الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

"النصوص الشرعية القطعية"والمؤسسة الكنسية

"النصوص الشرعية القطعية"والمؤسسة الكنسية

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


نشرت جريدة "اليوم السابع" ، يوم الأحد الموافق 5 / 9 / 2010 ، خبرا يتكون من ثلاث نقاط هى :
* أن الأقباط العاملين فى السعودية يطالبون ببناء كنائس لأن عدم وجودها يجعلهم يعانون من مشاكل روحية
* أن الكنيسة القبطية لديها كنائس فى الكثير من الدول العربية فيما عدا السعودية
* أن بابا الفاتيكان قد جدد طلبه ببناء أول كنيسة فى السعودية ، إلا أن الفقهاء والعلماء السعوديين قد رفضوا ذلك بإعتباره مخالفا للنصوص الشرعية القطعية بشأن بناء الكنائس والمعابد فى جزيرة العرب.

وقبل ان اتناول الموضوع الرئيسى ، وهو المطالبة ببناء كنائس فى السعودية ، أسأل هؤلاء الأقباط الذين يعانون من مشاكل روحية : ما الذى دفعكم للذهاب للعمل فى السعودية وانتم تعلمون يقينا ومسبقا أنها خالية من الكنائس ؟! والإجابة بكل أسف لا تخرج عن أحد أمرين : إما إغراء المال ؛ أو القيام بدور العمالة (الإستخباراتية) المزدوج لصالح المؤسسة الكنسية. 

والإزدواجية هنا تعنى : إما القيام بدور مخلب القط الذى تتذرع به الكنيسة القبطية للوصول الى مآربها ، وإما القيام بدور التجسس لصالح نفس الكنيسة ، أو الإثنين معا.. وكلاهما بكل أسف يمس الكرامة بلا جدال ويمس الولاء للوطن.. كما أن مثل هذا الوضع للعاملين بعقود مؤقتة ، بالسعودية أو بغيرها من البلدان ، يقع تحت مسمى "العمالة السيارة" ، أى العمالة عابرة السبيل وليسوا من المواطنين . و العمالة السيارة لا حقوق دستورية لها على الدولة التى تستضيفها لفترات محدودة ، لأنها عابرة سبيل ، مثلها مثل السياح والزوار ، وعليها الإلتزام التام والإحترام الكامل لقوانين و عادات الدولة التى تعمل بها .

وتنطبق نفس الإجابة تقريبا على النقطة التالية ، بمعنى ان عدم وجود كنائس بالسعودية أمر يعلمه الجميع بما فيهم قادة الكنائس والعاملين بها ، وخاصة الكنيسة القبطية ، التى تعيش بملايينها الثلاثة من الأتباع وسط قرابة ثمانين مليونا من المسلمين، أى ان ذلك ليس بأمر مخفى أو بجديد ، لأنه محرّم شرعا وسارى المفعول منذ أيام الرسول صلوات الله عليه : أن كل أرض المملكة أرض حَرَمْ . وكون بعض الدول العربية قد رضخت للضغوط وسمحت ببناء كنائس رغم ندرة وجود مواطنين مسيحيين بها ، فهذا لا يبرر ولا يجوز ان تقوم السعودية ، ارض الحرمين الشريفين ، بعمل نفس الشئ لكى لا اقول نفس الخطأ ، لأن اى كنيسة اليوم لا تستخدم للعبادة فحسب وإنما تستخدم أساسا لمشاريع التنصير. وهو القرار الذى أصدره مجمع الفاتيكان الثانى باستخدام الكنائس المحلية فى عملية التبشير والتنصير. والعمالة السيارة لا حقوق لها على الدولة التى تعمل بها إلا ما يكفله لها قانون العمل ، فقط لا غير.

ونأتى لبابا الفاتيكان ، بنديكت 16 ، وبناء كنائس فى أرض المملكة السعودية ، أو على حد تعبير البابا الراحل يوحنا بولس الثانى : "رشق أرض المملكة بالكنائس و غرسها بالإناجيل" !! فهذه الفكرة العدوانية الإستفزازية ترجع أيضا الى مجمع الفاتيكان الثانى (1965) وقراره تنصير العالم ، وهو قرار يُعد أحد أسباب البلاء الذى يعترى العالم حاليا : فلا يمكن إقتلاع أى فرد أو أية دولة من دينها وتقف صامتة. وقد أعرب البابا الراحل ، يوحنا بولس الثانى، صراحة عن هذا المطلب فى كتاب : "الجغرافيا السياسية للفاتيكان"(1992) والذى يسير البابا الحالى على خطاه بكل إصرار وتعنت .. إذ نطالع فى ذلك الكتاب أن الهدف المعلن بوضوح لا مواربة فيه هو : فتح الأراضى السعودية على مصراعيها أمام عمليات التنصير وبناء الكنائس ، بل لقد كان هذا هو احد المطالب التى دار النقاش حولها عند زيارة خادم الحرمين المؤسفة للفاتيكان. الأمر الذى نراه مكتوبا بكل وضوح لكى لا أقول بكل وقاحة وجبروت فى الفقرة التالية :
" كيف يمكن قبول إدعاءات السلطات السعودية باعتبار أن مجمل هذه المملكة عبارة عن منطقة مقدسة ـ وليس منطقة الحجاز التى تضم مكة والمدينة فحسب ـ لأن هذا الموقف يؤدى إلى منع المسيحيين من إقامة أى صليب على ذلك "المسجد" الذى تبلغ مساحته 2149690 كيلومترا مربعا" ( صفحة256 ) .. وفى مكان آخر تم اقتراح الإكتفاء بأسوار الحرمين واستباحة كل ما عداها ! .. وعملية الزج بالكنيسة القبطية فى نفس المطالبة الفاتيكانية يعنى أنها محاولة لمزيد من الضغوط على السعودية وإقحام مصر لمساندة طلبها الجائر ، كما يكشف عن طواطؤ دور الكنيسة القبطية مع الفاتيكان فى هذا الموضوع تحديدا. مما يضع ولاء هذه الكنيسة القبطية لمصر وللأغلبية الساحقة المسلمة محل نظر..

أما عن موضوع الكنائس بصفة عامة فهى بدعة من البدع التى تم إدخالها على ما يُعرف بالديانة المسيحية. فالسيد المسيح لا يعرف شيئا عن الكنائس ، و لم يطالب بإقامة كنيسة ، لأنه كان يبشر بإقتراب حدوث "ملكوت السماوات" فى عهده وخلال أيام ، فكيف يفكر فى بناء كنائس للتعبد مستقبلا ؟! وفقا لأقوال السيد المسيح لم يكن هناك أى أمل فى مستقبلٍ ما لإقتراب نهاية العالم فى عهده وفقا لدعوته. ثم ، إن من كان يلوم بطرس ويؤنبه قائلا : "يا قليل الإيمان لماذا شككت ؟" (متى 14 : 31) .. وبعد ذلك بقليل نراه يقول له : "إذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (16 : 23) ، وإذا كانت هذه الإدانة الصارمة صادرة عن السيد المسيح لبطرس كيف يعقل أن نراه يقول له ، يقول لنفس الشخص الذى يشك والذى لا إيمان له : "وأنا اقول لك أيضا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16 : 18) ؟!.. وهذه الجمل او الأرقام مما ثبت أنها من الإضافات التراكمية اللاحقة.

والتناقض ليس واضحا فحسب فى هذا التضارب ، وإنما أيضا فى استخدام نفس كلمة "كنيسة" ، التى تمثل عملية تزوير لغوى لأنها لم تكن معروفة ولا موجودة لغويا أيام السيد المسيح .. فهى مشتقة عن اليونانية ekklesia وتعنى إجتماع أو جمعية ، كما باتت تعنى بعد ذلك مجازا المكان الذى يجتمع فيه الأتباع. ويقال أن أول استخدام لها وفقا لأعمال الرسل كان سنة ستين ميلادية ، ثم قامت المؤسسة الكنسية بإطلاقها على أول إجتماع تم فى أورشليم/القدس بين الحواريين سنة 48 ، برئاسة يعقوب ، شقيق السيد المسيح ، الذى تولى قيادة الحواريين بعد السيد المسيح. وفى هذا الإجتماع الأول الذى انعقد لتدارس ما العمل تم الإعلان عن إلغاء العهد، الممثل فى الختان الذى فرضه الرب وأراده عهدا أبديا ، وإحلال بدعة التعميد بدلا عنه لتسهيل عملية الدخول فى المسيحية أو قبولها، إذ كان الختان يقف عقبة فى وجه الكثير من البالغين .. وتعد هذه البدعة أول تحريف أساسى لأنه يمثل الخروج عن الشرع وتبديله من أجل إدخال مزيد من الأتباع فى المسيحية.. والسيد المسيح لم يطلق اسم "كنيسة كاثوليكية" على الإطلاق وانما أغناسيوس الإنطاقى سنة 112 ، فى رسالته الى مسيحيى مدينة إزمير. ثم تبنى مجمع القسطنطينية سنة 381 هذه التركيبة وأدخلها فى عقيدة الإيمان ، وفرض اللعنة والحرمان على من لا يقبلها أو لا يؤمن بها.

ومما كثر ترديده فى المجال الفاتيكانى أيام زيارة خادم الحرمين للفاتيكان ، أنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين السعودية والفاتيكان .. وهنا لا بد من تحديد أنه لا يجب ولا يجوز ان تكون هناك أية علاقات دبلوماسية بين المملكة السعودية والفاتيكان ، لأن مثل هذه الإتفاقية ستكون الركيزة الرسمية التى سيتعللون بها رسميا لبناء الكنائس ، وهو ما يكتبونه وليس بسرٍ من الأسرار.

إن الإلتزام بنصوصنا الشرعية القطعية لا فصال ولا نقاش فيه ، والإلتزام بها فرض عين على كل مسلم ومسلمة. وقد أمر سيدنا رسول الله باخراج اليهود والمشركين من جزيرة العرب ، ونهى أن يجتمع فيها دينان، وتبعه الصحابى فى ذلك ، لأن الجزيرة العربية هى محل قبلة المسلمين ، ولا يجوز أن ينشأ فيها بيت لعبادة غير الله. بل لقد قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، "لا تحدثوا كنيسة فى الإسلام ولا تجددوا ما ذهب منها". ومن أقواله عليه الصلاة والسلام : "لا تكون قبلتان فى بلد واحد" ؛ "لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب" ؛ "لا خصاء فى الإسلام ولا كنيسة" ؛ "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب" ؛ "لا يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب".. وعن السيدة عائشة ، رضى الله عنها ، قالت : "آخر ما عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، أن لا يترك بجزيرة العرب دينان" .. ولا يسع المجال هنا لأورد كل ما أنزله المولى عز وجل فى القرآن الكريم من آيات تفضح ما تم من تحريف وتبديل ومآخذ فى المسيحية الحالية وفى نصوصها ، وكلها إدانات أثبتها علماء الغرب المسيحى بعد ذلك ، وكثير منهم كنسيون . فهل يعقل أن نخرج عن دين الله وعن تعاليم سيدنا رسول الله من أجل إرضاء بعض القائمين على ديانة هم أول من يعرف أنها عانت الأمرّين من التبديل والتحريف عبر المجامع على مر العصور ؟! بل لقد إعترف الفاتيكان فى مجمعه الثانى (1965) أن الأناجيل ليست منزّلة من عند الله وان من كتبها هم بشر ، وان الإختلافات التى فيها و بينها هى "من قبيل التعددية فى التعبير" !

والأمر ليس مرفوعا لخادم الحرمين الشريفين فحسب وإنما لكافة القيادات الإسلامية وأصحاب القرار فى العالم الإسلامى والعربى لوضع شطحات هذه المؤسسات الإستفزازية التنصيرية فى المكان الذى يجب ان توضع فيه و تلتزم به .. وعلى كل هذه القيادات الإسلامية بكل مستوياتها أن تدرك بوضوح : ما هو المنتظر منها ، من جانب الفاتيكان وقساوسته ؛ وما هو المنتظر منها ، من كافة المسلمين ، دفاعا عن النصوص الشرعية القطعية ..

والمقارنة بين الكفتين ، خيانة الإسلام والخضوع للمطالب الكنسية ، أو الدفاع عن الإسلام والحفاظ عليه ، مقارنة لا يجب بل ولا يجوز أن توجد أصلا ..

13 / 9 / 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق