ما العلاقة بين مراد بك وبين والسيسي
محمد إلهامي
بينما أقرأ في تاريخ الجبرتي، إذ وجدتني أمام ترجمة مراد بك، آخر حاكم مملوكي لمصر قبل الحملة الفرنسية، وكان يحكم مصر بالشراكة مع إبراهيم بك.
ولأنني في زمن السيسي عدو الله فقد صارت القراءة في أي مجال نوعا من التعذيب، وقد ذكرتُ ذلك من قبل أكثر من مرة، حتى صار ذلك وسوسة مُلحّة على الذهن!
ما العلاقة بين مراد بك وبين عدو الله هذا؟!
في الواقع فإن الجبرتي كان من نِعَم الله على هذه الأمة، وهو مثال للمؤرخ الذي يحفظ الله به حقائق التاريخ،
ولولاه لكان تصورنا عن هذا العصر مشوها، كيف لا، وهو أخطر مرحلة في تاريخنا المصري والإسلامي،
فقد شهد الجبرتي وأرّخ لآخر عصر المماليك والعثمانيين، وعصر الحملة الفرنسية، وعصر الطاغية الجبار محمد علي باشا.
أي أن الجبرتي اختزن لنا آخر صورة من صور الحكم في تاريخنا الإسلامي، وصوَّر لنا لحظة انتقالنا إلى الحداثة، وإلى الدولة العلمانية المركزية العسكرية التي لا زلنا تحت سطوتها حتى يوم الناس هذا.
هذا المؤرخ الفذ،
الذي ظهر كأنه فلتة في مسار المؤرخين، فليس قبله ولا بعده مثله، كان ساخطا على مراد بك سخطا حقيقيا!
ولما ترجم له وصف ما كان فيه من البطش والظلم والفجور، ومن أكل أموال الناس ونهبها، ومن فرض الضرائب والمكوس، ومن الاحتجاب عن الناس، وبناء القصور الفاخرة، وشحن الجيش وجمع السلاح (مع أنه لا يستخدمه ولا يُعرف لماذا يفعل هذا)، ومن ترك الأمور إلى شلته وأتباعه ومحاسيبه حتى كان الناس معه في رهق وظلم وفتنة!
وهو مع ذلك جبان مغرور صاحب دعوى وادعاء، ولم يدخل حربا إلا وهزِم فيها وهرب منها، وهو حين يعطي مالا أو يحجبه فإنه لا يفعل ذلك بشكل مفهوم، ولا له في ذلك سياسة واضحة،
حتى تمثل فيه بقول الشاعر:
وإنها خطرات من وساوسه .. يُعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما
حتى قال الجبرتي عند موته:
«كان من أعظم الأسباب في خراب الإقليم المصري.. فلعلّ الهمّ يزول بزواله»!
في كثير من مواطن الترجمة تشعر أنك أمام نسخة قديمة من عدو الله السيسي،
الظلم في الأموال والترف في بناء القصور واتخاذ المراكب والخيول وجمع الثروة، شراء الأسلحة التي لا يُفهم لماذا يشتريها ويهلك فيها كل هذه الأموال،
فرض الضرائب، تجنيده كل الطاقة للعمل في عاصمته الإدارية… إلخ!
وبينما يسرح العقل في تأمل التشابه بينهما، تتفاجأ بأن لدى مراد بك من الصفات الحسنة، مع كل هذه الجرائم والمظالم، ما ليس لدى السيسي، فلن تقرأ أن مراد بك أخذ في هدم المساجد، بل إنه عمَّر مسجد عمرو بن العاص من بعد ما تخرب!
صحيحٌ أن الجبرتي لم يغفر له أن ثمن هذه العمارة كانت من المال المغصوب من الرعية،
ولكن يجب أن تتذكر عزيزي مؤرخ عصر السيسي أن عدو الله هذا أخذ أموال الناس فجدد بها مقابر اليهود وأعاد بها بناء الكنس اليهودية!!
وكان مراد بك كريما لمن استطاع الوصول إليه، فكان يعطيه ما في يده، ولكن عدو الله هذا لا يعطي أبدا.. بل يأخذ،
وإنك لترى في حواراته كيف أنه يصدّ ويهاجم من يطلب منه زيادة الرواتب أو حتى تأجيل بعض الضرائب حتى يستفيق الناس، ويصيح به «أنت دارس الكلام ده؟!»
وكان مراد بك، كما يقول الجبرتي، «يحب العلماء ويتأدب معهم وينصت لكلامهم ويقبل شفاعتهم ويميل بطبعه إلى الإسلام والمسلمين»..
بينما عدو الله هذا ليس أبغض إليه من العلماء، حتى المناسبة البروتوكولية الوحيدة التي يحضرها في جمع العلماء يخطب فيها عن ضرورة تجديد الخطاب الديني والتخلص من نصوص جرى العمل بها لمئات السنين، ويظن أنها نصوص تطالب المسلمين بإبادة البشرية!!
انفشاخ شدقيه بين النصارى والقساوسة
بينما ترى انبساطه وضحكه وانفشاخ شدقيه إلى أقصاهما وهو بين النصارى والقساوسة ليلة عيدهم، فيشرع هنالك يتكلم عن الحب والمودة والحقوق.. ولم يظفر أحد في هذه البلد بسماحته كما ظفرت الكنيسة، فلقد قنَّن لهم كل الكنائس التي بنوها بالمخالفة لقانونه هو، وهي بالمئات، في ذات الوقت الذي هدم فيه المساجد!
هل تعلم عزيزي القارئ أن الطريق الواحد الذي كان يُهدم المسجد لأجله، هو نفسه الطريق الذي ينحرف ويعوج إذا مرَّ على كنيسة؟!!
كذلك كان مراد بك «يحب معاشرة الندما والفصحا، وأهل الذوق والمتكلمين، ويشاركهم ويباسطهم ولا يمل من مجالستهم»
يرى نفسه طبيب الفلاسفة
بينما عدو الله السيسي لا يفهم في علم ولا تعرف له جلسة مع الفصحاء أو الفلاسفة أو المفكرين..
بل يرى نفسه طبيب الفلاسفة، ويحسب أن الفلاسفة يستمعون إليه متولهين متأملين مندهشين!! مع أن مستواه يفضحه!
فهو إذا قرأ لا يجيد القراءة، وإذا تكلم لا يقيم العبارة، بل هو مثال في التلعثم والتخبط.. فضلا عن فقر معجمي مثير للشفقة!
ولئن كان مراد بك يدخل الحروب ثم يهرب منها لكونه جبانا أو متهورا، فإن عدو الله هذا لا يفكر في دخولها من الأساس، ولو تهدد شريان حياة البلد، وهو النيل..
بل يظل يخطب فيك عن عدم التفريط في مياه النيل، ثم لا يفعل شيئا.. ولما تكررت صفعات الأحباش له، قال للمصريين «بطلوا هري»!!
وهكذا عزيزي القارئ المنكوب.. ترى أن أسوأ حكام الليل في آخر عصورهم وأشدها تخلفا، كان عظيما إذا قورن بعدو الله هذا!!
بل كأن عدو الله هذا انتقى بعناية ودقة مساوئ الرجل ومخازيه، ثم ترك ما له من الحسنات والمكرمات عمدا وقصدا!
فأي عذاب هذا الذي نحياه في عصر عدو الله، فليس من ناحية تتوجه إليها حتى ترى فيها ما تبكي عليه من الحسرة! حتى ليصدق فينا قول القائل:
دعوتُ على عمرو، فمات، فسرني .. بليت بأقوامٍ، بكيت على عمرو
ثم ينبعث لك جاهل صفيق، يريد أن يسب السيسي فيصف عصره بأنه كعصر المماليك!!.. حاشا لعصر المماليك أن يتشابه معهم عصر العملاء المخنثين هذا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق