الأحد، 13 أكتوبر 2024

هل تنجح بنجلاديش فيما فشل فيه الربيع العربي؟!

هل تنجح بنجلاديش فيما فشل فيه الربيع العربي؟!


د/عزالدين الكومي


استيقظ العالم في يوليو 2024 على حركة طلابية بنجالية وطنية تقود حراكاً ضخماً بسبب إلغاء نظام المحاصصة في اختبارات التوظيف،الذي يخصص الوظائف الحكومية للمحاربين القدامى وأقارب أولئك الذين قاتلوا في حرب استقلال بنجلاديش عن باكستان..
في البداية كانت الحركة الطلابية صغيرة،لكن ظلت كرة اللهب تتدحرج حتى أشعلت البلاد بكاملها نظراً لعدم اكتراث حكومة حسينة-الفاشية-بمطالب الطلاب وتعاملت مع الحركة الطلابية بعنف شديد،وأمرت الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين،لكن الحركة رفعت سقف مطالبها حتى تجاوز مطلب إلغاء نظام المحاصصة في التوظيف إلى المطالبة بإسقاط الحكومة ، وهو المطلب الذي طالما انتظره أهل بنجلاديش طويلاً .
ومع توسع الحركة الطلابية في الخامس من أغسطس قرر المتظاهرون محاصرة منزل الشيخة حسينة،وهنا برز موقف وطني لقائد الجيش البنجالي، رئيس الأركان الجنرال،”واكر الزمان”الذي رفض توفير الحماية للشيخة حسينة ونصحها بمغادرة البلاد،وهو ما لم يكن يتوقعه أعتى المحللين السياسيين في العالم!!
وقددفعت الحركة الطلابية الثائرة ثمناً باهظاً لإسقاط حكومة حسينة الفاشية.
فوفقًا لتقديرات المجموعات الميدانية للحركة الطلابية فقد ارتقي حوالي 1500 شخص،وأصيب حوالي 22 ألف آخرين،وفقد حوالي 500 شخصاً البصر بشكل دائم ،فيما أصيب عدد كبير بإعاقات جسدية مختلفة .
قبلت الحركة الطلابية والمعارضة بالتوافق على تشكيل حكومة مؤقتة بقيادة الدكتور”محمد يونس”الحائز على جائزة نوبل .
وتهدف هذه الحكومة إلى إصلاح المؤسسات الدستورية التي دمرتها الشيخة حسينة وزمرتها،والإعداد لإجراء انتخابات حرة لنقل السلطة إلى حكومة منتخبة.
لجأت “حسينة” إلى الهند ، وبالتأكيد ستبقى هناك لتحيك المؤامرات لإفشال التحول الديمقراطي في بلادها،كما أن الحكومة الهندية ستسعى جاهدة لإعادة تدويرها من خلال خلق الأزمات لإعادتها مرة أخرى لحكم البلاد .
ما حدث في بنجلاديش كان نتيجة تراكمات الماضي .
ففي 29 ديسمبر 2008 شهدت الانتخابات البرلمانية التاسعة انتصارًا ساحقًا لحزب”رابطة عوامي” الذي تتزعمه الشيخة حسينة من خلال التعاون مع الحكومة الانتقالية التي كان يسيطر عليها الجيش آنذاك،فضلاً عن دور جهاز الاستخبارات الهندي”راو” (RAW) .
كان الهدف من هذا التدخل السافر في تزوير الانتخابات هو إقصاء الإسلاميين والوطنيين لتعزيز الهيمنة الهندية،التي ترمي إلى ضم بنغلاديش إلى الهند أو تبقب في حالة عدم استقرار .
وبالفعل وبعد الفور الساحق لحزب “رابطة عوامي”وتولي السلطة .. بدأت الحكومة الجديدة في تنفيذ الأجندة الهندية!!
فقد تم قتل أو إبعاد جميع الضباط الوطنيين والإسلاميين من الجيش البنغالي ،حيث انتهزت فرصة ما عرف بتمرد “ب يدي آر”(وهي ترمز لقوات بنغلاديش الحدودية)في فبراير 2009.
وبعد ذلك بفترة وجيزة تمّ إعدام خمسة من قادة “الجماعة الإسلامية في بنجلاديش ،كما تمّ ارتكاب مذبحة ضد “حركة حفظة الإسلام في بنجلاديش” أثناء مظاهرة لهم ، بالإضافة إلى سجن وتعذيب العديد من العلماء ، كما تمّ قمع “حزب بنغلاديش الوطني” المعارض بشكل ممنهج .
كما تمّ توقيع العديد من الاتفاقيات مع الهند من قِبَلِ حكومة الشيخة حسينة والتي تهدف لبيع البلد للهند.
وعلى مدار الـ 16 سنة الماضية تزايد الغضب الشعبي ضد الحكومة مما أدي في النهاية إلى حالة الانفجار التي شهدتها البلاد مؤخراً ، ونلاحظ هنا التشابه بين ما حدث في بنجلاديش وما حدث في مصر من تزويرٍ لانتخابات ٢٠١٠ مما أدى لقيام ثورة يناير ٢٠١١ ، مما يجعلنا نحذر ثوار بنجلاديش من أن يثقوا بالجيش أو وعوده كما وثق شباب الثورة في جيش مصر!!
وبالرغم من اندلاع الثورة ضد حكومة حسينة إلا أنّ القوى الموالية للهند ما زالت تسعى بكل قوة للحفاظ على هيمنتها في البلاد من خلال وجود عملائها في الجيش والمواقع الحيوية الأخرى .
وعلى الجانب الآخر تحاول المعارضة الإسلامية توحيد صفوفها،وعلى رأسها “الجماعة الإسلامية”،وهي أكبر الأحزاب الإسلامية بالطبع،لكن إذا لم تتوحد القوى الإسلامية فلن يكون لها دور في سياسة البلاد المستقبلية.
وقد أدى سقوط الشيخة حسينة وفرارها إلي الهند إلى عودة الجماعة الإسلامية بقوة إلى الشارع البنجالي .
وقد ظهر رئيس الجماعة الإسلامية “شفيق الرحمن” وهو يبكي فرحًا بعد إعادة فتح مقر الجماعة،واحتفالا برحيل الشيخة حسينة .
وكانت حكومة الشيخة حسينة أعلنت حلّ حزب الجماعة الإسلامية وجناحه الطلابي”شيبير” في 29 يوليو الماضي واتهامه بالمشاركة في الاحتجاجات .
لكن مغادرة الشيخة حسينة البلاد أعادت الجماعة للمشهد السياسي البنغالي بقوة .
وكانت الشيخة حسينة اتهمت الجماعة الإسلامية بالقفز على الاحتجاجات الطلابية،وقالت في مؤتمر صحفي عقدته في 14 يوليو الماضي قبل فرارها إلى الهند:”إن المحتجين من “الرازاكار”-في إشارة إلى البنغاليين الذين تعاونوا مع الجيش الباكستاني خلال حرب 1971 -وتورطوا في انتهاكات ضد المدنيين ..إلخ
ومن الواضح أن الهند ليست هي الوحيدة الحريصة على عدم تمكين الإسلاميين .. بل إن حكومة محمد يونس المؤقتة تضم العديد من الشخصيات اليسارية الذين لا يرغبون في صعود الإسلاميين،وكذلك الولايات المتحدة داعمة الدكتور محمد يونس لإبعاد شبح سيطرة الإسلاميين من خلال عملائها في البلاد .
فالوضع الحالي في بنغلاديش بعد قرابة ثلاثة أشهر غير مستقر،حيث يحاول وكلاء الهند والغرب خلق حالة من عدم الاستقرار للانقضاض على السلطة.
وهناك شعور بالقلق ينتاب الشعب البنجالي في ظل حالة تراخي الشرطة وإسناد السلطة القضائية للجيش من أجل الحفاظ على النظام ما يعزز سلطة العسكر للهيمنة على الأوضاع في البلاد.
فالهند لم تيأس بعد،وتحاول بشكل كبير السعي لعدم استقرار بنجلاديش ، وهناك معلومات تفيد بأن هناك توافق بين الهند والصين وأمريكا لفصل منطقة “تلال شيتاغونغ”في جنوب شرق بنغلاديش وتحويلها إلى دولة مسيحية على غرار تيمور الشرقية وجنوب السودان!!! .
فهل ستنجح بنجلاديش في تجاوز المطبات التي أفشلت ثورات الربيع العربي؟أما أنّها ستكون ضحية للمؤامرات الهندية والأمريكية ويتمّ إفشال الثورة فيتمنى البنغاليون يوماً من أيام حسينة السوداء ؟!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق