انهيار القوى الباطشة.. من آيات الله
من آيات الله في خلقه أن يحصل انهيار وانكسار القوى الباطشة في عهود ملوكها الأقوياء؛ فيكون ذلك آية على تأييد الله ونصره، وعلى أن عباد الله صمدوا وانتصروا بقوة الله لا بضعف خصمهم!
لقد فتح المسلمون بلاد الروم في عهد هرقل، أحد أعظم قياصرة الدولة البيزنطية، وهو الذي أنقذهم من الهلاك المحقق أمام اكتساح الإمبراطورية الفارسية قبل أعوام قليلة! فخرج من حصار العاصمة القسطنطينية ليستعيد كل الأراضي التي ضاعت من البيزنطيين ويهاجم الفرس في عقر دارهم!
هذا هو الذي اكتسحته جيوش المسلمين وانتزعت منه الشام ومصر إلى غير رجعة!
وانكسرت الموجة القشتالية في عهد أقوى ملوكها، ألفونسو السادس، وأباد المرابطون جيشه في موقعة الزلاقة حتى لم ينجح منه إلا بضع مئات، وخرج هو نفسه جريحا!!
وكسر صلاح الدين أقوى حملة صليبية على الإطلاق، وفيها أعظم ملوك الصليبيين، ريتشارد قلب الأسد ومعه فيليب أوغسطس ملك فرنسا.. وعادت الحملة منكسرة لم تستطع احتلال بيت المقدس من جديد!
وتلقى المغول أول هزيمة كبرى في مسيرتهم في عهد واحد من أقوى ملوكهم: هولاكو.. فانكسرت بذلك موجتهم إلى الأبد، وحفظت بذلك ديار مصر والمغرب كلها.
وانتصر المماليك على هجمة المغول الثانية في عهد أقوى ملوك الإيلخانيين: غازان خان.. وكانت هزيمة شقحب درسا ذهبت بآمال المغول في أن يقصدوا بلاد الشام ومصر مرة أخرى.. حتى إن ملكهم الأعظم تيمور لنك تباطأ عن مواجهة جيش المماليك واتجه نحو الأناضول، ولولا ظروف طارئة داخلية لما استطاع جيشه اقتحام دمشق، وما اقتحمت دمشق إلا لأنه لم يكن فيها جيش أصلا!
أتذكر هذا كله الآن.. لأن نتنياهو هو واحد من أقوى زعماء الصهاينة وواحد من أكثرهم ذكاء.. ولك أن تعلم أنه كان مندوبا لإسرائيل في الأمم المتحدة، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان نائبا لوزير الخارجية ولم يبلغ الأربعين، وهو أصغر من تولى رئاسة وزراء إسرائيل في تاريخها حين كان في السابعة والأربعين من عمره، وهو أطول من تولى رئاسة الحكومة في إسرائيل عبر تاريخها (17 عاما حتى الآن – منها 11 عاما متصلة).
وقد سمعت مسؤولا أمنيا سابقا إسرائيليا -لا أتذكر الآن إن كان رئيس الموساد أو الشاباك- وهو يقول: نتنياهو أذكى شخص قابلته في حياتي!
وتثبت الأيام ما في الرجل من صبر وجلد وذكاء، ولا ينافي هذا ما فيه من الوحشية والدموية والقسوة والدناءة وخسة الطبع وخبث المعدن ونتن المنبت (وهو من منبت نتن فعلا، فأبوه مؤرخ من مساعدي جابوتنسكي، وهذا الأخير شخصية خطيرة أخرى اخترعت نظرية الردع الإسرائيلية وكان أشد تعصبا من بن جوريون)
القصد الآن: أن يأتي هذا الطوفان المبارك في عهد هذا الرجل القوي، لتنكسر إسرائيل في عهده هذا الانكسار، لذلك من آيات الله!
وأن يصمد المقاتلون في غزة مثل هذا الصمود، أمام جيش يقوده مثل هذا الرجل، جيش مدعوم عالميا بكل أنواع الأسلحة، وفي هذه الظروف المستحيلة، بين الخيانات المحيطة والخذلان العام من الأنظمة الكافرة الخائنة المجرمة.. أن يكون هذا كله في عهد الرجل القوي، لهو دليل وبرهان على تأييد الله لعباده الصالحين.
ومن عجيب آيات الله أن تتحرر غزة في عهد شارون، أبرز شخصية عسكرية إسرائيلية في تاريخها.. ثم أن تهاجم غزةُ الكيانَ الصهيوني في عهد نتنياهو، أبرز شخصية سياسية في تاريخها!
ليثبت أهل فلسطين وأهل غزة أنهم من آيات الله في خلقه، ومن صفوة عباده في أرضه..
ولئن كان الألم الآن منصبا على أهل فلسطين وغزة وحدهم.. فإنما ذلك ليجزيهم الله بصبرهم وثباتهم ما لن يجزاه ولن يرتقي إليه أحد غيرهم {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق