ما وراء إباحة الاحتفال بعيد إله الشَّمس.. أو الكريسماس؟!
د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
أكاديميعبد المح
لم تتوقَّف ردود المخلصين من علماء المسلمين على بدعة إباحة تهنئة المسيحيين بما يسمَّى عيد الكريسماس في 25 ديسمبر من عام، اليوم المزعوم لميلاد المسيح يسوع النَّاصري، برغم عدم ثبوت صحَّة مولد المسيح في ذلك اليوم، وبرغم احتفال الكنيسة به في فترة متأخِّرة نسبيًّا، وتحديدًا في القرن الرَّابع للميلاد، أي بعد ‘‘صلْب’’ المسيح، وفق العقيدة المسيحيَّة، بأكثر من 300 عام. ويستعرض هذا المقال الحجَّة الَّتي استند إليها المفتون بجواز تهنئة المسيحيين بعيدهم والاحتفال به، إلى جانب إيضاح الأصول الوثنيَّة لذلك الاحتفال، الَّذي هو في الأصل احتفال بعيد إله الشَّمس، أو إله النُّور، في العقائد القديمة، هذا بالإضافة إلى الوقوف عند محاولة نشْر عبادة الشَّيطان بزعم عبادة إله النُّور.
هل تصحُّ حجَّة المفتين بإباحة الاحتفال بالكريسماس؟
أثارت دار الإفتاء المصريَّة جدلًا واسعًا، بإباحتها الاحتفال بالكريسماس في ديسمبر 2022م، واستندت فتوى دار الإفتاء المصريَّة بإباحة ذلك الاحتفال إلى قول نبيِّنا مُحمَّد (ﷺ) ” أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بابْنِ مَرْيَمَ، وَالأنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ، ليسَ بَيْنِي وبيْنَهُ نَبِيٌّ”، كما ورد في صحيح البخاري (3442). وجاء في نصِّ تلك الفتوى “إنَّ المسلمين يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلِّهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، ويفرحون بأيَّام ولادتهم، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشريَّة ونورًا ورحمة، فإنَّها من أكبر نِعم الله تعالى على البشر”.
هذا، وقد أرسل أحمد الطَّيِّب، شيخ الأزهر، تهنئة لآباء شتَّى الكنائس في العالم بعيد الكريسماس جاء فيها: ” أهنِّئ إخوتي وأصدقائي الأعزاء البابا فرنسيس، والبابا تواضروس، ورئيس أساقفة كانتربري د. جاستن ويلبي، وبطريرك القسطنطينيَّة برثلماوس الأوَّل، وقادة الكنائس، والإخوة المسيحيين في الشَّرق والغرب بأعياد الميلاد، وأدعو الله أن يعلو صوت الأخوَّة والسَّلام، ويسود الأمان والاستقرار في كل مكان”.
وردًّا على منتقدي تهنئة المسيحيين بذلك العيد، والمعيبين على شيخ الأزهر تقديم تلك التَّهنئة، برغم معرفته التَّامَّة بتعارُض عقيدة المسيحيَّة مع صحيح الإسلام، نشَر مرصد الأزهر بيانًا، جاء في نصِّه: “تجاوَز هؤلاء الأمر إلى حد الاستدلال بأقوال مكذوبة على العلماء وتفسيرات متشدِّدة لنصوص الشَّريعة أو فتاوى قديمة كان لها سياقها ومناسباتها التاريخية، وبرز هذا التَّجاوز في حقِّ كل من يفتي أو يتبنَّى القول بجواز تهنئة الأخوة المسيحيين بأعيادهم، وهو ما لاحظناه جليَّا في التعليقات المصاحبة لتهنئة فضيلة الإمام الأكبر للأخوة المسيحيين في الشَّرق والغرب”. وكان أحمد الطَّيِّب قد صرَّح في ديسمبر 2020م، وفقًا لما نشَرَته صحيفة صوت الأزهر المتحدِّثة باسم مشيخة الأزهر، بأنَّ القول بتحريم الاحتفال بالكريسماس من التَّطرُّف، حيث قال: “وكلُّ ادعاء يُحرِّم أصحابه تهنئة المسيحيين في أعيادهم، وينهى عن أكْل طعامهم، ومصافحتهم، ومواساتهم، وغير ذلك، هي أقوال متطرِّفة لا يعرفها الإسلام”.
ومن الملفت للانتباه أنَّ محمد العيسى، رئيس هيئة علماء المسلمين بالمملكة العربيَّة السَّعوديَّة ورئيس رابطة العالم الإسلامي المعروف عنه موالاته لليهود والنَّصارى والمؤيِّد لتطبيع العلاقات بين بلاد الحرمين ودولة الاحتلال الإسرائيلي، قد تبنَّى موقف أحمد الطَّيِّب، بإفتائه بجواز تهنئة أهل الكتاب في أعيادهم. فقد قال العيسى، خلال استضافته في برنامج الآفاق الَّذي تبثُّه قناة MBC السَّعوديَّة، إنَّ تهنئة المسيحيين بالكريسماس لا تعني القبول بعقيدتهم، مشيرًا إلى عدم وجود نصٍّ شرعي يحرِّم تقديم التَّهنئة في ذلك العيد. وزعَم رئيس هيئة علماء المسلمين بأنَّ النَّبيَّ (ﷺ) تعايَش مع أهل الكتاب في المدينة المنوَّرة، وقد كانت لهم أعيادهم الَّتي لم يحتفل بها، لكنَّه (ﷺ) لم ينهَ عن تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم.
ورأى العيسى أنَّ العصر الحالي يتطلَّب ذوبان الفروقات بين الشُّعوب، وتشجيع التَّعايش السَّلمي، معتبرًا أنَّ في ذلك ما يخدم سمعة الإسلام، واستند في ذلك إلى قاعدة شرعيَّة تقول “لا تلغي مصلحة متيقَّنة إلَّا مفسدة متيقَّنة”. لا ينتبه رئيس هيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين إلى قول الله تعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [سورة آل عمران: 19]، الَّذي ينفي الاعتراف الإلهي بأيِّ دين غير الإسلام، الَّذي يعتبر الإيمان بألوهيَّة المسيح كفرًا بواحًا، مصداقًا لقوله تعالى ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبُّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [سورة المائدة: 72].
هل الكريسماس صورة مسيحيَّة للاحتفال بإله الشَّمس؟
تتبَّع الدُّكتور منقذ السَّقَّار، الدَّاعية الإسلامي والباحث في مجال مقارنة الأديان، في مقطع عبر قناته على موقع يوتيوب عنوانه ” 25 ديسمبر عيد ميلاد من؟ الشمس أم المسيح؟”، أصل الاحتفال بعيد الكريسماس، موضحًا أنَّه إعادة تقديم للاحتفال بعيد إله الشَّمس في العديد من العقائد الوثنيَّة القديمة. يشير السَّقَّار إلى أنَّ الاحتفال بيوم 25 ديسمبر بدأ في القرن الرَّابع للميلاد، موضحًا أنَّ الكنيسة الغربيَّة لم تستقر على يوم ميلاد المسيح إلَّا عام 354م. فكما ينقل ول ديورانت في كتابه الموسوعي قصَّة الحضارة (1935-1975م)، ذكَر كليمنت السَّكندري، وهو عالم لاهوتي عاش في القرن الثَّاني للميلاد، أنَّ بعض المؤرَّخين قد قال إنَّ المسيح وُلد في 9 أبريل، وآخرون قالوا إنَّه وُلد في 10 مايو، بينما اعتبر غيرهم أنَّ مولده كان في 17 نوفمبر في العام الثَّالث قبل الميلاد (جـ11، صـ213). وكان الأمم السَّابقة تعتبر يوم 25 ديسمبر يوم مولد الشَّمس من جديد، وقد أشار جيمس فريزر في كتابه الغصن الذَّهبي (1890م) إلى أنَّ الكنيسة اتَّخذت من ذلك اليوم احتفالًا بمولد المسيح “ليحلَّ محلَّ احتفال وثني قديم بمولد الشَّمس الَّتي اعتقد النَّاس أنَّها تولد من جديد في أقصر يوم من أيَّام السَّنة” (صـ171).
وقد أورد ياروسلاف تشرني في كتاب الدِّيانة المصريَّة القديمة (1952م) أنَّ احتفال المصريين بيوم 25 ديسمبر باعتباره يوم ميلاد المسيح “قد حفَظ العيد الشَّمسي القديم ‘‘مولد رع’’”، ورع هو إله الشَّمس عند المصريين القدماء (صـ206)، وهو ما يقرُّ به الرَّاهب كاراس المحرقي في كتابه عيد الميلاد، حيث يقول عن الكريسماس “هو تخليد لعيد الشَّمس القديم للاحتفال بميلاد ‘‘رع’’، إله الشَّمس” (صـ30). ويضيف كاراس المحرقي أنَّ الرُّومان اتَّخذوا من ذلك اليوم عيدًا لإله الشَّمس الَّذي لا يُقهر سول انفكتوس (Sol Invictus)، كما اتَّخذ الفُرس قديمًا اليوم ذاته للاحتفال بميلاد ميثرا، إله النُّور عندهم، الَّذي انتقل إلى الزَّرادشتيَّة لاحقًا، مستنتجًا أنَّ “عيد ميلاد الشَّمس شرقيُ الأصل، فهو جزء من عبادة الإله ‘‘ميثرا’’، وهي ديانة وثنيَّة ذات طقوس سرِّيَّة…مركزها عبادة الشَّمس” (صـ28). وقد أورد الأب صبحي حموي اليسوعي في كتابه معجم الإيمان المسيحي (1998م) أنَّ دائرة المعارف الكاثوليكيَّة تشير إلى أنَّ الآباء الأوائل للكنيسة لم يعرفوا ذلك الاحتفال، مشيرًا إلى ما أورده ألكسندر هيسلوب في كتابه Babylon Mystery Religion (1966م)، أو ديانة بابل السِّرِّيَّة، عن أنَّ الاحتفال بالكريسماس حلَّ محلَّ الاحتفال بعيد الإله سول انفكتوس. يُضاف إلى ذلك أنَّ توماس دوان قد أشار في كتابه Biblical Myths and their Parallels in Other Religions (1882م)، أو أساطير الكتاب المقدَّس وما يماثلها في الدِّيانات الأخرى، إلى أنَّ يوم 25 ديسمبر هو ذاته يوم الاحتفال بعيد ميلاد الإله الوثني بوذا.
ويتسند الدُّكتور منقذ السَّقَّار في عدم إمكانيَّة ميلاد المسيح في الشِّتاء إلى نصٍّ كتابي يصف مشهد ولادة مريم العذراء لابنها، يقول “فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ. وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ»” (إنجيل لوقا: إصحاح 2، آيات 7-12). ويرى السَّقَّار صعوبة خروج مريم ورعاة الغنم، كما يصف المشهد، إلى المراعي في فصل الشِّتاء، وهذا ما يرجِّح أنَّ المسيح في الصَّيف. والمفارقة أنَّ الرَّاهب كاراس المحرقي يعترف في كتابه عيد الميلاد بصعوبة مولد المسيح في الشِّتاء في ضوء ذلك النَّصِّ، حيث يقول “وحوادث الميلاد تؤكِّد أنَّ المسيح لم يولد في الشِّتاء، لأنَّ الكتاب المقدَّس قد ذكَر أنَّ الملاك عندما بشَّر الرُّعاة، كانوا ساهرين يحرسون حراسات الليل على رعيَّتهم، ولا يُعقل أنَّهم في الشِّتاء القارص يسهرون في العراء” (صـ26). وفي ذلك ما يتوافق مع الإشارة القرآنيَّة في قول الله تعالى ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [سورة مريم: 25]، فالتَّمر لا يثمر إلَّا في الصَّيف.
هل انتقلت عقيدة عبادة الشَّمس إلى ملَّة أهل الكتاب؟
رأت الكاتبة الأمريكيَّة دوروثي ميلني مردوخ، المشهورة باسمها المستعار آتشاريا إس، في كتابها The Christ Conspiracy: The Greatest Story Ever Sold (1999م)، أو مؤامرة المسيح: أعظم قصَّة راجت على الإطلاق، أنَّ الديانة المسيحيَّة قامت على أساس “الاحتيال والخداع والإجبار”، معتبرةُ أنَّها ديانة ” astrotheological-فلكيَّة لاهوتيَّة” بُنيت على الاعتقاد القديم في “العلاقات المتبادلة بين الأجرام السَّماويَّة والأرض”، وأنَّ مؤسِّسها، أي يسوع النَّاصري، مجرَّد أسطورة (ص107). وكما ورد في كتاب ليسوؤوا وُجُوهَكُمْ: القبَّالة في ميزان القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة (2019م)، الَّذي تناوَل بالتَّفصيل كيفيَّة تأثُّر ملَّة أهل الكتاب بعقيدة عبادة الشَّمس عند الأمم الوثنيَّة القديمة، (صـ137-138):
استغلَّت الكاتبة التطابق الصوتي في نُطق كلمتي ابن بالإنجليزيَّة (son) وشمس باللغة ذاتها (sun) في استعراض مفهومها عن تصوير يسوع المسيح باعتباره رمزًا لقرص الشَّمس، في فصل عنونته The Son of God is the Sun of God، أي ابن الرَّب هو شمس الرَّب. ترى آتشاريا إس أنَّ الشَّمس ترمز منذ القِدم إلى الألوهيَّة، وهي الكائن الأقدر على الإطلاق على منح الرُّوح. وتعتبر الزَّرادشتيَّة الغنوصيَّة الشَّمس Archimagus، أو الكاهن الأكبر، الَّذي يفرض سيطرته على الكون، ويحصل على قوَّته من النُّور الَّذي يستمدُّه من عرش الإله، أهورامزدا؛ مما يعني أنَّ الشَّمس ليست الإله الخالق ذاته، إنَّما هي معاونه الأساسي، وممثِّله في تدبير شؤون الكون؛ لتقل هي بمثابة الوسيط بين الإله وخَلْقه.
ويزخر الكتاب المقدَّس بالآيات الَّتي تصف الإله بإله النُّور، منها:
العهد القديم
“يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ، وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ” (مزمور 72: آية 17).
“لأنَّ الرب الله، شمس ومجن.” (مزمور 84: آية 11).
“مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمُ الرَّبِّ مُسَبَّحٌ” (مزمور 113: آية 3).
“«قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ.” (سفر اشعياء: إصحاح 60، آية 1).
العهد الجديد
ورَد في كافَّة الأناجيل أنَّ السَّماء أظلمت وقت موت يسوع، وأنَّ الشَّمس أشرقت وقت قيامته.
“وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟” (إنجيل متَّى: إصحاح 27، آيتان 45-46).
وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ… وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ. فَقَالَ لَهُنَّ: «لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَ ذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ” (إنجيل مرقس: إصحاح 16، آيات 1-6).
ما علاقة إباحة الاحتفال بالكريسماس بالإبراهيميَّة والدِّين العالمي الجديد؟
يُخصِّص كتاب ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ النِّظام العالمي الجديد بعد الحرب العالميَّة الثَّالثة: التَّوطئة لدولة الدَّجَّال في مواجهة البعث الإسلامي (2022م) فصلًا كاملًا تحت عنوان الدِّين العالمي الجديد: التَّرويج لعبادة الشَّيطان تحت مسمَّى “الإبراهيميَّة”، يتناول الحيلة الخبيثة لنشْر عبادة الشَّيطان تحت ستار عبادة إله النُّور. يُعلى الكتاب المقدَّس من قدر إبليس، أو لوسيفر (Lucifer)، أي حامل الضَّوء، الَّذي هدى آدم وزوجه إلى شجرة معرفة الخير والشَّرِّ؛ فصارا ينافسان الإله في العلم والفطنة؛ ولذلك أخرجهما من الجنَّة كيلا ينافساه في الخلود بالأكل من شجرة الحياة، كما ورد في: “وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: هُوَ ذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ” (سفر التكوين: الإصحاح 3، الآيات 22-24).
وقد تكرَّر وصْف الإله في الكتاب المقدَّس بهيئة مضيئة، ولكن ناريَّة وليست نورانيَّة، كما جاء في العهد القديم في: “رَفَعْتُ وَنَظَرْتُ فَإِذَا بِرَجُل لاَبِسٍ كَتَّانًا، وَحَقْوَاهُ مُتَنَطِّقَانِ بِذَهَبِ أُوفَازَ. وَجِسْمُهُ كَالزَّبَرْجَدِ، وَوَجْهُهُ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ، وَعَيْنَاهُ كَمِصْبَاحَيْ نَارٍ، وَذِرَاعَاهُ وَرِجْلاَهُ كَعَيْنِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ” (سفر دانيال: إصحاح 10، آيتان 5-6)؛ وفي: “صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ ابْنِ بُوزِي فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَكَانَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ يَدُ الرَّبِّ. فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ جَاءَتْ مِنَ الشِّمَالِ. سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَوْلَهَا لَمَعَانٌ، وَمِنْ وَسْطِهَا كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ مِنْ وَسْطِ النَّارِ” (سفر حزقيال: إصحاح 1، آيتان 3-4). أمَّا في العهد الجديد، فقد جاء ذلك في: “ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِّلاَ هُوَ. وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ»” (رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 19، آيات 11-13). وتتَّفق هذه الهيئة النَّاريَّة مع الهيئة الَّتي خُلق عليها الجان، ومنهم إبليس الَّذي رفَض السُّجود لآدم لأنَّه من خلْق أفضل من خلْقه، مصداقًا لقول الله تعالى ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [سورة الشَّعراء: 75-76].
ويبرِّر حبر الماسونيَّة، ألبرت بايك في Morals and Dogma (1871م)، أو الأخلاق والعقيدة، عبادة لوسيفر في الماسونيَّة، حيث يصفه بأنَّه “الكائن الأسمى” (Supreme Being)، ومصدر الهداية. في حين تعتبر كونستانس كامبي في كتابها A Planned Deception: The Staging of a New Age “Messiah” (1985م)، أو خداع مدبَّر: إعداد السَّاحة لـ “مخلّص” العهد الجديد (صـــ246)، عدم وجود علاقة بين لوسيفر والشَّيطان؛ إذ رأت أنَّ لوسيفر هو “كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِير”، متّخذًا الوصف الَّذي عرَّف به يسوع نفسه في العهد الجديد “أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ” (سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 2، آية 16). نقلًا عن كتاب ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ النِّظام العالمي الجديد بعد الحرب العالميَّة الثَّالثة: التَّوطئة لدولة الدَّجَّال في مواجهة البعث الإسلامي (2022م)، يوضح المنظِّر الماسوني كينيث مكنزي أسباب عبادة الشَّيطان، بوصفه إله النُّور في الماسونيَّة (جـ2، صـ148):
يعتبر كينيث مكنزي في كتابه The Royal Masonic Cyclopaedia (1877م)، أو الموسوعة الماسونيَّة الملكيَّة، الماسونيين “أبناء النُّور”، ويجد أنَّ خصومهم هم “أبناء الظَّلام”؛ لأنَّ الماسونيين يدينون بدين العقل والحكمة، وليس دين الفرائض والعبادات والقيود الشَّرعيَّة (صــ682). يخلع مكنزي على الشَّيطان مُسمّى أطلقه يسوع على نفسه، وهو “نُورُ الْعَالَمِ”، وقد عرَّف يسوع نفسه بذلك في أحد الأناجيل القانونيَّة: “كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ»” (إنجيل يوحنَّا: إصحاح 8، آية 12). هذا، ويعتقد الماسونيون وأبناء العهد الجديد والمتنوّرون، من أتباع “حامل النُّور” المخادع، إبليس، أنَّ إلههم سيقضي في النّهاية على إله النُّور الحقيقي، وهو يسوع؛ ليسود العالم ويُحكم سيطرتهم على رقاب البشر أجمعين!
ونتساءل:
ما مدلول إباحة الاحتفال بعيد ميلاد المسيح، المأخوذ باعتراف علماء اللاهوت عن عبادة الشَّمس في الدِّيانات الوثنيَّة القديمة؟
وهل من علاقة لذلك بنشر بدعة الإبراهيميَّة، الدِّيانة الهجينة الَّتي يُخطَّط لفرْضها في إطار توحيد العقائد البشريَّة في دين عالمي جديد تروِّج له منظَّمة الأمم المتَّحدة؟
وهل يكون مبدأ التَّعايش السِّلمي مبرِّر إباحة المحرَّمات ونشْر الضَّلالات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق