الاثنين، 19 يوليو 2021

قراءة في كتاب قوة الرفض الإيجابي

قراءة في كتاب قوة الرفض الإيجابي

كيف تقول لا وتحظى في الوقت عينه بقبول الآخرين


اسم الكتاب: قوة الرفض الإيجابي 

المؤلّف:
تاريخ النشر:
2009
الناشر:مكتبة جرير

نبذة عن الكتاب

ان المشكلة التي يعانيها كثير من الناس تتمثل في أنهم يقولون نعم في المواقف التي تستحق أن يقولوا فيها لا ، وإذا استطاعوا أن يقولوا لا، فأنهم يقولونها خطأ. فما السبيل الى قول لا إيجابية التي توصلنا الى القبول وترضي جميع الأطراف؟ إن هذا الكتاب يكشف لك كل الحلول لتلك المشكلات: فيكشف لك عن القوة في لا بإيجابية، وكيف تقول لا وتحاول في الوقت نفسه الوصول الى نعم.

تلخيص كتاب قوة الرفض الإيجابية إعداد دكتور نورا سلطان

إن “لا” هي الكلمة التي نستخدمها لحماية أنفسنا والدفاع عن أي شخص أو شيء يهمنا، لكن قول “لا” بشكل خاطئ قد يدّمر هو الآخر علاقاتنا بالآخرين وينفّرهم منا. وهذا ما يجعل قول ” لا ” بالطريقة الصحيحة أمراً حيوياً. سواء كان قي العمل، أو البيت، أو في محافلنا المختلفة.

والسّر في كلمة ” لا ” دون تدمير العلاقات يكمن في فن استخدام الرفض الإيجابي، وهي آلية مجربة يمكن للجميع تعلمها.

أن قول ” نعم ” لا يمثل أكثر من نصف الصورة – بل إنه النصف الأيسر منها

وفي هذا الصدد يقول أحد المشاهير البريطانيين ” إن فن القيادة ليس في قول “نعم” وإنما في قول “لا” بأسلوب مناسب.
ولقد أدركت أيضاً أن المشكلة الكبرى لا تكون في عدم الوصول إلى التوافق، بل في العجز أولاً عن قول “لا”. فنحن في الأغلب لا نقدم على قول ” لا ” حين نريد قولها، أو حين يجب قولها. أو نقولها بطريقة تعطّل اتفاقاً أو تدّمر علاقة. فإما نسلم بمطالب غير عادلة، أو بالظلم، أو الاستغلال وإما نشتبك في صراعات مدمرة يخسر فيها الجميع.

الأهمية الكبرى لكلمة ” لا “
(إن كلمة ” لا ” التي تقال إثر اقتناع عميق، لها أثر أفضل وأعظم من كلمة ” نعم ” التي تقال للإرضاء، أو تفادي المشاكل).
المهاتما غاندي

“لا” على المائدة و..
إن كلمة ” لا ” هي أكثر الكلمات قوة في اللغة التي نحتاج إليها اليوم. وقد تكون أيضاً أكثر الكلمات تدميراً، بالنسبة لكثير من الناس قد تكون أصعب كلمة تقال على الإطلاق، لكننا حين نتعلم استخدام تلك الكلمة على نحو صائب، يكون من شأنها تحويل المواقف بشكل جذري نحو الأفضل.

فعلى مائدة الإفطار، طلبت منك ابنتك الصغرى راجية أن تشتري لها لعبة جديدة، فرددت أنت قائلاً: “لا، فلديك ما يكفي من اللعب”. فبالغت في الترجي قائلة: “من فضلك يا أبي فكل أصدقائي لديهم واحدة”. فكيف يمكنك أن ترفض دون أن تشعر بأنك أب سيء؟
لقد رفضت ابنتك أن تتم إفطارها، ومن الضروري أن تتناول إفطارها. لكن عليك أيضاً أن تذهب إلى عملك. ويصيبك الغضب منها، لكنها تنهار باكية وتصر على عدم تناول الإفطار، فكيف لك أن تجعل من رفضك فعّالاً وإيجابياً حيال رفضها الطعام.

وحين تصل للعمل، تدعوك رئيسة عملك إلى مكتبها، وتطلب منك العمل أثناء عطلة نهاية الأسبوع القادم لإتمام مشروع مهم.
ومع أن هذه العطلة قد خططت أنت وزوجتك للخروج فيها، وهو ما تحتاجان إليه بشدة. لكن رئيسة عملك هي من تطلب ذلك.

فكيف لك أن تقول ” لا ” ردّاً على طلبها دون تهديد علاقتك برئيسة العمل، أو تهديد موقفك من الترقية المقبلة؟

وأثناء عملك يتصل بك أحد العملاء طالباً منك تسليم منتج خلال الأسابيع الثلاثة القادمة، وأنت تعرف من خلال خبرتك الماضية مدى الضغط الذي سيتولد داخلياً جراء هذا الموعد، وفي النهاية قد لا يرضي العميل عن جودة المنتج، لكن هذا العميل مهم بالنسبة لك، ولن يرضى بكلمة ” لا ” رداً على طلبه، فكيف لك أن تقولها دون إفساد العلاقة؟

وعلى العشاء، تلك الليلة تثير زوجتك مشكلة أمك المسّنة التي وصلت لسن لا يؤمن عليها فيها العيش وحدها، ويتطلب ذلك أن تعيش معك، وزوجتك تعارض ذلك بشدة، وتلّح عليك في أن تتصل بها وتقول لها ” لا “، ولكن كيف يمكنك قول ” لا ” لأمك؟ !!

