ماذا تُخفي الصحراء؟
جرائم التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر
رغم مرور 6 عقود على استقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي، تظل ملفات الإرث الاستعماري عالقة بين البلدين، ولعل ملف التجارب النووية يُعَد من أهم مخلفات هذا الإرث وأخطرها، خصوصا أن معاناة سكان المناطق التي احتضنت هذه التجارب لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، فيما لا تزال باريس تواصل سياسة الإنكار المعتادة وترفض تحمل المسؤولية عن جرائمها.
بدأت أحلام فرنسا النووية مع الجنرال "شارل ديغول" في أكتوبر/تشرين الأول 1945، أي بعد شهرين فقط من إسقاط القنبلتين الأميركيتين على ناجازاكي وهيروشيما في اليابان. وقتها، أصدر الجنرال الفرنسي أوامره بإنشاء محافظة للطاقة الذرية الفرنسية بهدف صناعة القنبلة النووية، التي كانت من وجهة نظره الضامن الوحيد لقدرة باريس على البقاء مستقلة في خضم الحرب الباردة. تضمَّنت هذه العملية 3 مراحل ما بين عامَي 1945-1960، وبعد انتهائها، كانت فرنسا في حاجة إلى فضاء كبير يمكنها من خلاله تجريب النتيجة النهائية للسلاح الذي عملت عليه طيلة عقد ونصف، ووقع اختيارها على صحراء الجزائر.
ونتيجة لذلك، زار الجنرال "شارل إيلغيي" المناطق المرشَّحة من أجل اختيار المكان "الأصلح" للقيام بالتجارب الأولى، حيث أعدّ تقريرا تقنيا خلص إلى أن منطقة تنزروفت جنوب البلاد هي الأنسب لاحتضان النشاط النووي الفرنسي. وقد انطلقت التجارب الفعلية في 13 فبراير/شباط 1960، حين فجَّر الجيش الفرنسي أول قنبلة نووية تفوق قوتها بنحو 4 مرات القنبلة التي ألقتها واشنطن على مدينة هيروشيما اليابانية.
تواصلت التجارب الفرنسية بعد ذلك، وبلغ عددها 57 تجربة فُجِّر خلالها 17 قنبلة نووية. وبعد 15 سنة من العمل الدؤوب، تمكَّنت فرنسا أخيرا من الحصول على سلاحها، لكن التداعيات الكارثية للتجارب الفرنسية كانت قد بدأت في الظهور بدورها، وهي تداعيات شملت الجنود الفرنسيين الذين شاركوا في التجارب أنفسهم، لكن النتائج الأوسع والأكثر كارثية كانت من نصيب الجزائريين بكل تأكيد.
فقد قدَّرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان عدد الأشخاص الذين تعرَّضوا لمشكلات بسبب هذه الإشعاعات بنحو 24 ألف شخص، من بينهم 150 سجينا جزائريا أُخرجوا من سجن سيدي بلعباس لاستعمالهم فئران تجارب بعد أن رُبطوا بالقرب من موقع التفجير لدراسة سلوكهم تجاه هذا الكم الكبير من الإشعاعات النووية التي تعرَّضوا لها، وذكرت مصادر جزائرية أخرى أن عدد الضحايا وصل إلى 30 ألف شخص على الأقل من الذين تعرَّضوا لأمراض ناجمة عن النشاط الإشعاعي.
في الفيديو المرفق من ميدان، نسلط الضوء على كواليس جريمة فرنسا المسكوت عنها في صحراء الجزائر، وتداعياتها طويلة الأمد، وتنكُّر باريس لمسؤوليتها عنها. فرغم مرور كل ذلك الوقت، لم تُعوِّض فرنسا إلا جزائريا وحيدا من ضحايا التجارب النووية، فيما يظل التعويض حلما مستحيلا للباقين، لأن المساطر الفرنسية تجعل من المستحيل قبول ملفات الأشخاص الذين لم يحضروا التجارب بأنفسهم، كما أن عددا كبيرا من الجزائريين الذين يعيشون أوضاعا صعبة بسبب السرطان أو التشوهات الجسدية لن يتمكَّنوا من إثبات أن ما يواجههم هو بسبب التجارب النووية التي حدثت في ستينيات القرن الماضي.
هذا ولا تزال الجزائر تطالب السلطات الفرنسية بتعويض الضحايا والكشف عن أرشيف هذه التجارب النووية، بعد أن كانت وزارة الجيوش الفرنسية قد أقرَّت في وقت سابق بدفن شاحنات وبعض العتاد العسكري الذي استُخدم في الاختبارات الجزائرية، لكن هذه المطالبات لا تلقى صدى، فيما لا يزال الملف حبيس أدراج الإليزيه كما هو حال عدد من الملفات العالقة بين البلدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق