الثلاثاء، 20 يوليو 2021

قراءة في كتاب "عندما كنا عربًا"

 قراءة في كتاب "عندما كنا عربًا"




اسم الكتاب: "عندما كنا عربًا"

المؤلف:"إيميليو جونثاليث فيرّرين"


قراءة وحدة الرصد الإسبانية


  صدرت لكثير من المستشرقين دراسات تتناول الوجود العربي الإسلامي في الأندلس؛ لكنها لم تكن في غاية التفصيل كالكتاب الذي نحن بصدده، والذي صدر للمستشرق الإسباني، "إيميليو جونثاليث فيرّرين" Emilio González Ferrín، تحت عنوان: "عندما كُنّا عربًا" Cuando fuimos árabes.
 ويحمل الكتاب تقديمًا للعنوان، هو جملةٌ نصُّها: "قراءة تسمح لنا بتغيير وجهة النظر الحاليّة عن الإسلام، وتُمَكِّننا من فصل الثقافة عن الدين"، ومن منطلق حرص وحدة الرصد باللغة الإسبانية على متابعة الإصدارات المتعددة حول الإسلام والتأثير العربي الإسلامي في تكوين الثقافة الإسبانية؛ نعرض لهذا الكتاب الذي يتألف من 336 صفحةً لدار نشر "الموثارا" ALMUZARA بقرطبة.

إن أول ما يلفت النظر في الكتاب؛ هي تلك الصورة المشرقة التي يقدّمها الكاتب للوجود العربي الإسلامي في إسبانيا، ومقارنته بين ما كانت عليه بلاد الأندلس من تقدُّمٍ وازدهار خلال وجود المسلمين وما كانت عليه قبل ذلك، كما يتميّز الكتاب بطرحه لبعض المفاهيم والحقائق المرتبطة بالإسلام، وفي هذا السياق؛ يقوم الكتاب على فكرتين أساسيتين.
تتمثّل الفكرة الأولى في طرح ثلاثة مفاهيم أساسية مرتبطه بالإسلام، هي:   
1-    الإسلام كحضارة: ويتناول الكاتب في هذا المبحث النسيج الثقافي المُعَقَّد بما فيه من مظاهرَ اجتماعيّةٍ وفنية، اختلطت مع غيرها من مظاهر الثقافات والحضارات الأخرى.
2-    الإسلام كديانةٍ توحيدية: تربطه عَلاقات بالمسيحية واليهودية.
3-    الإسلام كواقعٍ اجتماعيّ معاصر: ويؤكّد الكاتب أهمية هذا المبحث؛ باعتباره شرطًا أساسيًّا لفهم الواقع المعاصر للمجتمعات الإسلامية، والتحديات التي تواجهها.
أما الفكرة الثانية: فتتمثّل في الحديث عن الفتوحات الإسلامية التي خاضها المسلمون، ثم نشأة التيارات الإسلامية المختلفة.  
ويدعو " جونثاليث فيرّرين" في كتابه إلى تَبَنّي نظرةٍ جديدة حول تاريخ إسبانيا؛ لتكونَ أكثرَ شموليّةً، ويطرح في مؤلَّفه قضايا مثيرةً للجدل؛ أبرزها: 
رفضه لاستخدام مصطلحات: "الفتح" أو "الغزو" الإسلامي، وكذلك مصطلح "الاستعادة"، إذ إنه لم يكن هناك غزوٌ من الأساس، ويرى "فيرّرين" أن ما مرّت به إسبانيا خلال فترة الحكم العربي الإسلامي يُعَدّ جزءًا أصيلًا من تاريخها، ويوضِّح في هذا السياق أن إسبانيا لم تكن خلال هذه الفترة واقعة تحت سيطرة دينية إسلامية، بل تعايَش المسلمون والمسيحيون واليهود على أرضها لبناء حضارة البلاد، التي كانت تُمثِّل بؤرة النور وسط ظلام أوروبا آنذاك، ويرى "فيرّرين" كذلك؛ أنه لا معنى لاعتبار أن عام 711 هو عام فتحٍ إسلاميٍّ لإسبانيا، إذ يرى أن المسلمين لم يكونوا بتلك القوة والانتشار بما يكفي لأن يغزوا بلادًا كبلاد الأندلس (ويمكن الإشارة إلى أن "فرّرين" لم يكن الوحيد أو أول من تَبَنّى هذه النظرية، بل هناك العديد من المؤلفات والدراسات في هذا الصدد، لعلنا نذكر منها هنا: كتاب الثورة الإسلامية في الغرب، لمؤلفه: اجناثيو اولاغوي)، بل كان ذلك نوعًا من التعايش الثقافي، وكان العرب والمسلمون هم أصحاب الأثر خلال هذه الفترة، وأضاف: أنه كما مرّت إسبانيا بفتراتِ حُكْمٍ متعددة، فقد مرّت بفترة الحكم العربي الإسلامي، وينظر الكاتب إلى إسبانيا كأرضٍ ووطن بمفهومٍ أقدمَ من مفهوم الدولة القومية.
كما يؤكد "فيرّرين" أن اللغة العربية كانت لغة الثقافة والحضارة آنذاك، وأن علماء العرب من أمثال: ابن رشد وابن طفيل، قد خلّفوا إرثًا لعصر النهضة، وأنه كان من الصعب أن يولَد عصر التنوير بتلك الصورة التي كان عليها دون اللغة العربية وعلومها.

ورغم تناول الكثير من المستشرقين الإسبان لموضوع الفتح الإٍسلامي لبلاد الأندلس وتأثيرات الثقافة الإسلامية في نظيرتها الإسبانية من عِدّة زوايا؛ إلّا أن كتاب "فيرّرين" يختلف عن الدراسات السابقة له، في محاولة طرحه  لتاريخٍ مُفَصَّلٍ لهذا الوجود العربي- الإسلامي في الأندلس، وإلقاء الضوء على العديد من الحقائق المرتبطة بالإسلام، وفي كتابه -الذي قسمه إلى عِدّة فصول- تناول الكاتب تاريخ الأندلس بدءًا بوصول العرب إليها وانتهاءً بخروجهم منها، واستعرض بأسلوبه -الذي يتميّز بالوضوح- ذلك التاريخَ، مُستهلًّا بالحديث عن الإمبراطورية الرومانية والمَلَكيّين الكاثوليكيّين، مؤكّدًا أن دولة الإمارة الأموية هي التي استحدثت استخدام اسم "ملك إسبانيا"، وليس "ملك القوط".
واستطاع "فيرّرين" من خلال دراسته أن يُثبِت أن مصطلح "الغزو" لم يكن مستخدَمًا للإشارة إلى دخول المسلمين إلى بلاد الأندلس، كما أنه لم يكن احتلالًا عسكريًّا بل كان ضربًا من التأثير الثقافي والاقتصادي والتجاري للحضارة الإسلامية على تلك البلاد، ويؤكّد الكاتب أن وجود المسلمين في بلاد الأندلس خلال ثمانية قرون عاد عليها بكثيرٍ من الفوائد الكميّة والنوعيّة؛ ومن الفوائد الكميّة: تلك المعالم الأثرية والفنية التي أسّسها المسلمون، ومن النوعية: أنها أصبحت جسرًا للتواصل مع العالم العربي.
ويرى "مرصد الأزهر"؛ أن ما أوضحه الكاتب ليس انحيازًا للعرب والمسلمين، بل هو نقلٌ موضوعيّ للحقائق التاريخية التي تجاهلها الكثيرون من أبناء المجتمع الإسباني.
 ويُثَمِّن "المرصد" الدَّورَ الذي يقوم به الكاتب للكشف عن إسهامات الثقافة الإسبانية في نظيرتها الإسبانية، بعد أن بات الأمر في حاجةٍ إلى توضيحٍ وبيانٍ للحقائق المرتبطة بتلك الفترة الذهبية من فترات التاريخ العربي– الإسلامي؛ لذا يُعَدّ هذا الكتاب مرجعًا غنيًّا يَخدم نظرية الإسهام الثقافي للعرب والمسلمين في الأندلس، وكذا نظرية الاندماج والتعايش بين الديانات والثقافات في تلك الحِقْبة، أمّا عن نظرية: أن المسلمين لم يكونوا غزاة، فهناك العديد من كتب التاريخ تؤكد أن المسلمين دخلوا إلى أرض الأندلس رغبةً من أهلها؛ لإزاحة ظلمٍ واقعٍ عليهم ممن كانوا قائمين على الحكم آنذاك، وكان بالنسبة للمسلمين انطلاقةً نحو بقعةٍ جديدة ذاتِ ملامحَ خاصّةٍ لم يألفوها من قبلُ، فكانت انطلاقتهم إليها عبارةً عن رسْم جزءٍ من تاريخ المسلمين لم تعرف البشرية له مثيلًا في التعايش وبناء الحضارة، وإسهاماتٍ لا تزال شواهدها حاضرة حتى يومنا الذي نحياه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق