الأحد، 11 يوليو 2021

قراءة في كتاب مورا في مدريد

قراءة في كتاب مورا في مدريد
غربة داخل غربة من تحتها غربة من فوقها غربة


اسم الكتاب:
مورا في مدريد

الكاتبة : نوال السباعي

قراءةعن مورا في مدريد 

بقلم الدكتورة: خولة حسن الحديد

من الصعب تصنيف هذا الكتاب ضمن أي جنس أدبي، فهو أكثر من رواية وأقل بقليل من عمل موسوعي، عمل يحتاج كاتبه إلى ثقافة موسوعية وعين ثاقبة ورؤية، وبصيرة ترى الأمور بوضوح، وتملك من الخبرة ما تشخص به الألم الإنساني بحيادية، بعيداً عن الأثر النفسي و الروحي “العقيدي” لمن يكتبه، و يملك من السمات الأدبية و فنيات السرد ما يجعله عملاً مميزًا، وتحفة أدبية تزخر بمواصفات استثنائية.. لغة عالية.. رصانة.. أفكار تمضي بسلاسة تنقلنا من حدث لآخر من خلال حوار رشيق.. تقنيات سردية متنوعة تحضر فيها سمات متعددة من الشعرية ومشاهد الذاكرة البصرية، والتي تم تدوينها لتؤبد لحظات مفصلية من حيوات متعددة.

يبرز “الفكري” و”التوثيقي” في الكتاب كأحد حوامله الرئيسية، فيؤرخ لشتى الحروب الحديثة التي مرت على بلادنا بتكثيف مميز، من حرب البوسنة والهرسك إلى حرب العراق إلى فلسطين الحاضرة دائمًا، من خلال التعريج على أحداث واقعية سياسية وعسكرية وصحفية، تندمج مع السرد الأدبي، لتجمع بين الفكر والوجدان، فلا فصل بين هذا وذاك.

يتوهج هذا العمل بكل لحظة ليطرح أفكارًا مُضيئة ورؤى صادقة، ويطرح توصيفًا حقيقيًا لصراعات الهوية المأزومةِ متعددةِ الهويات الفرعية مع غيرها من هويات أخرى. عملٌ يجمع بين التنوير والتأصيل، عملٌ يستعرض مسيرة الألم الإنساني للإنسان ” المهاجر” قسرًا عن موطنه الأصلي ليمزج بين الحنين لذاك المكان الأول وبين القراءة الواقعية والمتبصرة لواقعه، وتشرّح كمبضع جرّاح كل الأسباب والأفكار والمرجعيات التي أدت إلى سلوك معين ونهج معين، ليستشرف مستقبلاً ما يتم صنعه في الحاضر القائم.

عمل عن الحرب.. الهجرة القسرية.. العنصرية.. وسلوك المغترب.. وآلام الاندماج .. مأساة وصعوبة الجمع بين هويتك وما أنت عليه وبين المجتمع الذي تعيش فيه وبتّ تنتمي إليه بطريقة ما ويضم أطفالك و يرسم مستقبلهم.. عن رؤية الآخر لنا كعرب.. كمسلمين.. وعن رؤيتنا لأنفسنا.. عن خيباتنا وآمالنا وأخطائنا وصوابنا.. عن ألم ووجع الظلم الشخصي والعام.. والظلم المضاعف والمتكرر.. وحمل وجع ووزر الهوية أينما ذهبنا.. وكل هذا كُتب بلغة أدبية جميلة، وسرد ممتع، وأسلوب يدفع القارئ أن يستمر ويستمر.

واهاً لمن لا يستطيع تغيير لون جلده، ولا هندسة عظام وجهه

من العسير أن يكتب صاحب هذا القلم حول كتاب بقلم الأستاذة الأديبة نوال السباعي دون أن يضع نفسه في قفص الاتهام، أنه يكتب بما تمليه عليه علاقة التقدير والإعجاب والمودة منذ عشرات السنين مع “أديبة الثورة والثوار”، ولو أطلق العنان للقلم فعلا ليسكب المداد من تلك المحبرة فلن تكفيه السطور التالية، إنما لا يمنع التقدير من نظرة موضوعية، ولا من وجود اختلاف في التفاصيل على صعيد الرأي أو الأسلوب، إنما هي محدودة لا تستحق الخوض فيها، ولا يضير وجودها، ومن ذلك مثلا أن كاتب هذه السطور يفضل التبويب التقليدي للكتب الكبيرة، ويراه الأسهل على القارئ في عصر “القراءات البرقية”، وكتاب “مورا في مدريد” يناهز ٥٠٠ صفحة، ويجمع في طياته القصة والحوارات، والأدب والمواقف، والفكر وحياة الوجدان، ويجمع المشاهد الكبرى ومشاهد فردية، ويربط بين أحداث البلقان وأحداث الشام وأحداث أسبانيا وسواها، كما يغلي غليانا في متابعة التوجهات والممارسات الدينية والسياسات الغربية، ويحلّق على أجنحة الزمن عابرا ما يزيد عن ثلاثة عقود، وإن تركزت أحداثه على فترة زمنية أقصر.

رغم ذلك، قد يبدأ القارئ بأحد الفصول متسائلا ما مغزى وجود الفقرات الأولى منه في كتاب عنوانه “مورا في مدريد” وإذا به في ختام الفصل أمام مشهد قائم بذاته، متكامل الخطوط والألوان، كلوحة فنية فسيفسائية بريشة فنان مبدع.

*        *        *

مقدمة.. قبل القراءة

نعم.. “عبارات التقدير” تضع كاتبها في “قفص الاتهام” ويبقى عزاؤه أنّ كثيرا ممن يقرأ هذه السطور يقرأ بعض ما يخطه قلم نوال السباعي أيضا، فيجد تلقائيا أن “الكثير” الذي قد يكتبه بعضنا عنها “قليل للغاية” بمقياس ما يستحق عطاؤها عبر عدة عقود، وقد شمل ألوف المقالات، وعددا من الكتب مثل “خواطر في زمن المحنة” “الراقصون على جراحنا” “بين زمنين” وغيرها، يعلم أن هذا الكتاب “مورا في مدريد” يختلف أيضا عمّا ينشره بعض أصحاب الأقلام، من “برج المراقبة عن بعد” أو “من وحي الخيال”، فهو نبضات حياة حافلة بالتفاعل العميق المباشر مع الأحداث والتطورات، صغيرها وكبيرها، ومواكبة مساراتها ومنعرجاتها، والعقبات الكأداء في وجه الوصول إلى غايات سامية من خلالها، وهنا إذا غلبت روح النقد تجاه القديم من تلك العقبات، المتجذر في عادات واقتناعات واسعة الانتشار، فهو لا يقف عند حدود المرفوض أيضا من عقبات “حديثة” النشأة والتضخم والاستشراء.. مما اقتحم علينا عوالمنا المفتوحة وتلك التي نواريها أيضا، أو نحسب أننا نواريها، خلف أبواب “التجاهل” العنيدة الراسخة.

ولينتقد من شاء من الناقدين شدّة قلمها على من يخشى الكلمة حول محرمات مساسا وذكرا ونقضا ورفضا.. لا سيما إذا كان لا يلتزم إلا بقشور وشكليات، أو فلينتقد من شاء أنها تخلط التاريخ بالحاضر، والأدب بالفكر، والسياسة بالعاطفة، ولا تمتنع عن المساس بالتزامات دينية واجتماعية يقدّسها آخرون في عصر جمود فقهي متطاول، وفي الردّ على غزوات فكرية وثقافية وأخلاقية متوالية لعدة قرون.. إنما المشكلة التي لا يريد “الناقدون” الغوص فيها مشكلة كامنة فيمن لا يحتملون المساس بهالات “تقديس” أقاموها -وفق ظنّهم- سدودا للحماية وحواجز للوقاية، فتحوّلت مع مرور الزمن أو نتيجة التعصب لها إلى جدران سجون يغتال زبانيتها كل إبداع رصين هادف وإلى قضبان معتقلات للفكر الثائر المغيّر، نأبى الخروج منها.. خشية على أنفسنا من استيعاب ما يعنيه “تغيير ما بأنفسنا”.

وإذ تفجرت الثورات من تحت ركامنا لتكرهنا على التحرر والإبداع والعطاء، تشبّث أكثرنا بقيود وأثقال اعتاد عليها من قبل، ومضى بعضنا إلى ليّ أعناق شابة غضّة لتتخلّى عن عنفوان الثورة وتعود وراءه في مسيرة أصبح الغد المرتجى منها طيفا أو بقايا طيف وراء الآفاق، بعيد المنال، لا تطاله الأنظار فضلا عن أن تطاله “الأنشطة” التي نمارسها من قبل اختراع العجلة، ونضبط إيقاع سرعتها على مقاس الخطى التي تسمح بها أحذيتنا العتيقة.

“الكتابة مهنة عجيبة، وهي أعجب في بلادنا”.. “آلاتها آلام وجراح وقلق وأرق، وهي أكثر عذابا في بلادنا”.. “الكتابة موهبة ومهنة، آلام وأمل، شموع تحترق وضياء”.. “إنها مهنة الغرباء.. وهي أكثر غربة في بلادنا”

هذه الكلمات من كتاب “خواطر في زمن المحنة” الصادر عام ١٩٨٨م بقلم نوال السباعي، وهي المعاني التي تتجسد في كتاباتها، مقالا وقصة ونقدا وتحليلا، فيما نشرته أو نشر لها (بما في ذلك ما كان بقلمها وانتحله سواها لنفسه) لا سيما بعد أن أدخلتنا تطورات العالم من حولنا في عوالم افتراضية لا نعرف أولها من آخرها ولا عاليها من سافلها، وهذا من قبل أن نقف على أقدامنا في عوالمنا الذاتية وما فيها من عقيدة نورانية وشطحات مظلمة، ومن أوطان جامعة وانتماءات متنازعة، أو من قبل أن نبصر بأعيننا أين كنّا أو أين أصبحنا ما بين حالات النحو والصرف والإعراب في مجتمعاتنا، ومن بعد ما حطّمنا القليل من الجسور فيما بيننا، واستعضنا عنها بمن ردم الحواجز في أراضينا وفضاءاتنا واقتحم بشخوصه وشاشاته عقر بيوتنا ومساجدنا ومرابع ثقافتنا وخدور وعينا المعرفي والباطني ومعاقل أخلاقنا وقيمنا وعاداتنا العتيقة والجديدة، الموروثة والمبتكرة، الرفيعة والوضيعة.

أليس غريبا أن نتساءل إذن ونحن هكذا أو أكثر عمّا يكمن وراء ما يربط أعناق أنظمة السلطة في بلادنا بعدوّ ينال ممّن التصق بمن فيها وينال من بلادنا وشعوبنا ما ينال؟
أليس غريبا ألا نفقه ما جعل جيل الشباب والشابات يثور مجددا على ما لم نخرج “جميعا” من صوامعنا لقهره وإسقاطه، أو خرج بعضنا من قبل فتركناه منفردا في ميادين “العزة” التي نخطب ونكتب عنها، إلى أن عجز عن متابعة درب التغيير، وعن التحرر من قيود الأسر في صناديق معلّبة من صنع نخب غير متحررة.. عجز عن المتابعة فضاعفنا -من موقع التخلّي عنه- قهره بألوان من الاتهامات والتحليلات واللوم والتجريح، ودارت عجلة الزمن وها نحن نلوم مجددا جيلا ثائرا على صنّاع القهر وصنّاع الخوف، فكأنه أفلت من بين أيدينا وليس من معتقلات “الخنوع” لمن اعتقلنا، ومعتقلات “كنّا عايشين” صنعناها وروّضنا أنفسنا وأهلينا عليها!

محراث الكلمة في جذور عميقة

من لا يطرح على نفسه مثل هذه التساؤلات لا يمكن أن يستوعب ما تتحدث به “مورا في مدريد” وهي تنقلك من حمص ودمشق إلى غرناطة ومدريد، ومن عالم نعيشه الآن إلى عالم عاشته “مورا” قبل أن تصبح “مورا” في ظلمات دنيا الغربة بأعوام وأعوام.. عندما كانت “الحفيدة الثائرة” كما تكشف حواراتها مع جدّها..

(هل تعلمين أن لحمل السلاح فقهه وشروطه وآدابه؟ وأنللمعارك والحروب فقهها وقوانينها وأخلاقها؟ وأن الناس هنا واليوم في الشام لا يعرفون لا هذا ولا ذاك؟
قاطعتُه: وكم من العقود سنحتاج لكي نعدّ ونستعدّ؟! من حقنا أن نحمل السلاح لندافع عن أنفسنا وأعراضنا.
أجابني وقد اشتد غضبه: ينبغي لمن يمتلك سلاحا أوانَ الفتن أن يدفنه أو يكسره، ولا يعرّض نفسه وغيره للمحنة، فإذا جاءته صبر واحتسب!
قلت: بل ينبغي لنا أن ندفن أنفسنا جميعا ونحن أحياء حتى لا نتعرض لأذاهم وذلهم والعذاب المرير بين أيديهم!)

منذ ذلك الحين كانت نوال السباعي تنظر في أعماق مجتمعنا في سورية بعين المفكّرة الأديبة الثائرة، ولا يزال قلمها يحتفظ بشباب الثائرة الأديبة على امتداد زهاء أربعين سنة مضت على ذلك الحوار، فلا ينفصل ما تواكب به قوافل الشهداء اليوم من بصيرة ثاقبة عن رؤية الجذور الأولى للمعاناة فيما تذكره عن استشهاد الشاب “أيمن” من أبناء الحي الذي كانت تقطن فيه آنذاك..

(لم يساعد أيمن أحد، لم يقف معه أحد، لم يتدخل أحد، لمينبس أحد ببنت شفة، لم يذهب أحد لتفقد أمه بعد مرور أكثر من اثنتي عشرة ساعة على “الحادثة”.. الحارة تبدو مقفرة يصفِر فيها الصمت والهوان والخذلان والرعب والدناءة والضياع والأنانية والذل وفوح الدم.. كأن أهلها قد ماتوا جميعا مع أيمن.
لقد ماتوا!)

قد لا تستطيع –أيها القارئ الكريم- الجلوس والتزام الهدوء وأنت تمسك بكتاب “مورا في مدريد” فتجده يحملك على أمواج الأمكنة والأزمنة، صاخبة متتابعة، فلا تستطيع منها فكاكا.. ولا تريد، وستجد نفسك بين الفينة والفينة في سورية مجددا وهي التي تسيطر على وجداننا اليوم وتستثير رعبا عالميا بلا حدود، ولكنك تستشعر في الوقت نفسه أننا ننتقل مع الكاتبة في كهوف الغربة بجميع أشكالها، كهفا بعد كهف، منذ كانت تلك “الغربة” نتيجة الغربة داخل سورية نفسها..

(كان ممنوعا على الناس أن يئنّوا والسكين مغروزة في أوداجهم. بدأ الناس بدفع أبنائهم للخروج من سورية.. كانت تلك موجة الرحيل الأولى التي عانتها البلد التي أفرغت من جيل كامل من الثائرين شيبا وشبابا. دفعني أهلي للسفر دفعا كما فعلت الآلاف من الأسر السورية)

وفي غربة مورا وصل خبر وفاة الجدّ ثم بيع داره
(لكن دار جدي الشيخ بقيت هنا قائمة في تلافيف دماغي لا تبارح. من قال إن الأوطان جغرافية وأرض، إنها قطْعا.. أشواق وذكريات، وقِطَع من أرواح وأكباد)

لا تظهر الأنوار دون رؤية في الظلمات

يشدّ القارئ -ويؤلمه- ما تتحدث الكاتبة عنه بلسان الشاهد على واقعة وهي تفصّلها بقتامتها غالبا وحلاوتها أحيانا، ولكن لا يغيب عنه أنها لا تسردها لمجرد السرد، ولا بأساليب نعايشها وأشدها نكاية بأنفسنا ما لا يتجاوز حدود التشهير الاعتباطي بأنفسنا وببعضنا بعضا.. مورا تروي لك المشهد القصصي فتؤلمك حدّة سكين النقد الذاتي في حديثها، ولكن سرعان ما تنتشلك من غيبوبة الألم عبارات تكشف عن سموّ الهدف وأهميته وصفاء الغاية ومشروعيتها.

(نحن لا نعترف بواقعنا الاجتماعي العام المرير البعيد عن
الإنسانية والأخلاق… فلا عجب إن تخبط الآخرون في تعاملهم معنا بغير منطق ولا احترام)

(الاستبداد لم يكن أمرا خاصا بالأنظمة الحاكمة، كان مرضا عضالاً يعاني منه مجتمع بأكمله. استبدلنا في غربتنا.. باستبداد الأسرة وتعسفها استبداد “الجالية” وتعسفها، وتنطع “الشيخ” وتطفيفه، بتنطع “مجموعة العمل الإسلامي” وتطفيفها)

الشواهد على ذلك كثيرة في فصول الكتاب الحافلة بالقصص، ومنها ما عانت منه “مورا” تحت ضغوط سلبيات المجتمع الإسباني، في مدريد تخصيصا، إنما لم يمنعها ذلك من تسليط الضوء على الإيجابيات فيه أيضا، على صعيد التعامل مع بعض أطراف المجتمع حولها، وعلى صعيد احتضان بعض القضايا كقضية البوسنه والهرسك وتشريد أهلها أثناء الحرب..

(وأنا.. ومدريد، نعيش منذ أعوام، ما بين سلام وحرب، وحزن وفرح، وأمان وخوف، وكرامة ومهانة.. مدريد عاصمة إسبانيا المثقلة بتاريخها الحديث والقديم، وأنا “المورا” المثقلة بشعوري بوحدتي متعددة الأبعاد، وحاضر أمتي المخيف المؤلم الرهيب)

ولكن غربة مورا هي الحصيلة الأظهر مفعولا، والأشد طغيانا على نفس ثائرة لا تهدأ..

(منذ جئت مدريد لصقت بي كلمة “مورا”، كما يلتصق أيحاكم عربي بكرسي الحكم، وكما يلتصق أي مسؤول صغير أو كبير في موقع مسؤوليته، داخل البلد أو خارجها، مدى الحياة.. حياته أو حياتنا!

أنا في مدريد لست إنسانة، ولا مواطنة، ولا حتى “مخلوقة” من صنع الخالق، أنا هنا لست أمّا، ولا زوجة، ولا امرأة، لست كاتبة، ولا صحفية، ولا يمكن ولا يستقيم لأحد أن يفهم هنا، إلا أنّني أمية جاهلة متوحشة، جاءت من وراء البقر أو الجِمال. أنا هنا لست إلا “مورا في مدريد”)

(هذه “المورا”.. التي تمثل رغم أنفها الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء الكرة الأرضية)

(محتقرة، غريبة، دخيلة، مسلمة، عربية.. اختر أي الكلمات الخمس لتفسير كلمة “مورا” فلن تخيب لفظة “مورا” ظنك فيها)

هذا ما يعود بك إلى ما ذكرته الكاتبة في مقدمة كتابها:

(مورا”.. مجرد كلمة، كلمة واحدة فحسب، جعلتني مع كل هؤلاء، من أشخاص وذكريات ومشاعر وصور، أنكمش إليها، أنحشر فيها، أكاد أختنق، أصارع سجنها، أحاول أن أمزق بأظفاري جدران قهرها وجبروته، ولا أستطيع الخلاص، فلقد بدأت بعد ذلك بسنين طويلة أتعايش معها -للأسف أو لحسن الحظ!- كما أتعايش مع مدريد نفسها، تماما كما يتعايش المرء مع مرض القلب، والروماتزم.. لا علاج ولا حل. بدأت أقبل الدور الذي أرغمتني مدريد على أن أعيش في بوتقته)

بعض من يتحدث ويكتب عن الغربة والمغتربين لا يرى إلا بريق رفاهية معيشة يشتهيها فيحسبها هي محور حياة المغتربين، وصحيح أن لكل ميدالية وجهان، ولكن الوجه المظلم لميدالية الاغتراب يطغى على الوجه المشرق، الذي لا تنكر مورا وأخواتها وإخوانها وجوده.

هذا مما ينكشف مباشرة في صياغة عباراتها، وهو أيضا مما يحتاج إلى سبر غور ما تتحدث عنه، ومن ذلك حديثها عن اغتراف المعرفة من الكتب منذ كانت في دمشق، وكانت متعددة المشارب، إذ تشير بصورة غير مباشرة إلى أحد وجوه القصور في التعامل “الفكري والثقافي والنخبوي” مع مشكلاتنا الذاتية..

(بعض عناوين الكتب تكون أكثر أهمية من محتواها، وتختصر منهجا، وتطرح أجوبة مهمة عن أسئلة حضارية بالغة الخطورة. لكنها لم تكن تخرج في مجملها من حيز طرح الفكر والتنظير إلى مجال الفعل والعمل على أرض الواقع)

وقد حملنا -نحن المغتربين من قبل ثورة ٢٠١١م- كثيرا من هذه الإشكاليات معنا، وجعلناها كقضبان سجن من حولنا..

(جميعنا سجناء في غربتنا المشتركة في مدريد، وكلٌّ سجينُ ذلك المربع الصغير الذي حشرته فيه بيئته التي جاء منها، وقابليته وقدرته على النمو والتغيّر والتغيير. غربة داخل غربة، من تحتها غربة، من فوقها غربة..)

ولعلها تشير إلى قضية فلسطين وقضية سورية وسواهما عندما تقول:

(القضية، التي تكاد تكون الوطن الوحيد، الذي يوحد كل هذه الأشتات من الناس، المتهاوين تحت طواحين القومية والوطنية والطائفية والعنصرية، في زمن الموت العربي والكساد الأخلاقي وضياع الهوية)

إنما تبقى المشكلة الأكبر للمغتربين هي أنهم مغتربون، وليس مجهولا أنهم “محسودون” عند أقوامهم، فهم في مجتمع “حريات وحقوق ورفاهية” وهذه مقاربة تحتاج إلى تمحيص عميق، تغطيه قصص وشواهد عديدة وطرح أفكار أقرب إلى حديث النفس من جانب “مورا” ولا يسهل تلخيص ذلك في عبارات معدودة، وإن كان بعضها يضع القارئ وجها لوجه أمام جوهر المشكلة.. عندما تتحدث نوال السباعي عما يواجهه المغترب في مجتمع الحريات والحقوق

(إبداء رأيك، يعني أنك ملمّ بمجمل الأمور في هذا المجتمع الذي تعيش فيه، إبداء رأيك بالنسبة إلى الكثيرين من الإسبان، يعني أنك أصبحت واحدا منهم، وهم لن يقبلوا بذلك البتة)

(اخلع على أعتاب أوروبا كل شيء، لتمنحك شيئا أو شيئيـن)

(واهاً لمن لا يستطيع تغيير لون جلده، ولا هندسة عظام وجهه)

(إنها الغربة، وإنه التماسّ الحضاري الذي تعلمنا في بلادنا أن نحترمه، كما أنه وفي صميم تركيبتنا التربوية، أن نحترم الآخرين.. خصوصا الشعوب التي استعمرتنا، شرقية أم غربية!

 كان في الواقع، لزاما علينا قبل ذلك أو معه، أن ندرك حاجتنا الملحة إلى أن نتعلم أن نحترم أنفسنا أولا ً، وقبل أن نفكر في الآخرين!)

مجرد قطرات ماء من تيار متدفق

كاتب هذه السطور يواجه مشكلة عويصة في محاولة تلخيص ما لا يمكن تلخيصه، وعرض ما لا يغني عرضه عن قراءته، وحتى اختيار عبارات من النص مباشرة يمكن أن تحدث خللا بالتركيز عليها وكأن سواها أقلّ عمقا أو أهمية.. كلا.. من يحسب أن قراءة هذه السطور تغنيه عن قراءة الكتاب يخطئ خطأ ذريعا كخطأ من يحسب الغربة كربة فقط أو يحسبها نعيما ورفاهية فحسب، وأشد من ذلك أن يفتقد المغترب في واقع حياته أهم ما يحتاج إليه مع المغتربين من أمثاله

(الغريب للغريب طوق نجاة، والغربة للغرباء نسب وانتماء، وستكتشف لاحقاً أن طوق النجاة هذا، قد يصيبك بالاختناق.. يمنعك من القدرة على أن تتنفس هواءً نقيّا تملأ به رئتيك بعد رحلة السباحة الطويلة الشاقة التي خضتها بحثا عن حريتك!

يا لعارنا، ونحن نفتقد في تعاملنا بعضنا مع بعض، أبسط درجات الاحترام والرأفة، ومنح من يخالفنا الرأي، بعض هامش من تفهم آلامه ومبرراته)

الأديبة الثائرة نوال السباعي أصبحت “مورا” في إسبانيا لأنها كانت من قبل في سورية ثائرة أديبة.. ولا تزال إلى اليوم على هذا الطريق، وهو ما تعبر عنه بأسلوبها في الحديث عن نفسها:

(لم أتوقف عن الكلام، بل ازداد لساني طولاً، وقسوة بطعم الغربة، ولم أترك مهنة الكتابة، بل جمعت لها مهنة الصحافة)

يمكن أن يطول الحديث كثيرا في هذه “القراءة” عن محتويات كتاب يوجد فيه المزيد والمزيد، لا سيما وأنه ليس كتاب أدب وفكر أو كتاب قصص وحوار أو كتاب سياسة ومجتمع أو كتاب فكر وثورة، هو جميع ذلك معا ويجب أن نضيف أيضا أنه ضرب فريد من ضروب تدوين المذكرات واليوميات الشخصية.

في الكتاب المزيد ولئن أثارت هذه السطور حب الاستطلاع لدى القارئ، فسيكتشف بنفسه ما لم ينفسح المجال هنا للتنويه به، ومن ذلك التعامل الإسباني مع البوسنة، ومع الشمال المغربي وقضاياه، ومع مقارنات عميقة بين المشارقة والمغاربة من العرب، وكذلك -وهذا ما يتطلب وقفة طويلة وتأمّلا عميقا- ما تتناوله الأديبة الثائرة للربط بين “قضايانا” المعاصرة والمستقبلية، وبين جيل يستلم الراية من أيدينا، أو التي نحسب أنها في أيدينا، وسيستلمها سواء تشبثنا بها دون جدوى، أو رضينا طائعين بسريان مفعول سنة تعاقب الأجيال، ولا تتحدث مورا هنا من فراغ فقد كانت لها تجربتها المباشرة مع تأسيس منظومة للشبيبة المسلمة في مدريد، وواجهت في ذلك واقع جيل المستقبل وما يلقاه من جيل سبقه..

ولا غرابة أبدا أن يتلاقى الإعجاب والاستغراب، والاستحسان والاستهجان، في متابعة قلمها المبدع مضمونا وأسلوبا، مثلما يتلاقى على المتابعة جيل يوشك على الرحيل وجيل يوشك بإذن الله على سلوك درب التغيير.

قراءةعن مورا في مدريد 

بقلم د. عماد العبار

لم يكن ما حدث في سوريا عام 2011 انفجاراً عادياً، ولم تأت الحرب وتداعياتها من الفوضى والتفتّت الطائفي بين سنّة وعلويين ثم التباعد القومي  بين العرب والكرد بدون أسباب ومقدمات، بل يكاد يكون الألم الذي نعيشه بكامل تفاصيله نتيجة منطقية لانهيار داخلي عانى منه المجتمع السوري على مدى أربعة عقود دون أن يجد خلالها متنفساً لأزماته الطبقية والطائفية والقومية أو فسحة ملائمة لمناقشة مواضع الخلل في الثقافة والتربية، فتراكمت أزماته وتفاقمت، إلى أن جاءت لحظة الانفجار العظيم.

لم تكن الأزمات الداخلية وحدها كافية لتفسير الفوضى الحاصلة، فلقد كان من الواضح أنّ حجم التدخّلات العالمية في المنطقة أكبر مما كنا نتصور، حتى أكبر من البروباغاندا التي كان يبثّها النظام السوري عن وجود مؤامرة عالمية أثناء لعبة الشدّ والرخي التي مارسها مع الغرب، ولو أنّه لم يكن يريد بكلامه إلا الباطل.

قليلة هي الأعمال الروائية التي تسعى للإحاطة بالصورة من جوانب متعددة وتنجح في ذلك، لكنّ رواية "مورا في مدريد" للكاتبة نوال السباعي حققت ذلك وبقدرة مذهلة، فالرواية تجمع بين السيرة الذاتية والتوثيق التاريخي الروائي لأبرز الأحداث التي مرّت بها الكاتبة والمجتمع السوري منذ الستينات وحتى أواخر التسعينات من القرن المنصرم.

و"مورا" هي الاسم الذي سيبقى ملازماً للكاتبة منذ بداية هجرتها إلى إسبانيا أثناء محنة الثمانينات إلى يومنا هذا، وحتى بعد مضي أكثر من عشر سنوات على انتهاء أحداث الرواية، واللقب عبارة عن وصف عنصري يُقصد به التحقير يطلقه الإسبان على كل مهاجر "العربي المسلم، والقادم من شمال إفريقيا على وجه الخصوص"...

لكنّ الكاتبة عاينت ببراعة أيضاً أحوال الـ "موروس" في مجتمعاتنا المنخورة من داخلها خلال السبعينات وسجّلت من خلال توصيفها للبيئة السورية التي عاينتها العنصرية والطبقية والطائفية التي أنهكت المجتمع السوري حدّ الفناء.

كان الوطن يزور الكاتبة في غربتها على هيئة صور كثيفة تختزنها الذاكرة عن بيت الجد والجدة، فقد كان ذلك البيت بكل تفاصيله المغرقة في البدائية والبساطة والدفء يمثّل الوطن بكامل تناقضاته... بين جدرانه القديمة المتآكلة والمليئة بالدفء عايشت كثيراً من التناقضات الاجتماعية والتنافرات بين العقول والطباع والعلاقات الزوجية التي لا تبنى على أسس سليمة، ليستمر معها الألم طيلة ستين عاماً! عاشت الكاتبة هناك كوتد مشدود بين شخصين تحب كل واحد منهما أكثر من الآخر وبقيت مشدودة إلى كليهما تعايش المتناقضات دون أن يكون بإمكانها فعل شيء.

لم يكن الأذى العنصري الذي عايشته الكاتبة في إسبانيا غريباً بالنسبة لها، فقد سجلت في روايتها أصنافاً من الأذى لا تقل قسوة عن تلك التي لحقت بها في غربتها:

أذى البيئة الشامية وهو الذي وصفته بــ "الأذى المجاني غير المبرر من الجميع، وفي جميع المناسبات"... بعضه يطال الطالبة من أستاذتها في حلقات تدريس الدين وقد يتحول إلى رغبة في التحطيم عندما ترى الأستاذة طالبة تتمتع باستقلالية ومقدرة... وبعضه يطال الناجح ضمن محيطه الاجتماعي الضيّق، كما قد يكون على شكل أذى مزمن يستمر لعقود تكون ضحيّته الجدة، وبعضه تكون فيه الكنّة ضحية وتصبح الجدة هي الجاني.  

كانت الشام تغلي فعلاً بحسب وصف الكاتبة، ولم يكن الغليان طائفياً بسبب النظام وحسب بل كانت الشام تغلي من داخلها، وكانت تتمزق شيئاً فشيئاً مع ارتفاع وتيرة القمع والعنف السياسيين… لم تكن السياسة هي الأزمة وحسب، كانت أزمتنا في ذواتنا أكبر، ولم نفشل في الحد من ظلم النظام وحسب بل لم نستطع أن نعالج أنفسنا أيضاً…

كان النظام يقتل الشباب، طاقة المجتمع ومستقبله، ثم يسلمهم لذويهم، فيتم دفنهم بصمت وخزي، دون أن يتجرأ أحد على أن ينبس بكلمة، وكان الناس يتعاركون فيما بينهم على هوامش الحياة، فيقتلون بذلك ما لم تصل إليه يد الجلاد...

لقد كان الاستبداد: "مرضاً عضالاً يعاني منه مجتمع بأكمله، لم يكن أمراً خاصاً بالأنظمة".

هاجرت الكاتبة لكن روحها لم تهاجر، كانت تحلم دائماً بالعودة، كانت على يقين بأنّ الخلاص قادم لا محالة. تضاءل اليقين مع مرور الوقت  بعد موت الجد والجدة، ثم تلاشى بعد أن ظهر أنّ السلطة قد انتصرت في  النهاية... ثم وبعد أن تم بيع بيت الجد والجدة بات الوطن بالنسبة للكاتبة شيئاً من الماضي الجميل جداً… والمؤلم أكثر.

لكنّ الهجرة التي نظنها طوق نجاة أو بوابة عبور نحو عالم أفضل لم تكن كذلك، الفارق الوحيد هنا أنك تهرب من الموت المحتّم أو التعذيب المؤكّد نحو موت محتمل... تنجو بحياتك، ربما، لكنك لن تكون بمنأى عن الأذى كما كنت تتخيّل، بل سيكون الأذى مركباً: أذى الناس الذين هاجروا معك وحملوا أمراضهم الاجتماعية وعللهم الأخلاقية، مضافاً إليه أذى الناس الذين هاجرت إليهم. وهذا الأخير عبارة عن مزيج من العنصرية الفارغة والجهل بالآخر حتى تجد نفسك مكروهاً من قبل شخص ما لمجرد أنه كان يظن أنك تنتمي لقارة أخرى، بسبب تشابه اللون أو غطاء الرأس كما حدث مع "مورا"  في مواقف عديدة…

وجدت الكاتبة نفسها تعيش "غربة داخل غربة، من تحتها غربة، ومن فوقها غربة.."، في مجتمعات قد لا ترضى عن الآخر المختلف عنها حتى ولو تخلى عن كامل هويته، مجتمعات لا ترى الآخر أكثر من متسوّل بالرغم من أنها مرّت في تاريخها القريب بفترات من الحروب الأهلية دفعت الكثير من أبنائها للهجرة إلى أقاصي الأرض.

فالعدوان قد لا يأتيك على شكل سلطة غاشمة تسلب منك بقوة السلاح أبسط مقومات العيش في بلدك وتخيّرك بين الرحيل عن الدنيا والرحيل عن الوطن، وقد لا يكون خيار الرحيل ممكناً أصلاً... فالعدوان أيضاً أن يحملك مجتمع مضيف بكل صلف واستعلاء على أن تذوب فيه بسطوة القوة الناعمة والإعلام الذي يفيض كراهية... وهذا هو العدوان الذي تعرّضت له "مورا" في مدريد.

هنا يقصونك وهناك يحاربونك، هنا يهمشونك وهناك يعتقلونك، هنا يحتقرونك وهناك يحرمونك من كل حقوقك في المواطنة والإنسانية.. هنا أنت غريب وهناك أنت أشد غربة.. تقول "مورا".

وحين تكون بعيداً، تصبح رؤيتك لمشاكل مجتمعك أوضح، وتصبح أكثر قدرة على ربط النتائج المحبطة بمقدماتها وأسبابها البعيدة. تقف حائراً أمام ذلك التناقض الغريب في الحياة الاجتماعية السورية، تناقض بين ما يجري داخل البيوت وما يجري خارجها، يكاد يبلغ درجة النفاق أو يزيد. إن كان على مستوى الاهتمام بالنظافة داخل البيت حدّ الإفراط والإهمال خارجه حدّ التفريط بكل أشكال الذوق. أو كان على مستوى التمرّد على السلطة وشتمها داخل الجدران المغلقة ثم الانضباط بكل أوامرها في الخارج...

ويضاف إلى كل ذلك انفصام هويّاتي في مجتمع أخذ من العرب أحطّ ما ذهب بريحهم من أخلاق، وأخذ من الفرنسيين أسفه ما لديهم من قشور، وأدنى ما لديهم من قوانين ومفاهيم...

انفصام طال كل شيء، كاد أن يدمّر كل شي...

وحين تدنو أكثر من الغرب، تصبح أكثر قدرة على استيعاب تلك الحضارة، بكل مزاياها وعيوبها، بنظامها وانضباطها، وبمكامن الخلل القاتلة فيها، حين تدنو تجد أنّ الغربيين مستعمَرون أيضاً بطريقة أو بأخرى، تلاحظ ذلك من أبسط الأشياء، من تسلّل شجرة الميلاد وطقوس احتفالات بابا نويل إلى المجتمع الإسباني لتأخذ مكانها في تقاليد الاحتفالات الدينية الإسبانية، وصولاً إلى استبداد المصارف بالشعوب لمصلحة جهات خفيّة... تقول "مورا".

تبحر الكاتبة بنا في ما يزيد عن 500 صفحة بين الشرق والغرب، من دمشق وحمص إلى غرناطة ومدريد. وبينهما تروي لنا آلاماً عاشتها وعاشها العالم خلال تلك الفترة، وهموماً شغلتها في رحلة طويلة متعبة، استطاعت الكاتبة أن تحوّلها إلى عمل أدبي يتّسم بعمق التحليل واللغة الجميلة وبقدرة مذهلة على السخرية من الألم، وتحويله إلى مادة ترسم البسمة على وجه القارئ...

"مورا في مدريد" ليست مجرد رواية أو سيرة ذاتية، بل هي سيرة شعوب ما تزال إلى اليوم تغادر بلادها المنهكة من داخلها لتدخل أوروبا أفواجاً...  أوروبا التي عليك أن تخلع على أعتابها كل شيء، لتمنحك شيئاً أو شيئين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق