كارثة روسيا
الدكتور محمد عباس
1/10/2015
هذا مقال هام أرجو من القراء أن يقرأوه بتأنٍّ .. وألا يكتفوا بذلك بل أن ينشروه بين الناس ويعلموهم تاريخا لم يروِه لهم أحد ..
هذا مقال هام أرجو من القراء أن يقرأوه بتأنٍّ .. وألا يكتفوا بذلك بل أن ينشروه بين الناس ويعلموهم تاريخا لم يروِه لهم أحد ..
لقد مكثت عاما كاملا – منذ خمسة عشر عاما – أبحث عن المراجع الشحيحة لهذا التاريخ وقرأت عشرات الكتب كي أستطيع رواية ما حدث لكم ..
وقد كان ذلك التاريخ مقدمة للكوارث التي توشك على العودة من جديد .. نعم .. توشك الكارثة أن تعود من جديد ..
لذلك أرجو وألح في الرجاء أن تكون مسئولية كل قارئ أن ينقل فحوى هذا المقال إلى عشرة من أصدقائه ومعارفه وأن يطلب منهم نفس الشيء ..
لكن الخونة دائما يبيعون شرف الأمة ويدمرون وجودها بالانحياز إلى هذا أو ذاك استقواء به على الإسلام وعلى شعوبهم ..
وهو نفس ما يفعله الآن البعض حين يمنحون وضعا خاصا لروسيا وهو أمر يشبه وضع زوجة خائنة تستبدل عشيقا بعشيق .. وتترك الحلال إلى الحرام .. وتتآمر على الحلال وتقتله ..
****
وأريد أيضا أن أنبه القراء إلى أن هزيمة 67 بدأت عام 54 بتحويل مصدر السلاح إلى الاتحاد السوفيتي فعلى عكس ما صوره لنا الناصريون واليساريون فقد كانت إسرائيل هي التي دفعت إلى هذا وضغطت على أمريكا حتى توافق. كان هدف إسرائيل خلق استقطاب تكون فيه أمريكا إلى جانبها والاتحاد السوفيتي إلى جانب مصر .. وكانت إسرائيل الذكية تدرك أن الأمر سينتهي بهزيمة ساحقة لجيش مصري بلا عقيدة .. يحارب بسلاح متخلف عدوا متمسكا بعقيدته الفاسدة وسلاحه المتطور.
كعادة الناصريين الأشرار صوروا لنا صفقة السلاح التشيكية-الروسية كما لو كانت نصرا للزعيم الملهم .. ولم تكن إلا اتفاقا مع أمريكا وقع فيه الباطش الأرعن. لمزيد من التفاصيل راجع كتاب جلال كشك “ثورة يوليو الأمريكية”.
النقطة الثانية التي يتجاهلها الكل والتي غطى عليها كلاب الناصرية وخنازير اليسار أن ما فعلته روسيا في المسلمين أضعاف أضعاف مئات الأضعاف ما فعلته إسرائيل بنا ..
***
سوف أورد لكم مقتطفات من مقال لي، أورد لكم رابطه الآن:
http://alarabnews.com/alshaab/GIF/09-11-2002/MohamadAbbas.htm
***
القوقاز المسلمة التي احتلتها روسيا تقارب مساحتها مساحة أوروبا .. وأن دولة منها هي الداغستان -وليست السودان- هي أكبر بلد في العالم الإسلامي .. وأن الإسلام قد دخل هذه البلاد في نفس العام الذي دخل فيه إلى مصر (إذ ربما ينبه هذا المصريين إلى أن ما يحدث للشيشان اليوم سيحدث لهم غدا) .. ففى عام 18 هجرية (638م) أرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائده عياض بن غنم عام والصحابي الجليل حذيفة بن اليمان صاحب سر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث انتشر نور الإسلام صلحا في معظم الأحوال فلم يأت عام 24 (644م) إلا وقد خضع جنوب القوقاز كله للحكم الإسلامي وذلك خلال ست سنوات فقط من الجهاد .. وهناك استشهد قثم بن العباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ..
كانت الفتنة الكبرى قد أطلت برأسها وخفت اندفاعة المسلمين فانتهز اليهود الخزر الفرصة وتصدوا للفتح الإسلامي، وفى سنة 652 م نشبت معركة هائلة استشهد فيها أربعة آلاف مسلم .. وفى سنة 730م انتصر اليهود في معركة إرديبل وتقدموا حتى وصلوا الموصل وديار بكر عازمين على غزو دمشق نفسها والقضاء التام على الخلافة الإسلامية لكنهم أخفقوا في التقدم نحو عاصمة الخلافة ورُدوا على أعقابهم بعد هزيمة نكراء .. وفي عهد مروان بن محمد الأموي تمكن المسلمون من هزيمة الخزر هزيمة كبرى .. وأدركوا عجزهم عن مواجهة المسلمين وفشلت خطتهم التي كانوا يخططون لها وهي هزيمة العالم الإسلامي ثم اكتساح أوروبا بكاملها لتهويدها.
ولقد لجأ الأمويون والعباسيون لتعزيز الفتح في بلاد القوقاز -والشيشان منها- إلى توطين العناصر العربية في تلك المناطق ليعلموا الناس الإسلام.
وكانت البداية توطين 24000 من أهل الشام في المنطقة تبعتها عشرات أخرى من الآلاف .. وذلك تفسير ما يقولونه اليوم هناك عن أصولهم العربية.
عند الفتح الإسلامي لم تنشب أي معارك مع الروس فروسيا نفسها لم تكن موجودة حتى ذلك الوقت كما يقول الأستاذ محمد يوسف عدس في دراسة قيمة منشورة بمجلة الهلال عددها الأخير .. كان الموجود مجرد إمارة حقيرة لا تتجاوز مساحتها 250 كيلومترا مربعا وكان اسمها موسكوفيا .. وخلال الخمسة قرون التالية حين تشكلت ما تعرف اليوم بروسيا من قبائل النورمان وهم مجموعة من الغزاة البرابرة الوثنيين امتهنوا القرصنة وقطع الطرق .. لم تزد مساحتها عن مساحة مصر اليوم ..
وفي بداية القرن العاشر الميلادي كانت ثلاث قوى تتصارع لكسب الروس: الإمبراطورية البيزنطية التي كانت تبذل جهودها لنشر المسيحية بين الروس على المذهب الأرثوذكسي، ودولة الخزر اليهودية تحاول نشر اليهودية بينهم، ومن جهة ثالثة كان المسلمون قد نجحوا في نشر الإسلام في معظم القوقاز، كان الطريق ممهدا أمامهم لولا وَهَنِ الثقة وجَلَدِ الفاجر، ففي ذلك الوقت أرسل أحد حكام المنطقة وهو ألمش بن يلطوار طلبا إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله (908-932م) لكي يرسل إليه بعثة تنشر الإسلام وتفقهه بالدين وتبني مسجدا يقيم عليه الدعوة للخليفة في جميع مملكته وأن يدعمه بجيوش تحميه من اليهود الخزر. وقد استجاب المقتدر وأرسل له العالم والمؤرخ المسلم “ابن فضلان” الذي رحل من بغداد يوم الخميس 11 صفر 309 هـ الموافق 21 حزيران 921 م، وقد نجح في مهمته مبدئيا، إلا أن المسلمين لم يأخذوا المسألة على محمل الجد، ولم يرسلوا الدعاة ولا الجيوش، وقد ترك لنا ابن فضلان وصفا دقيقا للأمة الروسية الهمجية، ولم يكن عددهم حينئذ يتجاوز المائة ألف فقال: “وهم أشر خلق الله على الأرض…شقر الأبدان صفر الشعور طوال القامات ضخام الأجسام مستهترون بالخمر، يشربونها ليلاُ ونهاراُ وربما مات الواحد منهم والقدح في يده .. إذا نزلوا بساحة قوم لم ينصرفوا عنهم دون أن يهلكوهم أو يستبيحوا نساءهم وأطفالهم ويسترقونهم .. وهم أقذر خلق الله لا يستنجون من غائط ولا يغتسلون من جنابة كأنهم حمير ضالة.” .. (ترى هل يختلف الوضع الآن؟!) ..
وإزاء درع منيع كان المسلمون أقوى حلقاته انهارت دولة الخزر وفر بقايا اليهود إلى أوروبا .. ومن بطش أوروبا لجأ عدد كبير منهم إلى سماحة الإسلام في الأندلس .. وبعد سقوط الأندلس فروا مرة أخرى إلى سماحة الإسلام في الدول الإسلامية خاصة تركيا حيث شكلوا يهود الدونمة التي تنتمى إليهم حركة الاتحاد والترقي وكمال أتاتورك الذين قضوا على الخلافة الإسلامية .. ثم التف بقايا كل هؤلاء .. التفوا وعادوا إلينا في إسرائيل!! .. لنفس الهدف: القضاء على الإسلام والمسلمين ..
وبدخول القرن الخامس الهجري سيطر السلاجقة الأتراك على معظم القوقاز وازدادت نسبة المسلمين في عهدهم زيادةً عظيمةً إلا أن المنطقة أصيبت بنكسة بسبب الهجمة المغولية. ثم حدثت آية من آيات الله وهي تحول تلك القبائل الهمجية الشرسة إلى الإسلام وحسُن إسلامهم فيما بعد وصاروا حماة للإسلام في القوقاز وعلى ضفاف الفولجا والذى أصبح نهرا إسلاميا.
خضعت إمارة موسكوفيا للحكم الإسلامي حتى بدأت الصراعات بين المسلمين فبدأت هذه الإمارة الصغيرة الحقيرة في الاستيلاء على الأراضى المجاورة .. وسامح الله المقتدر بالله فقد ترتب على إهماله في نشر الإسلام نجاح الضغوط والإغراءات البيزنطية وتحول الروس إلى المسيحية عندما تنصر أميرهم فلاديمير عام 989 ميلادية وكان هذا انتصارا كبيرا لبيزنطة على المسلمين.
وكانت الشيشان حرة مستقلة ..
بعد ذلك وحتى القرن الحادي عشر كانت روسيا الأوروبية مقسمة إلى أربع وستين إمارة. وظلت موسكو قرية مغمورة حتى القرن الثالث عشر.
في القرن الثالث عشر الميلادي كان دوق روسيا الأعظم يقسم يمين الولاء للمسلمين ويعلن خضوعه وجميع الأمراء الروس لهم .. نعم .. كانوا يدفعون الجزية ويدعون لهم في الكنائس. كان إيفان الأول موظفا عينه الحكام المسلمون لتحصيل الجزية من الروس .. فكان يسرق لنفسه أضعاف الجزية وبدأ في تكوين جيش قوي .. وحتى عام 1480 كانت روسيا تدفع الجزية للمسلمين القوقازيين .. والشيشان يا أنيس!!.
وحتى ذلك الوقت لم تكن مساحة روسيا تتجاوز مساحة مصر لكنها أخذت بعد ذلك تتوسع توسعا همجياً فوق جماجم المسلمين حتى بلغت اليوم خمسة عشر ضعفاً من حجمها الأول فوصلت إلى البحر الأسود في عهد بطرس (1722م) ولم يكن لها موضع قدمٍ فيه من قبل.
كان الهجوم الكاسح على الإسلام والمسلمين قد غير اتجاهه من الهجوم على القلب (في الحروب الصليبية) إلى الهجوم على الأطراف .. وكان البابا يبارك .. والتدين المحرف المنقوص يتلاقى مع هوى نفوس الملوك اللصوص .. وكان فقهاء السلطان قد زيفوا وعي الأمة أيامها .. وأوهموها أن الحروب الصليبية قد انتهت وانقضى الخطر .. بينما هذه الحروب لم تتوقف .. ولا ليوم واحد حتى اليوم .. بدأ الهجوم تلك المرة من الغرب بعد سقوط الأندلس (1492م) وفي الشمال والشرق بدأ هجوم كاسح آخر من الروس (أذكّر القارئ وأسأله أن يتساءل معي: ماذا كان سيحدث لنا جميعا لولا وجود الدولة العثمانية التي تصدت للهجومين قدر ما استطاعت ) ..
وكانت القوقاز كلها -والشيشان منها- حتى ذلك الوقت يا أنيس حرة مستقلة..
في منتصف القرن السادس عشر الميلادي بدأ إيفان الرابع المسمى “بالرهيب” (حفيد إيفان الأول أجير المسلمين) هجومه .. ولقد سمّي بالرهيب لكثرة الفظائع التي ارتكبها. تولى الحكم وهو في الثالثة من عمره بعد وفاة أبيه. وفي الثالثة عشر قرر التخلص من الوصي عليه ولكي يبث الرعب في نفوس النبلاء الروس قام بإلقاء الرجل الذي رباه للكلاب لكي تنهشه وهو حي! وقد بلغت قسوة إيفان هذا وإجرامه أن ذبح ابنه بيده. (لم يتحدث الشيوعيون عن ذلك .. يتحدثون فقط عن المسلمين الإرهابيين وعن الحكام العثمانيين)!! .. قام هذا المجرم بعد أن تغلب على بعض إمارات المسلمين ودخل عاصمتهم قازان بقتل كل سكان تلك المدينة .. في مجزرة هائلة عام 959هـ (1552م).
بعد سقوط قازان المروع تحول نهر الفولجا من نهرٍ إسلاميٍ إلى نهرٍ يسيطر عليه مجرمو الروس بعد أن أراقوا دماء المسلمين على ضفتيه. أيضاُ بسقوط أستراخان أصبح للروس موطئَ قدمٍ على الشاطئ الشمالي الشرقي لبحر قزوين (أو بحر الخزر) ذلك البحر الذي كان بحيرة إسلامية على مدى أكثر من أربعة قرون ..
كان من العوامل المساعدة على انتصارات الروس ذاك التنازع الذي نشب بين الدول الإسلامية الكبرى قبيل القرن الخامس عشر .. المماليك في مصر والصفويين في إيران والعثمانيين .. (نفس ما يحدث الآن) .. وفي عام 986هـ (1578م) كان العثمانيون (السنة) والصفويون (الشيعة) يقتسمون النفوذ على الجمهوريات الإسلامية في قازان، وبعد وفاة شاه عباس 1628م استنجد مسلمو قازان بالسلطان العثماني يؤكدون له أنهم من رعاياه ويطلبون مساعدته لمواجهة الخطر الروسي الذي عظم في ذلك الوقت. لكن العثمانيين كانوا مشغولين بجهادهم في وسط وجنوب أوروبا في هذا الوقت مما أعطى الروس اليد الطولى في البلاد الإسلامية في القوقاز ..
انظر كيف يكرر التاريخ نفسه وكيف تسنى لحاكم مجرم كافر أن يستنجد بالروس لتوطيد أركان ملكه:
ففي عام 1556 قام الروس بإغراء حاكم مسلم هو الأمير تيمروك بالتحول إلى المسيحية مقابل مساعدة الروس له ضد منافسيه، وبالفعل تحول تيمروك إلى المسيحية وزوج إحدى بناته للقيصر الروسي إيفان الرهيب .. ولقِي الحاكم المرتد جزاءه عام 1558 فقد استعاد المسلمون الإمارة ودمروا المرتدين .. وفي عام 1594 أرسل الروس حملة عسكرية أخرى للاستيلاء على مزيد من الأراضى الإسلامية فتصدى لها المسلمون (العثمانيون والتتار والداغستانيون) وهزم الروس بعد معركة شرسة لكنهم عادوا مرة أخرى عام 1604 حيث قام القيصر بوريس جودونوف بهجوم كبير على داغستان في محاولة لاحتلالها ولكن حملته انتهت بكارثة كبرى فقد دمر المسلمون جيشه وحطموا القلاع الروسية على أنهار سولاك وسونجا وتريك.
وحتى ذلك الوقت كانت معظم القوقاز – ومن بينها الشيشان – حرة مستقلة وصب الروس جام غضبهم على المسلمين الذين في قبضتهم .. واستغرقت سياسة البطش والتنصير الإجباري وهدم المساجد وحرق المدارس الإسلامية قرنين من الزمان لقمع المسلمين على ضفاف الفولجا وفي سيبريا التي سقطت عام 988 (1580م) بعد أن كانت تحكم بالإسلام .. سقطت سيبيريا بعد معارك استمرت 56 عاما ..
وفي عام 1722م بدأت حملة روسية استعمارية جديدة بقيادة بطرس (المسمى بالكبير). واستطاع بطرس انتزاع داغستان من جسد الأمة الإسلامية على حين غفلةٍ من المسلمين. ثم استولى للمرة الأولى في التاريخ على شمال الشيشان وشرقها. ومن الفظائع التي تروى بعد سقوط تلك البلدان أن الروس جعلوا بعض أسرى المسلمين فريسة يتبارون لاصطيادها عن طريق كلاب الصيد تماماً كما كان يفعل الإنجليز بالثعالب البرية.
وتوالت المصائب بتولي كاثرين عرش روسيا وتلك المرأة كان حلمها وهدفها المعلن هو السيطرة على بلدان المسلمين وتحويلها إلى بلدان أرثوذكسية. ففرضت النصرانية على المسلمين القاطنين فيما يسميه الروس وأولياؤهم بالجزء الأوروبي من روسيا (يعنون بذلك تتاريا وباشكيريا والشوفاش وكومي وغيرها من بلدان المسلمين التي لا تمت لروسيا بصلة دينيةٍ كانت أو عرقية أو لغوية أو تاريخية أو حضارية (إن كان للروس حضارة تذكر عدا الهمجية والوحشية وسفك الدماء). وعندما اصطدمت بتمسك المسلمين بدينهم سراً أصدرت مرسومها الشهير بأنه على المسلمين الذين عمدتهم الكنيسة قهراُ (وكان هؤلاء المستضعفون يمارسون شعائر دينهم سراً كما كان الأمر في الأندلس فيما بعد 1492م وهو تاريخ سقوط غرناطة) التوقيع على إقرار كتابي “يتعهدون فيه بترك خطاياهم الوثنية (أي العقيدة الإسلامية) وتجنب كل اتصال بالكفار (أي المسلمين) والتمسك بتعاليم النصرانية والثبات عليها”. وبالطبع كان هذا المرسوم أيضاً حبراُ على ورق إذ بعد ما يقرب من قرنين على إصداره وتحديداً في عام 1905م عندما أتيحت بعض الحريات الدينية في روسيا ظهر هؤلاء المقهورون كمسلمين حافظوا على إسلامهم سراً طوال تلك القرون.
لم يكتمل سقوط القوقاز والشيشان بين أيدى البرابرة الهمج إلا في عام 1785 ..
ولتتذكروا يا قراء .. أن ذلك هو الوقت الذي كانت روسيا تساعد فيه علي بك الكبير على الانفصال عن الدولة العثمانية .. علي بك الكبير ذلك يا قراء تدرسه وزارة تعليمنا – لا تعليم الروس ولا الأمريكان ولا إسرائيل ولا صربيا – لأبنائنا كبطل للتحرر والاستنارة ..
ولتتذكروا يا قراء .. أن الحملة الفرنسية قد بدأت بعد ذلك بأعوام قليلة .. في حرب طويلة مستمرة .. وضع أسُسَها وبدأها الباباوات .. ثم يسخر كلاب جهنم منا الآن حين نتحدث عن المؤامرة ..
حين استيقظ المسلمون في القوقاز والشيشان على تلك المصائب هرعوا إلى حكامهم وأمرائهم يلتمسون منهم العون .. يلتمسون منهم السماح لهم بالاستشهاد .. لا يطلبون منهم إلا تدعيم وتنظيم هذا الاستشهاد .. لكن الحكام والأمراء خانوا بل وتحالف بعضهم مع الروس لقمع المسلمين (ما أشبه الليلة بالبارحة!). أما العلماء والقادة فحملوا راية الجهاد ضد الروس .. وكان أولهم الشيخ منصور الشيشانى الذي استطاع توحيد عشائر المسلمين تحت راية الإسلام بدعمٍ من الخلافة العثمانية رغم بداية أفول نجمها واستطاع كذلك أن يذل ناصية الروس على أرض القوقاز الإسلامية .. وذلك بعد أن تمكن من إلحاق هزائم متتالية ومذلة بالروس خلال ما يقرب من تسع سنوات (1783-1791م). فأمرت إمبراطورة الروس كاثرين أصغر عشاقها الكونت بافل بوتيومكين بأن يأتي لها برأس الشيخ. وأرسل الأخير الكولونيل بيري ليفعل ذلك. وتمكن الشيخ منصور من إنزال هزيمة منكرة ببيري وقواته عند نهر سونجا عام 1785م وقتل بيري نفسه .. وجن جنون كاثرين واعتبرت تلك الهزيمة أسوأ كارثة تعرضت لها القوات الروسية في عهدها الذي توسعت روسيا خلاله حتى أحكمت السيطرة على شمال شرق البحر الأسود. وبعد ست سنوات من هزيمتهم على ضفاف نهر سونجا استطاع الروس أن يأسروا الشيخ منصور أثناء معركة ضارية تسمى تتار-تومب عام 1791م .. فخلفه في الجهاد الإمام مولا الداغستانى .. ثم الإمام شامل .. الذي قاد المقاومة في عام 1824، وكان شخصية أسطورية شامخة جمعت في جوانبها شجاعة الفارس وورع المؤمن وأخلاق الزاهد وتضحية الشهيد، وقد حقق انتصارات هائلة حتى تمكن الروس من أسره بعد خمسة وثلاثين عاما من الجهاد: (1824-1859) بعد أن حشدت القيادة القيصرية له ثلث الجيش الروسي( 200000 رجل)، لكن الجهاد لم يخمد كليا بل أعلن في 1918 قيام الجمهورية الجبلية المستقلة .. لم يخمد الجهاد -يا أنيس- رغم قيام الروس بإغلاق جميع المساجد والمدارس وجعل مناسك الإسلام جرائم يعاقب عليها القانون .. وكان من أسلحة الروس مع المسلمين نفس السلاح الذي استعمله الصليبيون مع الفليبينيين .. ونفس السلاح الذي ما يزالون يستعملونه حتى اليوم .. معنا جميعا أيها الساخرون من فكرة المؤامرة .. هذا السلاح يا نساء المسلمين ويا شيخ الأزهر هو إصدار قوانين للأحوال الشخصية تخالف الدين الإسلامى الذي يزعم المجرمون أنه يضطهد النساء ..
فى عام 1556 ارتد تيمروك عن الإسلام فقتل شر قتلة .. الآن يكافأ المرتدون بأعلى المناصب .. ويقودون .. ..
لم يخمد الجهاد .. وبعد الحرب العالمية الثانية قتل السفاح المجرم ستالين نصف مليون شيشانى (60% من الشعب الشيشانى ذلك الوقت) بعد أن أرغمهم بالآلة العسكرية الروسية على الهجرة من بلادهم إلى سيبيريا .. لكن أبناء الشهداء عادوا ليواصلوا الجهاد ..
نعم .. فمنذ بداية الاحتلال الروسي وحتى اليوم لم تنته المقاومة. كانت تخبو أحيانا تحت وطأة الآلة العسكرية الجبارة المدعومة من الغرب الصليبى كله .. وكانت تخبو إزاء خيانات حكام يدّعون أنهم مسلمون لكنهم يخونون الله والرسول .. ويخونون أهل الشيشان .. ويُستعملون مثل إعلاميينا .. كى ينشروا بين الناس بالكذب .. أن مشكلة الشيشان والقوقاز مشكلة روسية داخلية .. وأن الشيشانيين إرهابيون انفصاليون .. كانت المقاومة تخبو أحيانا وتشتعل أحيانا .. لكنها لم تخمد أبدا .. وكان العالم الإسلامى .. الأمة التي يريدها الله أمة واحدة .. تتحول إلى فتافيت أمة .. فتافيت أمة وليست فتافيت امرأة يا نساء المسلمين .. ويا شيخ الأزهر .. وكانت الأمة كمريض أصابه البرص .. تتساقط أطرافه دون أن يحس ..
فى معركة استيلاء الروس على البلاد الإسلامية وبدون حصر للحروب المحلية مع الإمارات المسلمة المستقلة شنت روسيا 120 حربا على العثمانيين الأتراك استغرقت 150 عاما و60 حربا على الصفويين استغرقت 94 عاما ..
كانت حرب إبادة .. بلغ تعداد إحدى القبائل في تعداد أجرى عام 1889 ثلاثة ملايين (يقارب الرقم تعداد مصر في ذلك الوقت) .. الباقى منهم الآن 850000!! .. في مائة عام .. ترى كم سيبقى من المصريين بعد مائة عام ..
فى منطقة القبرطاى كان تعداد المسلمين 400000 لم يبق منهم الآن إلا عشرون ألفا .. بقاياكِ يا فتافيت الأمة .. بقايا كبقايا الهنود الحمر ..
ومع ذلك فقد كانت هذه المناطق أحسن حالا من سواها .. فثمة قبائل كاملة ومدن هائلة لم ينج منها أحد ولم يبق منها أحد ..
انظروا على شاشات التلفاز إلى جروزني .. وإلى مدن الشيشان الأخرى .. هذا ما يحدث في القرن الحادي والعشرين .. انظروا .. وتخيلوا الذي كان يحدث من قرن وقرنين وثلاثة .. انظروا .. وانظرى يا فتافيت الأمة ..
حتى عام 1928 كانت اللغة الشيشانية تكتب بالحروف العربية وما زالت تحتوي على قدر هائل من الكلمات العربية ..
ولم يكن إسلامهم سطحيا بل لقد كان مسلمو القوقاز – والفليبين أيضا – من أشد الشعوب الإسلامية تمسكا بالدين وكانوا للمناسبة من المعترضين على إنهاء الخلافة الإسلامية فاضطهدهم كمال أتاتورك ونكل بمن لجأوا منهم تحت وطأة الحديد والنار الروسية إلى تركيا .. وكمال أتاتورك هذا .. هو معبود نخبتنا العميلة!! ..
كانت الفُرقة التي يكرسها ويدعو لها المجرمون هى السبب فيما حدث للإسلام والمسلمين ..
يقول المؤرخ جون بادلي في كتابه: “الغزو الروسي للقوقاز” : لو اتحدت إيران وتركيا لتمت هزيمة الروس هزيمة ساحقة .. ( ترى ماذا يحدث الآن لو اتحدت إيران وتركيا وانضمت إليهما مصر؟!) ..
وكان العالم كله – وما زال – شديد الإعجاب بالمجاهدين القوزاق والشيشان .. حتى المنصفون من الروس أنفسهم راجع بوشكين وتولستوي ( راجعهما آمنا مطمئنا .. فليسا مسلميْن!) .. راجع أيضا الشاعر الروسي ليرمنتوف ومارلينشكي ومن المعاصرين فاليري تشيكوف .. راجع أي مرجع لا يرجع إلى يهود الخزر أو يهود إسرائيل قبل الوصول إليك ..
كان كارل ماركس يقول: “يا شعوب العالم ليكن قتال القوقازيين من أجل حرياتهم درسا لكم” ..
إن نبل القوزاق – والشيشان جزء منهم – لا تقتصر على البطولة والشجاعة والتضحية والفداء .. بل يتعدى ذلك إلى آفاق قد لا يتخيلها القارئ الذي دُمِّر وعيُه ..
يقول المؤرخ الروسي فادييف:”إن الحرب القوقازية شلت حركات الجزء الأكبر من الجيوش الروسية بعض الوقت، ولولاها لاستطاعت الجيوش الروسية أن تحتل الشرق جميعه من مصر إلى اليابان
***
ولعل القارئ يدرك أنني لم أتكلم إلا عن رؤوس الموضوعات .. ولم أذكر إلا العناوين .. وأن كل سطر من هذا المقال يحتاج إلى كتاب .. كتاب لا تحرِّمه وزارة التربية والتعليم ولا تقاطعه الإذاعة والتليفزيون والصحف ولا تطلب مباحث أمن الدولة حظر نشره تجفيفا للمنابع .. نعم .. لقد أوجزت الإيجاز المخل .. فاغفر لي يا ربي .. لأنني وجلال وجهك أحسب أنني لو قضيت العمر كله أكتب فسوف تكون جنايتي أمامك يوم القيامة وسؤالي: ماذا فعلت .. أكان ذلك قصارى جهدك؟ .. وأخشى يا قراء أن يأتي ملاك بأطنان الحبر التي سودت بها مقالاتى ليضعها في الميزان .. ثم يضع في الكفة الأخرى .. قطرة دم واحدة .. لشهيد واحد .. من ملايين شهداء المسلمين .. في أنحاء المعمورة .. من الشيشان إلى الفليبين .. ومن الأندلس إلى فلسطين .. (ومن رابعة إلى النهضة) فترجح قطرة الدم أطنان الحبر .. فيقال اذهبوا به إلى النار ..
نعم يا قراء .. ما أفدح ذنبى وذنبكم ..
كثيرا يا قراء ما أربط تفاصيل كوارث حياتنا اليومية بالتاريخ .. وكأن هذه الكوارث مجرد رمز .. أو تعبير فني عن التاريخ كله .. ومن ذلك يا قراء ما أحسست به مع الوقائع الفاجعة للجريمة البشعة التي ارتكبها الأمريكيون بإسقاط الطائرة المصرية[1] .. حين تخيلت .. أن هذه الطائرة هي الأمة الإسلامية التي أسقطها العالم .. واغتالها .. ومدركا أن المجرمين الروس كالمجرمين الأمريكيين وأذنابهم وعبيدهم .. يهدفون إلى طمس تاريخنا الشهيد كله .. طمسه بصورة مطلقة ونهائية وأبدية .. تماما كما فعل المجرمون بحادثة الطائرة المصرية .. يسقطون الطائرة .. يموت الجميع فلا يبقى ثمة شاهد .. ثم يلفقون الأدلة كي يكون الضحايا هم الجناة .. أما من شاهد من بعيد فإما الصمت وإما الموت .. يتعاملون مع تاريخنا بنفس المنطق .. لذلك فإنهم هم المتحضرون ونحن المتخلفون الهمج ..
(كان الضابط الوحيد الذي تخلف عن ركوب الطائرة في آخر لحظة هو الفريق عبدالفتاح السيسي)
ونحن ككل الإسلاميين يا نخبتنا التعيسة وكالشيشانيين إرهابيون انفصاليون .. أما نخبتنا الليبرالية العلمانية اليسارية التعيسة .. فإنها هي الطبعة العربية لذلك العلج الأمريكي .. الذي خرج ليعلن أن الطيار المصري هو الذي انتحر بكل ركابه .. وكان دليله على ذلك كلمة : ” توكلت على الله .. ” ..
يجمح بي الخيال المعذب كثيرا لأتخيل الموقفين .. وفي الحالين يا قراء .. الشيشان والطائرة .. كان موقف مصر .. يخزيني ويضنيني ويبكيني ..
يجمح بي الخيال أحيانا يا قراء .. فأتخيل أن أعداءنا كانوا الخنزير الأبيض .. وأن من باعونا من ولاة أمورنا عبر التاريخ ومن زيفوا وعينا كانوا الخنزير الأسود ..
أما نحن .. – أنا وأنتم يا قراء – فأظن أن منطقنا تجاه كل ذلك هو نفس منطق المثل الشيشاني: “لا فرق بين الخنزير الأبيض والخنزير الأسود”.
[1] - في نهاية القرن العشرين كانت طائرة مصرية تحمل مئات الركاب تسقط بجوار الساحل الأمريكى .. المرجح أن صاروخا أمريكيا أسقطها .. كان عليها خيرة كبار ضباط الجيش المصري .. وادعت أمريكا أن الطيار المصري انتحر بركاب الطائرة .. وكان دليلهم على ذلك أنه قال: توكلت على الله .. !! ..
لذلك أرجو وألح في الرجاء أن تكون مسئولية كل قارئ أن ينقل فحوى هذا المقال إلى عشرة من أصدقائه ومعارفه وأن يطلب منهم نفس الشيء ..
***
أرادنا الله أمة واحدة لا نميل إلى الشرق أو الغرب بل أن نكون رمانة الميزان والأمة الوسط ..لكن الخونة دائما يبيعون شرف الأمة ويدمرون وجودها بالانحياز إلى هذا أو ذاك استقواء به على الإسلام وعلى شعوبهم ..
وهو نفس ما يفعله الآن البعض حين يمنحون وضعا خاصا لروسيا وهو أمر يشبه وضع زوجة خائنة تستبدل عشيقا بعشيق .. وتترك الحلال إلى الحرام .. وتتآمر على الحلال وتقتله ..
****
وأريد أيضا أن أنبه القراء إلى أن هزيمة 67 بدأت عام 54 بتحويل مصدر السلاح إلى الاتحاد السوفيتي فعلى عكس ما صوره لنا الناصريون واليساريون فقد كانت إسرائيل هي التي دفعت إلى هذا وضغطت على أمريكا حتى توافق. كان هدف إسرائيل خلق استقطاب تكون فيه أمريكا إلى جانبها والاتحاد السوفيتي إلى جانب مصر .. وكانت إسرائيل الذكية تدرك أن الأمر سينتهي بهزيمة ساحقة لجيش مصري بلا عقيدة .. يحارب بسلاح متخلف عدوا متمسكا بعقيدته الفاسدة وسلاحه المتطور.
كعادة الناصريين الأشرار صوروا لنا صفقة السلاح التشيكية-الروسية كما لو كانت نصرا للزعيم الملهم .. ولم تكن إلا اتفاقا مع أمريكا وقع فيه الباطش الأرعن. لمزيد من التفاصيل راجع كتاب جلال كشك “ثورة يوليو الأمريكية”.
النقطة الثانية التي يتجاهلها الكل والتي غطى عليها كلاب الناصرية وخنازير اليسار أن ما فعلته روسيا في المسلمين أضعاف أضعاف مئات الأضعاف ما فعلته إسرائيل بنا ..
***
سوف أورد لكم مقتطفات من مقال لي، أورد لكم رابطه الآن:
http://alarabnews.com/alshaab/GIF/09-11-2002/MohamadAbbas.htm
***
القوقاز المسلمة التي احتلتها روسيا تقارب مساحتها مساحة أوروبا .. وأن دولة منها هي الداغستان -وليست السودان- هي أكبر بلد في العالم الإسلامي .. وأن الإسلام قد دخل هذه البلاد في نفس العام الذي دخل فيه إلى مصر (إذ ربما ينبه هذا المصريين إلى أن ما يحدث للشيشان اليوم سيحدث لهم غدا) .. ففى عام 18 هجرية (638م) أرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائده عياض بن غنم عام والصحابي الجليل حذيفة بن اليمان صاحب سر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث انتشر نور الإسلام صلحا في معظم الأحوال فلم يأت عام 24 (644م) إلا وقد خضع جنوب القوقاز كله للحكم الإسلامي وذلك خلال ست سنوات فقط من الجهاد .. وهناك استشهد قثم بن العباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ..
كانت الفتنة الكبرى قد أطلت برأسها وخفت اندفاعة المسلمين فانتهز اليهود الخزر الفرصة وتصدوا للفتح الإسلامي، وفى سنة 652 م نشبت معركة هائلة استشهد فيها أربعة آلاف مسلم .. وفى سنة 730م انتصر اليهود في معركة إرديبل وتقدموا حتى وصلوا الموصل وديار بكر عازمين على غزو دمشق نفسها والقضاء التام على الخلافة الإسلامية لكنهم أخفقوا في التقدم نحو عاصمة الخلافة ورُدوا على أعقابهم بعد هزيمة نكراء .. وفي عهد مروان بن محمد الأموي تمكن المسلمون من هزيمة الخزر هزيمة كبرى .. وأدركوا عجزهم عن مواجهة المسلمين وفشلت خطتهم التي كانوا يخططون لها وهي هزيمة العالم الإسلامي ثم اكتساح أوروبا بكاملها لتهويدها.
ولقد لجأ الأمويون والعباسيون لتعزيز الفتح في بلاد القوقاز -والشيشان منها- إلى توطين العناصر العربية في تلك المناطق ليعلموا الناس الإسلام.
وكانت البداية توطين 24000 من أهل الشام في المنطقة تبعتها عشرات أخرى من الآلاف .. وذلك تفسير ما يقولونه اليوم هناك عن أصولهم العربية.
عند الفتح الإسلامي لم تنشب أي معارك مع الروس فروسيا نفسها لم تكن موجودة حتى ذلك الوقت كما يقول الأستاذ محمد يوسف عدس في دراسة قيمة منشورة بمجلة الهلال عددها الأخير .. كان الموجود مجرد إمارة حقيرة لا تتجاوز مساحتها 250 كيلومترا مربعا وكان اسمها موسكوفيا .. وخلال الخمسة قرون التالية حين تشكلت ما تعرف اليوم بروسيا من قبائل النورمان وهم مجموعة من الغزاة البرابرة الوثنيين امتهنوا القرصنة وقطع الطرق .. لم تزد مساحتها عن مساحة مصر اليوم ..
وفي بداية القرن العاشر الميلادي كانت ثلاث قوى تتصارع لكسب الروس: الإمبراطورية البيزنطية التي كانت تبذل جهودها لنشر المسيحية بين الروس على المذهب الأرثوذكسي، ودولة الخزر اليهودية تحاول نشر اليهودية بينهم، ومن جهة ثالثة كان المسلمون قد نجحوا في نشر الإسلام في معظم القوقاز، كان الطريق ممهدا أمامهم لولا وَهَنِ الثقة وجَلَدِ الفاجر، ففي ذلك الوقت أرسل أحد حكام المنطقة وهو ألمش بن يلطوار طلبا إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله (908-932م) لكي يرسل إليه بعثة تنشر الإسلام وتفقهه بالدين وتبني مسجدا يقيم عليه الدعوة للخليفة في جميع مملكته وأن يدعمه بجيوش تحميه من اليهود الخزر. وقد استجاب المقتدر وأرسل له العالم والمؤرخ المسلم “ابن فضلان” الذي رحل من بغداد يوم الخميس 11 صفر 309 هـ الموافق 21 حزيران 921 م، وقد نجح في مهمته مبدئيا، إلا أن المسلمين لم يأخذوا المسألة على محمل الجد، ولم يرسلوا الدعاة ولا الجيوش، وقد ترك لنا ابن فضلان وصفا دقيقا للأمة الروسية الهمجية، ولم يكن عددهم حينئذ يتجاوز المائة ألف فقال: “وهم أشر خلق الله على الأرض…شقر الأبدان صفر الشعور طوال القامات ضخام الأجسام مستهترون بالخمر، يشربونها ليلاُ ونهاراُ وربما مات الواحد منهم والقدح في يده .. إذا نزلوا بساحة قوم لم ينصرفوا عنهم دون أن يهلكوهم أو يستبيحوا نساءهم وأطفالهم ويسترقونهم .. وهم أقذر خلق الله لا يستنجون من غائط ولا يغتسلون من جنابة كأنهم حمير ضالة.” .. (ترى هل يختلف الوضع الآن؟!) ..
وإزاء درع منيع كان المسلمون أقوى حلقاته انهارت دولة الخزر وفر بقايا اليهود إلى أوروبا .. ومن بطش أوروبا لجأ عدد كبير منهم إلى سماحة الإسلام في الأندلس .. وبعد سقوط الأندلس فروا مرة أخرى إلى سماحة الإسلام في الدول الإسلامية خاصة تركيا حيث شكلوا يهود الدونمة التي تنتمى إليهم حركة الاتحاد والترقي وكمال أتاتورك الذين قضوا على الخلافة الإسلامية .. ثم التف بقايا كل هؤلاء .. التفوا وعادوا إلينا في إسرائيل!! .. لنفس الهدف: القضاء على الإسلام والمسلمين ..
وبدخول القرن الخامس الهجري سيطر السلاجقة الأتراك على معظم القوقاز وازدادت نسبة المسلمين في عهدهم زيادةً عظيمةً إلا أن المنطقة أصيبت بنكسة بسبب الهجمة المغولية. ثم حدثت آية من آيات الله وهي تحول تلك القبائل الهمجية الشرسة إلى الإسلام وحسُن إسلامهم فيما بعد وصاروا حماة للإسلام في القوقاز وعلى ضفاف الفولجا والذى أصبح نهرا إسلاميا.
خضعت إمارة موسكوفيا للحكم الإسلامي حتى بدأت الصراعات بين المسلمين فبدأت هذه الإمارة الصغيرة الحقيرة في الاستيلاء على الأراضى المجاورة .. وسامح الله المقتدر بالله فقد ترتب على إهماله في نشر الإسلام نجاح الضغوط والإغراءات البيزنطية وتحول الروس إلى المسيحية عندما تنصر أميرهم فلاديمير عام 989 ميلادية وكان هذا انتصارا كبيرا لبيزنطة على المسلمين.
وكانت الشيشان حرة مستقلة ..
بعد ذلك وحتى القرن الحادي عشر كانت روسيا الأوروبية مقسمة إلى أربع وستين إمارة. وظلت موسكو قرية مغمورة حتى القرن الثالث عشر.
في القرن الثالث عشر الميلادي كان دوق روسيا الأعظم يقسم يمين الولاء للمسلمين ويعلن خضوعه وجميع الأمراء الروس لهم .. نعم .. كانوا يدفعون الجزية ويدعون لهم في الكنائس. كان إيفان الأول موظفا عينه الحكام المسلمون لتحصيل الجزية من الروس .. فكان يسرق لنفسه أضعاف الجزية وبدأ في تكوين جيش قوي .. وحتى عام 1480 كانت روسيا تدفع الجزية للمسلمين القوقازيين .. والشيشان يا أنيس!!.
وحتى ذلك الوقت لم تكن مساحة روسيا تتجاوز مساحة مصر لكنها أخذت بعد ذلك تتوسع توسعا همجياً فوق جماجم المسلمين حتى بلغت اليوم خمسة عشر ضعفاً من حجمها الأول فوصلت إلى البحر الأسود في عهد بطرس (1722م) ولم يكن لها موضع قدمٍ فيه من قبل.
كان الهجوم الكاسح على الإسلام والمسلمين قد غير اتجاهه من الهجوم على القلب (في الحروب الصليبية) إلى الهجوم على الأطراف .. وكان البابا يبارك .. والتدين المحرف المنقوص يتلاقى مع هوى نفوس الملوك اللصوص .. وكان فقهاء السلطان قد زيفوا وعي الأمة أيامها .. وأوهموها أن الحروب الصليبية قد انتهت وانقضى الخطر .. بينما هذه الحروب لم تتوقف .. ولا ليوم واحد حتى اليوم .. بدأ الهجوم تلك المرة من الغرب بعد سقوط الأندلس (1492م) وفي الشمال والشرق بدأ هجوم كاسح آخر من الروس (أذكّر القارئ وأسأله أن يتساءل معي: ماذا كان سيحدث لنا جميعا لولا وجود الدولة العثمانية التي تصدت للهجومين قدر ما استطاعت ) ..
وكانت القوقاز كلها -والشيشان منها- حتى ذلك الوقت يا أنيس حرة مستقلة..
في منتصف القرن السادس عشر الميلادي بدأ إيفان الرابع المسمى “بالرهيب” (حفيد إيفان الأول أجير المسلمين) هجومه .. ولقد سمّي بالرهيب لكثرة الفظائع التي ارتكبها. تولى الحكم وهو في الثالثة من عمره بعد وفاة أبيه. وفي الثالثة عشر قرر التخلص من الوصي عليه ولكي يبث الرعب في نفوس النبلاء الروس قام بإلقاء الرجل الذي رباه للكلاب لكي تنهشه وهو حي! وقد بلغت قسوة إيفان هذا وإجرامه أن ذبح ابنه بيده. (لم يتحدث الشيوعيون عن ذلك .. يتحدثون فقط عن المسلمين الإرهابيين وعن الحكام العثمانيين)!! .. قام هذا المجرم بعد أن تغلب على بعض إمارات المسلمين ودخل عاصمتهم قازان بقتل كل سكان تلك المدينة .. في مجزرة هائلة عام 959هـ (1552م).
بعد سقوط قازان المروع تحول نهر الفولجا من نهرٍ إسلاميٍ إلى نهرٍ يسيطر عليه مجرمو الروس بعد أن أراقوا دماء المسلمين على ضفتيه. أيضاُ بسقوط أستراخان أصبح للروس موطئَ قدمٍ على الشاطئ الشمالي الشرقي لبحر قزوين (أو بحر الخزر) ذلك البحر الذي كان بحيرة إسلامية على مدى أكثر من أربعة قرون ..
كان من العوامل المساعدة على انتصارات الروس ذاك التنازع الذي نشب بين الدول الإسلامية الكبرى قبيل القرن الخامس عشر .. المماليك في مصر والصفويين في إيران والعثمانيين .. (نفس ما يحدث الآن) .. وفي عام 986هـ (1578م) كان العثمانيون (السنة) والصفويون (الشيعة) يقتسمون النفوذ على الجمهوريات الإسلامية في قازان، وبعد وفاة شاه عباس 1628م استنجد مسلمو قازان بالسلطان العثماني يؤكدون له أنهم من رعاياه ويطلبون مساعدته لمواجهة الخطر الروسي الذي عظم في ذلك الوقت. لكن العثمانيين كانوا مشغولين بجهادهم في وسط وجنوب أوروبا في هذا الوقت مما أعطى الروس اليد الطولى في البلاد الإسلامية في القوقاز ..
انظر كيف يكرر التاريخ نفسه وكيف تسنى لحاكم مجرم كافر أن يستنجد بالروس لتوطيد أركان ملكه:
ففي عام 1556 قام الروس بإغراء حاكم مسلم هو الأمير تيمروك بالتحول إلى المسيحية مقابل مساعدة الروس له ضد منافسيه، وبالفعل تحول تيمروك إلى المسيحية وزوج إحدى بناته للقيصر الروسي إيفان الرهيب .. ولقِي الحاكم المرتد جزاءه عام 1558 فقد استعاد المسلمون الإمارة ودمروا المرتدين .. وفي عام 1594 أرسل الروس حملة عسكرية أخرى للاستيلاء على مزيد من الأراضى الإسلامية فتصدى لها المسلمون (العثمانيون والتتار والداغستانيون) وهزم الروس بعد معركة شرسة لكنهم عادوا مرة أخرى عام 1604 حيث قام القيصر بوريس جودونوف بهجوم كبير على داغستان في محاولة لاحتلالها ولكن حملته انتهت بكارثة كبرى فقد دمر المسلمون جيشه وحطموا القلاع الروسية على أنهار سولاك وسونجا وتريك.
وحتى ذلك الوقت كانت معظم القوقاز – ومن بينها الشيشان – حرة مستقلة وصب الروس جام غضبهم على المسلمين الذين في قبضتهم .. واستغرقت سياسة البطش والتنصير الإجباري وهدم المساجد وحرق المدارس الإسلامية قرنين من الزمان لقمع المسلمين على ضفاف الفولجا وفي سيبريا التي سقطت عام 988 (1580م) بعد أن كانت تحكم بالإسلام .. سقطت سيبيريا بعد معارك استمرت 56 عاما ..
وفي عام 1722م بدأت حملة روسية استعمارية جديدة بقيادة بطرس (المسمى بالكبير). واستطاع بطرس انتزاع داغستان من جسد الأمة الإسلامية على حين غفلةٍ من المسلمين. ثم استولى للمرة الأولى في التاريخ على شمال الشيشان وشرقها. ومن الفظائع التي تروى بعد سقوط تلك البلدان أن الروس جعلوا بعض أسرى المسلمين فريسة يتبارون لاصطيادها عن طريق كلاب الصيد تماماً كما كان يفعل الإنجليز بالثعالب البرية.
وتوالت المصائب بتولي كاثرين عرش روسيا وتلك المرأة كان حلمها وهدفها المعلن هو السيطرة على بلدان المسلمين وتحويلها إلى بلدان أرثوذكسية. ففرضت النصرانية على المسلمين القاطنين فيما يسميه الروس وأولياؤهم بالجزء الأوروبي من روسيا (يعنون بذلك تتاريا وباشكيريا والشوفاش وكومي وغيرها من بلدان المسلمين التي لا تمت لروسيا بصلة دينيةٍ كانت أو عرقية أو لغوية أو تاريخية أو حضارية (إن كان للروس حضارة تذكر عدا الهمجية والوحشية وسفك الدماء). وعندما اصطدمت بتمسك المسلمين بدينهم سراً أصدرت مرسومها الشهير بأنه على المسلمين الذين عمدتهم الكنيسة قهراُ (وكان هؤلاء المستضعفون يمارسون شعائر دينهم سراً كما كان الأمر في الأندلس فيما بعد 1492م وهو تاريخ سقوط غرناطة) التوقيع على إقرار كتابي “يتعهدون فيه بترك خطاياهم الوثنية (أي العقيدة الإسلامية) وتجنب كل اتصال بالكفار (أي المسلمين) والتمسك بتعاليم النصرانية والثبات عليها”. وبالطبع كان هذا المرسوم أيضاً حبراُ على ورق إذ بعد ما يقرب من قرنين على إصداره وتحديداً في عام 1905م عندما أتيحت بعض الحريات الدينية في روسيا ظهر هؤلاء المقهورون كمسلمين حافظوا على إسلامهم سراً طوال تلك القرون.
لم يكتمل سقوط القوقاز والشيشان بين أيدى البرابرة الهمج إلا في عام 1785 ..
ولتتذكروا يا قراء .. أن ذلك هو الوقت الذي كانت روسيا تساعد فيه علي بك الكبير على الانفصال عن الدولة العثمانية .. علي بك الكبير ذلك يا قراء تدرسه وزارة تعليمنا – لا تعليم الروس ولا الأمريكان ولا إسرائيل ولا صربيا – لأبنائنا كبطل للتحرر والاستنارة ..
ولتتذكروا يا قراء .. أن الحملة الفرنسية قد بدأت بعد ذلك بأعوام قليلة .. في حرب طويلة مستمرة .. وضع أسُسَها وبدأها الباباوات .. ثم يسخر كلاب جهنم منا الآن حين نتحدث عن المؤامرة ..
حين استيقظ المسلمون في القوقاز والشيشان على تلك المصائب هرعوا إلى حكامهم وأمرائهم يلتمسون منهم العون .. يلتمسون منهم السماح لهم بالاستشهاد .. لا يطلبون منهم إلا تدعيم وتنظيم هذا الاستشهاد .. لكن الحكام والأمراء خانوا بل وتحالف بعضهم مع الروس لقمع المسلمين (ما أشبه الليلة بالبارحة!). أما العلماء والقادة فحملوا راية الجهاد ضد الروس .. وكان أولهم الشيخ منصور الشيشانى الذي استطاع توحيد عشائر المسلمين تحت راية الإسلام بدعمٍ من الخلافة العثمانية رغم بداية أفول نجمها واستطاع كذلك أن يذل ناصية الروس على أرض القوقاز الإسلامية .. وذلك بعد أن تمكن من إلحاق هزائم متتالية ومذلة بالروس خلال ما يقرب من تسع سنوات (1783-1791م). فأمرت إمبراطورة الروس كاثرين أصغر عشاقها الكونت بافل بوتيومكين بأن يأتي لها برأس الشيخ. وأرسل الأخير الكولونيل بيري ليفعل ذلك. وتمكن الشيخ منصور من إنزال هزيمة منكرة ببيري وقواته عند نهر سونجا عام 1785م وقتل بيري نفسه .. وجن جنون كاثرين واعتبرت تلك الهزيمة أسوأ كارثة تعرضت لها القوات الروسية في عهدها الذي توسعت روسيا خلاله حتى أحكمت السيطرة على شمال شرق البحر الأسود. وبعد ست سنوات من هزيمتهم على ضفاف نهر سونجا استطاع الروس أن يأسروا الشيخ منصور أثناء معركة ضارية تسمى تتار-تومب عام 1791م .. فخلفه في الجهاد الإمام مولا الداغستانى .. ثم الإمام شامل .. الذي قاد المقاومة في عام 1824، وكان شخصية أسطورية شامخة جمعت في جوانبها شجاعة الفارس وورع المؤمن وأخلاق الزاهد وتضحية الشهيد، وقد حقق انتصارات هائلة حتى تمكن الروس من أسره بعد خمسة وثلاثين عاما من الجهاد: (1824-1859) بعد أن حشدت القيادة القيصرية له ثلث الجيش الروسي( 200000 رجل)، لكن الجهاد لم يخمد كليا بل أعلن في 1918 قيام الجمهورية الجبلية المستقلة .. لم يخمد الجهاد -يا أنيس- رغم قيام الروس بإغلاق جميع المساجد والمدارس وجعل مناسك الإسلام جرائم يعاقب عليها القانون .. وكان من أسلحة الروس مع المسلمين نفس السلاح الذي استعمله الصليبيون مع الفليبينيين .. ونفس السلاح الذي ما يزالون يستعملونه حتى اليوم .. معنا جميعا أيها الساخرون من فكرة المؤامرة .. هذا السلاح يا نساء المسلمين ويا شيخ الأزهر هو إصدار قوانين للأحوال الشخصية تخالف الدين الإسلامى الذي يزعم المجرمون أنه يضطهد النساء ..
فى عام 1556 ارتد تيمروك عن الإسلام فقتل شر قتلة .. الآن يكافأ المرتدون بأعلى المناصب .. ويقودون .. ..
لم يخمد الجهاد .. وبعد الحرب العالمية الثانية قتل السفاح المجرم ستالين نصف مليون شيشانى (60% من الشعب الشيشانى ذلك الوقت) بعد أن أرغمهم بالآلة العسكرية الروسية على الهجرة من بلادهم إلى سيبيريا .. لكن أبناء الشهداء عادوا ليواصلوا الجهاد ..
نعم .. فمنذ بداية الاحتلال الروسي وحتى اليوم لم تنته المقاومة. كانت تخبو أحيانا تحت وطأة الآلة العسكرية الجبارة المدعومة من الغرب الصليبى كله .. وكانت تخبو إزاء خيانات حكام يدّعون أنهم مسلمون لكنهم يخونون الله والرسول .. ويخونون أهل الشيشان .. ويُستعملون مثل إعلاميينا .. كى ينشروا بين الناس بالكذب .. أن مشكلة الشيشان والقوقاز مشكلة روسية داخلية .. وأن الشيشانيين إرهابيون انفصاليون .. كانت المقاومة تخبو أحيانا وتشتعل أحيانا .. لكنها لم تخمد أبدا .. وكان العالم الإسلامى .. الأمة التي يريدها الله أمة واحدة .. تتحول إلى فتافيت أمة .. فتافيت أمة وليست فتافيت امرأة يا نساء المسلمين .. ويا شيخ الأزهر .. وكانت الأمة كمريض أصابه البرص .. تتساقط أطرافه دون أن يحس ..
فى معركة استيلاء الروس على البلاد الإسلامية وبدون حصر للحروب المحلية مع الإمارات المسلمة المستقلة شنت روسيا 120 حربا على العثمانيين الأتراك استغرقت 150 عاما و60 حربا على الصفويين استغرقت 94 عاما ..
كانت حرب إبادة .. بلغ تعداد إحدى القبائل في تعداد أجرى عام 1889 ثلاثة ملايين (يقارب الرقم تعداد مصر في ذلك الوقت) .. الباقى منهم الآن 850000!! .. في مائة عام .. ترى كم سيبقى من المصريين بعد مائة عام ..
فى منطقة القبرطاى كان تعداد المسلمين 400000 لم يبق منهم الآن إلا عشرون ألفا .. بقاياكِ يا فتافيت الأمة .. بقايا كبقايا الهنود الحمر ..
ومع ذلك فقد كانت هذه المناطق أحسن حالا من سواها .. فثمة قبائل كاملة ومدن هائلة لم ينج منها أحد ولم يبق منها أحد ..
انظروا على شاشات التلفاز إلى جروزني .. وإلى مدن الشيشان الأخرى .. هذا ما يحدث في القرن الحادي والعشرين .. انظروا .. وتخيلوا الذي كان يحدث من قرن وقرنين وثلاثة .. انظروا .. وانظرى يا فتافيت الأمة ..
حتى عام 1928 كانت اللغة الشيشانية تكتب بالحروف العربية وما زالت تحتوي على قدر هائل من الكلمات العربية ..
ولم يكن إسلامهم سطحيا بل لقد كان مسلمو القوقاز – والفليبين أيضا – من أشد الشعوب الإسلامية تمسكا بالدين وكانوا للمناسبة من المعترضين على إنهاء الخلافة الإسلامية فاضطهدهم كمال أتاتورك ونكل بمن لجأوا منهم تحت وطأة الحديد والنار الروسية إلى تركيا .. وكمال أتاتورك هذا .. هو معبود نخبتنا العميلة!! ..
كانت الفُرقة التي يكرسها ويدعو لها المجرمون هى السبب فيما حدث للإسلام والمسلمين ..
يقول المؤرخ جون بادلي في كتابه: “الغزو الروسي للقوقاز” : لو اتحدت إيران وتركيا لتمت هزيمة الروس هزيمة ساحقة .. ( ترى ماذا يحدث الآن لو اتحدت إيران وتركيا وانضمت إليهما مصر؟!) ..
وكان العالم كله – وما زال – شديد الإعجاب بالمجاهدين القوزاق والشيشان .. حتى المنصفون من الروس أنفسهم راجع بوشكين وتولستوي ( راجعهما آمنا مطمئنا .. فليسا مسلميْن!) .. راجع أيضا الشاعر الروسي ليرمنتوف ومارلينشكي ومن المعاصرين فاليري تشيكوف .. راجع أي مرجع لا يرجع إلى يهود الخزر أو يهود إسرائيل قبل الوصول إليك ..
كان كارل ماركس يقول: “يا شعوب العالم ليكن قتال القوقازيين من أجل حرياتهم درسا لكم” ..
إن نبل القوزاق – والشيشان جزء منهم – لا تقتصر على البطولة والشجاعة والتضحية والفداء .. بل يتعدى ذلك إلى آفاق قد لا يتخيلها القارئ الذي دُمِّر وعيُه ..
يقول المؤرخ الروسي فادييف:”إن الحرب القوقازية شلت حركات الجزء الأكبر من الجيوش الروسية بعض الوقت، ولولاها لاستطاعت الجيوش الروسية أن تحتل الشرق جميعه من مصر إلى اليابان
***
ولعل القارئ يدرك أنني لم أتكلم إلا عن رؤوس الموضوعات .. ولم أذكر إلا العناوين .. وأن كل سطر من هذا المقال يحتاج إلى كتاب .. كتاب لا تحرِّمه وزارة التربية والتعليم ولا تقاطعه الإذاعة والتليفزيون والصحف ولا تطلب مباحث أمن الدولة حظر نشره تجفيفا للمنابع .. نعم .. لقد أوجزت الإيجاز المخل .. فاغفر لي يا ربي .. لأنني وجلال وجهك أحسب أنني لو قضيت العمر كله أكتب فسوف تكون جنايتي أمامك يوم القيامة وسؤالي: ماذا فعلت .. أكان ذلك قصارى جهدك؟ .. وأخشى يا قراء أن يأتي ملاك بأطنان الحبر التي سودت بها مقالاتى ليضعها في الميزان .. ثم يضع في الكفة الأخرى .. قطرة دم واحدة .. لشهيد واحد .. من ملايين شهداء المسلمين .. في أنحاء المعمورة .. من الشيشان إلى الفليبين .. ومن الأندلس إلى فلسطين .. (ومن رابعة إلى النهضة) فترجح قطرة الدم أطنان الحبر .. فيقال اذهبوا به إلى النار ..
نعم يا قراء .. ما أفدح ذنبى وذنبكم ..
كثيرا يا قراء ما أربط تفاصيل كوارث حياتنا اليومية بالتاريخ .. وكأن هذه الكوارث مجرد رمز .. أو تعبير فني عن التاريخ كله .. ومن ذلك يا قراء ما أحسست به مع الوقائع الفاجعة للجريمة البشعة التي ارتكبها الأمريكيون بإسقاط الطائرة المصرية[1] .. حين تخيلت .. أن هذه الطائرة هي الأمة الإسلامية التي أسقطها العالم .. واغتالها .. ومدركا أن المجرمين الروس كالمجرمين الأمريكيين وأذنابهم وعبيدهم .. يهدفون إلى طمس تاريخنا الشهيد كله .. طمسه بصورة مطلقة ونهائية وأبدية .. تماما كما فعل المجرمون بحادثة الطائرة المصرية .. يسقطون الطائرة .. يموت الجميع فلا يبقى ثمة شاهد .. ثم يلفقون الأدلة كي يكون الضحايا هم الجناة .. أما من شاهد من بعيد فإما الصمت وإما الموت .. يتعاملون مع تاريخنا بنفس المنطق .. لذلك فإنهم هم المتحضرون ونحن المتخلفون الهمج ..
(كان الضابط الوحيد الذي تخلف عن ركوب الطائرة في آخر لحظة هو الفريق عبدالفتاح السيسي)
ونحن ككل الإسلاميين يا نخبتنا التعيسة وكالشيشانيين إرهابيون انفصاليون .. أما نخبتنا الليبرالية العلمانية اليسارية التعيسة .. فإنها هي الطبعة العربية لذلك العلج الأمريكي .. الذي خرج ليعلن أن الطيار المصري هو الذي انتحر بكل ركابه .. وكان دليله على ذلك كلمة : ” توكلت على الله .. ” ..
يجمح بي الخيال المعذب كثيرا لأتخيل الموقفين .. وفي الحالين يا قراء .. الشيشان والطائرة .. كان موقف مصر .. يخزيني ويضنيني ويبكيني ..
يجمح بي الخيال أحيانا يا قراء .. فأتخيل أن أعداءنا كانوا الخنزير الأبيض .. وأن من باعونا من ولاة أمورنا عبر التاريخ ومن زيفوا وعينا كانوا الخنزير الأسود ..
أما نحن .. – أنا وأنتم يا قراء – فأظن أن منطقنا تجاه كل ذلك هو نفس منطق المثل الشيشاني: “لا فرق بين الخنزير الأبيض والخنزير الأسود”.
[1] - في نهاية القرن العشرين كانت طائرة مصرية تحمل مئات الركاب تسقط بجوار الساحل الأمريكى .. المرجح أن صاروخا أمريكيا أسقطها .. كان عليها خيرة كبار ضباط الجيش المصري .. وادعت أمريكا أن الطيار المصري انتحر بركاب الطائرة .. وكان دليلهم على ذلك أنه قال: توكلت على الله .. !! ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق