«لا مجال لليأس»: حوار مع د. محمد حامد الأحمري
«أيام بين شيكاغو وباريس»، «نبت الأرض وابن السماء: الحرية والفن عند علي عزت بيجوفيتش»، «مسؤولية المثقف»، «مذكرات قارئ»، «ملامح المستقبل»، «الديموقراطية: الجذور وإشكالات التطبيق».. هي عناوين لبعض مؤلفات د. محمد حامد الأحمري، التي عشنا في أجوائها وعوالمها الثرية أثناء التحضير لهذا الحوار… بين تعدد الاهتمامات الثقافية، وتنوع حقول المساهمات المعرفية والأنشطة المؤسسية، وخلال مسيرة حافلة امتدت من مدينة أبها في المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة الدراسات العليا والحصول على درجة الماجستير، ثم إلى لندن للحصول على درجة الدكتوراه، ثم مرة أخرى إلى الولايات المتحدة التي شغل بها منصب رئيس «التجمع الإسلامي في أميركا الشمالية»، وأخيرًا إلى الدوحة التي يشغل بها حاليًا منصب مدير «منتدى العلاقات العربية والدولية»؛ نجد أنفسنا أمام سيرة ثرية ومثيرة للأسئلة والفضول الثقافي، وهي الأسئلة التي تعكس جوانب من التجربة الشخصية لضيفنا، وهمومه التي هي بالتبع هموم العالمين العربي والإسلامي، وتعكس أيضا تحديات الراهن ودروس الماضي القريب.
وفيما يلي نص الحوار:
(س)- هل ترون ثمة ضوء يلوح في آخر ذلك النفق المظلم لمجتمعاتنا العربية المأزومة سياسيًا واقتصاديًا، بعد هذا العقد المنصرم الذي شهد انهيارًا مدويًا للأحلام والآمال العريضة بالديمقراطية والإصلاح السياسي في منطقتنا العربية؟
(ج)- الحياة مستمرة وشعوبنا حية وشابة وتموج بالنشاط والأفكار وتحدياتها كبيرة ولا مجال لليأس، أما اليائسون فهم موجودون بعد وقبل كل الأحداث المهمة، ولكن علينا بعث الهمم وتجديد الأفكار وبعث النشاط، والتغييرات الكبيرة قادمة، أحب من أحب وكره من كره. وإذا استمر الإصرار فلا سبيل للهزيمة، فقد ثار الروس عام ١٩٠٥ ثم فشلت الثورة ولكنها قامت مجددًا عام ١٩١٧، وثار الشعب على الشاه بقيادة مصدق في إيران عام ١٩٥٣، ثم استطاعت بريطانيا وأمريكا تدمير خيار الشعب ولكنه انتقم من الهزيمة وثار واستعاد بلاده من العملاء بثورة ١٩٧٩، ربما لم يكن الثوار جاهزون للانتصار وضيعوا مكاسبهم بسرعة، ولكن الجولات القادمة سيفهمونها بشكل أفضل، وسيعرفون كيف يحافظون على مكاسبهم.
(س)- من وجهة نظركم د. الأحمري، ما هي أبرز الأخطاء السياسية التي ارتكبتها الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى سدة الحكم عقب ثورات الربيع العربي في كل من مصر وتونس والمغرب؟
(ج)- لا أظن أن الأحزاب الإسلامية قد وصلت إلى سدة الحكم في أعقاب الثورات العربية بل هي توهمت أنها قد وصلت، وبقي القرار الخارجي نافذًا عبر وكلائه ممن يسمون بالحكومات العميقة ولا أسميها الدولة العميقة. أما الإشكالية الأكبر فهي أنهم لم يكونوا عارفين بطرق إدارة الحكم حتى يشاركوا فيه وكانوا يقدمون الطيبين والموثوقين ولا يعرفون الأكفاء من أنفسهم حتى يقدموهم، ثم أضاع التنافس غير الشريف بينهم فرصهم -لو جاءت- وهُم في النهاية نِتاج معارضة لنظم فاسدة، فأصابتهم أمراض حكوماتهم، مثل تقديم الأقارب والولاء والمال والواسطة. وظهرت فيهم هذه العيوب الموروثة عن خصومهم، رغم أنهم لم يحكموا فعلا.
(س)- بحكم تجربتكم وإقامتكم الطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعملكم السابق كرئيس للتجمع الإسلامي في أمريكا الشمالية، كيف ترون مستقبل الإسلام والأقليات المسلمة في الغرب، في ظل الصعود السياسي لأحزاب اليمين الجديد الشعبوي، وتنامي خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين؟
(ج)- العالم المسيحي عالم شديد الكراهية للمخالفين دينيا وتلك حقيقة حضارية شواهدها في البلقان وعموم شرق أوروبا وإسبانيا، وقد تحدث عن هذه الحقيقة أساتذة غربيون مرموقون عن بلادهم وأنهم لا يقبلون التنوع، وتحدث رحالة مسيحيون عجبوا من التنوع في العالم الإسلامي ومن بقاء النصارى واليهود في بلداننا قرونًا عديدة سكانًا محترمين لهم حضورهم، وأحيانا تولوا وزارات وكان لهم نفوذ كبير، وقد هرب بعض النصارى واليهود من الغرب إلى العالم الإسلامي، وهذا سجله كثير من مؤرخيهم حتى المتعصبين، والحديث يدور هذه الأيام عن المسلمين في الغرب عمومًا والمقولات الذائعة أنهم أصبحوا جزءا من العالم الغربي وهذه حقيقة ففي أوروبا حيث يوجد حوالي ثلاثين مليونا وفي بعض الدول نسبتهم تزيد عن ثمانية في المائة، وأقول لو بقي الغرب متنوعًا وديموقراطيًا، وظل للعلمانية والليبرالية مكان في تلك المجتمعات فقد يأمن المسلمون على أنفسهم، ولكن كلما زادت المواجهات مع العالم الإسلامي وزادت أزمات الغرب فسيكون المسلمون ضحية الخلاف الداخلي والأزمات الخارجية. ولا ننس أن أحد المفكرين المسلمين حذر من أن تتكرر المذابح أو الهولوكوست في أوربا مشيرا إلى أن الضحايا قد يكونون هذه المرّة مُسلمين.
(س)- بحسب عدد كبير من الإحصاءات والتقارير المؤكدة، ثمة ظاهرة في الولايات المتحدة، ألا وهي انتشار الإسلام داخل السجون الأمريكية. بحكم خبرتكم الحياتية والمعيشية في الولايات المتحدة ونشاطكم المؤسسي الأسبق المتصل بمثل هذه القضايا، نود أن نعرف منكم د. الأحمري رأيكم الخاص عن أسباب هذه الظاهرة الدينية والاجتماعية اللافتة ودلالتها؟
(ج)- ظاهرة الإقبال على الإسلام في الغرب كبيرة وفي أمريكا خاصة بين الأقليات كالسود بالدرجة الأولى ثم المساجين من أصول إسبانية، ومن الأسباب صفاء وقت السجين فعنده وقت زائد وحرية معدومة أو كما يقولون سعة في الزمان وضيق في المكان، ويجد مسلمين معه مضطهدين عندهم أخلاق ودين ومروءة وبلا انحرافات فيجذبونه إليهم، والوقت الواسع والقراءة والنقاش دفعت الكثيرين إلى الإيمان بالإسلام، إضافة إلى أن بعضهم ينبه بعضا بأن أصل أجدادكم من المسلمين، وعامل آخر وهو أن قيادات السجون من الشرطة وغيرهم لاحظوا أن السجين إذا أسلم تحسنت أخلاقه وقلل من الخلاف مع قيادة السجن، فسبب ذلك طلبات مستمرة من إدارة السجون للجاليات الإسلامية أن ترسل دعاة إلى السجون للمساهمة في تخفيف الأزمات التي تواجهها إدارات السجون مع المساجين.. هذه بعض العوامل.
(س)- تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس والضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة حالة من التوتر الشديد للغاية، وتصاعد غير مسبوق لعنف القوات الأمنية الإسرائيلية والمستوطنين الموجهة ضد المدنيين الفلسطينيين. في هذا السياق، نود أن نسألكم دكتور عن رؤيتكم لمستقبل القضية الفلسطينية؟ وعن موقفكم من مناداة البعض بحل “الدولة الواحدة” ومواجهة الكيان الصهيوني من منطلق أنه دولة فصل عنصري “أبارتهايد” كما يطرح بعض المثقفين والسياسيين الفلسطينيين؟
(ج)- بحكم آثار دراسة التاريخ عليّ فلا أظن أن هناك مستقبلا بعيدا للوجود الصهيوني على أرض فلسطين، فليس لديهم أي عمق لا عرقي ولا لغوي ولا قبلي ولا ديني في هذه الأرض. وهم كيان اختار أن يكون معاديا بإقدامه على مذابح دموية وتطهير عرقي وعلى نسق أسوأ من النمط الاستعماري بعد انقضاء زمن الاستعمار. وهم جزيرة صغيرة معادية في بحر من العرب والمسلمين، فكلنا نعرف أن النصارى الصليبيين وتلك تسميتهم لأنفسهم، الأوربيين الذين سماهم المسلمون وقتها بالفرنجة لأن أغلبهم كانوا فرنسيين بقوا قرنين من الزمان ثم هربوا أو أسلم عدد منهم أو هرب للصحاري؛ فكيف الآن بعدد قليل قهر المسلمين بسلاح المسلمين فأنى له أن يبقى، أما حل دولتين فلن يقبل به الغزاة إلا بالقوة، ولا بحل الدولة الواحدة إلا بالقوة، فاليهود أسسوا لعلاقة دموية لا يقبلون إلا بها، والفلسطينيون حاصرهم عدوهم وأملى عليهم هذا الخيار في التعامل. وهم قد جاءوا بالسلاح ولا يقبلون إلا به وسيلة للتعامل، ويوم يضعفون فإن خصمهم سيعطيهم ما أعطوه.