إن كل هذه المواقف يجمع بينها أمر واحد: وهو أنه لكي ترضي حاجاتك وحاجات الآخرين فعليك أن تقول ” لا ” للمطالب غير المرغوب فيها، أو للسلوك غير الملائم أو غير اللائق، أو الموقف غير المجدي أو غير العادل.

لماذا ” لا ” ولماذا ” الآن”؟

إن قول ” لا ” كان أمراً مهماً على الدوام. لكنه ينطوي على مهارة لم تكن قط ضرورية ومهمة مثلما هي الآن.

أثناء مدة عملي، توفرت لي فرصة الترحال بشكل مكثف، وزيارة المئات من مواقع العمل، وعائلات من عشرات المجتمعات، والتحدث مع الآلاف من الأشخاص، وأينما ذهبت كنت أجد الناس تحت ضغوط متزايدة، فلقد قابلت مديرين ومهنيين يستنفدهم الإفراط في العمل، ورأيت أناساً يصارعون من أجل أسرهم وأعمالهم، وخصوصاً النساء اللائي يعملن خارج البيت، قابلت آباء لا يجدون وقتاً مناسباً يقضونه مع أطفالهم، ووجدت أطفالاً مثقلين بواجباتهم المدرسية ودروسهم. وتناقص الوقت المخصص لهم للهو واللعب، ففي كل مكان أجد الناس مثقلين ومنهكين، وإنني أعدّ نفسي أحدهم.

ولقد أصبح لدينا بفضل ثورة المعلومات، معلومات أكثر، واختيارات أكثر من ذي قبل، لكن أصبح لدينا أيضاً قرارات أكثر ينبغي اتخاذها. ووقت أقل لذلك في ظل تسارع وتيرة الحياة نظراً للتقدم التكنولوجي، لقد تآكلت الحواجز بين البيت والعمل حين أصبح العمل يصل إلى الناس عن طريق الهواتف الخلوية، والبريد الإلكتروني في أي وقت وأي مكان.

وقد انهارت القواعد أيضاً، وأصبحت الإغراءات بتحطيم القواعد الأخلاقية أكثر حدة، وأصبح من الصعب على الجميع وضع الحدود فضلاً عن التمسك بها.

أن كلمة ” لا ” أصبحت هي التحدي الأكبر في عالم اليوم. إن الصعوبة في الرفض تنجم عن التناقض بين ممارستك لقوتك وميلك لتغليب حسن العلاقة.

فممارستك لقوتك بقول ” لا ” قد تحدث شرخاً في العلاقة، بينما يكون انتصارك لحسن العلاقة إضعافاً لقوتك.
وهناك ثلاثة توجيهات فيما يتعلق بالتعامل مع معضلة التضارب بين السلطة والعلاقة.

1 – الرضوخ:

نحن نقول “نعم” حين نريد في الواقع قول ” لا ” وهذا الاتجاه يميل إلى تفضيل العلاقة حتى ولو كان ذلك على حساب المنفعة الشخصية، وهو ما نسميه الرضوخ، أو قول “نعم” حين ينبغي قول ” لا “

وهذا يعني عادة أن تقول ” نعم ” لتشتري بها سلاماً مؤقتاً وزائفاً. فتستجيب مثلاً لطلب ابنتك لشراء لعبة جديدة لتتحاشى شعورك بالذنب من رفضك لشيء تريده.

وقد تجد أن ذلك يفضي إلى المزيد من الطلبات ـ وهكذا ينزلق كلاكما إلى سلسلة غير متناهية من العواطف غير السعيدة.

وحين يطلب منك رئيس العمل مواصلة العمل أثناء العطلة التي خططت للخروج منها أنت وعائلتك، فإنك تضغط على أسنانك، ثم تشير بالإيجاب، خوفاً من فقدان الترقية المنتظرة مضحياً في سبيل ذلك بسعادة أسرتك.

إننا في الأغلب نقبل بالأمر من أجل الهروب من مواجهته، حتى لو كنا ندرك أنه ليس القرار الصائب. إن ردّنا بالإيجاب بهذا الشكل يكون إيجاباً مدمراً لأنه ينطوي على التضحية باهتماماتنا الأساسية.

ويبدو من هذا أن أغلب مشاكلنا اليوم تنبع من قولنا ” نعم ” في أمور ينبغي فيها قول ” لا ” وليس هناك أفدح من الثمن الذي يدفعه المرء نتيجة قوله ” نعم ” حين يجب أن يقول ” لا “.

2 – الهجوم:

إننا نقول ” لا ” على نحو سيء:
إن عكس الرضوخ هو الرفض والهجوم، فنحن في هذه الحالة نستخدم سلطاتنا دون اعتبار لطبيعة العلاقة، وإذا اعتبرنا أن الرضوخ نابع من الخوف فإن الهجوم نابع من الغضب.

وقد تشعر بالغضب تجاه الآخرين بفعل سلوكهم المؤذي، أو بسبب مطلب غير منطقي منهم، أو الإحباط جراء موقف معين. ومن ثم فإننا نهاجم الآخرين بقول ” لا ” بطريقة تهين الطرف الآخر، وتدمر العلاقة معه. ودعني هنا أسّطر إحدى أفضل المقولات عندي وهي لـ ” أمبروز بيبرس”.

” تحدّث أثناء غضبك. وستجد أنك ألقيت كلاماً ستندم عليه للأبد”.
إذا كان الكثير من مشاكلنا ينشأ من قول ” نعم ” حين ينبغي قول ” لا ” فإن الكثير منها أيضاً ينشأ من الرفض بشكل مباغت وهجومي.

إننا نعيش في عالم يموج بالخلافات في المنزل، وفي العمل وفي المجتمع كله. انظر مثلاً للخلافات العائلية والصراعات الحادة. ومشاحنات غرفة الاجتماعات.. وفي كل مرة يهاجم فيها طرف طرفاً آخر، ما هي الرسالة التي قد يتلقاها أيهما؟

إن الرفض هو ما يقوم عليه أي صراع صغر أم كبر، فما هو الإرهاب، وهو أكبر تهديد للعالم اليوم؟ إنه ليس إلا طريقة بشعة لقول ” لا “.

3 – التجاهل: ألاّ تقول أي شيء

هذا المسلك أو الطريق الثالث، وفيه نتجنب الردّ بنعم أو لا.

ولا نقول شيئاً على الإطلاق. وهذا التفادي هو رد الفعل الشائع في أغلب الخلافات هذه الأيام، خصوصاً داخل العائلات والمؤسسات، لأننا نخشى من إيذاء الآخرين، ودفعهم للغضب والرفض، فإننا نركن إلى الصمت آملين أن تزول المشكلة من تلقاء ذاتها حتى لو كنا على يقين أنها لن تنتهي، فيجلس الأزواج مثلاً على مائدة العشاء صامتين في برود أو ندعي أنه ليس ثمة ما يزعجنا في العمل رغم أننا نموج بالغضب من سلوك أحد الزملاء، ونتجاهل أيضاً، الظلم والعنف الذي ينزل بالآخرين من حولنا.

إن ذلك التجاهل لا يؤذي صحتنا فحسب مسببّاً الارتفاع في ضغط الدم والقرحات المختلفة، لكنه يؤثر على الحالة المؤسسية أيضاً، حيث تتراكم المشكلات على نحو لا يسمكن تفاديه.

إن التجاهل ـ في أي من نواحي الحياة ـ أمر مهلك، وكما قال ” مارتن لوثر كينغ ” ” ذات مرة “: ” تبدأ حياتنا في الانتهاء حين نغض الطرف عن عظائم الأمور “.

الرفض الايجابي عبارة عن ” نعم ” ! ” لا “، ” نعم ” ؟

إن ” لا ” الإيجابية على نقيض ” لا ” التي تبدأ بالرفض وتنتهي بالرفض، حيث نجد أن ” لا ” الإيجابية تبدأ بنعم، وتنتهي بنعم.

إن قولك ” لا ” يعني قولك ” نعم ” لنفسك ولحماية ما يهمك إن ” لا ” الإيجابية عبارة عن ” نعم ! لا، نعم؟ “

و” نعم ” الأولى تعبّر عن اهتماماتك، ثم تأتي ” لا ” لتؤكد على قولك ثم تقّوي ” نعم ” الثانية من علاقتك مع الطرف الآخر، والرفض الإيجابي يحقق التوازن بين القوة والعلاقة في تحقيقك لأهدافك.

ولكَ أن تلاحظ الاختلافات بين ” نعم ” الأولى والثانية، فالأولى تركّز على ما يخصك ـ فهي تأكيد على اهتماماتك، وما ترغبه وتريده، أما الثانية فهي تركّز على الآخر ـ فهي دعوة له للتوصل معك لاتفاق.
إن السر في الرفض الإيجابي هو الاحترام، فالفرق بين الرفض الإيجابي والرضوخ هو احترامك لذاتك، وما هو مهم بالنسبة لك، والفرق فيها وبين الهجوم هو احترامك الطرف الآخر حين ترفض طلباً أو سلوكاًَ ما.

واستخدام ” لا ” الإيجابية مثمر لأنك تقف على قدميك أنت، وليس على أصابع أقدام الآخرين. إننا حين نقف للدفاع على أنفسنا، يمكننا أن نتعلم الكثير من الأشجار، فهي تعرف كيف تقف بمفردها شامخة، وتعرف كيف تثبت جذورها في الأرض بينما تناطح السماء.

والرفض الإيجابي يشبه الشجرة إلى حد كبير، فجذعها يشبه قولك ” لا ” حيث تأتي قوية ومباشرة.
لكن كما أن جذع الشجرة هو الجزء الأوسط فيها فإن قولك ” لا ” هو الجزء الأوسط من الرفض الإيجابي أن الأساس التي ينبثق منها الجذع هي ” نعم ” الأولى ـ تلك التي تشير إلى أمورك الأساسية التي تحقق لك الرضا.

أما الفروع والأوراق التي تخرج من الجذع فإنها ” نعم ” الثانية، وهي تلك التي تقترب بك من إيجاد نقطة التقاء مع الطرف الآخر أو علاقة مستقرة.

وثمرة الشجرة هي النتائج الإيجابية التي تطمح إليها، بينما يتعلق الأمر بمواجهة أنفسنا والتصدي لها، فبإمكاننا أن نتعلم الكثير من الشجرة، فالشجرة تستطيع أن تضرب بجذورها العميقة في الأرض. بينما يبلغ طولها عنان السماء. ولقد وصف الشاعر ” ويليام بتلر ييتس ” شجرة اللوز بقوله: ” عظيمة الجذور والثمار” وذلك هو الرفض الإيجابي ـ فهو عبارة عن ” لا ” تشبه الجذع القوي، و” نعم ” عميقة تشبه الجذور، تنبثق منها ” نعم ” كثيفة الأغصان مزدهرة.

الفوائد الثلاث الكبرى في ” لا ” الإيجابية

يقول حكماء الهند القدامى: إن هناك ثلاث عمليات أساسية في هذا العالم وهي: الخلق، والحماية، والتحول. والرفض هو أمر أساسي في هذه العمليات الثلاث، فلو تعلمت كيف تقول ” لا ” بحنكة ومهارة فيمكنك أن تحصل على ما تريده، وحماية ما تقدره، وتغيير ما لا يجدي وهذه الفوائد الثلاث العظمى تتمخض من قول ” لا ” الإيجابية.

كيف تحصل على ما تريده؟

في كل يوم يواجه كل منا خيارات متعددة، صغيرة كانت أم كبيرة، وقبولك لإحداها يعني رفضك للخيارات الأخرى، ونستطيع فقط من خلال قول ” لا ” إيجاد مساحة لما يستحق القبول في حياتك من الناس والأنشطة التي تهتم بها بحق، وهنا يكمن السر المعقد: وهو أنه لا يمكن قبول شيء ما حتى ترفض شيئاً آخر في المقابل رفضاً إيجابياً.

لقد تعلمت هذا الدرس مبكراً في حياتي العملية من المستثمر الشهير والناجح ” دارين باغيت ” الذي أفضى إليّ بسر تحقيقه لثروته على مائدة إفطار في أحد الأيام، وهو قدرته على الرفض، حيث قال: ” لقد جلست طيلة يوم أنظر في عروض استثمار فأرفضها – لا- لا – لا، حتى وجدت ما أتطلع إليه بالضبط، وحينها قلت ” نعم “. لقد كان علي أن أقول ” نعم ” مرات قليلة لكي أصنع ثروتي. إن كل ” نعم ” هامة تتطلب قول الكثير من اللاءات.

إن ” لا ” هي الكلمة المحورية في تحديد هدفك الأساسي.
خذ مثلاً لذلك شركة ” ساوث ويست إيرلاينز “. وهي أكثر الخطوط الجوية نجاحاً في الولايات المتحدة، والنموذج الأول للخطوط الجوية قليلة التكلفة في كل أنحاء العالم.

والسر في ذلك، حين تتفكر في الأمر، هو قول ” لا ” الإيجابية لعملائها. كي تقول الشركة ” نعم ” للنجاح، وتحقيق الأرباح (وهي ” نعم ” الأولى) فإن إستراتيجيتها تتمثل في قول ” لا ” لحجز المقاعد، وللوجبات الساخنة، ولنقل الأمتعة بين الخطوط الجوية. وحين رفضت الشركة هذه الخدمات الثلاث التي كانت تعد مميزات أساسية للركاب تمكنت الشركة من الإسراع بحركة طائراتها في مختلف المطارات، وهذا بدوره يجعل الشركة تقبل بأجر معقول (وهي ” نعم ” الثانية) وفق جدول رحلات ملائم لمعظم المسافرين – وهي المميزات الأكثر أهمية لدى الركاب.

” لا ” الإيجابية تمكنك من حماية ما تقدّره

تأمل للحظة كل الأشياء التي تهمك: سعادتك الشخصية، والأمان لمن تحب ونجاح المؤسسة التي تعمل بها، والأمان لبلادك، والوضع الاقتصادي الجيد. إن كل ما تهتم به تقريباً يمكن أن يتأثر أو يتهدّد من جراء سلوك الآخرين.

والرفض الإيجابي يمكننا وضع الحدود الأساسية، والمحافظة عليها والدفاع عنها ـ سواء كان ذلك على المستوى الشخصي، أو التنظيمي أو الاجتماعي، وهي الحدود الضرورية والأساسية لحماية ما نعتز به.

تأمل كيف استطاعت مجموعة من الأمهات قول ” لا ” لعنف عصابات المراهقين المستشري في أحيائهن في ” لوس أنجلوس ” والذي بدا وكأنه لا سبيل إلى إيقافه، وبعد شعورهن بقلة الحيلة في بداية الأمر، وجدت النسوة قوتهن في التضرع إلى الله، وخرجن ذات ليلة إلى الشوارع، حيث لاقين جماعات المراهقين الذين ينتظرون سبباً للعراك كل يوم، وقد تحدثت النسوة إلى الشباب من أبنائهن وأبناء إخوانهن وأخواتهن، وقدمن لهم المياه الغازية والكعك، واستمعن إلى أحزانهم وشكواهم.
والغريب أن الشباب لم يتشاجروا في تلك الليلة. ولذا فقد خرجت النساء في الليلة التالية والتي تليها. واستجابة لاهتمام الشباب، وقد بدأن في توفير أعمال صغيرة لهم كتدريب للتخلص من العنف.

وقد انخفض معدل العنف بشدة في الجوار. إن سر أولئك الأمهات يكمن في ” لا ” الإيجابية، وكانت ” نعم ” الأولى التي قالوها موجهة للسلام والأمان. أما ” لا ” فكانت للعنف ثم جاءت ” نعم ” الثانية لمساعدة الشباب في إيجاد عمل يحقق احترامهم لأنفسهم.

الرفض الإيجابي يمكنك من تغيير ما لا يجدي

سواء كنا نتحدث عن أي تغييرات تنظيمية في العمل، أو تغييرات شخصية في المنزل، أو أخرى أساسية واقتصادية في المجتمع، فإن كل تغيير خلاّق يبدأ برفض الوضع الراهن، وربما كانت تلك الـ ” لا ” للرضا عن الأوضاع القائمة والركود في العمل، للمعاملة السيئة داخل الأسرة، أو للظلم داخل المجتمع الأكبر.

كان هناك أسرة لديها ابن يدمر حياته، وحياة أسرته بإدمانه للقمار، فاجتمعت الأسرة بكل أبنائها ذات يوم فيما يعرف ” بالتدخل والمشاركة ” وواجهوا الابن بشكل بنّاء، وبدؤوا معه بالحديث عن مدى أهميته لهم (نعم الأولى)، واتبعوا ذلك بإخباره بأن عليه أن يتوقف عن المقامرة (وهذه هي اللا وإلا فسيفقد دعمهم، ودعوه إلى طلب المساعدة من خلال برنامج علاج دائم (وهي نعم الثانية) وحين تمت مواجهته بهذا الرفض الإيجابي، وافق على البرنامج العلاجي.

وتخلص من إدمان المقامرة. وإجمالاً، فإنك سواء أردت صنع ما تريد أو الحفاظ على ما تحب، أو تغيير ما لا يجدي، فليس هناك أجدى من استخدام ” لا ” الإيجابية، فهي تساعدك في حياتك العملية للرد على المطالب غير المعقولة من قبل العملاء، ورفض السلوك المسيء من الزملاء، والضغط الزائد من الرؤساء، وتساعدك أيضاً في حياتك الأسرية بنفس القدر.

لمقاومة طلبات أطفالك اللحوحة، وزوجتك المدللة، ومقاومة السلوك السيئ للمراجعين، وتساعدك أيضاً على مقاومة السلوك الاستغلالي والمضايقات غير الأخلاقية.

وتصلح ” لا ” الإيجابية أيضاً للعالم ككل: فالقادة مثل المهاتما غاندي، وروزا بارك، ونيلسون مانديلا، أظهروا لنا كيف نقول ” لا ” بقوة، وبشكل بنّاء للظلم الاجتماعي، والعالم في أمس الحاجة إلى ذلك الرفض الإيجابي، فإذا تعلمت من هؤلاء كيف تقول ” لا “، فإن بالإمكان تحقيق قدر كبير من السلام والعدل في العالم.
إن طريقة ” لا ” الإيجابية تساعدك على قول ” لا ” حتى لنفسك. فأغلبنا يواجه أحياناً صعوبة في قول ” لا ” لإغراءات وسلوكيات مدمرة لذواتنا مثل الطعام والشراب والاستهلاك، وأحياناً نرضخ لتلك الإغراءات، أو نهاجمها من خلال محاسبة النفس، أو إنكارها ببساطة. إن قول ” لا ” حتى لأنفسنا يمكنتا من حماية رغباتنا الأسمى مع إبداء الاحترام لذاتنا – وتكون تلك مساعدة لا تقدّر بثمن على طريق السمو بذاتنا.


قراءة محمود أبو عادي

"مسكين على نياته".. 
إليك هذه الخطوات العلمية لقول "لا" والتغلب على الطيبة الزائدة

ما يجب أن تعرفه

"أحيانا.. الّلطف مع النّاس جريمة ضدّ النفس"

حسين البرغوثيّ، الضوء الأزرق

  • إليكَ هذا التقييم السريع لشخصيتك، حاول أن تُجيب عن الأسئلة السبعة التالية بدقّة:
  • هل تجد نفسك مضطرا لقَبول كلّ ما يُطلب منكَ حتى لو كان عبئا عليك؟
  • هل تجد نفسك مضطرا لشراء قطعة ما لَم تقتنع بها، لمُجرّد أنّ البائع يُصرّ عليك لشرائها؟
  • هل تخشى أن تقول في عملك إنّك الشخص الذي أنجز المهمّة لكي لا تحرج زملاءك؟
  • هل تجد صعوبة في إرجاع طلبية قهوة أو وجبة غذائية خاطئة تختلف عن طلبك الأساسيّ؟
  • هل تجد نفسك موافقا على قرار/طلب تكرهه بينما ترفضه من الداخل، لكي لا تعرّض نفسكَ للمشكلات أو الإحراج؟
  • هل تشعر بضغط وحرج داخلي شديد حين تُريد إبداء رأيك في قضية ما، لكيّ لا تُحرِج من تُخالفهم الرأي؟

 

إذا كُنتَ قد أجبتَ على معظم الأسئلة السابقة بالإيجاب (نعم)، فأنتَ تعاني غالبا مما يُسمى بـ"توافقية مُفرِطة"(1)، ولطف زائد، وهي الصفة التي قد تكون السبب وراء الكثير من معاناتك اليومية. يحدث ذلك حين تقرّر الالتزام بمواعيد فوق طاقتك، أو حين تضطر للذهاب إلى متجر أو مكان لا تحبّه، فإن هذه السلوكيات هي ذاتها التي قد تتسبّب لكَ أيضا بالفشل في عملكَ ووظيفتك، لأنّك تخشى أن تقول "لا" للمهام التي ليست من مسؤولياتك، ولأنّك تخشى أن تنسب الإنجاز إلى نفسك.

 

إنّ المصطلح العلميّ الذي يُقابل صفة اللطف الزائد والتأدّب المُفرِط مع الآخرين يُسمّى: التوافقية، وهي إحدى السّمات الخمس لتحليل الشخصية. هنا لا بد من الإشارة إلى أن التوافقية تعدّ صفة إيجابية في حال لَم تكن مُفرطة، إذ تعكسُ لطفا وعطفا واهتماما بمشاعر الآخرين. وبشكلٍ عام، فإنّ التوافقية تُشير إلى شخصٍ "مؤدّب"، لا يُحبّ أن يصدر منه ما يقلّل من شأن الآخرين، كما تعبّر عن شخص شديد التعاطف، لا يحبّ إيذاء مشاعر الآخرين ولا يحبّ أن يرفض طلباتهم أو أن يعارض رغباتهم.

 

لكن المشكلة تكمن في أن تكون شخصا توافقيا بشكل مفرط، لأنّ هذا سيحرمك، بلا شك، القدرة على الدفاع عن رغباتك وعن نفسك وأن تطالب بحقوقك.

 

لماذا أتعرّض للاستغلال بسبب طيبتي؟

بحسب علم نفس الشخصية، فإنّ إحدى أهمّ السمات التي تُشكّل شخصية الإنسان هي سمة التوافقية (Agreeableness)، إذ تعبّر هذه السمة عن مدى سهولة الشخص في قَبول طلبات الآخرين ومدى تجنّبه للخلافات والصراعات والمشكلات. وتُعبِّر التوافقية أيضا عن مدى تقديم الشخص التوافقيّ لأولويات الآخرين على حساب أولوياته الشخصية، ومدى تعاطفه واهتمامه بما يشعر به الآخرون حياله.(2)

 

والنقيض المقابل لسمة التوافقية (مَن يُسجّل نسبة متدنّية في سمة التوافقية على مقياس السمات الخمس للشخصية) هي العدائية (Disagreeable)، فالشخص العدائي يتورّط في الكثير من الخلافات، وينهج سلوكا عدائيّا ومؤذيا، وتشير الدراسات إلى أنّ جزءا كبيرا من الموجودين في السجون لأسباب جنائية هم في الغالب أشخاص عدائيون وغير توافقيين.(2)

 

بحسب دراسات علم نفس الشخصية ونجاح العلاقات الزوجية والعاطفية، تُعدّ التوافقية إحدى أهمّ السمّات الجيّدة جدّا للعلاقات العاطفية، والتي تُعتبر من عوامل السعادة والرضى، حيث إنّ الأفراد الذين يعيشون مع أزواجٍ ذوي سمات توافقية، يُعبّرون عن سعادة ورضى أكبر حيال حياتهم الزوجية والعاطفية. والعكس تماما، إذ تُعدّ سمة العدائية لدى أحد الأزواج مُؤشّرا خَطِرا على اقتراب نهاية أو فشل العلاقة وعدم استمراريتها، لأنّ الشخص العدائي لا يأخذ بعين الاعتبار رغبات شريكه، كما أنّه يميل للإهانة والإيذاء والجرح والتعنيف.

 

ترتبط التوافقية من جهةٍ أخرى وبشكلٍ عكسيّ مع العائد المادي الذي يجنيه الفرد في العمل أو الوظيفة، وكذلك من حيث الترقية والمناصب، لأنّ الشخص التوافقي يرفض أن يُمدَح على منجزاته ويرفض أن ينسب الفضل إلى نفسه، ما يجعل نظام التقييم يُغفل دوره وأهمّيته، كما أنّ الشخص التوافقي يتجنّب أن يُفاوض من أجل زيادة مادية أو مكافأة مالية أو ترقية ما.(3)

 

يحدث الاستغلال للشخص التوافقي حين يتعرّض لطلب من أحدهم دون أن يجد خطوط دفاع لمقاومة طلباتهم، فحين نعزف عن التفاهم للوصول إلى حلّ وسط، فنحنُ أمام خيارَين: إمّا الخضوع لطلبات الآخرين ومن ثم كتمان ما نرغب به، وإمّا أن نكون عدائيين بالدفاع عن رغباتنا ومن ثم إقصاء ما يرغب به الآخرون، كما يُبيّنه الشكل الآتي:

 

ولكي نتجاوز آفات التوافقية المُفرِطة وأعباءها السلبية، فهذا لا يعني أن نكون عدائيين مع الآخرين. فإذا كُنتَ شخصا توافقيا وتبحث عن الحلّ لتوافقيتك الزائدة، فإنّ الكلمة التي تبحث عنها هنا هي الحزم (assertiveness)، والحزم هو القدرة والمهارة على التفاوض وإبداء رأيكَ الحقيقيّ بطريقة لا تؤذي الآخرين ولا تجعلك تخضع لفعل ما لا تودّ فعله. يتمثّل الحزم بالقدرة على التعبير عمّا يجول في ذهنك بطريقة عقلانية ودبلوماسية وغير محرجة ولا مؤذية للشخص الآخر.


لاحظ أنّ التواصل الحازم يقع في منطقة بين التواصل العدائي والتواصل الخاضع للآخرين، فهو حل يُرضي جميع الأطراف في معظم الأحيان، ولا يجرحهم ولا يؤذيهم، لكنّه يُبيّن ما له من صواب وما عليه من خطأ، ويُبيّن المسؤوليات والواجبات، وحدود كلّ طرف من أطراف النقاش.

ماذا أفعل كي لا يستغلّ الآخرون طيبتي ولُطفي معهم؟

بشكلٍ عام، تكمن الخطوات العلاجية لتقويم السلوك التوافقي المُفرِط عن طريق تمارين سلوكية ولُغوية وتواصلية، ويُمكِن إجمال هذه الخطوات في خمس نقاط رئيسية:

 

أولا: افهم سماتك التوافقية

كأيّ مشكلة أخرى، يبدأ الحلّ دائما من تحديد أسباب المشكلة والتعمق في فَهمها، فتحديد المشكلة هو نصف الحلّ. لكنّ هذه المهمة ستكون حرجة بعض الشيء، فالمُتّهم هُنا هو أنت، شخصيتك. يحتاج الحلّ بعض الجُرأة بالاعتراف بأنّ كثيرا ممّا يحدث لنا من مشكلات قد نكونُ نحن أنفسنا سببا رئيسيا في إحداثها، فصفات الطيبة واللطف تُعتبرُ بالنسبة إلى أصحابها فضائل حَسَنة، لكنّ المشكلة تكمن حين نستخدم هذه الفضائل وسيلةَ تبريرٍ ذاتي لأنفسنا حين نعجز عن أَخْذ حقوقنا أو المُطالبة بها، فنستعيض عن استردادها بإقناع أنفسنا بأنّنا تنازلنا عنها بمحض إرادتنا لأنّنا أناسٌ طيّبون.

 

تبدأ الخطوة العلاجية في تنبّهكَ ابتداء لخطواتك أنت، لطريقة إجابتك وطريقة تعاطيك مع الآخرين، حين تستطيع أن ترصد هذا الجانب من شخصيتك، وحين تلحظ كيف تورّط نفسك بنفسك عن طريق عدم الإفصاح عن رغباتك الحقيقية. فهذا الجانب الجيّد من شخصيتك (اللطف) جيّد في نطاقات معيشية محدّدة، لكنّه يعود هو بنفسه عليك بالأعباء والأضرار حين تطبّقه في نطاقاتٍ أخرى، مثل الوظيفة أو أمام الغرباء أو الأصدقاء غير المُقرّبين، فتعجز عن رفض طلباتهم أو عن مواجهتهم حين يُقدمون على تصرّفاتٍ تؤذيك أنتَ شخصيا.

 

ثانيا: تمرّن على التفاوض في منزلك

المشكلة الرئيسية لديكَ، بوصفك شخصا توافقيا، هو أنّك تخشى التورّط في الخلافات والنقاشات التي قد تتحوّل إلى نزاعات، لأنّك تعتقد أنّ تحوّل النقاش إلى مشكلة سيُظهرُكَ بمظهر مُحرِج أو قبيح. لذلك يجب أن تتعلّم مهارات التفاوض، وتحديدا أن تتعلّم الاستمرار بالنقاش لإيصال ما تُريد دون أن تنفعل أو تسارع إلى إنهاء النقاش والتخلّي عمّا تريد قوله. ولكي يحدث هذا، هناك ثلاث مهارات مفتاحية يمكنكَ أن تُدرِّب نفسكَ عليها في منزلك من أجل تطوير قدراتك النقاشية:

 

حدّد طلبك بدقة

يجب أن تعرف تماما ما تريد. حينما تكون واثقا من قناعتك أو رغبتك أو حاجتك ستقف مدافعا عنها، ولن تجد مهربا أو مخرجا تُبرّر به لنفسك التخلّي عن النقاش حولها. من هنا تعلّم أن تقول ما تريد النقاش حوله بثلاث أو خمس كلمات واضحة ومُحدّدة (أريد تبديل هذه القطعة من فضلك) دون أن تقول كلاما فضفاضا وعاما وعشوائيا وزائدا عن الحاجة، فإنّ من شأن التردّد وعدم الوضوح أن يُقلّل من فُرَص استجابة الآخرين لطلباتك أو رغباتك، كما أنّه يجعلكَ عرضة للاتّهام والاستغلال بحجّة أنّك لا تعرف ما تريد أساسا.

 

اخلق موقفا افتراضيا وتمرّن مع شقيقك

تتمّ هذه الخطوة عن طريق طلبك من صديقك المُقرّب أو شقيقك بأن يناقشك نقاشا افتراضيّا حول مسألة ما تخصّ العمل. في هذه الحالة عليك أن تتحدّى نفسك، اطلب من صديقك أو شقيقك الذي تتدرّب معه أن يضع لكَ حججا مضادة، لكي تتعلّم سرعة البديهة في استحضار الردود الفورية حين تُقابَل نقاطك بالنقد والرفض. إذ لا يكفي أن تتدرّب على التفاوض في ذهنك، وإنّما يجب أن تتعلّمه بمواجهة شخصٍ آخر غير ذاتك (مثل أن تقول لشقيقك أريد أن أطلب منك إعادةَ قَلَمٍ أخذته منّي لتوّك، وأن تقاوم الحجج التي أضعها لك بطريقةٍ فظّة، حتّى أتعلّم النقاش لفترة طويلة).

 

تجهّز بحجج مُتعدّدة واحتمالاتٍ مختلفة (ماذا أفعل حين تفشل حجّتي الأولى؟)

تعتمد هذه الخطوة على أن تتعلّم تجاوز التفكير ذي الخطوة الواحدة، إذ غالبا ما تفشل الحجّة الأولى للشخص التوافقيّ، إنّه يُفكِّر بخطوة واحدة فقط، مثل: يجب أن أطلب منه إغلاق النافذة لأنّني أشعر بالبرد. وحين يفعل ذلك ويفشل في تحقيق طلبه، فإنّه لا يجد أمامه خيارات أخرى للمواجهة لأنّه شخص توافقي ويخشى كثرة الإلحاح ويخشى التورّط في خلاف. لذلك يجب أن يكون لدى المرء أكثر من مُبرِّر وطريقة لإنفاذ طلبه (مثل: سأطلب منه إغلاق النافذة، أو سأطلب من مسؤول المكتب أن يُغلق النافذة بدلا من أن أطلب من الشخص الذي يجلس بجانبها).

 

ثالثا: تعلّم أن تقول "لا" حين تشعر بأنّه يتوجّب عليكَ ذلك
يتحمّل التوافقيون فوق طاقاتهم لأنّهم يخشون أن يُجيبوا بـ"لا" كي لا يجرحوا مشاعر الآخرين ولا يتورّطوا معهم في خلاف أو جدال أمام باقي النّاس من حولهم.(4) يجب أن يفهم التوافقيون أنّهم لا يستطيعون إرضاء جميع النّاس طوال الوقت، وأنّهم ليكونوا محبوبين فهذا لا يعني أن يدمّروا صحّتهم الذاتية ومصالحهم الشخصية للحصول على إعجاب الآخرين. فالمهم هُنا هو الموازنة بين الطلبات المرجوّة منهم وبين إمكاناتهم الحالية من وقت ومهارة وأموال وجاهزية نفسية وجسدية ونحو ذلك.

 

رابعا: تعلّم أساليب التواصل الحازم (Assertive Communication)

قد تبدو فكرة بسيطة، لكنّها فعّالة، صدّق أو لا تصدّق أن جزءا كبيرا من مشكلات التوافقيين قد تكون لغوية أو تواصلية. وبشكلٍ أدقّ، قد يتجاوز التوافقيون مشكلات طيبتهم من خلال استبدال إجاباتهم اليومية بإجاباتٍ أخرى.(5) فهي عبارة عن تدريبات تواصلية ولغوية تُعلِّمك كيفية استبدال الإجابات التي تعرّضك للإخضاع بإجابات حازمة، على طريقة (قُل ولا تَقُل). وستجد في نهاية هذا المقال في فقرة (أدوات ستساعدك) جدوَلين اثنين يوضّحان لكَ بعض هذه التمارين.

 

خامسا: ارسم حدودا صحّية

في كتابه "المياه كلّها بلون الغرق"، يقول إميل سيوران: لا أحد يستطيع أن يحمي عزلته إذا لم يعرف كيف يكون بغيضا مع النّاس6. قد تكون هذه عبارة قاسية بعض الشيء، لكنّها بداية لقاعدة مهمة حول وضع الحدود الصحّية. والحدود الصحّية هي تلك التي تحافظ فيها على مسافة بينك وبين الآخرين بطريقة تضمن لكَ الأمان في أن تقول ما ترغب به حقّا دون التعرض لعواقب وخيمة. وتكمن المشكلة حين تُخلَط علاقات المهنة أو الوظيفة بعلاقات العائلة، وعلاقات العائلة بعلاقات الوظيفة، وكذلك حين نجعل من الرئيس في العمل أبا. نعم، قد يكون هذا مفيدا بعض الوقت، لكنّه سيعود باختراق خصوصيتك واستباحة أوقاتك ورغباتك في أوقاتٍ كثيرة، لذلك فإنّ رسم الحدود دائما ما يحافظ على العلاقات أكثر ممّا يُفسدها على عكس ممّا هو متوقّع.

 

أدوات ستساعدك

جدول (1): تمرّن على أساليب الردود الحازمة

جدول يُبيِّن لكَ كيفية الردّ على الأسئلة التي تحاول أن تستغلّ تأدّبك وطيبتك

تمرّن على الجدول جيدا، وأوكل إلى نفسكَ في كلّ أسبوع إحدى النقاط (مثل التطفّل)، وحاول أن تلحظ كلّ سؤال يحاول استغلالك، وأن تستخدم الإجابة المُثلى كما هو مقترح بحسب الأخصّائي النفسيّ(6)، ومن ثمّ راقب مدى تحسّنك في التواصل، ومدى تخلّصك من أعباء الأسئلة التي تحاول إحراجك أو استغلالك.


جدول (2): تمرّن على أساليب التواصل الحازم

كما سبق الذكر، يعتمد استغلال الآخرين لطيبتك على طريقة التواصل التي تقوم بها بالأساس، إذ يحدث عن طريق إجاباتنا الفضفاضة أن نخلق نوافذ مفتوحة للآخرين كي يقتحمونا، لأنّ الآخرين في نهاية المطاف يتفاعلون مع الإجابات التي تُقدّمها لهم. فيما يلي جدول يُوضِّح لكَ أهمّ الأخطاء التواصلية اللطيفة، والتي عبر تغييرها إلى الأساليب التواصلية الحازمة، سترسم حدودا صحّية مع الآخرين بطريقة تحقّق لكَ ما تُريد وتُحقّق للآخرين ما يُريدون بشكل مُرضٍ للطرفين. احفظ الجدول أدناه(7)، وحاول أن تتمرّن في كل أسبوع على استبدال خانة من خانات أساليب التواصل الخطأ بأساليب التواصل الحازمة، وهكذا حتّى تُنجِز بقيّة الجدول.

كتاب: قوّة الرفض الإيجابيّ – وليام أورى

يحدث كثيرا أن تكون إجابتنا "لا" على كثيرٍ من المهام التي تُطلَب منّا، لكننا نخشى أن نُجيب بـ "لا" خوفا على مشاعر الآخرين، أو خوفا من سُلطتهم وبطشهم، أو خوفا من خسارة رضاهم عنّا أو فقدان المكاسب التي تمنحها إيّانا علاقتنا الطيّبة معهم. لكن كيف بإمكانك أن تقول "لا" بطريقة حيوية وإيجابية، دون أن يشعر الآخر بالهجوم أو الرفض، ودون أن يتحوّل الموقف أو الطلب إلى نقطة للصراع والخلاف؟ يُقدِّم عالم الإنسانيات والباحث في حقل التفاوض والتفاهم كتابه "قوّة الرفض الإيجابي"، حيث يشرح بالتفصيل كيف تؤدي الإجابة بالرفض "لا" إلى أن تكون طريقة لتطوير علاقاتنا بالآخرين، وطريقة للحفاظ على صحّتنا الذاتية وإرادتنا الشخصية.

المصادر

(1) Psychology Applied to Modern Life Adjustment in the 21st Century. Wayne Weiten, Dana S. Dunn, Elizabeth Yost Hammer.

(2) Personality psychology : domains of knowledge about human nature. Randy J. Larsen.

(3) Do Nice Guys—and Gals—Really Finish Last? The Joint Effects of Sex and Agreeableness on Income. Judge, T. A., Livingston, B. A., & Hurst, C.

(4) قوّة الرفض الإيجابي. وليام أوري. مكتبة جرير (2009)

(5) Develop Your Assertiveness. Sue Bishop.

(6) المياه كلها بلون الغرق، إميل سيوران. منشورات الجمل (2013)

(7) Asserting yourself: A practical guide for positive change. Bower, S. A., & Bower, G. H



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق