الفقيد المؤرخ “محمد الجوادي” مسيرة كفاح هزت عروش الطغاة
أسعد المبارك _ كاتب عراقي
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
توفي الدكتور المصري “محمَد الجَوادي” في اليوم التاسع من شهر يونيو من عام 2023 م، عن عمر يناهز الأربعة وستين عاماً، في دولة قطر، وقد كان يلقب محمَد الجَوادي بأبو التاريخ، فهو يعتبر من أهم المفكرين المعاصرين وذلك بسبب جمعه بين عدة علوم عامة مثل السياسة والطب، والتاريخ والأدب أيضاً.
من هو الدكتور محمد الجوادي
ولد هذا الفكر العربي المعاصر في عام 1958، وقد تميز بمجالات متعددة تجمع بين الطب والأدب والتاريخ والنقد واللغة والفكر السياسي والتنموي، أستاذ أمراض القلب في جامعة الزقازيق بمصر يتميز بسجل علمي وعملي مميز حقق فيه إنجازات فريدة، حيث أصبح أصغر مصري على الإطلاق يحصل على ثمانية تكريمات رفيعة المستوى.
لقد نشر أكثر من مئة كتاب منذ عام 1978 وحتى اليوم، في مجالات التاريخ والأدب والترجمة، بالإضافة إلى مئات الدراسات والمقالات، قضى حياته الوظيفية في سلك هيئة التدريس وتقدم في المناصب حتى حصوله على درجة الأستاذية في طب القلب والأوعية الدموية من كلية الطب في جامعة الزقازيق.
بالإضافة إلى تفوقه في مجال الطب، شغل العديد من المناصب والمسؤوليات في المجالات الطبية والعلمية والصحفية والاقتصادية والثقافية والإنسانية، يعتبر هذا الفكر العربي المعاصر شخصية متعددة المواهب ومساهماً بارزاً في عدة مجالات.
وهاجر إلى تركيا بعد الانقلاب العسكري، الذي أنهى أول تجربة ديمقراطية مدنية على مر التاريخ في مصر، ومن إقامته في الخارج، مارس دور المناهض الثائر رغم تردي حالته الصحية وظروفة القاهرة!
لا يستطيع المرء أن يقدم صورة وافية عن هذه الشخصية المتميزة، ولكن ذلك لا يمنع من قراءة بعض عناوين هذه الشخصية، بدءاً من المميزات الخاصة، وهي مميزات الخلق النبيل، والعلم الوفير، والورع، والحب، وأركز على كلمة «الحب» فأقول: أن كل من اتصل بالفكر محمد الجوادي خرج بإحساس مفاده أن هذا الرجل، على الرغم من توفر عناصر النبوغ الفكري والعلمي في شخصيته، فإن العنصر الجاذب فيه هو هذا المقدار من الحب، حب الآخر، حب الحقيقة، حب يكاد يكون في إطار شبه شخصي أيضاً، وأعتقد أن هذه الصفة تلازم عظماء الرجال الذين يغيبون الكثير الكثير من حضور «الأنا» في داخلهم، لأن همومهم العامة وهموم التغيير تملأ وجدانهم، وتملا آفاق سلوكهم إلى درجة لا يعود هناك متسع للاهتمام بذواتهم.
كان الجوادي يتميز إذا قُرن بها بهذه الجاذبية الشخصية، التي أعتقد أن مصدرها هو هذا الحب العارم للآخر وللحقيقة… وأنتقل من هذه الخاصية إلى المنحنى الفكري الذي تمثله شخصيته، حيث الانطباع المباشر الذي يخرج به من يجلس إليه، هو هذا النوع من التكامل في هذه الشخصية، يوجد اختزان جدي وكامل لتراثنا العلمي والفقهي والأصولي والفلسفي والتاريخي، وما عدا ذلك من المعارف الاسلامية، ولكنها لدى المفكر محمد الجوادي، تعود لتغدو كأنها إنتاج، أو إبداع شخصي، بمعنى أن لديه طاقة في تحويل الخبرة السائدة إلى معرفة جديدة، والسر في ذلك يعود إلى أن المفكر محمد الجوادي لم يكن يعتقد أن العالم هو كتاب متحرك… كان ينظر إلى المعرفة على أنها انبثاق حي وحيوي ومعاصر وملامس بصورة كاملة ودقيقة لتطلعات عصره وجيله، ثم إنه كان رجلاً مستقبلياً، بالإضافة إلى هذه القدرة الفائقة على اختزال الماضي، مسكون بالمستقبل لدرجة أن هاجسه الأساس هو المستقبل أكثر من الماضي.
وهذا ما جعله بتصادم مباشر مع الأنظمة الاستبدادية، والمشاريع المعادية للإسلام ؛ بحرب فكرية كبيرة، وقد كافح الجوادي، لحد التضحية بالنفس في سبيل المبادئ والهوية، ليتورثها جيل بعد جيل، وتكمن حتمية الانتصار فهو المقاوم النبيل بوجه كل طاغية مستبد، وصاحب قلم الحق، يقهر به الأعداء، وينير درب الأحرار.
لقد رحل صاحب القلب الكبير فرحمة الله عليك، وأسكنك الله فسيح جناته.
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق