانيون الذين آثروا البقاء في أراضيهم في جدوى ذلك. يقول احد المزاعين، الذي يزرع المانجو وقصب السكر والنخل والبطيخ في حقل لا تتجاوز مساحته دونم ونصف على ضفاف النيل شمالي السودان، “في الماضي كان الصيف صيفا والشتاء شتاءا. أما الآن فالأمر اختلط تماما.”
ومن العسير المضي في النشاط الزراعي عندما يتضافر الطقس والصحراء ضدك.
البحر المسمم
فما الذي سيحدث الآن؟ وهل هناك امكانية في أن يؤدي وضع النيل المزري الى اندلاع حروب في المنطقة؟
عندما يصل النيل الى القاهرة، يكون من القذارة بمكان.
إذ أن جانبيه مليئان بالقاذورات، ومياهه سميكة القوام وزاخرة بالسموم. ويشكو المزارعون من شح المياه في دلتا النيل الشمالية حيث تمنع قنوات الري المليئة بالطمي جريان المياه الى المزارع.
يبدو الموقف بالنسبة للمسؤولين في القاهرة تصويرا كالحا لمستقبل مصر فيما يخص المياه. يقول علي المنوفي، المسؤول في وزارة الموارد المائية المصرية، “يمثل النيل كل شيء بالنسبة لنا، من شراب وطعام. ستكون كارثة لو حصل شيء له.”
كانت نبرة الخطاب التي اتسمت بها العلاقات بين الدول المشاطئة لنهر النيل في السنوات الأخيرة انعكاسا لهذه المخاطر.
كان مسؤول في احدى الأنظمة المصرية السابقة قد دعا في عام 2013 الى ضرب سد النهضة، مما أدى الى ردود غاضبة من جانب وسائل الاعلام الرسمية في أديس أبابا.
وفيما يتكامل العمل في تشييد السد الأثيوبي، تعكف السلطات المصرية على تعزيز قدرات البلاد الإستراتيجية. فقد اشترى المصريون مؤخرا سفينتين حربيتين فرنسيتين من فصيلة “ميسترال” لهما القدرة على ضرب الأهداف البعيدة، وذلك في خطوة يقول محللون إنها تهدف – جزئيا على الأقل – الى إيصال رسالة الى أثيوبيا.
ولكن السياق التاريخي يشير الى ان الدول المشاطئة لوادي النيل لن تلجأ للخيار العسكري في المستقبل المنظور. فهناك سوابق عديدة تم حل النزاعات المائية فيها بشكل سلمي، وثمة مؤشرات الى أن مصر بدأت بالإقرار بحتمية وجود سد النهضة.
ولكن السرية التامة التي تمارسها أثيوبيا حول النتائج المترتبة على تشغيل سد النهضة ما زالت تشكل عقبة كأداء، كما تشكل عقبة أيضا المفاوضات الدائرة حول الوقت الذي سيستغرقه ملء خزان السد الكبير.
في غضون ذلك، ما زالت الحرب الكلامية بين الجانبين تتصاعد بأشكال غير مستساغة.
إذ يقول لاجئو الأورومو الأثيوبيون في مصر إن حالات المضايقة التي يتعرضون لها تزداد كلما يتصدر موضوع سد النهضة الأنباء. ومن جانب آخر، عمدت بعض الأديرة الأثيوبية، بما فيها الكنائس الواقعة في بحيرة تانا، والتي تمتعت تاريخيا بعلاقات وطيدة مع الأقباط المصريين، الى قطع علاقاتها مع هؤلاء وطرد الكهنة المصريين.
وفي وقت تقوم فيه السلطات السودانية بتأجيرملايين الدونمات من الأراضي الزراعية على ضفاف النيل لشركات خليجية (فقد أجرت 2,5 مليون دونم على الأقل لدولة الإمارات) يبدو أن الكثير من المشاكل ما زالت تقف في طريق أي تقدم.
ولكن يبقى من النيل كم كاف ليؤدي به الى نهاية بائسة.
فبالنسبة لصيادي السمك الذين يعملون بالقرب من رشيد، مصب الفرع الغربي من النيل في البحر المتوسط، يعد وضع النهر المزري كارثة حقيقية لحياتهم ومعيشتهم.
فقد قضي على الكم الأكبر من الأسماك التي كانوا يعتمدون عليها، أما الأسماك التي يتمكنون من اصطيادها فلا تسر الناظر ولايمكنهم تناولها في أغلب الأحيان. وفي حقيقة الأمر، فإن المياه في المسار النهائي للنيل مسممة الى حد لا تتمكن فيه الا القليل من المخلوقات أن تبقى على قيد الحياة كما يقول الصيادون.
يقول أحد هؤلاء وهو يرتب شباكه قرب القلعة التي اكتشف فيها حجر رشيد، “كنا نعبد النيل، ولكن الآن لا نريد أن تكون لنا أي علاقة به. نتبع جميعنا نفس الاسلوب: ابتعد عن النهر قدر المستطاع.”
نتيجة ظروف الصيد التي تزداد صعوبة وعسرا، وبالمنافسة من جانب المزارعين اليائسين الذين تحولوا الى صيد الأسماك، لجأ بعض الصيادين الى الجريمة.
على سبيل المثال محمد، وهو صياد سمك من رشيد. فقد نقل محمد هذا مهاجرين ولاجئين الى أوروبا، وتعرض نتيجة لذلك للاعتقال مرتين بالكاد.
ولكن ذلك لن يثنيه كما يقول، خصوصا وان النيل لم يعد مصدر دخل مربحا ووجود أناس من حوض النهر مستعدين لدفع أموال أكثر بكثير مما قد يحصل عليه من الصيد.
قال، “أفضل أن أحصل على لقمة عيشي من النيل، كما فعل أبي وجدي، ولكن هذا لم يعد ممكنا.”
7 مصارف زراعية تلقى مياهها الملوثة فى نهر النيل
بسبب إلقاء مخلفات الصرف الصحى والصناعى من المصانع بكميات كبيرة بصفة يومية دون معالجة، ما تسبب فى تدهور نوعية التربة، وانتشار أمراض الفشل الكلوى والسرطان وأمراض الكبد وغيرها من الأمراض المزمنة، خاصة فى محافظات الدلتا.
1- مصرف عمر بيه
يصب المصرف مباشرة فى نهر النيل بالقرب من محطات مياه الشرب فى محافظة الدقهلية، بما يحمله من مخلفات صناعية وزراعية.
2- مصرف الخضراوية
يقع فى زمام مركز “قويسنا” خلف المنطقة الصناعية، حيث يلقى مخلفاته الصلبة والكيماوية فى نهر النيل.
3- مصرف كتشنر “الغربية الرئيسى”
يمتد المصرف بطول يزيد على 100 كيلو متر بداية من المحلة الكبرى بالغربية، حيث تصرف به جميع مصانع المحلة وبعض مصانع كفر الزيات من خلال مصارف فرعية أخرى، إضافة إلى الصرف الصحى فى طنطا مرورًا بحدود محافظة كفر الشيخ .
4- مصرف بحر البقر
يعتبر من أخطر مصادر التلوث لما يحمله من مخلفات صناعية وزراعية وصرف صحى غير معالج، ويبلغ طوله حوالى 190 كيلو متر، ويمتد من جنوب القاهرة مارًا بمحافظات” القليوبية والشرقية والإسماعيلية والدقهلية” ويستقبل مخلفات الصرف الصحى غير المعالج من التجمعات السكانية على جانبيه أو من شبكات للصرف الصحى مباشرة من المدن المطلة عليه.
5- مصنع كيما ” أسوان”
مصرف كيما أسوان كان مخرًا للسيول فى الماضى، استغله مصنع كيما فى صرف مخلفاته، والذى يلقى بدوره فى النيل مباشرة، كما تشترك معه هيئة الصرف الصحى التى تلقى بالصرف فى النيل.
6- مصرف الرهاوى
يلقى مخلفات الصرف الزراعى والصناعى بما يحتويه من الأسمدة والمبيدات الزراعية والعناصر الثقيلة فى فرع رشيد بنهر النيل.
7- مصرف المحيط
يصب مياه الصرف الصناعى والصحى والزراعى بمحافظة المنيا مباشرة فى نهر النيل.
رغم أنه هبة الله للمصريين.. إلا ان ابناء الشعب المصري ومصانعه كل يوم يقومون بإلقاء مخلفاتهم الصناعية به والتي تحمل معادن ثقيلة قادرة علي قتل الانسان والحيوان علي حد سواء ، حيث تسبب قيام احد ابناء اسوان بإبلاغ الرئيس السيسي عن القاء مصنع كيما لمخلفاته بنهر النيل في إعادة فتح ملف المخلفات الصناعية التي تلقي بنهر النيل .
- إلقاء المخلفات الصناعية بالنهر انتهاك صارخ لحقوق المواطنين
- حجب المعلومات الخاصة بالصرف الصناعي على النيل يؤثر على قدرة المواطنين في حماية حياتهم
- دراسة :
- 17 ألف طفل سنويًا يموتون بالنزلات المعوية جراء تلوث المياه
- 50 % من فاقد الإنتاج الزراعي سببه الرئيسي يعود إلى تلوث المياه
- أستاذ بعلوم عين شمس :
- الملوثات الصناعية المنصرفة بالمجارى المائية تصل إلى 270 طناً يوميًا
- المخلفات الصناعية تفتك بصحة الإنسان
- أستاذ ثروة سمكية :
- إلقاء المخلفات الصناعية بالنيل قضى على 40 نوعا من الأسماك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق