الأربعاء، 21 يونيو 2023

نشيد الجزائر كُتب بالدم في السجن ويتوعد فرنسا

 نشيد الجزائر كُتب بالدم في السجن ويتوعد فرنسا 

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

أول صحفى فى النمسا منذ سنة 1970 عمل فى الصحافة وعمره 18 سنة فى جريدة الجمهورية والمساء وحريتى ثم الجرائد الألمانية دير إشبيجل وفى النمسا جريدة الإخو تسليتومج لمدة عشرون عاما وفى سنة 1991 اصدر اول صحيفة باللغة العربية والألمانية وهى جريدة الوطن لمدة 11 سنة ، عمل مراسل جريدة الجمهورية والمساء فى النمسا لمدة 31 سنة.

The first journalist in Austria since 1970. He worked in the press at the age of 18 in Al-Jumhuriya newspaper, Al-Masa’a, and My Freedom, then in the German newspapers Der Spiegel. In Austria, the newspaper “The Brother Tsletomeg” for twenty years. In 1991, he published the first newspaper in Arabic and German, Al-Watan newspaper, for 11 years. He worked as a newspaper reporter Republic and evening in Austria for 31 years.

نشيد الجزائر كُتب في السجن ويتوعد فرنسا

هذا المقال هدية إلى الأستاذة بادية شقاط الجزائرية رئيسة منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع الجزائر

النشيد الجزائري هو النشيد الوحيد في العالم الذي تم تأليفه داخل السجن و لازال الى اليوم يتوعد بالانتقام من فرنسا على الجرائم التي ارتكبتها با الجزائر.

الاحتلال الفرنسي للجزائر يعد واحداً من أطول الاحتلالات وأكثرها بشاعة في التاريخ الحديث، وخلال أكثر من 132 عاماً (منذ العام 1830 حتى العام 1962) قدم أبناء الجزائر أرواحهم فداءً لتحرير وطنهم، الذي صار اسمه الجديد “بلد المليون شهيد”.

أصدر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، السبت، مرسوما رئاسيا أعاد بموجبه مقطعا محذوفا من النشيد الوطني، يتضمن إشارة إلى فرنسا، وذلك بعد إلغائه بقرار عام 1986، وحذفه من المقررات الدراسية عام 2007.

ويذكر النشيد الجزائري في مقطعه الثالث فرنسا، بعبارات تعتبرها أطراف فرنسية حاملة لنبرة العداء والتهديد، وسبق أن طالبت بسحبها في القرن الماضي.

ويقول المقطع الثالث من النشيد الذي ألفه الشاعر الجزائري، مفدي زكريا، خلال فترة سجنه إبان الاستعمار الفرنسي:

“يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب،

فاستعدي وخذي منا الجواب، إن في ثورتنا فصل الخطاب،

وعقدنا العزم أن تحيى الجزائر، فاشهدوا.. فاشهدوا…”.

وجاء في المادة الثالثة من المرسوم الرئاسي المنشور على الجريدة الرسمية: “يؤدى النشيد الرسمي في صيغته الكاملة، كلمات وموسيقى، بمقاطعه الخمسة”، محددة المناسبات والأماكن التي يعزف ويردد فيها.

ويأتي المرسوم الرئاسي الجديد ليلغي القرار الصادر عام 1986 الذي لم يشدد على اعتماد المقطع الثالث، وسمح بإلغائه من النص الرسمي للنشيد الذي وزعته السلطات في تلك الفترة، وفي عام 2007، حذفت السلطات الجزائرية المقطع من النشيد الوطني الجزائري من الكتب المدرسية، مما أثار استياء كبيرا في الجزائر حينها، بحسب صحيفة “الجزائر الآن”.

“تصحيح وضع شاذ”

إن إعادة المقطع إلى سياقه كما كان “تصحيح لوضع شاذ سبق وأن ندد به كل أبناء الجزائر الذين يعرفون مدى حساسية أن يُقطع المقطع الوحيد في العالم الذي تُذكر فيه اسم دولة هي عدونا الأبدي”.

مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين، التي قال فيها “إذا رأيتم فرنسا راضية عن الجزائر، فنحن في الطريق الخطأ وإذا رأيتم فرنسا تعلن الجزائر وتغضب منها فنحن على الطريق السليم”.

 فكلمات النشيد الوطني الجزائري تبدأ بـ”قسما بالنازلات الماحقات”، وتتوعد فرنسا التي احتلت بلد المليون شهيد وفعلت بمواطنيها الأفاعيل.

كتب الشاعر الجزائري مفدي زكريا كلمات النشيد الوطني، بدمائه على زنزانة رقم 69 خلال سجنه في سجن بربوس (سركاجي حاليًا)، حيث كان يتعرض للتعذيب والجلد على يد المحتل الفرنسي عام 1956.

أقسم زكريا في كلماته بالدماء الذاكيات الطاهرات للجزائريين والتي سالت على الأرض لتحرر البلاد من المحتل الفرنسي الذي نكّل وعذّب وقتل الجزائريين على مدار 132 عامًا (من 1830 – 1962).

جاءت فكرة النشيد الوطني بعدما قررت جبهة التحرير الوطني في الجزائر وعلى رأسها عبّان رمضان تكليف لخضر رباحي باختيار شاعرا لكتابة نص ثوري يصلح ليكون النشيد الوطني للبلاد بعد الاستقلال.

كان الهدف زيادة الحماس الثوري وسط الشعب لمواجهة المستعمر الفرنسي، واشترط قيادات الجبهة ألا يحوي النشيد اسم أي شخص مهما كانت جهوده في مواجهة المحتل.

وقع الاختيار على الشاعر مفدي زكريا لكتابة الكلمات، وأنجزها بالفعل في يوم واحد .

كتب زكريا الكلمات بدماء التعذيب التي تتساقط من جسده خلال عمليات الجلد، فكان من الطبيعي أن تخرج بهذا الحماس والتحريض الثوري، فكتب “نحن ثرنا فحياة أو ممات وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر… فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا”.

بدأ تلحين الكلمات بعد خروجه من السجن في عام كتابة النشيد 1956، ولكن رأى القائمون على الأمور آنذاك في جبهة التحرير الوطني أن اللحن لا يرتقي إلى الكلمات القوية.

استمرت التجارب حتى انتهى الأمر بالاستعانة بالفنان المصري محمد فوزي والذى رفض أن يتقاضى أجر من أجل التلحين، وبالفعل في يونيو 1956، انتهى فوزي من اللحن الباقي حتى الآن.

حينها حذف محمد فوزي بعض الكلمات مراعاة للحن واستبدلها بأخرى، فمثلا غيّر عبارة “وحلفنا إن نمت تحيا الجزائر” إلى عبارة و”عقدنا العزم أن تحيا الجزائر”.

تختار الدول نشيدًا رسميًا لها يسمى بـ (النشيد الوطني) أو (السلام الوطني) أو (نشيد الثورة) أو (نشيد الاستقلال)، إذ أن كل نشيد يعبر عما مرت به هذه الدولة، وما لها من أمجاد وآمال. قد تكتفي بعض الدول بمقطوعة موسيقية بلا كلمات، إلا أن أغلب الدول تستخدم النشيد ذو الكلمات التي تهيج الوجدان وتشعل الحمية وغالبًا ماتكون ذات لحن عسكري، فيملأ النفس جاهزية للدفاع والذود عن حمى الوطن، وقد يمتزج بعدة عواطف.

الجزائر في نشيدها الوطني تتوعد فرنسا وتقسم بالموت لتحيا الجزائر:

يا فرنسا إن ذا يوم الحساب    فاستعدي وخذي منــا الجواب
إن في ثورتنا فصل الخطاب     وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

 

قصة النشيد  الوطني الجزائري

كلمات مفدي زكريا لحّنها محمد فوزي 

بعد الانتهاء من كتابة النشيد وخروجه من السجن، عُهد إلى مفدي زكريا أيضاً باقتراح اسم يُمكنه صياغة اللحن بأفضل طريقة ممكنة. 

فكانت المحاولة الأولى عام 1957، حين سُجّل النشيد الوطني الجزائري كاملاً في استوديوهات الإذاعة التونسية، بعدما وضع لحنه الملحن الجزائري محمد طوري، ولكن الصيغة النهائية لم تُعجب قادة الجبهة، الذين اعتبروا أنها تفتقد للحماس المطلوب.

فأوكلت مهمة تلحينه مرة جديدة إلى محمد تريكي، الذي سبق ولحن النشيد الوطني التونسي. وفي المحاولة الثانية أدت النشيد مجموعة صوتية جزائرية في تونس، لكنه أيضاً لم يعجب جبهة التحرير الوطني. 

وبما أن الثالثة ثابتة، تم اقتراح اسم الملحن المصري الشهير محمد فوزي، وبالفعل أُرسلت الكلمات بشكلٍ سرّي إلى مصر، وبعد أن انتهى محمد فوزي من وضع اللحن أعاد إرساله إلى تونس؛ ليوافق عبان رمضان ورفاقه على اللحن ويعجبهم نفَسه الثوري.

مؤلف النشيد هو مفدي زكريا، الذي يوصف بأنه أحد “الأبطال القوميين” في الجزائر، واسمه الحقيقي الشيخ زكريا بن سليمان بن يحيى.

وُلد وترعرع في بني أزغن، وهي بلدة صغيرة في منطقة مزاب، بولاية غرداية، وقد درس في جامع الزيتونة الشهير بتونس، قبل أن يبدأ الكتابة عن النضال الوطني لبلاده في مجلات “الوفاق” و”الحياة” و”المجاهد”. 

دخل العمل السياسي عام 1930، منتسباً إلى اتحاد طلاب شمال إفريقيا، ثم حزب الشعب، قبل أن ينضمّ عام 1955 إلى صفوف جبهة التحرير الوطني، ما كلّفه النفي والتنقل بين خمسة سجون استعمارية.

بدأت قصة النشيد الوطني الجزائري، في أبريل/نيسان 1955، حين كان مفدي زكريا يقبع داخل الزنزانة رقم 69، في سجن بربروس السيئ السمعة في الجزائر العاصمة، فوصلته رسالة من الناشطة رباح الأخضر، بتكليفٍ من الإخوة عبان رمضان وبن يوسف بن خدة، أي آباء الثورة الجزائرية. 

ووفقاً للأديب والوزير الجزائري السابق لمين بشيشي، في حوار مع الإذاعة الثقافية الجزائرية قبل رحيله عام 2020، فإن عبان كان وضع أمام مفدي زكريا 3 معايير أساسية لكتابة النشيد الوطني الجزائري. 

الغرض من النشيد الأسطورى

1- أن يتضمن دعوة إلى الالتحاق بصفوف جبهة التحرير

2- أن يُبرز الوجه القبيح لفرنسا الاستعمارية 

3- ألا يتم ذكر أي شخص معيّن 

وصلت الرسالة إلى مفدي زكريا في سجنه، حيث لم يجد قلماً أو ورقة لكتابة مقاطع النشيد- التي تُعرف أيضاً بـ”الآيات”- فلم يجد سبيلاً لتدوينها سوى بالدم. 

كتب زكريا آيات النشيد الوطني الجزائري على حائط السجن، مستخدماً دمه الذي أساله من يده اليُسرى، ليكتب باليُمنى المطلع الذي يقول: “قسماً بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات والبنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات نحن ثرنا فحياة أو ممات وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر”.

كانت تلك الرواية رائجة في الجزائر عن تاريخ نظم النشيد الوطني، في حين تقول رواية أخرى إن مفدي زكريا استجاب لطلب المجاهدَين عبان رمضان وبن يوسف بن خدة لكتابة نشيد وطني في أقلّ من يومين.

كلمات مفدي زكريا لحّنها محمد فوزي 

بعد الانتهاء من كتابة النشيد وخروجه من السجن، عُهد إلى مفدي زكريا أيضاً باقتراح اسم يُمكنه صياغة اللحن بأفضل طريقة ممكنة. 

فكانت المحاولة الأولى عام 1957، حين سُجّل النشيد الوطني الجزائري كاملاً في استوديوهات الإذاعة التونسية، بعدما وضع لحنه الملحن الجزائري محمد طوري، ولكن الصيغة النهائية لم تُعجب قادة الجبهة، الذين اعتبروا أنها تفتقد للحماس المطلوب.

فأوكلت مهمة تلحينه مرة جديدة إلى محمد تريكي، الذي سبق ولحن النشيد الوطني التونسي. وفي المحاولة الثانية أدت النشيد مجموعة صوتية جزائرية في تونس، لكنه أيضاً لم يعجب جبهة التحرير الوطني. 

وبما أن الثالثة ثابتة، تم اقتراح اسم الملحن المصري الشهير محمد فوزي، وبالفعل أُرسلت الكلمات بشكلٍ سرّي إلى مصر، وبعد أن انتهى محمد فوزي من وضع اللحن أعاد إرساله إلى تونس؛ ليوافق عبان رمضان ورفاقه على اللحن ويعجبهم نفَسه الثوري.

وقد تمّ اعتماد قصيدة مفدي زكريا ولحن محمد فوزي نشيداً وطنياً للجزائر منذ العام 1963، أي بعد عام واحد من انتصار الثورة الجزائرية. 

في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أمرَ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بإطلاق اسم محمد فوزي على المعهد الوطني العالي للموسيقى في الجزائر، فضلاً عن منحه “وسام الاستحقاق الوطني” ما بعد الوفاة، تكريماً لدوره التاريخي في صياغة النشيد الوطني الجزائري.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق