الأربعاء، 28 يوليو 2021

قراءة في رواية "مسغبة"

 قراءة في رواية "مسغبة" 



رواية "مسغبة"
تأليف: أيمن العتوم

نبذة عن الرواية
رواية جديدة للكاتب الأردني أيمن العتوم يروي فيها واحدة من أبشع وأسوأ الكوارث الطبيعية التي مرّت بها مصر في تاريخها، من خلال حكاية الطبيب والرحّالة عبد اللطيف البغدادي.

في هذه الرواية التاريخية يقصّ علينا أيمن العتوم حكاية الفتى عبد اللطيف الذي خرج من بغداد حالماً بالمجد والشهرة ليستقر في مصر، حيث يقع زلزال كبير يهدّم أكثر أبنيتها التاريخية فلا ينجو منه غير الإهرامات. 
يجوع الناس وتظهر الفئران ويتفشّى الطاعون ويبدأ الناس بالموت.. تنتشر الجثث ويتسيّد الموت ويحكم زمام الأمور.. فتظهر معضلة أخلاقية لدي أطباء مصر: هل ينقذون الشباب ويتركون كبار السن لمصيرهم؟

وعلى الجانب الآخر تبدأ علاقة عبد اللطيف بدرّية، تلك المرأة المجنونة العاقلة٬ الغامضة الواضحة، من خلال تنظيفها لبيته وطبخها لطعامه، فهل تدخل تلك المرأة المتزوجة قلبه؟ وكيف يمكن أن يحب امرأة تجد المتعة في جلب الموت للمرضى في حين أنه يحاول أن يجلب لهم الحياة؟
اقتباسات من الرواية..
"الموت ليس وحشاً.. ليس عدواً.. قد يضع نهاية صادمة ومفاجئة لكثير من الآمال والطموحات، لكنّه عادل إلى الحد الذي يضع فيه النهايات نفسها بالنسبة للأوجاع والخسارات.. لعلّ العدالة الأوضح، والأشد يقيناً هي عدالة الموت يا سيدي."

"روحي طائر مهاجر، لا وطن لها غير الكتب، أبذل لها الكتب كما يبذل للطائر الحب. أجلس في المكتبة فأعرفني، وحدها المكتبة يمكن أن تكون هي الوطن."



قراءة فاطمة العتوم

رواية تاريخية تتحدث عن المخطوطة حصل عليها الكاتب تعود لعام ٦٢٩م تتحدث في غالبها عن الطاعون الذي اجتاح مصر في عام ٥٩٧ إلى عام ٦٠٠ فمر بمراحل بدايتها الزلزال حيث دمر هذا الزلزالالمنازل والمساجد وسقطت المنشآت على رؤوس البشر فأفنتهم ثم بدأت رائحة الموتى تزكم الأنوف في القاهرة فظهرت الأمراض وبدأت الفئران بنهش أجساد الموتى والنقضاض عليهم وجاءت الفئران الأخرى عن طريق السفن فظهر الطاعون وكان الحدث الأجل والأهم في الرواية وصار الناس يمشون في الشارع بترنح حتى يسقطون أرضًا وظهر القحط والجوع فجف النيل ومات البشر والدواب وصار الناس من الجوع يأكلون الأحصنة حتى جاعوا أكثر فأكلوا بعضهم بعضًا فكانت الطامة حيث صار لأكل البشر جماعات وعصابات فلم تعد الدولة تسيطر عليهم فأصبحت تحرقهم وتصلبهم ليكونوا عبرة لغيرهم وما إن ينطفئ الرعب في قلوب الناس بعد مرور الوقت حتى يعودوا إلى ما كانوا عليه فيأكل الأب ابنه وتأكل الأم رضيعها وانتهت هذه الفظيعة بسقوط النجوم على الأرض فيختفي المرض ويبدأ الناس بالتفكير في مستقبلهم الذي يبدو باهتًا كما الماضي.
سأتحدث عن الرواية بطريقة محاور رئيسية كان موجودة في هذه الرواية.
* اللغة:
* دعونا بداية نتحدث عن اللغة التي يميز بها أيمن العتوم والتي لا يفتأ ولا يمل بجعلها العنصر الرئيسي الأبهى في كل رواياته فكان صف حروف مبهر عميق عتيف تاريخي عريق
سحرتني اللغة بجمالها وخفتها وقدرتها على أخذنا للوراء لأكثر من ٧٠٠ سنة وقدرتها على وصف الوجوه والمشاعر والأماكن والشوارع والأكل وصفًا دقيقة واقتبست من الرواية مقطعًا أوقفني من جمال لغته.
هل قامت الحرب؟ مَنْ يُعلِن الحربَ على بغداد؟ مَنْ يُعلِن الحرب على مدينة السّلام؟ كيفَ لمجنونٍ حتّى ولو كان ملكَ الزّمان، وسيّد الدّهر أنْ يضرب منارة العِلم؟ مَنْ تُسوّل له نفسي أنْ يعتدي على حرمة المُقسَم به في الكتاب؟ هل ما يحدثُ حقيقيّ؟ أهناك عاقلٌ يقوم بهذا؟ كانت الأسئلة تنهمر على عقلي وأنا لا أزال تحتَ تأثر المشهد المُفزِع، لكنّ ذلك المشهد لم يكنْ سِوى البداية، لقد كان القَتَلَة يُعِدّون المنجنيق لقذائف كثيرة ظلّتْ تقصف المدرسة وبغداد وأنهارَها وقناطرها وبيوتَها من الصّباح حتّى المساء. إنّها الحرب إذًا؟ لكنْ مَنْ سيّد هذه الحرب الطّاغية؟ لماذا لم يكنْ لهذا الهول من مقدّمات؟ لماذا أفقْنا عليه من دَعَة؟ وصحونا على ناره من تَرَف، وجاءَ على سَهو؟ هل الحرب المُعلَنة حربٌ رابِحة؟ كلا؛ على الحربِ أنْ تكون مُباغِتة تمامًا مثل الموت! كانت النّيران تشتعل في كلّ مكان، هل هي النّيران الّتي تأتي من المشرق وتُضيء أعناق الإبل في بصرى؟ هل قامت القِيامة؟ ما الّذي يجري في دار السّلام؟ هل صِرنا على أبواب جهنّم؟ أينَ هي الآخرة؟ هل هناك مهربٌ؟ صوتٌ قال لي: "لا مُقام لك فيها، لقد خَرِبتْ، كما خربت المدائن من قبلها، إنْ لم يكن اليوم فغدًا، إنْ لم يكنْ هذه السّنة فبعد سنوات، إنّها ليستْ دِيارك، لا تكنْ واهِمًا؟ إنّها حتفُك، بغدادُ حتفٌ مذ كانتْ، ليس فيها من السّلام شيءٌ، إنّها تِلالٌ من الجماجم المتفحّمة، والعِظام البالية، والأجساد المحروقة، لم يعدْ لكَ فيها موضعٌ فارحلْ أيّها العاشق!! من فوقَ أسطح داري، رأيتُ نهر دجلة يشتعل هو الآخَر، كانت السّفن والزوارق فيه تحترق، وبساتين النّخيل القريبة منه تحترق، والماء يفور بالنّار!!
* الروح:
لا أدري إن كان الكلام في هذا المحور واقعيًا أو ماديًا لكنه مجرد شعور داخلي فقد شعرت أن أيمن العتوم في هذه الرواية فقد كثيرًا من الروح الأدبية والعتيقة التي كانت لديه فكان هناك جمود محجم وبُعد جاف فأين روح أنا يوسف من هذه الرواية.
* الشخصيات:
* كانت إضافة الشخصيات إلى الرواية كفيلة بإمتاعنا وإبعاد الملل الذي قد يزهق أرواحنا وعدم سردها كأحداث تاريخية جامدة فقط.
لكنني شعرت أن الرواية بحاجة لشخصيات أكثر وخاصة في البيمارستان.
* الوصف:
كان الوصف في الرواية سيد الموقف وكان الكاتب يعول عليه حتى يوصل لنا كيف تحولت الجنة إلى جحيم والنعيم إلى عذاب فوصف حياة الناس الرغيدة بدقة وجمال ووصف الناس وأشكالهم وهيئاتهم وعيونهم ووصف المحلات التي تبيع البضائع كلها وصف محل الخضار والفواكه واللحم والشمع والسجاد جتى خيّل لنا أنه نعيم مقيم وخالد فقلب المشهد فوصف أيضًا كيف تحول سوق اللحم إلى هشاش وسوق الخضار إلى فراغ وسوق السجاد إلى عدم واستعان بذلك بوضعه بعض القصص الطريقة والشخصيات التي تروي كم كان أهل القاهرة يعيشون في رغد ومنهم درية التي كانت تطبخ له وتعلمه الطبخ فوصف الأكلات المصرية التي كان منها الملوخية وذكر تاريخها رالأماكن التي سميت بها والفاصوليا والبامية وغيرهم وهذا مقطع يصف فيه البامية وصفًا دقيقًا ملحميًا يصل حتى إلى وبر البامية:
(البامية)؛ تعرفها؟ هي بقدر إبهام اليد، شديدة الخُضرة، عليها وَبَرٌ يمكن الإحساس به إذا مررتَ بإصبعكَ فوقَه هكذا، عليكَ أنْ تكون رقيقًا؛ هكذا يا سيّدي، المرور الرّقيق يُشعرك بوجود هذا الوَبَر النّاعم، لو دَعَكْتَه بقوّة أو بسرعة فكأنّما مررتَ على بُستانٍ جميلٍ وأنتَ أعمى، هل تفهمني يا سيّدي؟
وهنا أيضًا وصف لصوت اللجام:
وعرفَ (الأبلق) ذلك من خُطُواتي السّريعة وأنا أنزل الدّرجات، فصهل، وأخرجَ عنقه من أعلى الباب المنخفض الّذي يُغلَق على إسطبله، وحرّك رأسَه الكبيرة، فراح اللّجام يتراشق، وسمعتُ مع صهيله صوتَ الحدائد الّتي في اللّجام، فقلتُ له: "أنا قادم".
* الإشارات والنبوءات:
رأيت في الرواية الكثير من المقاطع التي تحدثت عن ذلك ورأيت أن في ذلك مبالغة مع إضفاء هذا العنصر جمالًا وغموضًا لها
* المشاهد:
كانت المشهديات مؤلمة وفظيعة إلا أنها افتقدت الحس الشاعري وأرى أنه من المحتم والضروزي أن تحول هذه الرواية إلى فيلم سينيمائي لزخم المشاهد وفظاعتها وأهوالها ووفرتها
* الواقعية:
* في بعض الأحيان أرى أن عبد اللطيف البغدادي لن يستطيع ذكر كل هذا ولن يستطيع إحصاءه -هذا من الطبيعي ولا بأس أن يكتب فوق ذلك - لكنه كان في بعض الأحيان يذكر أشياء لم يرها ولم يشهدها مثل حادثة القافلة التي ذكرها وهو لم يرتحل خارج مصر بالأساس:
كانوا يسيرون في قوافلَ مُتهادِيةٍ على الرّمال، ليس في وجوههم ماء، غير النّظرات البائِسات، والأمل المنقطع، والرّجاء الميؤوس، وهم يُؤمّلون ما استطاعوا أنْ يجدوا عندَ أحدٍ أيًّا كان هذا الأحدُ ملاذًا. وكان قد قيل لهم إنّ أرضَ الشّام مُبارَكة، وإنّ العذاب لا ينزلُ بأهلها، وإنّ فيها من الخيرات ما يكفي النّاسَ كُلّهم، وإنّهم ليُرحّبون بمن جاء من أهل المِحن والمصائب فيُنزِلونهم ضِيفانًا حتّى يجدوا سبيلهم إلى رِزقهم. وعلى هذا ساروا.
لكنني شعرت أيضًا أن البطل -عبد اللطيف البغدادي- كان يتكلم من نظرة بعيدة وكأنه لا يصيبه ما يصيبهم.
* الأماكن:
كان في الرواية وصف دقيق للأماكن واستئثار عميق لحاراتها وأزقتها وأناسها وشوارعها وسمائها ومائها وهوائها وقد شرح الجانبين في مصر فشرح البغاء والعبادة والفسق والتقوى الإحسان والفجور الانقباض والعطاء الجريمة والشرف وكأن ذلك كان محورًا للرواية وهناك من ظل شريفًا حتى في أحلك الظروف القاسية التي وافتها القاهرة في الجائحة وهناك من اختار أن يأكل لحم أخيه ميتًا محروقًا على الحقيقة.
وأوصل لنا روح الصعيد وبساطته وعراقة بغداد ورغد القاهرة فأحسسنا أننا نذهب إلى تلك الأماكن بأرواحنا.
* المكتبات:
كان عشق الكتب والمكتبات بارزًا في الرواية وهذا يدل على أمرين عشق الكاتب لهما وعشق البطل لهما ويتبع ذلك الشعر أيضًا فكان هناك تنافس للمكتبات ووصف دقيق للكتب وفي كل مكان يذهب إليه البطل يرى مكتبة ويصفها:
فطفتُ وأنا في غاية الذّهول مِمّا أرى، كانتْ أعظمَ مكتبةٍ أراها في حياتي، ليس مثلها مكتبة بغداد، ولا مكتبة البيمارستان على فضلها هناك، ولا مكتبة البيمارستان هنا، وأخذتْني الرعدة وأنا أرى فيها كتبَ ابن قتيبة بخطّ يده، ومختارات المُفضّل الضّبّي بخطّ يده، وخِفتُ أنْ يكون القاضي الفاضل أخفى عنّا رؤيةَ المكتبة لأنّه لا يُريدُنا أنْ نراها، فاستعجلتُ بالطّواف بين رفوفها الّتي كانتْ تمتدّ في غرفٍ متلاصقةٍ يُفضي كلّ بابٍ إلى آخرَ بقوسٍ كبيرةٍ في أعلاها، كلّ غرفةٍ تطول أكثر من مئة ذراع، وكان هناك أكثر من مئة غرفةٍ كلّها مليئة بالكتب عن بكرةِ أبيها. وعرفتُ من خلال تَطوافي السّريع أنّ القاضي الفاضل قد صنّفها على أبوابها، فرأيتُ فيها كتب النّحو واللّغة والحديث والتواريخ وسِيَر الملوك والتّنجيم والرّوحانيّات والكيمياء، وغيرها... ولقد رأيتُ فيها تاريخ ابن الأثير المُسمّى الكامل في التّاريخ، وهو مُعاصِرٌ لنا، ولا بُدّ أنّه كتبَه هو أو أحدُ نُسّاخه وجيءَ به إلى هنا من فَوره، ولا أدري إنْ كان تامًّا على هذه الهيئة، فقد رأيتُ منه ثمانية مجلّدات!
* التسلسل
كان التسلسل والنظم منظمًا وسلسًا ينتقل من حدث إلى آخر وفي نهاية كل حدث يشير إلى بداية حدث آخر ومان لتنظيم الفصول أثر أيضًا في تركيب الأحداث التاريخية في عقولنا فرتبناها حسب ترتيد الفصول تبدأ الكارثة بالزلزال مرورًا بالطاعون وأكل لحوم البشر حتى تنتهي.
* النهايات:
انتهت الرواية بتساقط النجوم لأن الطاعون امتد إلى سفاسف الأشياء وأبسطها وانتهى أيضًا إلى الأخلاق والطبائع فلن يزيل الكارثة إلا كارثة أكبر وذكرتني نهاية
هذه الرواية بنهاية خاوية فكان الطوفان تهاية الحرب .
* مقارنة بين الكورونا والطاعون:
في كل حدث أو إشارة أو شخصية في رواية الطاعون هذه كنت أربط بين جائحتهم وجائحتنا وهذه بعض المقارنات على المستوى المحلي (الأردني):
- كان مسؤول الديوان في الرواية يشبه سعد جابر لدينا وزير الصحة الذي كان يدير الأمور ويعلن أعداد المرضى والوفيات ويصدر القوانين.
- كان لوقع أرقام الموتى في قلوب الناس تشابهًا حد العجب ففي البداية يقول الكاتب في الرواية أن الديوان أعلن عن موت خمسين دفنوا بكرامة واليوم الثاني مئة والثالث ثلاثمئة ثم صارت أعداد الموتى وكثرتهم خبرًا عابرًا كأن يقال "خرج السلطان للصيد" وصار الحصول على كفن مجرد أمنية، ولدينا في بداية الجائحة كان يموت الواحد والاثنان فنصهق ونخاف ونترحم وفي منتصف الجائحة كنا نسمع عن أعداد المرضى أنها تصل إلى ٥٠ فنصعق أيضًا والآن وصلت الأعداد إلى ألف وألفين فلم نعد نكتر -رحمة الله على الميتين وشفى الله المرضى-.
- وذكر أيضًا نفسيات الناس فمنهم من يقول "هذا غضب وعقاب من الله لكثرة ذنوبنا" ومنهم من يقول "إن الفئران أتت من السفن" ومنهم من يقول "هذا من أنفسنا" "من ضحايا الزلزال" "الجن من أحضره" كما لدينا يتناقش الناس ويتحاور لمدة ساعات إن كانت الكورونا مؤامرة أم ليست كذلك فهناك العاقل وهناك المتوهم.
- كانت أنواع الناس تتنوع كما الآن فمنهم من كان يستخدم قاعدة (علي وعلى أعدائي) فيتظاهر بعدم المرض ويعدي الناس ، كاللذين يعطسون في وسط الازدحام ومنهم من حجر نفسه حتى لا يرى الناس منهم شرًا أو مرضًا.
- أصدروا الكثير من القوانين التي تمنع تجول الناس في الشارع وتمنع قدوم السفن والبريد ويمنع الاحتكار كما قوانين الدفاع لدينا.
- أيضًا العائلات التي ماتت من الجوع داخل المنازل كانت موجودة في أيام الطاعون.
* أخيرًا:
إن رؤية المشهد من منظور بعيد يجعلنا نرى الأمور أوضح وأعمق وهذه تمامًا هي وظيفة التاريخ فإنه يوضح لنا ما حدث لمثلنا فنعتبر ويكسبنا الصبر والوعي والعقلانية وفضاءً للتفكير فما أحوجنا إلى مثل هذه الروايات التاريخية السلسة وسهلة المتناول حتى تعرفنا ما حدث لغيرنا فنفهم السنن الكونية ومظاهر هذا العالم والسلام.
فاطمة العتوم



رواية "مسغبة"

اضغط لتقرأها على تطبيق أبجد 




 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق