الأحد، 4 يونيو 2023

الإمام حسن البنا هو القدوة.. وليس الإخوان

 الإمام حسن البنا هو القدوة.. وليس الإخوان

مضر أبو الهيجاء

من نافلة القول أن الإمام حسن البنا رحمه الله -نحسبه شهيدا ولا نزكي على الله أحدا- من أوائل من أطلقوا الصحوة الإسلامية في القرن المنصرم فور سقوط دولة الإسلام.

وقد تشكلت نتيجة دعوته حركات إسلامية دعوية إصلاحية تغييرية وسياسية كثيرة على امتداد العالم العربي والإسلامي لا يمكن الإحاطة بحجم غرسها الطيب من حجمه وكثرته التي لم يخل منها قطر إسلامي ولا أرض في المشرق ولا في المغرب .

وقد تعرضت تلك الحركة الأم بعد استشهاد البنا واغتياله إلى زلزال داخلي أدى منذ ذلك الحين لتصدعات فكرية وشروخ تنظيمية لا يمكن إغفالها، لاسيما وأنها كانت سببا في خروج مسارات بعض الإسلاميين عن السكة السليمة التي رسم عناوينها العامة الإمام المؤسس، وجاء بعده الأديب المفكر سيد قطب رحمه الله -نحسبه شهيدا ولا نزكي على الله أحدا- ليحيط بزواياها ومستوياتها، ويبلور تصوره الإسلامي الفريد على مستوى الفرد والجماعة والكون، ثم يطرح رؤيته في التدافع بين الحق والباطل دون انكسار حضاري أمام الغرب أو الشرق .

وليس المقام هنا لدراسة تاريخ وتجارب حركة الإخوان المسلمين الأم، ولا دراسة الحركات الإسلامية التي تفرعت عنها وقراءة تجاربها وتحديد أخطائها أو جوانب قصورها وما وصلت إليه .

ولعله مما استفاض الحديث فيه بين الإسلاميين والمختصين هو أشكال أخطاء واخفاق وتراجع حركات الإخوان المسلمين حتى خرج البعض منهم عن المسار بكليته، ولم يتبق لديه من دلالات حركة الإخوان الأم إلا الاسم .

إن الانحراف والاعوجاج والقصور البين الذي خالط مسيرة حركات الإخوان المسلمين في بلاد شتى وأزمنة متفرقة خلال قرن تقريبا، أصاب البعض من المؤمنين بوجوب العمل الإسلامي بالتراجع، فيما أصيب البعض بالشك الذي أدى لإعادة النظر في المنطلقات والتصورات .

وليست الإشكالية مطلقا بالتوقف والنظر الفاحص والمراجعة، بل إن هذا من صفات المؤمنين ، ومن مواصفات المنهج القرآني الذي يأمرنا بالنظر والتدبر والتفكر والمراجعة .

إن خطأ البعض الذي نقصده هو في التراجع عن العمل الإسلامي وعدم الإيمان بوجوبه .

وإن إثم البعض الآخر هو في تبديل المفاهيم والتصورات الإسلامية النقية القائمة على منهج التوحيد المتكامل إلى مفاهيم معوجة متصادمة مع أحكام الشريعة، وفي تغيير التصورات القرآنية والتي جاء بها كل الأنبياء والمرسلين إلى تصورات سائلة فيها من الميوعة ما يخلط الحق بالباطل متنازلا عن جوهر التوحيد ودلالاته واستعلائه على الفلسفات البشرية القاصرة والمعادية لأصل الدين .

ومن العدل القول أن كفة الميزان التي ملأها بعلمه وعمله المتواصل الإمام حسن البنا -رغم استشهاده في سن مبكر رحمه الله- ترجح على كفة الحركات الإسلامية التي تفرعت عن دعوته سواء في صوابية أفكارها أم في سوية مسيرتها .

ومن المهم الإشارة إلى جوانب أربعة في طرح الإمام البنا تتعرض اليوم لهزات عنيفة تحاول مسحها أو مسخها أو إعادة تفسيرها بهدف تغيير مضمونها وجوهرها، الأمر الذي يجعل تبنيها والدفاع عنها واجب على كل مسلم يؤمن بوجوب التغيير.

إن الحركات الإسلامية السلفية التي عرفت بتميزها وحرصها على امتثال صحيح الدين مدعوة اليوم قبل الحركات الإسلامية الإخوانية بالتمسك بتلك الجوانب الأربع وإبراز مضامينها الشرعية المرتبطة بدلالة التوحيد كما أحكام الشريعة.

الجوانب الأربعة هي:

أولا: بناء الإنسان الفرد في جوانبه الثلاث (القلبية – العقلية – البدنية) وذلك كما أشار إليه القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لاسيما واليوم هناك نظريات ومناهج جديدة يتبناها الإسلاميون الجدد تماهيا مع الطروحات المنهجية الغربية التي لا تؤمن بالدين ولا تنطلق منه، بل تنطلق من الإنسان الإله .

الجانب الثاني: وجوب الانتماء للجماعة التي تعمل على إقامة هذا الدين، باعتبارها وسيلة لازمة لا يمكن أن يقوم الدين ويتشكل له مشروع يجمع ويهندس وينظم جهود المؤمنين إلا من خلال جماعة، لاسيما وقد تخلخل هذا المرتكز في الأعمال الإسلامية بعد أن تعرضت كثير من الحركات الإسلامية التغييرية والإصلاحية للاضطهاد، وتعرض القائمون عليها والمنتمون لها للقتل والسجن والتعذيب والتشريد، الأمر الذي دفع كثير من الإسلاميين الجدد لتبني فكرة العمل الاجتماعي في المجتمع المدني العام دون جماعة ولا تنظيم، حتى بدأ البعض ينظر لهذا الأمر ويجمّله هروبا من الاستحقاق الواجب في العمل الجماعي الذي لا يقوم إلا به واجب إقامة الدين، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

الجانب الثالث: استهداف إقامة الدولة التي تشكل سياجا سياسيا يحمي بيضة المسلمين ويقيم أحكام الدين، لاسيما وقد بات الإسلاميون الجدد يعتبرون أن هدف إقامة الدولة الإسلامية يتحقق من خلال النظم الديمقراطية الحديثة والنزيهة التي توفر مساحة حقيقية للحريات وتقيم العدل بين الناس بالشكل الذي يفضي لحرية العبادة، ويحفظ حقوق المواطنين فيها دون اعتداء !

ورغم وردية هذا الطرح الذي لم يتحقق واقعا، إلا أنه وان تحقق فهو مجاف لما أراده الله من إقامة التوحيد في الأرض وتعبيد الناس للخالق سبحانه، ومواجهة الشرك والمشركين باعتبار أن الشرك ظلم عظيم .

رابعا: الإعداد لمراحل التصادم المبني على سنة التدافع بين الحق والباطل، والذي جعله الله سببا في حفظ الدين واستبعاد الفساد بين العالمين، لاسيما والإسلاميون الجدد يطرحون نظريات دعوية -تحت عناوين مخادعة كالحوار والتعايش الإنساني- تستبعد وتنكر كل أشكال إنكار المنكر كما الجهاد سواء جهاد الطلب أو الدفع ! علما أن آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي التي تؤول إلى حفظ الدين ودماء المستضعفين وتنقذ المظلومين سواء أكانوا من المسلمين أم من غيرهم من العالمين.

وليس المقصود في الحديث عن إنكار المنكر والتصادم والجهاد هي الصورة المشوهة التي برع الغرب وأجهزته الأمنية بصناعتها كما حدث في بلدان عربية وإسلامية عديدة من خلال تنظيمات القاعدة وداعش وأخواتها .

إن فقه إنكار المنكر مبين في كتب العلماء ومذاهب الثقات الذين توسعوا في تفصيل أحكامه وأشكاله وضوابطه، ودرسوا مآلاته حتى يصبح الجهاد حياة لأولي الألباب تسهم في إسعاد البشرية جمعاء بعد أن تواجه الظلم بأشكاله وتزيله .

إن الجوانب الأربعة السابق ذكرها تشكل مرتكزات أساسية في أي مشروع تغيير، ولقد أبدع الإمام حسن البنا في ذكرها وبلورتها واعتمادها، ولكنها تتعرض اليوم لهزات عنيفة وتشكيك مريب بشكل مباشر وغير مباشر تماهيا مع الغرب واستخذاء أمام ثقافته الغالبة اليوم .

أعيد فأكرر أن الشهيد حسن البنا هو المطلوب استحضار فكره اليوم، في مناخ السيولة الإسلامية التي تخترقها أيد غير أمينة أو تعبث بها عقول أصابها التشوه فباتت إسلامية معلمنة .

إن دعوتي للحركات الإسلامية السلفية للتمسك بتلك الجوانب الأربعة نابعة من ايماني بالانتماء السلفي للإمام البنا لاسيما في مشروع التغيير واسترداد الدولة، كما تنطلق من معاينتي لاستيعاب الحركات الإسلامية السلفية لدورها الواجب في قضايا الشأن الإسلامي العام بعد أن كان غائبا أو خافتا أو مختطفا من قبل الأنظمة والحكام لبرهة من الزمن .

ختاما فإن الإمام حسن البنا هو الذي يستحق منا النظر والاهتداء والاقتداء بما فتح الله عليه دون جمود ولا انحسار في حدود طرحه الذي تفوق كثيرا على عمره الصغير نسبيّا في الدعوة، وليست حركات الإخوان المسلمين اليوم هي من يشكل المسطرة، لاسيما وقد أصابها من أشكال الخلل والانحراف والقصور ما لم ينج منه إلا من رحمه الله وأكرمه.

ما قلته من حق فمن الله وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله.

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 31-5-2023


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق