بضاعة ساويرس رُدّت إليه
خليل العناني
يشتكي رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، من مزاحمة الجيش والدولة ومنافستهما القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية في مصر، وهو ما يضرّ بالاستثمارين المحلي والأجنبي، نتيجة عدم تكافؤ الفرص بين الطرفين، حسب رأيه.
لكن بمجرّد أن خرجت شكوى ساويرس هذه إلى العلن، هاجمته الأذرع الإعلامية التي تديرها المخابرات المصرية، مستخدمةً الأصوات والوجوه التي يتم إطلاقها على كلّ من يسير عكس التيار في مصر، ووصل الأمر بأحدهم إلى التحريض عليه، وتقديم بلاغ إلى النائب العام يتّهمه فيه بالإساءة للدولة وجيشها.
اللافت أنّ ساويرس نفسه من أهم داعمي النظام العسكري الذي يحكم مصر منذ ثماني سنوات. ولعب دوراً محورياً في انقلاب الثالث من يوليو (2013) الذي أوصل الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى السلطة.
كما أنه لا يزال يسوّق نظام السيسي خارجياً باعتباره "أهون الشرّين"، وذلك في مواجهة حكم جماعة الإخوان المسلمين التي يكنّ لها ساويرس عداء شديداً.
كما أنه يعد أحد المتآمرين على إسقاط حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، من خلال علاقته المشبوهة بالسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي دفع ملايين الدولارات من أجل التحريض على الثورة المصرية تحت غطاء محاربة "الإخوان".
كذلك، يعد ساويرس أحد الداعمين الرئيسيين لحملة "تمرّد" التي صنعتها المخابرات المصرية بغرض التحريض على جماعة الإخوان، وتمهيد الأرض لانقلاب 3 يوليو، وذلك باعترافه في لقاء له بعد الانقلاب، وكان يتحدّث عن ذلك بفخر.
فجأة تذكّر "عرّاب الانقلاب" أنّ العسكر يسيطرون على الماء والهواء والأرض والسماء في مصر، وأنّ شركات الجيش تستأثر بكلّ شيء في البلاد وتبتلعه
إذاً، نجيب ساويرس هو الابن المدّلل لنظام 3 يوليو، وتتمتع شركاته واستثماراته باستثناءات اقتصادية وامتيازات ضريبية لا يتمتع بها غيره من رجال الأعمال، مكافأة له على دوره في الانقلاب. وجدير بالذكر أنّ هناك من قال إنّ عائلة ساويرس مدينة للشعب المصري بمليارات الجنيهات من أموال الضرائب التي لم يتم دفعها بعد، على الرغم من ثرواتها التي تقدّر بأكثر من 15 مليار دولار. كما أنّ نجيب كان قد هرب من مصر أواخر عام 2012، خوفاً من إجباره على دفع الضرائب المستحقة عليه، والتي وصلت، في بعض الأوقات، إلى أكثر من سبعة مليارات جنيه مصري.
فجأة تذكّر "عرّاب الانقلاب" أنّ العسكر يسيطرون على الماء والهواء والأرض والسماء في مصر، وأنّ شركات الجيش تستأثر بكلّ شيء في البلاد وتبتلعه، من خلال الهيمنة على القطاعات والمجالات الاقتصادية كافة، من دون أن تترك مجالاً لأحد، سواء لمستثمر محلي مثل ساويرس أو آخر أجنبي. لم يقترب ساويرس، ولا يجرؤ أن يفعل، من الإمبراطورية الإعلامية التي تديرها الأجهزة السيادية، ولم يتحدّث، ولا يجرؤ أن يفعل، عن القمع والانسداد السياسي الذي تعيشه مصر منذ ثماني سنوات. ليس فقط لأنّه يعلم جيداً أنّه شريك أصيل في الجرائم السياسية التي ارتكبها العسكر، ولا يزالون، وإنما أيضاً لأنّه يعرف مغبة الاقتراب من هذه المساحة المحرّمة وعواقبه؛ المساحة التي لن تتوقف عند الهجوم الإعلامي أو عتاب السلطات له الذي قد يصل إليه في الخفاء، وإنما قد يدفع ثمنها من ماله وحريته.
يشتكي مستر ساويرس من هيمنة العسكر في مصر على الحياة الاقتصادية، وهو يدرك جيداً أنّ الخطوط الحمراء كثيرة
يعاني ساويرس الآن من غضب النظام عليه، ولن نستغرب إذا تم منعه من السفر قريباً أو التضييق عليه في مشاريعه الاقتصادية، وإذا تطورت الأمور فقد يتم تلفيق تهمة "تمويل الإرهاب" أو "الانتماء لجماعة محظورة" له، ووقتها سيجد نفسه "نزيلاً" مع من انقلب عليهم قبل سنوات، فتلك هي بضاعته التي حتماً ستُرد إليه، آجلاً أو عاجلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق