الجمعة، 14 أكتوبر 2022

صحيفة "لوموند" الفرنسية :تدهور الجنيه يفاقم الأزمة الغذائية في مصر

صحيفة "لوموند" الفرنسية :تدهور الجنيه يفاقم الأزمة الغذائية في مصر

„Le Monde“: Der Verfall des Pfunds verschärft die Ernährungskrise in Ägypten





تقرير إعداد رئيس التحرير
سمير يوسف

يعيش المواطن المصري منذ منتصف 2013 في معاناة مزمنة، لارتفاع أسعار السلع الغذائية، وعلى رأسها رغيف العيش والأرز والسكر وزيت الطعام واللحوم والدواجن وبيض المائدة وغاز البوتاغاز، وكذلك بسبب ارتفاع أسعار الخدمات العامة، الكهرباء ومياه الشرب والغاز الطبيعي إلى وقود السيارات والمواصلات العامة.

ومؤخراً، تحولت المعاناة المزمنة إلى حادة، وأصبح وجود طبق من الأرز والبيض على مائدة الغداء حلم كثير من الأسر، أما اللحم والدجاج فدرب من الخيال.

تراجع سعر الجنيه المصري يفاقم النقص في السلع الأساسية والمواد الغذائية، كما يؤدي ارتفاع التضخم إلى ارتفاع فواتير الوقود والغذاء، ويزيد من عبء الدين الخارجي للبلاد”.. هكذا خلص تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية، محذرا من تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر.

ولفتت الصحيفة إلى أن الهزة، التي تضرب الجنيه المصري من جديد بعد 6 سنوات من تخفيض قيمة العملة للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، جاءت جراء تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، التي تبرز نقاط ضعف الاقتصاد المصري الناشئ، والذي تقوض بالفعل بسبب موجة التضخم في أعقاب جائحة (كوفيد-19) وهروب الاستثمار الأجنبي.

وأضافت “لوموند” أن القاهرة تعاني من نقص في الدولار؛ الأمر الذي يضغط على الجنيه المصري، ويؤدي إلى تباطؤ حاد في الواردات التي تعتمد عليها بشكل كبير دولة يبلغ عدد سكانها 104 ملايين نسمة.

وتشهد العملة المحلية انخفاضا بطيئا منذ نهاية مارس/آذار 2022، وقرار البنك المركزي المصري بإنهاء نظام سعر الصرف الثابت.

ويقدر الخبراء أن الجنيه المصري خسر منذ بداية عام 2022، ما بين 20% إلى 25% من قيمته مقابل الدولار.

ونقلت “لوموند” عن مراقب أجنبي قوله: “حركة انخفاض الجنيه المصري نتجت عن ضغوط السيولة في مصر؛ حيث تدفق أكثر من 20 مليار دولار من استثمارات المحفظة إلى خارج البلاد”.

ومع تضاؤل ​​احتياطيات النقد الأجنبي، فرضت السلطات في القاهرة قيودا على وصول الدولار لواردات القطاع الخاص في مارس/آذار؛ مما أدى إلى حدوث نقص.

وارتفعت فواتير الغذاء والوقود مع اقتراب التضخم من أعلى مستوى له في 4 سنوات، وتسارع التضخم السنوي الأساسي.

وزاد التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 15% في سبتمبر/أيلول، مقابل 14.6% في أغسطس/آب.

ومضت “لوموند” إلى التوضيح أن القوى النفطية الخليجية تتدخل لإنقاذ مصر؛ حيث حصلت القاهرة على تعهدات بأكثر من 22 مليار دولار من الودائع والاستثمارات من حلفائها العرب في المنطقة.

وأشار المراقب الأجنبي إلى أن “الوعود الخليجية بطيئة التحقيق؛ لأنهم يريدون شراء أصول في مصر، وهذا يستغرق وقتا”.

وكانت مصادر كشفت أن مصر طلبت من كل من السعودية وقطر والإمارات والكويت الدفع بودائع دولارية تقدر بنحو 2.5 مليار دولار، هذا بخلاف مسار المفاوضات الجارية بشأن الاستحواذات الاستثمارية من جانب الصناديق الخليجية على عدد من الشركات المصرية، إلا أنها تلقت ردودا سلبية.

وقال وزير المالية المصري “محمد معيط” إن التمويل المحتمل من اليابان والصين مطروح أيضا على الطاولة.

ووفق تصريحات سابقة لوزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية “هالة السعيد”، تعتزم الحكومة المصرية جمع نحو 6 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي من بيع حصص في شركات مملوكة للدولة.

كما تستهدف مصر استثمارات أجنبية بقيمة 10 مليارات دولار خلال العام المقبل، في خطة تقوم على جذب عدد من الصناديق السيادية العربية، في الإمارات والسعودية وقطر والبحرين، وجهات أخرى، حسب “السعيد”.

لكن الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة تحظى تاريخيا بسمعة سيئة في مصر؛ وذلك نظرا لارتباط هذه العملية بالفساد الذي وصم برنامج الخصخصة الوطني في تسعينات القرن الماضي.

ويتطلب البرنامج الأكثر طموحا، تنفيذ إصلاحات هيكلية للحد من مكانة الشركات العامة والعسكرية في الاقتصاد المصري، وفقا لـ”لومند”.

ويشير المراقب الأجنبي إلى أن “الصادرات أصبحت أكثر قدرة على المنافسة بسبب الميزات النسبية في أسعار الصرف، لكن القاعدة الصناعية ما تزال ضعيفة”.

وتستمر الواردات في استنزاف عملات مصر، وزادت فاتورة الواردات بين يوليو/تموز 2021 ومارس/آذار 2022 إلى 66 مليار دولار بسبب ارتفاع التضخم العالمي.

وبذلك ارتفع إجمالي الديْن الخارجي بمقدار 19.9 مليار دولار ليصل إلى 157.8 مليار دولار في مارس/آذار 2022؛ مما يجعل مصر واحدة من أكثر الدول المثقلة بالديون في العالم العربي.

لكن البنك المركزي الأوروبي يؤكد أن وضع البلاد الخارجي ما يزال ضمن حدودٍ “يمكن إدارتها”.

ومع ذلك، والحديث للصحيفة الفرنسية، فالدولة المصرية بحاجة إلى أن تتحقق الاستثمارات الخليجية، وتوقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، وزيادة عائدات السياحة والغاز وقناة السويس.

وقدرت الحكومة المصرية أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي يمكن أن تكتمل في غضون شهر أو شهرين.

كما يقدر المحللون أن المبلغ قد يتراوح بين 3 مليارات و5 مليارات دولار من الصندوق.

ونقلت “لوموند” عن  الخبير الاقتصادي “إسحاق ديوان” قوله إن هذا سيجبر مصر على ممارسة قدر كبير من التقشف المالي لتعديل ميزان المدفوعات؛ لأن الإشارة المرسلة إلى المستثمرين الأجانب لن تكون كافية.

وفي يوليو/تموز الماضي، قال المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إن “الحكومة المصرية بحاجة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات، لتعزيز تطوير القطاع الخاص وتحسين الحوكمة وتقليص دور الدولة”.

وأضاف المجلس، في بيان بعد اجتماعه لتقييم برنامج القرض الأخير لمصر، أن القاهرة “بحاجة إلى إحراز تقدم حاسم بشأن إصلاحات مالية وهيكلية أعمق؛ لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد وجعله أكثر مرونة في مواجهة الصدمات”.

وفي محاولة لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر، أعلنت مصر في أغسطس/آب عن خطة لخصخصة الشركات المملوكة للدولة، بالإضافة إلى خطة -ما تزال الخطوط العريضة لها غير واضحة- لزيادة الصادرات على مدى 5 سنوات.

ويقول “ديوان”: “نحن بحاجة إلى الخروج بشكل أكبر من هذا الاستيلاء على الاقتصاد من قبل الدولة والجيش، من جو السيطرة وانعدام الثقة في القطاع الخاص الذي لا يشجع على تطوير بيئة الأعمال”.

ولطالما ظل الجيش أساس نظام الحكم في مصر منذ الانقلاب على الملكية عام 1952، إلا أن مصالحه التجارية توسعت بعد توقيع اتفاق “كامب ديفيد” للسلام مع إسرائيل عام 1979، حيث أعيد تعريف دوره.

ويقول محللون إن مصر تحولت في عهد الرئيس “عبدالفتاح السيسي” من دولة بوليسية إلى دولة يسيطر عليها الجيش، مشيرين إلى أن الرئيس السابق “حسني مبارك” (أطيح به عبر ثورة 2011) أحاط نفسه بعد وصوله إلى السلطة بمستشارين عسكريين قبل أن يبدأ بالتقرب من قطاع رجال الأعمال، ويقوم بلبرلة الاقتصاد، وهو ما لم يقم به الرئيس الحالي.

وتشير تقارير غربية إلى أن الجيش المصري يسيطر على قرابة 60% من حجم الاقتصاد، خاصة مع إسناد مشروعات وصفقات حكومية إليه بالأمر المباشر، وتنفيذ مشروعات صناعية وسياحية من اختصاص وزارات أخرى.

ووصلت مخالب الجيش إلى كل قطاعات الحياة المصرية من الصيد والطعام والمشروبات والفولاذ والطاقة والإسمنت، ولم ينج حتى الإعلام فقد سيطرت كيانات تابعة له على صحف وشبكات تلفزيونية وشركات إنتاج.

ولا تزال القطاعات التي تخضع لسيطرة الجيش آخذة في التزايد، بما في ذلك العقارات والمياه المعدنية والأجهزة المنزلية ومحطات البنزين واللوحات الإعلانية وإنشاء الطرق ومصانع الإسمنت والأدوية والمنتجعات والمدارس الدولية، وغيرها.

ويتمتع الجيش المصري بامتيازات هائلة؛ فهو لا يدفع ضرائب على الدخل والمبيعات والواردات من المواد الأولية والمنتجات والمعدات والخدمات، كذلك يستفيد من دعم الطاقة، وإعفاءات لنحو 600 عقار من الضرائب المفروضة على الممتلكات، وعمالة زهيدة عبر تشغيل المجندين الذين يؤدون الخدمة الإلزامية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق