قراءة في قرارات قمة إسلامية جرى التعتيم عليها
بالصدفة وخلال قراءتي لخبر لقاء وزير الخارجية المصري مع وزير خارجية إيران بإحدى الصحف المصرية الحكومية، جاء في مضمون الخبر أن اللقاء جاء على هامش مشاركة الوزير المصري في القمة الإسلامية الخامسة عشرة، التي عقدت بمدينة بانجول عاصمة جمهورية غامبيا يومي الرابع والخامس من الشهر الحالي.
ولم ترسل الصحف ووسائل الإعلام المحلية مندوبين لتغطية القمة كما جرت العادة، ولم تنشر قرارات القمة، واقتصرت التغطية الإعلامية للقمة على موقع غوغل وتغطية بعض وكالات الأنباء الوطنية لمشاركة وفود بلادها بالقمة، وحتى من نشروا توصيات القمة فقد كان ذلك نشرا محدودا، الأمر الذي دعاني إلى المقارنة بين الصخب الإعلامي الذي رافق القمة العربية الإسلامية التي عُقدت بالرياض في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وهذه القمة الأخيرة.
حيث حفلت قمة الرياض بحضور العديد من رؤساء وملوك وأمراء الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، بينما قمة غامبيا حضرها عدد قليل من رؤساء الدول مثل رئيسي السنغال وموريتانيا، وكانت مشاركة غالبية الدول عبر وزراء خارجيتها مثل السعودية ومصر وإيران وتركيا وبنغلاديش وماليزيا ومالي والنيجر واليمن والغابون وغيرها، وشاركت كل من المغرب وسلطنة عمان عبر وزير الأوقاف، حتى الرئيس الفلسطيني لم يحضر القمة وكذلك الأمين العام للجامعة العربية.
وربما كانت حالة الإحباط التي ألمّت بشعوب العالم الإسلامي مع عدم تحقق شيء من قرارات قمة الرياض، المتعلقة بمهمة اللجنة الوزارية لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، التي زارت بالفعل عددا من العواصم الرئيسية، أو كسر الحصار عن غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والوقود بشكل فوري، وتأكيد دخول المنظمات الدولية للمشاركة في إدخال المساعدات إلى غزة وحماية طواقمها ودعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).
فربما كان ذلك سببا في التعتيم على القمة الأخيرة تجنّبًا لمزيد من الإحباط الشعبي خاصة بعد مواقف التخاذل العربي والإسلامي اتجاه عمليات الإبادة الجماعية، وتصدّي إحدى الدول الأعضاء للمُسيّرات الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل، وتصدّي دولة أخرى لمسيّرات الحوثيين المتجهة إلى إيلات، ولقد جاءت قرارات قمة غامبيا أقل حدة من قرارات قمة الرياض وإن كانت قد كررت ذكر غالبية قرارات الرياض، وإذا كانت قمة الرياض قد عُقدت تحت عنوان: بحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، فقد جاءت القمة الأخيرة تحت شعار: تعزيز الوحدة والتضامن عبر الحوار من أجل التنمية المستدامة!
تهديد بتجميد عضوية غير المناصرين لفلسطين
ورغم أن إعلان بانجول المكون من 34 توصية خص القضية الفلسطينية بثماني توصيات، إضافة إلى قرار خاص بقضية فلسطين والقدس مكون من 50 توصية، فإن توصياتها قد سارت على النهج المعتاد بين الإدانة والإدانة بأشد العبارات، ومطالبة دول العالم بالتحرك لتنفيذ ما تطالب به توصيات القمة، ولم تحدّد القمة أيّ تكليف محدد تنفّذه الدول الأعضاء سوى دعم مشروعات القدس وإنشاء وقفيات بالدول الإسلامية لدعم القدس وأبنائها.
لكن التوصيات لم تخلُ من تناقض حين دعت إلى مقاطعة الاحتلال، وطلبت من جميع الدول والمؤسسات والشركات والأفراد وقف كافة أشكال التعامل المباشر وغير المباشر مع إسرائيل، وطردها من المنظمات والمحافل الدولية، بينما تقوم دول أعضاء بالمنظمة بإمداد إسرائيل خلال الحرب على غزة بالوقود والخضراوات وغيرها من السلع في ضوء استمرار التجارة بين إسرائيل والعديد من دول المنظمة حتى الآن.
وإذا كانت التوصية الحادية والعشرين من القرار الخاص بفلسطين قد نصت على دعم الدول الأعضاء للقرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بما فيها القدس في كافة المحافل الدولية، ودعت إلى اتخاذ إجراءات قانونية اتجاه الدول غير الملتزمة بما فيها تجميد العضوية بالمنظمة، ودعت إلى عقد اجتماع لمناقشة هذه المسألة الحساسة، فإننا نعتقد أن هذا الاجتماع لن يتم عقده، ولن تحدث أي إجراءات اتجاه تلك الدول الأعضاء في المنظمة، ولعل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي المتكررة خلال الحرب على غزة، عن استمرار المباحثات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة المقر خير شاهد.
وتفادى الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي -القادم من تشاد- في كلمته بالقمة الإشارة إلى ما أسفرت عنه مهمة اللجنة الوزارية التي شكلتها قمة الرياض، من وزير الخارجية السعودي ونظرائه من الأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا وفلسطين، وعضويته هو والأمين العام للجامعة العربية، للتحرك الدولي لوقف العدوان على غزة، أو حتى ذكر الصعوبات التي أدت إلى إخفاقها، لكن التوصية الثالثة بقرار فلسطين دعت هذا الفريق الوزاري العربي الإسلامي برئاسة السعودية إلى مواصلة جهده لإنهاء الإبادة الجماعية وتحقيق حل الدولتين.
دعوة إلى المصالحة باليمن وليبيا والسودان
ورغم أن لجنة الصياغة قد تجنبت ما حدث بقمة الرياض في توصيتها السادسة عشرة بالمساواة بين الضحايا الفلسطينيين والضحايا الإسرائيليين عند إدانة قتل المدنيين، وهو ما تحفظت عليه العراق وتونس حينذاك، فقد استمرت تونس في التحفظ على ما جاء في التوصيات من حل الدولتين والقدس الشرقية على أساس حدود الرابع من يونيو 1967، حيث ترى تونس حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على جميع أرض فلسطين وعاصمتها القدس.
ومع الإشادة بدور غامبيا في محكمة العدل الدولية من أجل مساءلة أولئك الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية في حق الروهينغيا المسلمين، فقد دعا الأمين العام للمنظمة الأعضاء إلى المساهمة في تكاليف هذا الدور الذي تقوم به غامبيا بالمحكمة، في إشارة إلى الظروف الاقتصادية التي تعاني منها غامبيا من عجز بالموازنة وعجز تجاري كبير وعجز بميزان المعاملات الجارية ودين خارجي مرتفع ونسبة عالية للدين العام للناتج.
وربما لا يعرف الكثيرون شيئًا عن غامبيا الواقعة في غرب إفريقيا، التي تعد أصغر الدول الإفريقية من حيث المساحة البالغة 11300 كيلومتر لتحتل المركز 165 بين دول العالم من حيث المساحة، وهي تطلّ على المحيط الأطلسي، وتتخذ أرضها شكل شريط عرضي تحيط به السنغال من الشمال والجنوب والشرق، وبلغ عدد سكانها 2.5 مليون لتقع بالمركز 144 عالميا من حيث السكان، ويعتنق 96% منهم الإسلام بجانب 3.5% من المسيحيين. ويقع 53% من سكان غامبيا تحت خط الفقر.
ولكونها قمة للدول الإسلامية فقد تعرض البيان الختامي لقضايا المسلمين في كشمير والهند وأفغانستان ومنظمة الساحل، كما دعا الأمين العام للمنظمة في كلمته إلى الحوار والمصالحة في الدول الأعضاء مثل اليمن وليبيا والسودان ومنطقة الساحل، وأكد دعم أذربيجان في سيادتها على كامل أراضيها وأمن جمهورية الصومال الفدرالية، وتضامن المنظمة مع المسلمين القبارصة الأتراك ودعم التعاون مع البوسنة والهرسك وكوسوفو، وأشاد بدور بنغلاديش في إيواء الروهينغيا على أراضيها.
ليثور السؤال التقليدي في أذهان الكثيرين بأنه إذا كانت منظمة التعاون الإسلامي، لم تنجح خلال عمرها الممتد منذ عام 1969 وحتى الآن في حل أيّ خلاف نشأ بين عضوين منها مثل المغرب والجزائر، أو بين فصائل متنازعة داخل دولة عضو بها، فهل يمكن أن تنجح في حل المشكلة الفلسطينية التي تدخل فيها أطراف دولية متعددة، وهي الأطراف التي لها نفوذها وتحكمها في القرارات داخل كبرى الدول الأعضاء بالمنظمة؟
وها هي إسرائيل تقتحم شرق رفح المكتظة بالسكان بتنسيق مسبق مع أعضاء بالمنظمة، لتحقيق الهدف المشترك للقضاء على المقاومة الذي فشلوا في تحقيقه طوال أكثر من سبعة أشهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق