الجمعة، 22 مايو 2020

أزمة طلب الوصاية الدولية: السودان في طريقه للاستعمار!

أزمة طلب الوصاية الدولية: السودان في طريقه للاستعمار!

معظم وزراء هذه الحكومة جوازات أجنبية، بما فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الموظف الدولي السابق، الذي يبدو أنه فقط يتوق إلى استرضاء المجتمع الدولي
عزمي عبد الرازق
كاتب وصحفي سوداني، رئيس القسم السياسي بفضائية أم درمان
في يناير/ كانون الماضي بعث رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك رسالة سرية ودون مشاورة للأمين العام للمتحدة، وذلك للحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء بعثة سياسية خاصة لبناء السلام، على أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان. لكن أمر المذكرة افتُضح بعد إقرار مجلس الأمن على الطلب، بشكل أدخل البلاد في تحديات جديدة ومخاطر جمة، وفتح نذر مواجهة بين المكون العسكري داخل الحكومة ورئيس الوزراء، ما سوف يتسبب، على الأرجح، في إجهاض الفترة الانتقالية، إذا مضت الأمور بالطريقة التي يسعى لها حمدوك، والذي تمتاز أفكاره وتحركاته بخضوع شائن ومهين للمجتع الدولي .
إعاة هيكلة السودان
بعد ذلك انزاحت غلالة كانت تغطي على مشروع بريطاني ألماني يسعى من وراء الحكومة الانتقالية إلى إعادة هيكلة السودان بمؤسساته العسكرية والدستورية، ورسم خارطة جديدة للسياسة والحكم، أقرت، وعلى نحوٍ مريع، بعجز النخبة السياسية السودانية، في التعامل مع أزمات البلاد، وخوار عزم الجيل الذي أنجز الثورة، ليفاجئ بأنه، قدم البلاد على طبق من ذهب للاستعمار الجديد .
وبالرغم من أن حمدوك كتب خطاباً آخر يلغي طلب الوصاية الدولية، وذلك بعد انكشاف أمره، وتحت ضغوطٍ هائلة، من داخل المؤسسة العسكرية نفسها والشارع السياسي، لكن أحدا لا يعرف بالضبط، كيف سيتعامل مجلس الأمن مع الطلبين، وهو يتحرك بدوافع دول كبرى شرهة لنهب موارد البلدان الفقيرة، تحت مشروعية البعثات الدولية، التي أثبتت فشلها في أكثر من بلد، تحديداً في دول الجوار الأفريقية. وما بعثة الأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) إلا نموذج ساطع للفشل والضعف أيضاً، إذ باتت اليوناميد التي حضرت لحماية المدنيين من الاعتداء، في حاجة هى الأخرى للحماية من اعتداءات العصابات المسلحة !
حقيقة الأمم المتحدة
من المهم الإشارة أيضاً إلى أن الأمم المتحدة في جوهرها عبارة عن شركة خدمات لما يُسمى بالدول العظمى، تقوم تلك الدول بتوظيفها سياسياً واقتصادياً لحماية مصالحها عبر الفيتو الحقير، وتعمل عبر منظماتها المشبوهة في إيجاد موطئ قدم لها في مناطق لا تريد أن تدخلها مستعمرة بالمكشوف، لنهبها والمساهمة في استدامة تخلف شعوبها.
 والحاجة التي لا تخفى على أحد إلا من في قلبه مرض واستحمار أو بذرة عمالة، أن تلك الدول لديها أجندة صرف بإسم (الجندر) وحقوق الإنسان والسلام ونزع الألغام وبناء الديمقراطيات وغيرها، تبحث لها عن مسوغات مقنعة، لكنها تقوم بصرفها فقط على البند الأول، وهو بند المرتبات، دون أن يظهر أثرها على مواطني الدول أو على القضايا نفسها التي جمعت من أجلها.
بل أن أغلب تلك الدول المعبر عنها بالدول العظمى تستثمر وتستعبد منذ زمن طويل عددًا عظيمًا من الشعوب الصغيرة الضعيفة، وقد أدركت أخيراً أنها ليست في حاجة أن ترسل جيوشها في حروب التقسيم، كما حدث قبل وبعد اتفاقية سايكس بيكو، فضلاً عن ذلك فقد توقفت الحرب عن كونها مجرد مغامرات وأصبحت قضية جادة، بل أصبحت كما ورد في كتاب (فن الحرب) للقائد الصيني العظيم سون تزو، أكثر مهمات الدولة جدية، ومفتاح البقاء أو الخراب، أو بالأحرى تنتهي إلى السيطرة العالمية التي خَلَفتها الرأسمالية البشعة .
تحديات ما بعد الثورة
ولعل أخطر ما في طلب حمدوك اقراره الضمني بفشل حكومته، المنوط بها إدارة الفترة الانتقالية، والوصول بالبلاد إلى بر الأمان الديمقراطي، من خلال الاستعانة بعناصر أجنبية، تسعى لمصالحها في المقام، وهو أمر محبط وفاجع، كما أنه ليس بالعسير على شعب أنجز ثلاثة ثورات بشكل يبعث على  الإعجاب، أخرها بالطبع ثورة ديسمبر المجيدة، بناء الدولة السودانية المنتظرة، والتواضع على مشروع سياسي يضمن تحقيق السلام، وترسيح الحكم المدني .
لكن اتضح، للأسف الشديد، أن القوى الحاكمة تمتاز بالعجز وضعف الروح الوطنية، والهرولة إلى الخارج، إذ يحمل معظم وزراء هذه الحكومة جوازات أجنبية، بما فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الموظف الدولي السابق، الذي يبدو أنه فقط يتوق إلى استرضاء المجتمع الدولي، والخروج من هذه التجربة، على الأقل، بمنصب سفير في الأمم المتحدة، أو رئيس بعثة في إحدى الدول المأزومة، وبالتالي هو أشد خيبة في التعامل مع التحديات السودانية، ويريد من العالم أن يشاركه خيباته .
تحركات عسكرية
منذ أيام قليلة بدأ الجيش السوداني يدرك خطورة خطوة الأمم المتحدة، أو الانتقال بالضرورة إلى الفصل السابع إن دعى الأمر، ما يتطلب وجود قوات عسكرية، ربما تسند لها مهمة غامضة، إلى جانب استبعاد هيمنة الجيش السوداني على الحكم. وهو ما جعل الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة يرفض نشر قوة عسكرية ضمن البعثة، لكنه لم يرفض البعثة على اطلاقها، ما يشير إلى أن البرهان نفسه خاضع لضغوطات خفية، ربما خلفها توازنات المحاور الاقليمية، أو رغبته في عدم الدخول في صدام مع القوى الغربية، وفقدان السُلطة كلياً، دون أن ينتبه إلى أن السُلطة بالأساس هى سلطة المجتمع، الذي يؤمن بفسه، وأن الثورة حررت الإرادة الوطنية، وقدت نموذجاً رائعاً للداعي الغيور ورفض الأجندة الخارجية .
قلق حول البعثة
لا شك أن سفراء الاتحاد الأوربي الذي أدركوا أن أمر البعثة بات يشكل قلقاً وسط القوى السودانية الحية، وتساؤلات عن مراميها الخفية، ومقاومتها بكل السُبل، سوف يعملون بجد مع أتباعهم بالداخل، للتغطية على المهمة، وبذل تطمينات لقادة الجيش، وشراء كل من يسهل شراؤه  لتمرير البعثة، والسيطرة بعد ذلك على السودان، وتدجينه، ونهب موارده أيضاً كما يحدث حالياً للعراق وليبيا، ومناطق أخرى، رضخت للاستعمار الجديد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق