بين الهزّة … والهزيمة !!!
أذكر أنني كتبت مقالاً يوم 13 مايو الماضي بعنوان: "لا تهزم الجيش بالسياسة يا برهان" دعوت فيه لاستدعاء الاحتياطي وإعلان التعبئة العامة. وكان هذا لخوفي من التفاوض مع مغول حميدتي .
وكتبت مقالاً قبله قلت فيه: إن تطاول الحرب وعدم الحسم السريع سيستدعي التدخل الدولي.. قلت هذا وقتها وأنا أدّعي - بكل ثقة- معرفة بالسياسة الدولية.
وهذا ما حدث الآن بصورة مخيفة.
استدعى ما سبق أعلاه تصريحات نائب البرهان بالأمس والتي قال فيها ما يُفهم أنهم يوسطون دولة ليرضى حميدتي بالجلوس للتفاوض مع البرهان!!
وقال: إن البرهان حريص على إنهاء هذه الحرب بالتفاوض!!
وإذا أحسنّا الظن، فإن الذي فات على البرهان ونائبه أن الذي يجري ليس حرباً بين دولتين، أو حرباً بين دولة وإقليم يطالب بحقه في تقرير المصير، وإنما هي حرب مفروضة، فرضتها قوة من الجيش تمردت عليه.. ومثل هذه لا تفاوض فيها أي دولة.
ودونكم ما قامت به الحكومة المصرية مع تمرد وحدة عسكرية عام 1983، وما قام به أبي أحمد إزاء تمرد التقراي، وما فعله دبي الصغير مع المتمردين الذين قتلوا أباه، وما فعلته روسيا مع الشيشان، والأمثلة تترى.
والأخطر أن تلك المجموعة المتمردة استعانت علينا بأجانب مرتزقة من روسيا ودول غرب أفريقيا، ولم تستهدف الجيش ومرافقه العسكرية، بل استهدفت كل مرافق الدولة، ومرافق الخدمات بما في ذلك الصحية.
والمرافق الصحية لا تستهدفها الجيوش في كل حروب العالم.
اقترفت تلك المليشيا المتمردة كل المحظورات.
ثم إنها مليشيا عميلة لدول تحرضها وتمولها وتُشوّنها ضدنا.
انتهكت القوة المتمردة كل النظم الحقوقية الدولية، ولم يدنها الوسطاء، بل حاولوا إدانة الجيش بما لم يفعله.
فهل هؤلاء وسطاء يتحلون بالنزاهة لنأتمنهم؟؟
وحتى ڤولكر القذر حاول أمس الأول التغطية على جرائم الدعم السريع في الجنينة، رغم كونها جرائم ضد الإنسانية ومجازر.
وسبق أن كتبت عن خطورة ما يسميه الغربيون التدخل الإنساني وحذرت منه، لكن قيادتنا قبلت به بكل أسف.
كان الفيتناميون يفاوضون أميركا في باريس، لكنهم لم يقبلوا هدنة واحدة وكان شعارهم: ( Fight & Talk قاتل وفاوض) هذا مع انتفاء المقارنة أصلاً بين حالتنا وحالتهم.
فلماذا نقبل بالهُدَن المتكررة؟؟.
اتفهم بالطبع هدنة يراها الجيش في مصلحته لاعتبارات تكتيكات الحرب.
أعلم وتعلمون أن من أخطر ضروب التفاوض هو التفاوض السري الذي تكون مرجعيته شخص واحد لا يستشير ذوي الخبرة والتجربة رغم أن في الحمى عدد الكواكب من مُشير.
ولو أن تلك المرجعية كانت شخصاً قابلاً للضغط والابتزاز فتلك هي الكارثة.
وهذا ما لا أتمناه.
وهناك مسألة انعدام أوراق الضغط والمساومة Bargaining Chips .
واسمحوا لي أن أعيد التماسي للقيادة أن تعلن التعبئة وأ ن تفعّل عمل الاحتياطي الذي استدعته ولم تستوعبه في الميدان. فالجماهير تطالب بسرعة الحسم العنيف لهؤلاء المغول.
أرجو أن لا يُفهم من مقالي هذا أنني أنتقص من تضحيات عظام لرجال عظام في جيشنا . بل إنني سعيد بتلاحم شعبي تاريخي مع الجيش الذي سنظل له ظهيراً وسنداً وعضداً إن شاء الله تعالى .
من ثم فلا ضير من انتقاد القيادة نقداً بناءً حتى أثناء المعركة . فقد فعل سيدنا عمر مع سيدنا خالد ما هو أكثر من ذلك ، حين عزله أثناء قيادته لجند المسلمين في معركة اليرموك ، فاحسنوا بنا الظن .
ولتخفيف عبء المسؤولية على القائد العام ، وحتى لا نلقي كل تبعات هذه الحرب على رجل واحد ، وتوسيع دائرة الاستشارة ، أقترح أن يُشكل #الجيش ( مجلس عسكري ) يكون مسؤولاً عن إدارة الحرب ، بل وإدارة البلاد ، إقتداءً بالنموذج المصري بعد سقوط حسني مبارك . وأن يستعين هذا المجلس العسكري بمستشارين في مناحي الحياة كافة .
ولكن كفانا ما عانيناه من انتهاك العروض.
وليكن شعارنا: (لا تفاوض مع المغول منتهكي العروض).
والمغول الآن يتمددون ويسيطرون على الجنينة، ويخططون لمهاجمة الأبيض، وهاجموا زالنجي والرهد، فمفاوضتهم تعطيهم اعترافاً ومشروعية.
وفي ضوء تمددهم فالتفاوض معهم يغريهم بالمزيد..
والوساطة غير النزيهة تحضهم على ذلك.
وأرى في انتشار الجيش الفرنسي على حدودنا مع تشاد نذيراً بتوسع رقعة الحرب . وأرجح أن لديهم معلومات استدعت منهم هذا الإجراء ، مما يستوجب مزيداً من التحوطات .
والحال كذلك ما ينبغي أن نواصل فتح باب التفاوض مع المغول ، فهذا باب الهزيمة . هزيمة للجيش ، وخذلان لشعبٍ يحب جيشه ، وهذا حب لا يشترى بالذهبِ .
ويوجب التحوط أن نحذر ممن يناصر المغول من إطاري قحت ، فقد ثبت أن هؤلاء لا يهمهم ضياع الوطن .
وللعراقيين موّال يقول :
اللي مضيع دهب في سوق الدهب يلقاه
واللي مضيع حبيب إمكن سنة وينساه
بس اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه .
ومع التعقيدات التي طرأت في تطورات الحرب ، فلا مناص من تضافر عاملى القوة والذكاء ، فالدولة تقام بالسلاح والقوة ، وتحفظ وتُستدام بالعلم والعقل .
دار حوار بين صديق صحفي وسياسي من دول الجوار ، سوداني الهوى، حريص على استقرار السودان..
دار ذلك الحوار بعد أكثر من شهر من اندلاع الحرب الجنجويدية - القحتية في الخرطوم. وقتها كتب بعض من كبار الضباط المعاشيين أنّ ثمة خلل في إدارة المعركة.
كان رأي السياسي المجاور أنّه لابد للسودان كي ينتصر من إزاحة البرهان من القيادة!!
رد عليه صديقنا: أنه لو سلمنا بضرورة إزاحة #البرهان فهذا ليس الوقت المناسب؛ لأن إزاحته في أتون المعركة سيُحدث هزّة.
رد عليه السياسي المجاور : إذاً اختاروا بين الهزة والهزيمة!!
ولتفادي تحقق هذه النبوءة المتشائمة رأيت أهمية تشكيل المجلس العسكري .
والحال كما ذكرنا، فهل نحن بين خياري الهزّة والهزيمة؟؟
الله يكضّب الشينة.
ياسر أبّشر
14 يونيو 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق