المقدس الحقيقي
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
لما حذَّر الكثيرون من مركز "تكوين" وأطلقوا عليه حقا "تكوين الملحدين"، خرج عديد من الناس يقول: لماذا تخافون على الإسلام؟ هل الدين ضعيف؟ هل الإيمان هش؟... إلخ!
ولست هنا لكي أرد على هذا، فلقد أوسعهم الناس ردًّا..
ولكن أقول: إن كل الذين يقولون هذه العبارات ونحوها، إنما يعبرون في حقيقة الحال عن الإسلام لم يعد مقدسا عندهم، حتى لو أنهم لا يشعرون بهذا، وإنما يُعرف المقدس حقا في نفوس الناس إذا انتفضوا له ولم يتبلدوا بالهجوم عليه!
فمثلا، لو أمسك أحدهم العلم المصري في ميدان التحرير، فأحرقه.. لوجدتَ انتفاضة حقيقية لدى كل من يحب مصر ويقدس هذا العلم.. ولن ترى أحدا منهم يقول: وهل مصر ضعيفة؟ وهل الدولة هشة؟ وهل حرق أحدهم للعلم يشكك الشعب في وطنيته؟!
ومثلا، لو أنشأ مجموعة من الناس مركز ممولا يدعو إلى إعادة المَلَكية، والمناداة بأحمد فاروق ملكا شرعيا على مصر، وانتخب لعضوية هذا المركز ثلة من مشاهير الكتابة والتمثيل والغناء.. ساعتها لن تجد أحدا من محبي الجمهورية متبلدا يقول: وهل الجمهورية ضعيفة؟ وهل إنجازات ثورة يوليو هشة؟ وهل يتصور أحد أن يحن الناس من جديد لعصر الإقطاع؟
فكيف لو نشأ مركز ضخما ممولا، بتمويل تركي -مثلا- يدعو إلى عودة مصر -مثلا- تابعة لتركيا، باعتبارها كانت تابعة للخلافة العثمانية، وإنما انفصلت عنها في عهود النفوذ الأجنبي والاحتلال الإنجليزي.. هل يمكن أن ترى "وطنيا" يقف أمام هذا الوضع متبلدا يقول: الشعب أقوى من أن يتأثر بهذه الأفكار السخيفة؟ هل نضالنا الوطني وتراثنا المصري هش وضعيف؟... إلخ!
أستطيع أن أضرب العديد من الأمثلة.. ولكن القصد أن المقدس الحقيقي الذي يخلص له القلب وينفعل معه الوجدان لا يقبل بأدنى مساس، ويتأثر بأقل خدش، وينتفض لأقل إساءة!
وكل إنسان له مقدساته الحقيقية التي لا يقبل المساس بها ولا تعريضها للخطر..
فانفعالات المرء وتبدله، كاشفة عن حقيقة مقدساته في نفسه وضميره.. حتى لو غفل هو عن حقيقة نفسه، أو لو غلَّف حقيقة نفسه بشعارات مزخرفة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق