ما الحل؟ سؤال بات يتردد على ألسنة المصريين كل ساعة، وليس كل يوم!
وقبل الحديث عن الحل (إذا كان هناك حل) تعالوا نستعرض بعضا من صور البؤس، والتحلل، والوهَن، والهوان، والاستبداد، والاستغفال، التي كست وجه مصر خلال عشر سنوات، هي عمر انقلاب العسكر على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، الدكتور محمد مرسي رحمه الله.. ذلك الانقلاب المشؤوم الذي ستحل ذكراه الكئيبة، بعد أيام معدودات..
من هذه الصور:
- شرخ مجتمعي هائل بدأ باختطاف الرئيس الشرعي المنتخب، ثم زاد بارتكاب الجيش والشرطة عدة مجازر راح ضحيتها الآلاف من المعتصمين السلميين الذين خرجوا للمطالبة باحترام الدستور المستفتى عليه من الشعب، وعودة الشرعية (الحرس الجمهوري، المنصة، رابعة العدوية، النهضة، رمسيس، ومجازر أخرى متفرقة في الأقاليم)، وبلغ هذا الشرخ مداه بتقسيم الشعب المصري إلى شعبين، على لسان المطرب "المكارثي" علي الحجار: "احنا شعب، وانتو شعب.. لينا رب.. وليكو رب"، ولم يكن لمثل هذا الخطاب "الشوفيني" أن يصل إلى آذان الناس إلا بتصريح مباشر من سلطة الانقلاب!
- نحو 100 ألف معتقل يعيشون في ظروف احتجاز غير آدمية؛ لا زيارات، لا أدوية، لا رعاية صحية، لا تريض. لا.. لا.. هذا بخلاف التعذيب، الذي أفضى في حالات كثيرة إلى الموت (السياسي البارز الدكتور عصام العريان مثالا)!
- ملاحقون بالآلاف داخل مصر، وآلاف آخرون منفيون خارجها..
- مجلس نوَّاب تمت هندسته بمعرفة الأجهزة الأمنية، وخيرا فعلوا أن غيروا اسمه إلى "مجلس النواب" بدلا من "مجلس الشعب"؛ فهو مجلس لا يمثل الشعب، وإنما "ينوب" عمن هندسوه، في تمرير كل ما لا يرضى عنه الشعب!
- تم التلاعب بدستور الانقلاب الذي قامت بخياطته لجنة الخمسين في 2014 على مقاس الفيلد مارشال ياسر جلال، صاحب "الزحفة الأرضية الأولى"؛ كي يظل جاثما على صدور المصريين، حتى سنة 2030 وما بعدها، إذا بقي على قيد الحياة، حتى لو باتت مصر كلها ملكا للدائنين!
- جيش يرفض التنازل عن أي جزء من إمبراطوريته الاقتصادية لصالح الدولة التي منحته الأرض بلا مقابل، ووفرت له البنية التحتية المطلوبة، وأعفته من ضرائب الاستيراد والتصدير، وجلبت له عمالة شبه مجانية من المجندين إجباريا.. أما سبب رفض التنازل فقد أعلنه (دون خجل) أحد قادة الجيش، في تصريح متلفز: "دا عرق الجيش، ولا يمكن نسيبه لحد"!
هل هذا قائد عسكري؟ هل لدى هذا الشخص مثقال ذرة من "وطنية"، تلك "الصفة" التي جرّد العسكر كل من يخالفهم الرأي منها؟ هل هذا معنى شعار "تحيا مصر" الذي بات عنوانا لهذه الحقبة حالكة السواد؟
- صناديق سيادية تنشأ بقرارات (لا مؤاخذة) جمهورية، كل يوم؛ لتنضم إلى صناديق أخرى تجاوز عددها الستة آلاف صندوق، تخدم فئات معينة في دولاب الدولة، ولا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات..
- كل أصول الدولة باتت تابعة لعدد من هذه الصناديق السيادية؛ حتى يسهل التصرف فيها بعيدا عن أعين الشعب، وبغطاء "قانوني" يعفي المُبدِّدين من المساءلة مستقبلا، كان آخرها مرفق قناة السويس، والشركات التابعة له..
- عاصمة إدارية جديدة، حصينة، مسوَّرة، مغلقة، تُدار بنظام المعسكرات، وتخضع إداريا للأجهزة الأمنية!
- قصور رئاسية، وفِلل، ومبانٍ رئاسية لا يعلم أحد عددها!
- أسطول طائرات رئاسية جديدة، بلغ ثمن إحداها (ملكة السماء) نصف مليار دولار..
- قطار "منوريل" يسير على أعمدة خرسانية في الصحراء! ومن المعلوم أن فكرة المنوريل نشأت (في الأساس) للتغلب على الكثافة المرورية في المدن!
- أمن قومي لم يعد موجودا، ولا أقول بات مهددا:
فجزيرتا تيران وصنافير ذهبتا إلى السعودية، مقابل رشوة ذهبت لحساب الجنرال المنقلب، وأصبح خليج العقبة ممرا دوليا، وليس ممرا مصريا مغلقا، كما كان الحال..
وأمست إثيوبيا هي المتحكم الرئيس في مياه النيل (شريان حياة المصريين) بموجب اتفاقية 2015 التي وقَّعها هذا المنقلب، في غفلة من الشعب المصري، وعلى خلاف الدستور..
تم تهجير أهالي شرق سيناء قسريا، وتسوية بيوتهم ومزارعهم بالأرض، وبات هذا القطاع السيناوي مُهيَّأ لاستقبال "آخرين" غير مصريين!
حدودنا الشرقية أصبحت مستباحة (حرفيا) من قِبَل الكيان الصهيوني، حتى باتت مهمة حرس الحدود المصري تأمين الكيان الصهيوني، وليس تأمين الحدود المصرية!
- تنازل الفيلد مارشال ياسر جلال عن جزء كبير من حصة مصر في غاز شرق المتوسط لصالح الكيان الصهيوني، كما تنازل عن مساحات شاسعة من المياه الاقتصادية المصرية لصالح قبرص واليونان، نكاية في تركيا..
- تحقيقات وتقارير عديدة تحدثت عن فشل كثير من المشاريع التي طنطنت لها أبواق الانقلاب، ليس أولها "تفريعة قناة السويس" أو "قناة السويس الجديدة" كما سماها طبيب الفلاسفة، وليس آخرها "مدينة دمياط للأثاث"! فمِن هذه المشاريع ما توقف تماما، ومنها ما يعمل بأقل من طاقته، ويحقق خسائر فادحة، ومنها ما تم عرضه للبيع (مؤخرا) قبل الانتهاء منه!
- خدمات منهارة.. تعليم، صحة، مرافق..
- خدمات موجهة "أمنيا".. فن، ثقافة، إعلام..
- موارد "معلنة" لم تعد كافية لتأمين حاجات الشعب اليومية..
- موارد "غير معلنة" أكبر من ميزانية الدولة، وبعيدة عن تصرف وزارة المالية، باعتراف وزير المالية نفسه..
- ديون تتراكم مع عجز شبه تام عن السداد..
- تم تجريف الحياة السياسية المصرية؛ فلا أحزاب سياسية، ولا صحف معارضة، مئات المواقع الإخبارية محجوبة عن المواطن المصري، تنفيذا لأمر الفيلد مارشال ياسر جلال: "متسمعوش كلام حد غيري.. اسمعوا كلامي أنا بس"!
- عسكرة الوظائف المدنية؛ إذ أصبح اختيار الموظفين المدنيين العموميين لا يتم إلا عبر مقابلة "شخصية" مع الفيلد مارشال ياسر جلال، في مقر الكلية الحربية، وحضور عدد من القيادات العليا في القوات المسلحة! وعلى المقبولين (في أي وظيفة) الالتحاق بدورة تدريبية مدتها ستة أشهر، في الكلية الحربية!
- ونتيجة كل ذلك وغيره، بات كل شيء في مصر معروضا للبيع!
"المعارضة" في الداخل والخارج!
خيرا فعل "المشتغلون" بالسياسة، على اختلاف أطيافهم ومرجعياتهم، أن سمّوا أنفسهم "معارضة"، ومحوا من قواميسهم (تدريجيا) مفردتي "الثورة" و"الثوار"، واقتصر استعمالهما في ذكرى انتفاضة 25 يناير 2011 التي لا يزال البعض يسميها "ثورة"، بعد كل ما رشح واتضح وعُرف من ظروفها وملابساتها، وبات واضحا لكل ذي عقل، أنها لم تكن "ثورة"، وإنما كانت "انتفاضة" صادقة من جانب الشعب، و"انقلابا أبيض" من جانب العسكر على مبارك.
هذه "المعارضة" على قسمين:
القسم الأول: جماعة 30 يونيو، ذلك الفريق الذي قلب له الجنرال المنقلب ظهر المجن، بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي (رحمه الله) في 2013، فلم ينل ما كان يطمح إليه، وخرج صفر اليدين، أو بالتعبير الشعبي "طلع من المولد بلا حمص"، فتحول إلى معارضة! منهم من هو في داخل مصر، ومنهم من هو خارجها..
القسم الثاني: جماعة الإخوان المسلمين والطيف "الإسلامي" عدا حزب النور الذي ينتمي لفريق 30 يونيو.. وهؤلاء معارضون ابتداءً، منذ أزمتهم مع "نظام العسكر" التي استمرت بين مد وجزر، منذ عام 1954 وحتى يوم الناس هذا..
عشر سنوات حالكة السواد، مخضبة بالدماء، مرت على انقلاب وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي، بقوة السلاح، واختطافه، ومحاكمته، ثم قتله "عمدا"، في قاعة (لا مؤاخذة) المحكمة!
ذلك الانقلاب الذي لم يعد يخفى على أحد أنه تلقى دعما ماليا سخيا من دول الخليج (عدا قَطر وعُمان) لا سيما من السعودية ودولة الإمارات، وتلقى دعما سياسيا غير محدود من الكيان الصهيوني، وتلقى ضوءا أخضر من الولايات المتحدة، ممثلة في وزير دفاعها، وسفيرتها في القاهرة (آنذاك) آن باترسون..
عشر سنوات وهذه "المعارضة" تجري في المكان، تبذل مجهودا غير مؤثر، وغير ذي جدوى.. لقاءات على الغداء، والعشاء، والإفطار، تسمع فيها ضجيجا، ولا ترى بعدها طحينا.. كلام.. كلام.. كلام مُعاد ومُكرر.. بيانات إدانة تصدر بين الحين والآخر.. انقسامات وانشقاقات.. تحولات لبعض الشخصيات من النقيض إلى النقيض.. إعلام معارض يقتات على كوارث النظام، وسقطاته، وما أكثرها.. لا خطة لديه لإعادة بناء إنسان مؤمن، سليم العقيدة لا يخشى إلا الله، إنسان مثقف صاحب رأي نقدي، إنسان فاعل في محيطه! إعلام لا يقدم شيئا للأطفال والمراهقين!
بعبارة أخرى.. لا وجود لرؤية، أي لا وجود لخطة؛ لأن الخطة وليدة الرؤية، ومن ثم فلا تغيير "إيجابي" في المستقبل المنظور أو القريب.. أما المستقبل البعيد، فله أهله، ولن يكون هذا الجيل البائس من أهله، بطبيعة الحال..
التغيير الإيجابي
ما يمكنني قوله للجيل القادم، في شأن التغيير الإيجابي هو..
التغيير نوعان!
الأول: أن يزول الحاكم المستبد، ويأتي آخر أقل أو أكثر استبداداً، وهذا يحدث في أي وقت؛ بموت المستبد، أو برحيله بأمر من المحتل الأجنبي الذي هو صاحب القرار الأول في البلاد، وذلك باللجوء إلى الانقلاب الناعم أو الخشن، أو الاغتيال إذا رفض المستبد تنفيذ أمر سيده الذي جاء به إلى السلطة..
الثاني: أن يأتي حاكم بإرادة الشعب، ويكمل مدته الدستورية، ويرحل بالصندوق، وهذا هو التغيير الإيجابي المنشود، ومظاهر هذا التغيير سبعة هي:
(1) ابتعاد الجيش كليا عن السياسة.
(2) تعاون مؤسسات الدولة كافة مع الرئيس المنتخب، بكل تفانٍ وإخلاص.
(3) قدرة الشعب على حماية الشرعية التي منحها للرئيس المنتخب، من أي تهديد.
(4) قبول جميع الفرقاء بالرئيس الجديد، وعدم تلكؤهم في مد يد العون له، إذا ما طلب منهم العون.
(5) عدم سعي المعارضة لإفشال الرئيس المنتخب، بأي صورة من الصور، والقيام بدورها الرقابي والنقدي بكل مسؤولية، وليس على طريقة "كيد النسا".
(6) تظهر السلطة المنتخبة الاحترام للمعارضة والأقليات..
(7) اختيار الرئيس لمؤهلاته وكفاءته وأهليته وحسب، بشهادة مجموعة من الخبراء العدول، في مختلف المجالات، وليس تحت تأثير الحملات الدعائية التي تعتمد (للأسف) على المبالغة، والتضليل، والكذب، وتشويه المنافسين.. (لدي اقتراح في هذا الشأن، سأنشره حال الانتهاء منه، إن شاء الله).
أما وجود هذه المظاهر الخمسة في حياتنا السياسية، فينشأ عن عنصرين يجب أن يتوفرا أولا:
- الوعي.. ويتحقق بإنتاج المحتوى الهادف، والقراءات المتنوعة النافعة.
- الأخلاق.. وتولد من رحم صحيح الدين؛ إذ أن الدين هو المصدر الأول والأكمل للأخلاق.
فلا تغيير إيجابيا في غياب الوعي والأخلاق! عدا ذلك، فلينعم المستبدون بطول البقاء، ولتتجرع الشعوب كؤوس الشقاء!
twitter.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
ألا لعنة الله على السويد ومن لم ينكر عليها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق