الخميس، 2 مايو 2024

أهل السنّة والجماعة هم الأمّة وإليكم الدليل

أهل السنّة والجماعة هم الأمّة وإليكم الدليل
د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي


تطلق لفظة (السنّة) على أكثر من معنى، وتفهم بحسب السياق، أما معنى أهل السنة فمأخوذ من هذا الحديث: (من رغب عن سنتي فليس منّي) إذ السنّة هنا: منهج النبيّ الكامل، والذي هو الإسلام، وعليه فيكون معنى (أهل السنّة): أهل الإسلام، ولذلك ترى أهل السنة هم أكثر الناس تمسكا بالتوحيد الذي هو أساس الإسلام، وأكثرهم اهتماما بمصادر الإسلام؛ القرآن والحديث، وأكثرهم عملا بأركان الإسلام من صلاة وصيام وحج وزكاة، ولا يفضلون عليها أي (طقس ديني مصطنع)، ويعظمون المسجد الحرام ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى، ولا يخترعون مقدسات أخرى يحجون لها، وليس عندهم مصدر إلا الوحي (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله).

أما كلمة (الجماعة) فليس المقصود بها إلا الأمة، كما في الحديث (عليكم بالجماعة) و (يد الله مع الجماعة)، إذ لم تكن في عصر النبوة سوى جماعة واحدة وهي أمة الإسلام من المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم.

فالصحابة هم الجماعة، ثم من تبعهم إلى يوم الدين، وكل الذين دخلوا في دين الله أفواجا من فتح مكة إلى الفتوحات الإسلامية الكبرى في العراق والشام ومصر، حتى وصول الإسلام إلى السند والهند شرقا والأندلس غربا فكل هذا امتداد لجهاد الصحابة وأبنائهم وأحفادهم. وهذه هي أمة الإسلام،

فالصحابة هم أساس تكوين هذه الأمة وهم السبب في توسعها وامتدادها. لا ينكر ذلك إلا مكابر. حتى الطوائف التي تنتسب للإسلام اليوم وتكره الصحابة إنما دخلت بلادهم في الإسلام بجهود الصحابة وجهادهم.

وأهل السنة والجماعة ينتمون إلى كل هذا التاريخ فيعتزون بالراشدين والأمويين والعباسيين والعثمانيين والأيوبيين وكل دول الإسلام ورموزه، لا يكفرّون أحدًا بذنب، ولا يجعلون الخلافات والمشاجرات التي حصلت في أي عهد من هذه العهود سببا في الفرقة والفتنة والتنابز بالألقاب.

وعليه فكل من حافظ على الإسلام بمصادره وعقيدته وشريعته ثم انتمى إلى هذه الأمة ممثلة بصحابة نبيها أولًا، فهو من أهل السنة والجماعة.

أما الذي يقول بتحريف القرآن واستمرار الوحي بعد النبي ويبطل شعائر الإسلام ويخترع مقدسات وشعائر بديلة، ثم يعادي الصحابة والأمة التي حملت هذا النور للعالمين، فهذا هو  الذي أخرج نفسه من مفهوم السنة (الإسلام) ومن مفهوم الجماعة (الأمة). وبالتالي هو الطائفة التي خرجت عن الأمة.

فالمساواة بين (الأمة) و (الطائفة) جهل وظلم وتدليس، وقد انبنت عليه مفاسد لا تحصى منها: تمييع الثوابت الإيمانية، حتى صار بعضهم إذا حذرته من (عقيدة تحريف القران) قال لك: أنا لا أحب المسائل الطائفية!

ولا أدري ما الذي يبقى من الإسلام ومن أمة الإسلام إذا اعتبرنا التوحيد والنبوة والقران والسنة وشعائر الإسلام، والموقف من الصحابة الذين نقلوا لنا الإسلام، وتاريخ المسلمين كله، كل ذلك مما ينبغي غض الطرف عنه وعدم الاهتمام به.

إن هؤلاء في الحقيقة إنما يريدون تحويل الإسلام إلى كلمة فارغة من معناها، لا يحق حقا ولا يبطل باطلا.

وإمعانا في التدليس والتضليل يقولون لك: لماذا لا نكتفي بكلمة (مسلمين) والله  هو سمانا المسلمين؟

والحقيقة: أن الله سمانا (المسلمين) وسمانا (المؤمنين) وسمانا (العباد) وسمانا (الأمة)، وأمرنا باتباع (السنة) ولزوم (الجماعة)، فهذه كلها مصطلحات شرعية متعاضدة ومتكاملة، وليست مختلفة ولا متناقضة.

والأهم من هذا أننا إذا اكتفينا بكلمة (مسلمين) فهل سينتهي الخلاف بين الأمة والطائفة؟

سنختلف في تحديد معنى المسلمين، فهل الذي يؤلف كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) هو من المسلمين؟

وهل الذي يكفّر الصحابة ويخرجهم من دائرة (المسلمين) فنقبله هو ونخرج الصحابة؟

الحقيقة أن دس الرؤوس في الرمال لن يحل المشكلة.

إنما الذي يحل المشكلة؛ النصح والصراحة والوضوح واعتماد الأدلة والبراهين العلمية ونشر العلم بين الناس وإقامة الحجة على المخالفين بالتي هي أحسن وأعلم وأحكم.

(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)

ثم أليس من الغش الذي ليس بعده غش أن نجامل شخصا جاهلا يسلك طريق النار بالشرك والبدعة ونحن نقول له ما يطمئنه على وضعه وحاله، ونحن نعلم أن كل دعوات النبيين إنما كانت لإنقاذ الناس من الشرك (لئن أشركت ليحبطن عملك) فهل تريد به خيرا وأنت تقره على شركه؟

ويا ليته بقي على شركه لوحده بل هو جاد في نشر شركه وبدعته بين الناس بقوة المال والسلاح والتعليم والإعلام.

وهذا النبي صلى الله عليه وسلم ينصح ويحذّر في الحديث الصحيح من (التارك لدينه المفارق للجماعة) فأي ترك للدين أعظم من القول بتحريف القرآن وإنكار السنة؟ وأي مفارقة للجماعة أعظم من إعلان البراءة من صحابة النبي وجماعته الذي هاجروا معه وقاتلوا معه ونشروا نور نبوته من بعده؟

ومن ذاك الذي أنصح للخلق وأرحم بهم من رسول الله؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق