تبادل الضربات الصاروخية وهزائم الاحتلال المتكررة
عندما تمطر السماء صواريخ ومسيّرات وقذائف على الكيان الصهيوني فلا معنى للحديث عن إنجازات وانتصارات خيالية، فالقوة التي لا تخيف الخصوم ولا تجلب الأمن للمستوطنين لا قيمة لها، ولم يعد يكفي إعلان الولايات المتحدة الوقوف مع إسرائيل وتأييد الإبادة لترجيح كفة مجرمي الحرب وتخويف الفلسطينيين ومن يساندهم في معركة تزداد توسعا وخرجت عن السيطرة.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يخطط للاحتفال بالانتصار يوم السابع من أكتوبر، في ذكرى مرور عام على طوفان الأقصى فشن هجوما بالنار على غزة وخاصة الشمال وضاعف من الهجمات على جنوب لبنان، وانتظر العالم ضربة إسرائيلية لإيران ردا على القصف الصاروخي، الذي كان صفعة على وجه نتنياهو، لكن ضربات الصواريخ على تل أبيب وحيفا وكمائن جباليا جعلت اليوم لصالح المقاومة.
في الوقت الذي ظن فيه نتنياهو أنه حقق بعض الإنجازات بعد اغتيالات لبنان انقلب الحال في معظم أنحاء الكيان، حيث تدوي صافرات الإنذار يوميا في كل مكان، وتأتي الصواريخ من الشمال والجنوب والشرق ومن قلب غزة، وأصبحت العاصمة تل أبيب في مرمى الصواريخ التي تتخطى منظومات الدفاع الجوي، وتجعل الإسرائيليين يعيشون أسوأ أيامهم.
الرد الإيراني المخيف
كان الرد الإيراني الصاروخي فارقا في المواجهة، فبعد فترة من “الصبر الاستراتيجي” والتأخر في الرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، تجرأ نتنياهو الذي سيطر عليه الغرور بعد قتل قيادة حزب الله، وفكر علانية في توجيه ضربة عسكرية لطهران بمعاونة الأمريكيين، عندها قرر الإيرانيون أن “يتغدوا بعدوهم قبل أن يتعشى بهم” فكانت العاصفة الصاروخية التي كشفت عن امتلاك الإيرانيين لصواريخ فرط صوتية متطورة، أصابت الأهداف والقواعد العسكرية بدقة، وتم الاعتراف بذلك بعد أيام من التكتم.
كان الرد الإيراني صادما للإسرائيليين، وكاشفا للضعف الإسرائيلي الذي يعتاش على الغطرسة والتباهي بقوته وأسلحته القاتلة، فجن جنونهم وقرروا الرد، فأظهر الإيرانيون جنونا مضادا، وأعلنوا أنهم يستعدون لتوجيه ضربة أشد من الأولى إذا تعرضوا لأي هجوم إسرائيلي، ولوحوا بضرب البنى التحتية للاحتلال، وأعلنوا عن “سيناريوهات مرعبة” إذا ما أقدم نتنياهو على أي مغامرة.
التهور الإيراني وإظهار عدم الحكمة أربكا حسابات الأمريكيين الذين لا يخفون نياتهم بضرب المنشآت النووية الإيرانية، ولكن بشرط ضمان عدم تعرضهم للخسارة، خاصة أن قواعدهم العسكرية المنتشرة في المنطقة في مرمى الصواريخ الإيرانية، وقد وصلت إليهم تحذيرات عبر دول وسيطة بأن الرد على الرد قد يشمل المصالح الأمريكية.
المشروع النووي والمفاجآت
يريد الإسرائيليون قطع الطريق على الإيرانيين ومنعهم من تصنيع القنبلة النووية، لأن حيازتها تعني دخول طهران في النادي النووي، والإفلات من العقوبات والحصار، ووضع الكيان تحت التهديد وإنهاء أسطورة التفوق العسكري، التي تجعل الكيان يمارس جرائم الحرب والإبادة وتخويف كل المحيط العربي والإسلامي والاستخفاف بالنظام الدولي.
لم تكن مفاجئة دعوة المرشح الرئاسي دونالد ترامب إلى سرعة ضرب المشروع النووي الإيراني، فالولايات المتحدة هي التي تقف ضد حيازة أي دولة إسلامية للتكنولوجيا النووية المدنية والعسكرية، ومن أسباب معركتها مع كوريا الشمالية المتمردة منع تصدير هذه التقنية إلى الدول الإسلامية، وهذا الموقف يتفق عليه الحزبان الأمريكيان الديمقراطي والجمهوري.
الذي يخيف أنصار الهجوم على طهران أن بعض المنشآت في أعماق الأرض، وبعضها في مغارات بالجبال يصعب وصول القنابل الأمريكية إليها وتدميرها، وسيدفع عدم نجاح الهجوم الإيرانيين إلى رد غاضب في أكثر من اتجاه، وقد يترتب عليه خسائر فوق الاحتمال، والدخول في جولات من الرد والرد المضاد.
أسوأ الاحتمالات بالنسبة للإسرائيليين والأمريكيين هو أن يكون الإيرانيون قد نجحوا بالفعل في تصنيع سلاح نووي بعيدا عن العيون وبدون إعلان، بذات التكتم الذي صاحب تصنيع الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ والمسيّرات المتطورة الأخرى، وحتى إن لم يكن هناك شواهد معلنة فإن الثقة بالنفس والقوة التي يتحدث بها الإيرانيون والتلويح بالرد على الرد، كل هذا يوحي بأن لديهم مالم يعلنوا عنه ويهددون باستخدامه وفقا لرؤيتهم لتطورات الصراع.
نهاية التفوق الإسرائيلي
رغم تفوق سلاح الجو الإسرائيلي، واستخدام الذكاء الاصطناعي في الإبادة فإن الاحتلال فقد المبادرة، ولم يعد يعرف غير التدمير والقتل الذي يفضح حقيقته الإجرامية ولا يحقق له أي هدف، ولكن في المقابل تطورت أسلحة المواجهة مع الوقت، وازدادت قوة مع الحروب، فأصبحت الصواريخ سلاحا شعبيا يثير الرعب والخوف في مدن الكيان المحتل، ومع كل مواجهة تتطور الصواريخ وتزداد حمولتها والمسافة التي تقطعها مع تحسين دقتها وسرعتها.
لقد كشف عام من الحرب في غزة أن سلاح الجو لا يحسم المعركة، وأن الأرض تقاتل مع أصحابها، فالمعارك البرية فضحت ضعف الجندي الإسرائيلي وجبنه، فهو لا يدخل إلا بعد الأحزمة النارية والقصف السجادي وتمهيد الأرض، ولكن بعد انقشاع الغبار والدخان فإن المقاومة هي التي تسيطر على الأرض بأسلحتها المصنوعة محليا (الياسين 105 وعبوات العمل الفدائي والشواظ وغيرها)، وفي جنوب لبنان كشفت الاشتباكات فشل محاولات عبور الحدود، وعجز الجندي الصهيوني عن القتال البري، وفشل نتنياهو في تحقيق أي إنجاز متعلق بإخلاء المنطقة حتى نهر الليطاني كما يريد ويتمنى.
في ذكرى انتصار طوفان الأقصى لخص أبو عبيدة المتحدث باسم القسام حجم الإنجاز بقوله: “لقد أنهكنا في غزة هذا الجيش المهزوم على مدار عام كامل بعد هزيمته المذلة في السابع من أكتوبر، وأفقدناه نسبة كبيرة من قدراته على الأرض، وقتلنا قوات نخبته المزعومة بالمئات، التحامنا وجهًا لوجه مع جنوده أثبت فشل طائراتهم ودباباتهم واستخباراتهم”.
وللتعبير عن الثبات والاستمرار في حرب الاستنزاف قال أبو عبيدة: “يخلف القائد عشرة، والجندي ألف مقاوم، هذه الأرض تنبت المقاومين كما تنبت الزيتون، وتورث الأجيال حب المقاومة كما ورثناها عن أجيال من الأنبياء والصالحين والمجاهدين الذين ضحوا بدمائهم”.
ما دام نتنياهو لا يريد وقف الحرب على غزة فإن الكيان الصهيوني سيواجه الأهوال ولن يشعر بالأمن، وينتظره المزيد من الصدمات والرعب، وإذا كان الاحتلال يقاتل اليوم على 7 جبهات كما يقول نتنياهو، فغدا ستكون 8 وبعد غد ستكون 9، ولن يتوقف سقوط الصواريخ على تل أبيب، وستلاحق الصواريخ قادة الاحتلال في الحفرة التي يختبئون فيها ويديرون منها الحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق