توماس لورنس.. وصناعة النخب!
من عاش أحداث الغزو الأمريكي للعراق يعرف تمام المعرفة كيف يستطيع الاحتلال الغربي تغيير الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمعات العربية تغييرا جذريا شاملا بحيث لم يعد العراق قبل ٢٠٠٣ هو العراق بعده وكذا حدث مثل ذلك في أفغانستان سنة ٢٠٠١ بعد الاحتلال الأمريكي له والطبقة التي صنعها لتحكم بالنيابة عنه وكذا الحال في الخليج العربي منذ ١٩٩٠م!
وهي الظاهرة نفسها التي تحدث عنها الزعيم العراقي المحامي سليمان فيضي في مذكراته بعد الاحتلال البريطاني للعراق ١٩١٨ وكيف صنع المحتل نخبة سياسية وثقافية تخدمه وترسخ وجوده وكيف عرض عليه الضابط البريطاني توماس لورانس التعاون معهم لإدارة شئون العراق تحت الاحتلال البريطاني وحين اعتذر فيضي عن العرض بأنه ليس له نفوذ اجتماعي أو سياسي يؤهله للقيام بهذه المهمة ضحك لورنس وقدم له شيكا وقال اكتب المبلغ الذي تريد ونحن نصنع لك نفوذا فتبني خيمة ومضيفا ونمدك بالذهب البريطاني وسيأتيك الناس من كل مكان لتصبح زعيما وشيخا عربيا كما فعلنا مع غيرك من شيوخ العرب!
حتى إذا طال أمد الاحتلال وانقطع الأمل بالتحرير والاستقلال ولدت أجيال عربية ممسوخة لا تعرف واقعها وكيف تشكل في ظل نفوذ المحتل وأن الطبقة السياسية التي تحكمها والنخبة الفكرية والدينية التي توجهها هي نفسها الطابور الخامس الذي جاء به العدو ليحكمها به! حتى غدا نوري وصولاغ وشلبي والحكيم أبطال تحرير العراق لا طلائع الاحتلال الأمريكي وصنائعه!
وأن وطنهم إنما يحتفل كل سنة بيوم احتلاله لا بيوم تحريره واستقلاله!
وهذا تاريخ قريب لم تمض عليه عشرون سنة وقد شاهد أحداثه مئات الملايين من العرب عبر شاشات الفضائيات بالصوت والصورة!
فكيف إذا طال أمده كما حدث في باقي بلدان العالم العربي التي احتلت منذ مئة عام وما تزال تخضع له!
وإذا أرادت اختبار هذه الحقيقة في العالم العربي فانظر إلى الطبقة السياسية التي تحكمه والنخبة الفكرية التي توجهه سواء كانت علمانية أو إسلامية وكيف تشخص الواقع السياسي لبلدانها وموقفها من المحتل الأمريكي الأوربي وقواعده العسكرية وجيوشه؟ وهو الشاهد الغائب! وكأنه لا وجود له في بلدانها مع أنه لا يوجد غيره أصلا في المشهد إلا هذه الدمى المصنوعة والنخب التي تريد أن تنفخ فيها الروح باسم الواقعية السياسية!
وانظر في حال العراق اليوم وكيف يمارس الجميع دوره السياسي والديني والفكري بانضباط تام وبصخب عام بأحزابهم وجماعاتهم ومرجعياتهم حتى كأنما القوم أحرار في بلدهم لا سلطة لغيرهم عليهم! يخوضون الانتخابات ويعيشون الصراعات ويتبادلون الاتهامات دون أن يجرؤ أحد منهم على الخروج عن الدور المرسوم له أو أن يشير إلى المخرج توماس لورانس الذي يدير المشهد بكل تفاصيله من وراء الكواليس بالدولار والدينار ويفرض على جامعاتهم الوطنية تدريس المثلية الجنسية بين مشهد الكاظمية وقبر الأعظمية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق