الأمة بين مخاطر قائمة وكوارث قادمة
الصعود الإيراني والعلو الصهيوني في ظرف الأمة الاستثنائي!
بقلم: مضر أبو الهيجاء
في ظل حالة التعاطف الطبيعي التي تخالج مشاعر كل إنسان وكل مسلم في قلبه ذرة إيمان تجاه ما يحدث في عموم فلسطين وخصوص غزة وطولكرم وجنين، حرام حرام ثم حرام أن يغيب عن وعي نخب الأمة -مسموعة المنابر- والقيادات المتنفذة حجم المخاطر المتعاظمة على مستوى عموم الأمة ودولها وشعوبها، دون حصرها في القضية الفلسطينية سواء في قدسها وأقصاها أو في مدنها المنتهكة وشعبها المكلوم!
لابد من التوقف مليا والنظر بعمق إلى حقيقة باتت تتجسد بوضوح، في ظل غياب حذر هو واجب في حق الدعاة والعلماء والسياسيين المنتمين والمنسجمين مع هوية الأمة الثقافية والمنحازين لشعوبها المكلومة والمستضعفة!
إن السيد الأمريكي الذي يدير منطقتنا مستخدما أداته الإسرائيلية بامتياز، يقوم بإضعاف ممنهج لكل شعوب وحركات وحتى دول المنطقة في كل محيط فلسطين وصولا الى تركيا، وذلك دون المساس بقوام الدولة الإيرانية ودون إضعافها بشكل حقيقي، بل هو يضرب في الأطراف ويشذب العمق ليعيد صياغة شكلها ويضبط دورها القادم والجارح بامتياز.
ومن العجب العجاب أن حديث أمريكا وعموم الغرب وإسرائيل حول إيران كل صباح وكل مساء، فيما الاهتزاز والاضطراب الحقيقي لا يمسها بل هو يزحف متقدما نحو الأردن ومصر والسعودية وحتى تركيا!
من نافلة القول إن إيران الملالي قد سمنتنا ونفشتنا في فلسطين من الناحية العسكرية ثم زجت بنا في الميدان ورفعت يدها عنا لتهتك الفرق الإسرائيلية مدننا وأرضنا وقدسنا وشعبنا، وذلك بعد أن ضبط الملالي الساحات المحيطة بفلسطين في اتفاق وتخادم مع الإدارة الأمريكية يقضي بعدم السماح بتوسعة الحرب الإقليمية، الأمر الذي يعني قضم شعب فلسطين وتقطيعه بروية ودون عناء ولا اعتراض بالسكاكين!
ورغم الفخ الكبير الذي أوقعتنا فيه إيران إلا أنها تزداد صعودا وترتفع أسهمها في عموم الأمة، وما ذلك إلا بسبب دونية قياداتنا السياسية غير المنتمية ولا المنحازة لقضايا الأمة، وبسبب غياب اجماع العلماء في التوصيف والحكم على مشروع ملالي إيران، بل وبسبب اللوثة التي أصابت عقول بعض الدعاة والعلماء والنخب السياسية والموجهين والكتاب حتى خرجوا عن الرشد وبات قولهم وخطابهم أسوأ من خطاب الجهلة والعوام المضللين!
إن معارك الطوفان الأمريكي على منطقتنا العربية والإسلامية أطلقت العنان لليهود المحتلين ليعلو في فلسطين، كما عبدت الطريق وأدارت رقعة الشطرنج ليصعد نجم ودور الملالي الإيرانيين في كل محيط فلسطين القريب والمتوسط والبعيد، لاسيما وقد أثبتت درجة عالية من الانضباط والالتزام بالتفاهمات حتى وان اغتيل الرئيس ووزير خارجيته!
وفيما ينتبه الجميع للعلو الإسرائيلي الذي تقدم بعد معارك الطوفان، يغفل الكثيرون عن الزحف الإيراني وتوسع شرعية الملالي وتعاظم القوة والنفوذ الإيراني في منطقة عربية ظروفها استثنائية لاسيما بعد حقبة الثورات العربية.
إن مخاطر المشروع الصهيوني معروفة وقائمة، ولكن كوارث المشروع الإيراني ستكون هي الحالقة.
فكيف تقوم بعض النخب العربية بدور مأجور لترويج السردية الإيرانية من مدخل ادعائها لحب فلسطين والغيرة على دماء المقدسيين، فيما تتجاهل واقعا قائما تشهد عليه صرخات السوريين وأنين العراقيين وموت اليمنيين؟
إن اختزال القضية الإسلامية والقضايا العربية في القضية الفلسطينية سبب لتمدد وصعود مشروع ملالي إيران المعادي، دون التوقف أمام ماضيه وواقعه الحالي، وفي غفلة عن مستقبله في إحداث كوارث في المنطقة العربية لا تقل في مخاطرها وأشكال إيذائها عن المشروع الصهيوني، المتخادم معها على أرضية الرؤية والإدارة الأمريكية لمنطقتنا العربية والدول الإسلامية.
وإن اختزال صور دعم المقاومة الفلسطينية في المحور الإيراني الشيعي الطائفي والعرفان نحو إيران، وإنكار ماضي وتاريخ عموم العرب والمسلمين، والغفلة عن واقع الشعوب العربية والفاتورة التي تدفعها من دمائها واستقرارها طيلة قرن بسبب انتمائها ووفائها ودعمها لفلسطين، هو سبب حقيقي في إحداث فجوة عربية سياسية وشعورية تجاه قضية فلسطين تتسع طردا كلما توسعت إيران في حضن المقاومة الفلسطينية وكلما تموضع خطاب الملالي في عقول الفلسطينيين.
إن حجم اللوثة السياسية والسقطة الأخلاقية والانحراف الشرعي التي تمارسها القيادات الإسلامية الحالية تجاه ملالي إيران وتسويغ العلاقة مع طهران، سبب يدعو البعض لبناء تمثال فضي في كل مدينة فلسطينية لعرفات وبجانبه تمثال ذهبي لصدام!
فمن الذي سيتصدى لهذا الاتلاف الأخلاقي والسياسي والشرعي تجاه مشروع الملالي الإيراني والذي سيبتلع المزيد من دول المنطقة وسيخضع شعوبها بالحديد والنار ويجرعها ثنائية عقلية الحسيني واليزيدي، والذي سيهون أمامه اقتلاع إسرائيل من فلسطين المجاهدة أمام اقتلاع المشروع الإيراني من عموم المنطقة!
فهل حان دور العلماء ورثة الأنبياء؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق